كتلة «البناء» تتحدى الشارع وترشح محافظ البصرة المنتفضة لرئاسة الحكومة

الأحزاب السياسية العراقية تتردد في تقديم مرشحين خشية رد فعل الحراك

TT

كتلة «البناء» تتحدى الشارع وترشح محافظ البصرة المنتفضة لرئاسة الحكومة

بعكس الفترة الأولى من ماراثون السباق إلى منصب رئيس الوزراء بعد استقالة عادل عبد المهدي، التي مضى عليها نحو 20 يوماً، بدأت القوى والكتل السياسية تخشى طرح ما بحوزتها من مرشحين لشغل هذا المنصب، خشية رفضه في ساحات التظاهر وبالتالي «حرق حظوظه»، لكن كتلة «تحالف البناء»، التي تطرح نفسها على أنها أكبر كتلة، لم تستسلم لصوت الشارع، بإعلانها محافظ البصرة، المنتفضة، أسعد العيداني، مرشحاً جديداً لرئاسة الحكومة، بعد اعتذار قصي السهيل، المرفوض من قبل الحراك.
وأكدت مصادر عراقية أن رئيس الجمهورية برهم صالح تسلم ترشيح العيداني، غير أنه لم يكلفه بعد بتشكيل الحكومة، في انتظار رأي الشارع والكتل الأخرى.
ففي الفترة الأولى كانت القوى والكتل السياسية وحتى الشخصيات تتسابق في طرح أسماء المرشحين الذين ترى أنهم الأوفر حظاً في حال تم التوافق عليهم للمضي بترشيحهم للمنصب، لكن مع انقضاء المهلة الدستورية والموقف الذي بدا حازماً لرئيس الجمهورية برهم صالح في عدم قبول أي اسم لا يلقى قبولاً معقولاً من قبل الشارع، بدأت الأوضاع تتغير. ففيما يتعلق بالرئيس، فإنه طلب من المحكمة الاتحادية إعادة تفسير مفهوم الكتلة النيابية الأكثر عدداً لكي يمضي في تكليف مرشحها. المحكمة الاتحادية لم تتأخر كثيراً في الرد الذي كان يتوقعه الجميع وهو إعادة تفسير ما سبق أن فسرته عام 2010. الرئيس برهم صالح لم يستسلم لضغوط الكتل السياسية لا سيما «البناء» التي تضم «دولة القانون» بزعامة نوري المالكي و«الفتح» بزعامة هادي العامري، بأنها هي «الكتلة الأكبر» كما تدعي بخلاف ما تقوله كتلة «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر التي تصر على أنها هي «الكتلة الأكبر» لأنها الفائزة الأولى في انتخابات عام 2018.
صالح رمى الكرة في ملعب رئيس البرلمان مطالباً إياه بتسمية «الكتلة الأكبر» بالأسماء والتواقيع.
في هذه الأثناء سقطت حظوظ مرشح «البناء» للمنصب وزير التعليم العالي قصي السهيل الذي أعلن هو الآخر اعتذاره عن عدم قبول المنصب بعدما شاهد بأمّ عينيه حجم الرفض الجماهيري له ولأي مرشح لن يقبل به الشارع المنتفض.
تحالف «البناء» لم يستسلم هو الآخر في طرح نفسه، بوصفه أنه «الكتلة الأكبر» رغم إعلان المرجعية الشيعية العليا في النجف خلال خطبة الجمعة الماضية أنها لا تفضل حكومة جدلية، وهي الحجة التي بدأت تتمسك بها الأطراف الرافضة لأي مرشح غير مستقل لرئاسة الحكومة.
المتداول الآن في بورصة الترشيحات هو محافظ البصرة أسعد العيداني الذي سيجرب حظه هو الآخر خلال الفترة المقبلة حتى لو تم تكليفه رسمياً من قبل رئيس الجمهورية. ساحات التظاهر تمكنت خلال الفترة الماضية من حرق كثير من الأسماء؛ الأمر الذي جعل الكتل السياسية تحرص على عدم طرح مرشحيها حتى اللحظات الأخيرة خشية حرقهم في الشارع. حظوظ العيداني، وطبقاً لما يقوله النائب في البرلمان العراقي عبد الله الخربيط في تصريح لـ«الشرق الأوسط» قد «تكون أفضل من سواه، لكن يبقى مدى مقبوليته مرهوناً بالشارع وبالمرجعية الدينية التي قالت إنها لا تفضل حكومة جدلية، وهي تعني ألا تكون موضع خلاف بين الكتل السياسية والشارع».
ويضيف الخربيط أن «العيداني على المستوى الشخصي مقبول وموضع احترام، وليس لدينا إشكالية معه، لكن أمره يبقى مرهوناً بتوافق القوى الشيعية عليه؛ فضلاً عن الشارع الذي بات رأيه في غاية الأهمية لجهة قبول أو رفض أي مرشح للمنصب».
من جهته، قال آراس حبيب كريم، عضو البرلمان العراقي عن محافظة بغداد، لـ«الشرق الأوسط» إن «مهمة رئيس الوزراء المقبلة بصرف النظر عن أي اسم يطرح، هي ليست مهمة صعبة مثلما يروج البعض من باب التيئيس، بقدر ما هي مهمة في غاية الأهمية».
ويضيف حبيب أن «وضع العراقيل مسبقاً أمام أي مرشح لرئاسة الحكومة يعني أن هناك إرادة لتعطيل هذه المهمة، بينما الحاجة ماسة لبدء خطوات الإصلاح بشكل جدي وعبر خطط ورؤية قائمة على سرعة الحسم باتخاذ القرار».
وكان المرشح السابق لرئاسة الحكومة قصي السهيل أعلن اعتذاره عن عدم الترشيح وذلك عبر وثيقة بخط اليد إلى «تحالف البناء» يقول فيها إن الظروف ليست مواتية له لشغل المنصب.
وفي السياق نفسه، استبق وزير الرياضة والشباب السابق عبد الحسين عبطان مسألة طرح اسمه للترشح للمنصب قائلاً في تغريدة على «تويتر» إنه لم يرشح نفسه لأي منصب، وإنه قرر ترك العمل الحكومي عن قناعة.
وفي حين لا تزال الأنظار تتجه نحو زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر لجهة قبول أو رفض العيداني للمنصب، فإن «تيار الحكمة» الذي يتزعمه عمار الحكيم جدد رفضه أي مرشح غير مستقل وغير مقبول شعبياً.
وقال بيان لمكتب الحكيم لدى استقباله السفير الياباني لدى العراق إن «النظام الديمقراطي الذي شكل الحكومة ومجلس النواب هو نفسه الذي يمنح المواطن حق الاحتجاج والتظاهر السلمي ورفع الصوت من أجل تصويب المسار وتحقيق الإصلاحات». وجدد «موقفه الذي يشدد على أن لا حل للأزمة إلا بالاستماع إلى المطالب الحقة وتنفيذها».
كما أعرب الحكيم عن «أمله بأن تسهم الخطوات التي اتخذت مؤخراً في تحقيق التطلعات، لا سيما اختيار مجلس مفوضين جديد للمفوضية، وإقرار قانون الانتخابات بدوائر متعددة وترشيح فردي، وتمنينا أن يوفر هذا القانون تمثيلاً حقيقياً للنواب، واندكاكاً أكبر بين الشعب وممثليه».
وفيما يتعلق بالحكومة المقبلة، أكد أن «(تيار الحكمة) لن يحيد عن رؤيته بحاجة البلد إلى حكومة يرأسها مستقل مقبول شعبياً وكفء ونزيه ويتمتع بحسن الإدارة والقدرة على التهيئة للانتخابات المبكرة وتوفير الأجواء المثالية لها».



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.