برشت يواجه هتلر في نص مسرحي جديد

صدرت ترجمته إلى العربية أخيراً

برشت يواجه هتلر في نص مسرحي جديد
TT

برشت يواجه هتلر في نص مسرحي جديد

برشت يواجه هتلر في نص مسرحي جديد

يُحيل عنوان «99 في المائة... الخوف والبؤس في الرايخ الثالث» قُراءه إلى مسرحية جديدة تترجم للعربية لأول مرة لواحد من أكثر شعراء وكُتاب المسرح الألمان شهرة في العالم العربي، وهو برتلوت برشت. صدر الكتاب أخيراً عن الهيئة العربية للمسرح بالشارقة، من ترجمة المصري سمير جريس، والشاعرة المغربية ريم نجمي.
يقترب المترجم المصري سمير جريس في مقدمته بالقارئ من مغزى كتابة برشت لتلك المسرحية، بقوله «لم يكن برشت يريد أن يكتب أعمالاً يضعها في درج مكتبه انتظاراً لزمن أفضل، بل كان يريد المساهمة في مكافحة الفاشية»، ويلتقط الكتاب فترة عاصفة في حياة برتولت برشت (1898 - 1956)، بعد أن ظل طريد الاتهام بالخيانة العظمى من قِبل نظام هتلر، فصار «يُغيّر بلداً ببلد أكثر مما يغير حذاءً بحذاء»، على حد تعبيره نفسه في إحدى قصائده.
وفي الدنمارك، حيث كان له بها محطة استقرار أطول من غيرها، قرر أن يصمم من منفاه منبراً لمكافحة الفاشية، فعكف على جمع مادته عن الرايخ الثالث، وهو التعبير الذي أطلقه المؤرخون على الفترة التي حكم فيها هتلر ألمانيا. وكانت مادته عبارة عن تقارير صحافية وإذاعية لشهادات عيان، ومنها كتب خمسة وثلاثين مشهداً تصور الحياة اليومية في الفترة من 1935 إلى عام 1938 في ألمانيا النازية، ومن تلك المشاهد استقر على 24 مشهداً، وهي المشاهد المُترجمة إلى العربية في هذا الكتاب.
وقد اختيرت 8 مشاهد للعرض المسرحي الأول لمسرحية برشت في باريس باللغة الألمانية، وكانت تحت عنوان «99 في المائة - صور من الرايخ الثالث»، وبعد سنوات طبعت المسرحية بالكامل لأول مرة في ألمانيا عام 1948، وصدرت حينها بعنوان «ألمانيا... حكاية وحشية» في مقاربة لعنوان قصيدة هاينريش هاينه «ألمانيا... حكاية شتوية».
يشير الكتاب إلى ثمة إعادة اكتشاف لتلك المسرحية في السنوات الأخيرة في ألمانيا، ويُرجع ذلك لتنامي صعود تيارات اليمين المتطرف في أعقاب مجيء أعداد كبيرة من اللاجئين إلى ألمانيا، حيث تم عرضها في مسرح «إنسامبل - برشت سابقاً» ومسرح «دورتموند» المرموقين، اللذين اختارا بعض مشاهد المسرحية لعرضها عام 2016.
بدأ النازيون ملاحقة برشت منذ عام 1930، وتطور الأمر عندما اقتحموا أحد عروضه، وواجه اتهامات بالخيانة، وبعد شهر واحد على انتخاب هتلر عام 1933، وبعد يوم واحد من حريق «الرايخستاغ» (البرلمان الألماني) قرر برشت الهروب خارج بلده، وظل ثأره مع النازيين يرافقه من بلد لآخر، وكانت مسرحية «99 في المائة» تتويجاً لهذا الثأر، الذي سخره برشت لتعرية مفاسد النظم النازية والفاشية، فدارت مشاهد مسرحيته على ألسنة قضاة ومُعلمين وعلماء وقساوسة وغيرهم من قطاعات الشعب الذين جمع بينهم الاضطراب والفزع، وجمع برشت مشاهد المسرحية، وأطلق عليها عنوانه الذي يسخر مما روجته الدعاية النازية عن الانتخابات البرلمانية التي أجريت في العاشر من أبريل (نيسان) 1938 عشية اندلاع الحرب العالمية الثانية، حيث أشاعت أن نسبة الألمان الذين انتخبوا هتلر بلغت 99 في المائة.
تبدو مشاهد المسرحية كمقاطع منفصلة، إلا أنها ككل تبدو كعمل متكامل في إدانة الفاشية عبر رسائل متلاحقة من الخوف واليأس، ويمكن قراءة تلك المسرحية في إطار مشروع برشت الذي لم يكتف برثاء زمن هتلر ومن معه، بل مقاومته عبر الشعر والمسرح، وقد افتتح المترجم سمير جريس ترجمة المسرحية بمقتطف من قصيدة لبرشت مُتوجهاً بها للأجيال الجديدة وقتها، مُعتذراً فيها عن إخفاق جيله في مواجهة الزمن الفاشي يقول فيها:
«أي زمن هذا!
إن الحديث عن الأشجار
يوشك أن يكون جريمة
لأنه يتضمن الصمت
عن أهوال لا تحصى»
ويتوقف الكتاب عند أثر برشت لدى الجمهور العربي، فتُحيل مقدمة الطبعة العربية للمسرحية لاسم الدكتور عبد الغفار مكاوي، صاحب الفضل في نقل عدد كبير من قصائد ومسرحيات برشت إلى العربية، ومنها «الاستثناء والقاعدة» عام 1958، ومن بعدها «بعل»، و«السيد بونتيلا وتابعه ماتي»، و«قائل نعم وقائل لا»، و«أوبرا صعود وسقوط مدينة مهاجوني»، وكذلك الدكتور نبيل الحفار الذي اهتم بمسرح برشت، وعبد الرحمن بدوي الذي ترجم له «دائرة الطباشير القوقازية»، كما استلهم كبار رجال المسرح العربي أعمال برشت مثلما فعل نجيب سرور في «ملك الشحاتين» التي اقتبسها عن «أوبرا القروش الثلاثة»، وألفريد فرج في مسرحيته «على جناح التبريزي وتابعه قفه»، المقتبسة عن «السيد بونتيلا وتابعه ماتي».


مقالات ذات صلة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

ثقافة وفنون أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية

سحر عبد الله
يوميات الشرق «معرض جدة للكتاب 2024» يستقبل زواره حتى 21 ديسمبر الجاري (هيئة الأدب)

انطلاق «معرض جدة للكتاب» بمشاركة 1000 دار نشر

انطلقت، الخميس، فعاليات «معرض جدة للكتاب 2024»، الذي يستمر حتى 21 ديسمبر الجاري في مركز «سوبر دوم» بمشاركة نحو 1000 دار نشر ووكالة محلية وعالمية من 22 دولة.

«الشرق الأوسط» (جدة)
كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين
TT

«كيركيغارد»... والحب المستحيل

ريجين أولسين
ريجين أولسين

كان أحدهم قد أطلق العبارة التالية: كيركيغارد فيلسوف كبير على بلد صغير الحجم. بمعنى أنه أكبر من البلد الذي أنجبه. وبالفعل، فإن شهرته أكبر من الدنمارك، التي لا يتجاوز عدد سكانها 5 ملايين نسمة، وبالطبع أكبر من اللغة الدنماركية المحدودة الانتشار جداً قياساً إلى لغات كبرى كالفرنسية والإنجليزية والألمانية والإسبانية، ناهيك بالعربية. ولكن مؤلفاته أصبحت مترجمة إلى شتى لغات العالم. وبالتالي، لم تعد محصورة داخل جدران لغته الأصلية الصغيرة. لقد أصبحت ملكاً للعالم أجمع. هنا تكمن عظمة الترجمة وفائدتها. لا حضارة عظيمة من دون ترجمة عظيمة. والحضارة العربية التنويرية قادمة لا ريب، على أكتاف الترجمة والإبداع الذاتي في آنٍ معاً.

سورين كيركيغارد (1813 - 1855) هو مؤسس الفلسفة الوجودية المعاصرة، قبل هيدغر وسارتر بزمن طويل. إنه الممثل الأكبر للتيار الوجودي المسيحي المؤمن، لا المادي الملحد. كان كيركيغارد أحد كبار فلاسفة الدين في المسيحية، إضافة إلى برغسون وبول ريكور، مثلما أن ابن رشد وطه حسين ومحمد أركون هم من كبار فلاسفة الدين في الإسلام.

سورين كيركيغارد

لكن ليس عن هذا سأتحدث الآن، وإنما عن قصة حب كبيرة، وربما أكبر قصة حبّ ظهرت في الغرب، ولكن لا أحد يتحدث عنها أو يسمع بها في العالم العربي. سوف أتحدث عن قصة كيركيغارد مع الآنسة ريجين أولسين. كيف حصلت الأمور؟ كيف اشتعلت شرارة الحب، تلك الشرارة الخالدة التي تخترق العصور والأزمان وتنعش الحضارات؟ بكل بساطة، كان مدعواً إلى حفلة اجتماعية عند أحد الأصدقاء، وصادف أنها كانت مدعوة أيضاً. كانت صغيرة بريئة في الخامسة عشرة فقط، وهو في الخامسة والعشرين. فوقع في حبها على الفور من أول نظرة، وبالضربة القاضية. إنه الحب الصاعق الماحق الذي لا يسمح لك بأن تتنفس. ويبدو أنه كان شعوراً متبادلاً. وبعد 3 سنوات من اللقاءات والمراسلات المتبادلة، طلب يدها رسمياً فوافقت العائلة.

ولكنه صبيحة اليوم التالي استفاق على أمر عظيم. استفاق، مشوشاً مبلبلاً مرعوباً. راح ينتف شعر رأسه ويقول: يا إلهي، ماذا فعلت بنفسي؟ ماذا فعلت؟ لقد شعر بأنه ارتكب خطيئة لا تغتفر. فهو لم يخلق للزواج والإنجاب وتأسيس عائلة ومسؤوليات. إنه مشغول بأشياء أخرى، وينخر فيه قلق وجودي رهيب يكاد يكتسحه من الداخل اكتساحاً... فكيف يمكن له أن يرتكب حماقة كهذه؟ هذه جريمة بحقّ الأطفال الذين سوف يولدون وبحقّها هي أيضاً. ولذلك، فسخ الخطوبة قائلاً لها: أرجوك، إني عاجز عن القيام بواجبات الزوجية. أرجوك اعذريني.

ثم أردف قائلاً بينه وبين نفسه: لا يحق لي وأنا في مثل هذه الحالة أن أخرب حياة خطيبتي المفعمة بحب الحياة والأمل والمحبة، التي لا تعاني من أي مشكلة شخصية أو عقدة نفسية أو تساؤلات وجودية حارقة. وإنما هي إنسانة طبيعية كبقية البشر. أما أنا فإنسان مريض في العمق، ومرضي من النوع المستفحل العضال الذي لا علاج له ولا شفاء منه. وبالتالي، فواجب الشرف والأمانة يقتضي مني أن أدوس على قلبي وأنفصل عنها وكأني أنفصل عن روحي.

لكن عندما سمع بأنها تزوجت من شخص آخر جنّ جنونه وتقطعت نياط قلبه وهاجت عليه الذكريات. بل هرب من الدنمارك كلها لكيلا يسمع بالتفاصيل والتحضيرات وليلة العرس. هذا أكبر من طاقته على التحمل. وأصبح كالمجنون الهائم على وجهه في البراري والقفار. كيف يمكن أن يتخيلها مع رجل آخر؟ هل انطبقت السماء على الأرض؟ مجنون ليلى ما تعذب مثلنا.

الشيء المؤثر في هذه القصة هو أن خطيبته التي عاشت بعده 50 سنة تقريباً طلبت أن تدفن إلى جواره، لا إلى جوار زوجها الشرعي! فاجأ الخبر كثيرين. وكانت بذلك تريد أن تقول ما معناه: إذا كان القدر قد فرقني عنه في هذه الحياة الدنيا، فإني سألتحق به حتماً في الحياة الأخرى، حياة الأبدية والخلود. وكانت تعتبر نفسها «زوجته» برغم كل ما حصل. وبالفعل، عندما كان الناس يتذكرونها كانوا يقولون: خطيبة كيركيغارد، لا زوجة فريدريك شليجيل. وقالت: إذا لم يكن زوجي هنا على هذه الأرض، فسوف يكون زوجي هناك في أعالي السماء. موعدنا: جنة الخلد! هل هناك حب أقوى من هذا الحب؟ حب أقوى من الموت، حب فيما وراء القبر، فيما وراء العمر... الحب والإيمان. أين هو انتصارك يا موت؟

قصة حب تجمع بين كيركيغارد، مؤسس الفلسفة الوجودية، وفتاة شابة جميلة تصغره بعشر سنوات، لكن الفلسفة تقف حجر عثرة بينهما، فينفصل عنها وتظل صورتها تطارده طيلة حياته

اللقاء الأخير

كيف يمكن أن نفهم موقف كيركيغارد من حبيبته إن لم نقل معبودته ريجين أولسين؟ للوهلة الأولى يبدو أنه لا يوجد أي تفسير منطقي له. فقد قطع معها في أوج العلاقة الغرامية، دون أي سبب واضح أو مقنع. ويبدو أنها حاولت أن تراه لآخر مرة قبيل سفرها مع زوجها إلى بلاد بعيدة. أن تراه في الشارع كما لو عن طريق الصدفة. وعندما اصطدمت به، قالت له: «ليباركك الله، وليكن كل شيء كما ترغب». وهذا يعني أنها استسلمت للأمر الواقع نهائياً، وأنه لا عودة بعد اليوم إلى ما كان. تراجع كيركيغارد خطوة إلى الوراء عندما رآها حتى لكأنه جفل. ثم حياها دون أن ينبس بكلمة واحدة. لم يستطع أن يرد. اختنق الكلام في صدره. لكأنه يقول بينه وبين نفسه: هل يحق لمن يقف على الخطوط الأمامية لجبهة الفكر، لجبهة النار المشتعلة، أن يتزوج؟ هل يحق لمن يشعر بأن حياته مهددة أن ينجب الأطفال؟ أطفاله هم مؤلفاته فقط. هل يحق لمن يصارع كوابيس الظلام أن يؤسس حياة عائلية طبيعية؟ ما انفك كيركيغارد يحاول تبرير موقفه، بعد أن شعر بفداحة ما فعل مع ريجين. لقد اعتقد أنه انفصل عنها، وانتهى الأمر، فإذا بها تلاحقه إلى أبد الآبدين. ما انفك يلوم نفسه ويتحسر ويتعذب. لكأنه عرف أن ما فعله جريمة لا تغتفر. نعم، لقد ارتكب جريمة قتل لحب بريء، حب فتاة غضة في أول الشباب. من يستطيع أن يقتل العاطفة في أولها، في بداية انطلاقتها، في عنفوانها؟ طيلة حياته كلها لم يقم كيركيغارد من تلك الضربة: ضربة الخيانة والغدر. وربما لم يصبح كاتباً وفيلسوفاً شهيراً إلا من أجل تبريرها. لقد لاحقه الإحساس القاتل بالخطيئة والذنب حتى آخر لحظة من حياته. إذا لم نأخذ هذه النقطة بعين الاعتبار فإننا لن نفهم شيئاً من فلسفة كيركيغارد. لقد أصبحت قصته إحدى أشهر قصص الحب على مدار التاريخ، بالإضافة إلى قصة دانتي وبياتريس، وروميو وجولييت، وأبيلار وهيلويز. ويمكن أن نضيف: مجنون ليلي، وجميل بثينة، وكثير عزة، وعروة وعفراء، وذا الرمة ومي... إلخ. العرب هم الذين دشنوا هذا الحب العذري السماوي الملائكي قبل دانتي وشكسبير بزمن طويل. ولماذا تنسون عنتر وعبلة؟ بأي حق؟

ولقد ذكرتك والرماح نواهلٌ

مني وبيض الهند تقطر من دمي

فوددت تقبيل السيوف لأنها

لمعت كبارق ثغرك المتبسم

بعد أن تجاوز فيلسوف الدنمارك تلك التجربة العاصفة، شعر وكأنه ولد من جديد، أصبح إنساناً جديداً. لقد انزاح عن كاهله عبء ثقيل: لا عائلة ولا أطفال ولا زواج بعد اليوم، وإنما معارك فكرية فقط. لقد طهره حب ريجين أولسين من الداخل. كشف له عن أعماقه الدفينة، وأوضح له هويته ومشروعه في الحياة. الحب الذي يفشل يحرقك من الداخل حرقاً ويطهرك تطهيراً. بهذا المعنى، فالحب الفاشل أفضل من الحب الناجح بألف مرة. اسألوا أكبر عاشق فاشل في العالم العربي. بعدها أصبح كيركيغارد ذلك الفيلسوف والكاتب الكبير الذي نعرفه. بالمعنى الأدبي للكلمة، وليس مفكراً فيلسوفاً فقط، بالمعنى النثري العويص الجاف. من ثم هناك تشابه كبير بينه وبين نيتشه مع الفارق، الأول مؤمن، والثاني ملحد. وأخيراً، لم ينفك كيركيغارد يحلل أعماقه النفسية على ضوء ذلك الحب الخالد الذي جمعه يوماً ما بفتاة في عزّ الشباب، تدعى ريجين أولسين. عبقريته تفتحت على أنقاض ذلك الحب الحارق أو المحروق. كان ينبغي أن تحصل الكارثة لكي يستشعر ذاته، ينجلي الأفق، يعرف من هو بالضبط. من كثرة ما أحبها تركها. لقد قطع معها لكي تظل - وهي العزيزة الغائبة - أشد حضوراً من كل حضور!