«الاتحادية» العراقية تعيد كرة «الكتلة الأكبر» إلى مرمى الكتل السياسية

مع دخول العراق مرحلة الفراغ الدستوري

TT

«الاتحادية» العراقية تعيد كرة «الكتلة الأكبر» إلى مرمى الكتل السياسية

على الرغم من أنه لم يكن متوقعاً أن تسعف المحكمة الاتحادية العراقية، القوى السياسية، بتفسير جديد لمفهوم «الكتلة الأكبر»، فإن رأيها كان بمثابة القشة التي أراد الجميع التمسك بها قبل دخول البلاد مرحلة الفراغ أو الخرق الدستوري، أمس، مع انتهاء مهلة تسمية رئيس للوزراء خلفاً للرئيس المستقيل عادل عبد المهدي.
المحكمة الاتحادية ردت أمس على الكتاب الذي أرسله رئيس الجمهورية برهم صالح، يطلب فيه منها توضيح مفهوم الكتلة الأكبر في محاولة منه لإيجاد مخرج للأزمة السياسية، بما لا يمنح أياً من الكتل التي لها تمثيل في البرلمان العراقي أي أرجحية مريحة. وقالت المحكمة، في بيان، إنها نظرت صباح أمس بكامل أعضائها الطلب «وتوصلت بعد المداولة والتدقيق، وبعد الرجوع إلى أوليات تفسيرها لحكم المادة (76) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 إن تعبير (الكتلة النيابية الأكثر عدداً) الواردة في المادة (76) من الدستور تعني إما الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من خلال قائمة انتخابية واحدة، أو الكتلة التي تكونت بعد الانتخابات من قائمتين أو أكثر من القوائم الانتخابية، ودخلت مجلس النواب، وأصبحت مقاعدها بعد دخولها المجلس وحلف أعضائها اليمين الدستورية في الجلسة الأولى الأكثر عدداً من بقية الكتل».
واستناداً إلى هذا التفسير، فإنه في الوقت الذي بات فيه المسار الدستوري واضحاً أمام رئيس الجمهورية بتكليف مرشح الكتلة الأكبر، فإن الكتل السياسية، لا سيما الشيعية منها، دخلت في دائرة جدل جديد بين أن تكون «سائرون» المدعومة من زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، والفائزة بأعلى الأصوات، هي الكتلة الأكبر، أو «كتلة البناء» التي تتكون من «الفتح» و«دولة القانون» التي تصر على أنها هي الكتلة الأكبر.
وتواجه كلتا الكتلتين مشكلتين. فبالنسبة لـ«سائرون»، فإنها أعلنت أنها «تنازلت عن كونها الأكبر إلى الشعب»، تاركة الخيار لرئيس الجمهورية لاختيار أحد مرشحي ساحات التظاهر. أما «البناء» فإنها تصر على مرشح أطلقت عليه مرجعية النجف تسمية «شخصية جدلية»، وهو ما يعني عدم النصح بترشيحه، في إشارة إلى وزير التعليم العالي قصي السهيل.
الصدر، الذي عاد إلى التغريد والنصح والإرشاد بعد أقل من أسبوع على إعلانه اعتزال منصات التواصل لمدة سنة، حذف تغريدة على حسابه في موقع «تويتر» عدت بمثابة إعادة خلط الأوراق من جديد، حين دعا السهيل إلى عدم الترشح حقناً للدماء. لكن حذف التغريدة، الذي لم تتضح أسبابه، فسره «تحالف البناء»، الداعم للسهيل، بأن الصدر تراجع عن موقفه الرافض للسهيل.
الفراغ الدستوري الذي دخله العراق، بسبب تجاوز المهلة الدستورية، وعدم التوصل إلى اسم مناسب لكي يتم ترشيحه لتشكيل الحكومة، يرى فيه الخبير القانوني أحمد العبادي، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أنه «لا جديد فيه حيث إن الكتل السياسية، بل وحتى المحكمة الاتحادية، خرقت الدستور، ليس مرة واحدة، بل في كثير من المرات»، مبيناً أن «المشكلة هي أنهم لا يتعاملون مع الدستور بوصفة وثيقة جامعة، ولا يعلى عليها، بل يتصرفون مع الدستور وفق المزاج السياسي لا القانوني». وأوضح العبادي أن «التفسير الأول الذي أقدمت عليه المحكمة الاتحادية عام 2010 كان أقرب إلى التفسير السياسي منه إلى القانوني، وبالتالي خلطت الأوراق منذ ذلك التاريخ، ولم يعد ممكناً بعد اليوم تصحيح ذلك الموقف مهما حاولت القوى السياسية البحث عن حل لهذه المشكلة لدى المحكمة الاتحادية». وأكد العبادي أن «المسألة التي يجري الحديث عنها منذ أكثر من أسبوعين، وهي استقالة رئيس الوزراء، حيث لا يوجد في الواقع نص دستوري يعالج هذه القضية لذلك كثرت التأويلات والتفسيرات».
ورداً على سؤال عما إذا كان هذا خللاً في الدستور، أم لدى الكتل السياسية، يقول العبادي إن «الخلل في هذه المسألة في الدستور، لأنه لم يعالج أموراً كثيرة، منها استقالة الحكومة، وسكت عن أمور أخرى، وجعلها عرضة للتأويلات».
من جهته، يقول السياسي العراقي أثيل النجيفي لـ«الشرق الأوسط»، إن «كل الجدل حول الكتلة الأكبر هو مجرد محاولة لكسب الوقت، وهو نتيجة طبيعية لسوء تقدير الموقف الشعبي». ويضيف النجيفي أن «المحاولات جارية للالتفاف على المطالب بطريقة تبدو دستورية من الظاهر»، مشيراً إلى أن «الأزمة صنعتها الكتلة الأكبر والأصغر معاً، وبالتالي إذا لم يفكروا خارج الصندوق الذي حبسوا أنفسهم فيه، فإن الشعب سيحطم هذا الصندوق وهم في داخله».
إلى ذلك، بحث رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في أربيل، أمس، مع رئيس إقليم كردستان نيجيرفان بارزاني، الأزمة السياسية، ومحاولات تشكيل الحكومة. وقال بيان مقتضب عن مكتب الحلبوسي، إنه بحث مع بارزاني «المستجدات على الساحة السياسية العراقية، واختيار مرشح لرئاسة الحكومة خلفاً لعادل عبد المهدي».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».