الدين... والحياة

الدين... والحياة
TT

الدين... والحياة

الدين... والحياة

نادرة هي تلك الأفلام السينمائية التي تتناول جوهر الدين والإيمان، وماذا يعنيان تماماً في عالمنا المعاصر. والأصعب، تجسيد ذلك حسياً، وليس بشكل نظري مجرد، ومن داخل الشخصيات الدينية ذاتها. ويزداد الأمر صعوبة، إذا كانت هذه الشخصيات تحتل قمة الهرم الديني.
فيلم «بابوان»، The Two Popes الذي تعرضه «نيتفلكس» الآن، هو من هذه الندرة. وحقق ذلك من خلال مواجهة هادئة بين البابا بنديكت (مثله أنتوني هوبكنز)، ورئيس أساقفة الأرجنتين خورخي ماريو بيرجوليو (مثله جوناثان بيرس)، الذي سيعتلي الكرسي البابوي إلى جانب بنديكت، فيصبح للفاتيكان «بابوان» للمرة الأولى في التاريخ المسيحي. والفيلم أساساً مسرحية لأنتوني ماكارتن، الذي كتب السيناريو.
المعروف، أن البابا بنديكت السادس عشر كان قد أعلن عن رغبته بالاستقالة عام 2013، خارقاً بذلك تقليداً مسيحياً عمره 600 سنة يحظر على البابا الاستقالة، إذ لا بد له أن يبقى على رأس الفاتيكان مدى الحياة. ولمعالجة هذا الإشكال، تم الاتفاق أن يبقى بابا فخرياً.
ولكن الموضوع ليس هنا. الفيلم يدور حول تلك العلاقة الغريبة التي نشأت بينه وبين رئيس أساقفة الأرجنتين خورخي ماريو بيرجوليو، الذي سيصبح اسمه «فرنسيس»، بعد اختياره أول بابا من خارج أوروبا في 1600 سنة. وتم ذلك بدفع من البابا بنديكت نفسه، رغم اختلافهما في كل شيء تقريباً. كانا صوتين مختلفين: صوت الجدران الصماء، وصوت العالم الضاجّ، المتحرك، المتغير خارج تلك الجدران.
انطلاقاً من هذا الاختلاف في الشخصية والرؤيا، يطرح الفيلم أسئلته الكبرى حول الدين والإيمان، ودور المؤسسات الدينية في عالم متغير. كان بنديكت الألماني المثقف، الذي درس الفلسفة محافظاً، لا يكره شيئاً بقدر كرهه لكلمة «تغيير». لقد ظل محصوراً داخل مجمع العقيدة والإيمان. كان متوافقاً مع عزلته، مطمئناً لإيمانه، وأن العالم الكاثوليكي بخير. حتى حين يقول له بيرجوليو: «لكن الكنائس فارغة يا أبانا»، لا يبدو أنه صدق الأمر. الاطمئنان لا يولد سوى النكران والتجاهل، حتى الفضائح الجنسية التي هزّت الكنيسة آنذاك، ولا تزال، لا يريد البابا أن يتوقف عندها، رغم أنه اطلع على ملفاتها.
يطرح بيرجوليو أسئلته حتى فيما يخص تقاليد تحولت إلى عقائد، ومنها الخطيئة، والاعتراف، الذي لم يعد أكثر من «بقعة على قطعة قماش يزيلها المرء في محل الغسيل»، وليس عملية تطهير شاقة للنفس.
وكان بيرجوليو قد جاء من الأرجنتين إلى الفاتيكان ليقدم استقالته؛ فهو أيضاً يعاني من إحساسه بالخطيئة، ولكن ليس بالمعنى المسيحي. لقد اتهم باعتباره رئيس أساقفة الأرجنتين بالتواطؤ مع الطغمة العسكرية التي قادت انقلاباً عام 1976، على الرئيسة إيزابيل بيرون، وقتلت وقمعت الآلاف. ولكن البابا بنديكت تهرب من الموافقة على استقالته، بل استبقاه في «الفاتيكان»... لقد مس الرجل شيئاً في داخله تصور أنه دفنه، كما دفن جسده داخل الجدران. سيتحول الاختلاف شيئاً فشيئاً إلى شبه توافق غير معلن. سينتصر المنطق على التعاليم الجامدة، وستخترق الحياة الجدران السميكة.
فنرى البابا يعزف على البيانو الذي هجره منذ عقود، وسنراهما معاً يشاهدان مباراة كرة قدم بين ألمانيا والأرجنتين، وكل متحمس لفريقه.
ويبقى السؤال مفتوحاً: لماذا استقال البابا بنديكت؟ هل كان السبب فعلاً تقدمه في السن؟ أم أنه كان عاجزاً عن تغيير الفاتيكان ونفسه أيضاً، فأوكل المهمة لفرنسيس، الذي وجد أنه قادر على إخراج الفاتيكان إلى العالم؟



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».