فلسطيني لاجئ في لبنان يروي لـ «الشرق الأوسط» محاولته الفاشلة للهجرة إلى {بلد يحترم حقوق الإنسان}

تجار تهريب البشر خذلوه وسرقوه

اللاجئ الفلسطيني الذي التقته «الشرق الأوسط»
اللاجئ الفلسطيني الذي التقته «الشرق الأوسط»
TT

فلسطيني لاجئ في لبنان يروي لـ «الشرق الأوسط» محاولته الفاشلة للهجرة إلى {بلد يحترم حقوق الإنسان}

اللاجئ الفلسطيني الذي التقته «الشرق الأوسط»
اللاجئ الفلسطيني الذي التقته «الشرق الأوسط»

يتحفظ الشاب الفلسطيني (22 عاماً) على ذكر اسمه أو إظهار وجهه؛ يطلب أن نسميه «آدم». يستعرض الوشم الذي يكتسح مساحة ذراعه، حيث الطائرات والمطارات وشم يحكي حكايته. فهو جرب التسلل عبرها ليلجأ إلى السويد، لقاء مبالغ مالية دفعها لسماسرة كذبوا عليه، فعاد إلى لبنان مكتئباً يائساً. ليس الخوف وحده هو سبب التحفظ، لكنها الرغبة بالاستمرار في محاولة الخروج تهريباً من لبنان بعد 3 محاولات فاشلة، كما يقول لـ«الشرق الأوسط».
ظروفه الصعبة دفعته إلى الاستعانة بسماسرة تهريب البشر لمغادرة لبنان. يقول: «أنا خبير بالسماسرة لكثرة ما تعاملت معهم. أعرف أكثر من 100 سمسار»، ويسمعني تسجيلاً صوتياً لأحدهم يطلب 1200 دولار مقابل بطاقة سفر وتصديق من السفارة التركية.
المحاولة الأولى لآدم بدأت نهاية عام 2016. وعده السمسار بتأمين تأشيرة إلى السودان، ومنها إلى ليبيا، مقابل 2500 دولار. كان يملك منها 2000 دولار، واستدان 1500 دولار. دفع للسمسار 200 دولار ليبدأ المعاملات، لكن السمسار تبخر وتبخرت معه الدفعة الأولى.
المحاولة الثانية قادته إلى طرابلس، في شمال لبنان، على أن ينتقل منها إلى تركيا، ومنها إلى اليونان. وسيلته كانت التسلل بواسطة «قوارب الموت» إلى أوروبا... دفع 2000 دولار، لكن شعبة المعلومات أوقفته في مرفأ طرابلس، مع 45 شاباً فلسطينياً وعدد من الطرابلسيين و10 شباب من بنغلاديش. اكتشفوا حينها أن أحد الشباب كان مخبراً ووشى بهم. فخضعوا للتحقيق، وأطلق سراحهم في اليوم التالي، لأن أحد النافذين في مخيم عين الحلوة تدخل لدى الجهات الأمنية، فطويت القضية.
يقول آدم: «بعد هاتين التجربتين، كثفت اتصالاتي بالسماسرة. أحدهم معروف بـ(عميد مهربي البشر)، لا يتحرك من يعمل لديه إلا بحماية أمنية، ويُستقبلون في المطار بحفاوة». ويوضح أنه «لم يشاهده؛ شاهد صورته، وتحدث معه هاتفياً. لكن أسعار (العميد) مرتفعة. فهو يتقاضى 11 ألف دولار لتهريب مضمون، وهو متخصص بتهريب اليافعين دون 18 عاماً، يخرجهم من لبنان على أنهم لاعبو كرة قدم أو أعضاء فرق موسيقية، لذا صرف النظر عنه».
ويضيف آدم: «بعد ذلك، تعاملت مع سمسار يملك جنسية ليبية وأخرى لبنانية، ويقال إنه كان ضابطاً من فريق حماية الرئيس الليبي السابق معمر القذافي. طلب 6 آلاف دولار، مقابل إيصالي إلى السويد. دفعت له سلفاً 4500 دولار، على أن أدفع الباقي لدى وصولي إلى السويد، وأن أسافر خلال أسبوعين. بقي يماطل 3 أشهر، ثم اقترح تسفيري إلى إثيوبيا، ومنها إلى السويد، بوثيقة سفر ورقية (مضروبة)، وصلت بموجبها إلى مطار أديس أبابا، حيث كان بانتظاري ضابط أخذ مني وثيقة السفر وألف دولار واختفى. نمت في مطار أديس أبابا 6 ليالٍ. جهود السمسار أعادت لي وثيقة السفر، مع تهديد وأمر بالصمت والمغادرة إلى غانا». وفي مطار أكرا، تسلم آدم سمسار آخر سوداني الجنسية، ومعه ضابط غاني، طلب بدوره ألف دولار، واحتفظ بوثيقة السفر. وتم نقله إلى غرفة صغيرة أشبه بالسجن في فندق وضيع، بقي فيها 25 يوماً. وكان الفندق مقابل السفارة السويدية في غانا، فكان ينظر إليها ويبكي لأن السويد حبل خلاصه ومستقبله. ويروي الرجل: «تغيرت وجهة السفر. فقد ارتأى السمساران اللبناني والسوداني أن الأسهل هو سفري إلى الإكوادور، مروراً بمدريد. وفي المطار، منعت من ركوب الطائرة لأني لا أملك تأشيرة دخول. عدت إلى الفندق. كنت مفلساً مالياً ومنهاراً نفسياً. ولولا بعض الأصدقاء الذين كانوا يحولون لي القليل من الدولارات، لمت من الجوع. الحل الأخير كان برحلة عبر الخطوط الجوية التركية إلى إسطنبول، ومنها إلى إسبانيا بصفة ترانزيت، وصولاً إلى الإكوادور».
ويضيف: «ما إن جلست في الطائرة حتى أحسست بالأمان. وصلت إلى إسطنبول، وقصدت البوابة التي كان يفترض أن تقودني إلى طائرة مدريد. لكن الموظفة نظرت إلى وثيقة سفري، وأبلغتني أنه لا يحق لي المرور ترانزيت، لأني أحمل وثيقة سفر لاجئ فلسطيني، ويجب أن أحصل على تأشيرة. أقلعت الطائرة، وبقيت في المطار. ممنوع من الدخول إلى تركيا، وممنوع من السفر إلى أي مكان آخر. هناك، اكتشفت أني لست الوحيد. ففي مسجد المطار، يتجمع من هم في مثل وضعي. التقيت فلسطينيين وسوريين وشباباً من أفغانستان وبنغلاديش وجنسيات أخرى. بعضهم يقيم في المسجد منذ 7 أشهر. وبعد 3 أيام من الضغط على سمساري اللبناني، وعدني بإخراجي إلى السودان، ومنها إلى ليبيا عبر الصحراء. وفعلاً، دخلت الخرطوم ومعي 15 دولاراً لا غير. كان بانتظاري شاب سوري، وغاب السمسار عن السمع. بقيت في الخرطوم أربعين يوماً، استنفدت خلالها مصادر الاستدانة من الأصدقاء، وحاولت التفتيش عن عمل، لكن من دون جدوى، لأن الرواتب متدنية، لا تتجاوز 50 دولاراً شهرياً، ولا تكفي لمتطلبات الحياة. تعرفت على كثيرين ممن هم في مثل حالتي؛ جمعنا البؤس فتقاسمنا خبزنا وقوتنا».
أصبح هم آدم العودة إلى لبنان، وهذا ما حصل. يقول: «عدت إلى لبنان لأبحث عن سمساري، وأستعيد مبلغ 4500 دولار التي دفعتها له سلفاً. اختفى السمسار. عدت إلى صيدا، وسجنت نفسي في غرفتي طوال أشهر غارقاً في كآبتي، ولا أزال أبحث عن وسيلة للهرب إلى دولة تحترم حقوق الإنسان».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».