تعبئة عالمية ضد «إيبولا».. وإصابة محتملة جديدة في فرنسا

أوباما يلغي رحلاته لليوم الثاني بسبب توسع انتشار المرض.. والصين ترسل عقارا تجريبيا إلى أفريقيا

مدخل مستشفى بيجين العسكري قرب باريس حيث يشتبه في أن ممرضة مصابة بإيبولا تتلقى العلاج فيه أمس (إ.ب.أ)
مدخل مستشفى بيجين العسكري قرب باريس حيث يشتبه في أن ممرضة مصابة بإيبولا تتلقى العلاج فيه أمس (إ.ب.أ)
TT

تعبئة عالمية ضد «إيبولا».. وإصابة محتملة جديدة في فرنسا

مدخل مستشفى بيجين العسكري قرب باريس حيث يشتبه في أن ممرضة مصابة بإيبولا تتلقى العلاج فيه أمس (إ.ب.أ)
مدخل مستشفى بيجين العسكري قرب باريس حيث يشتبه في أن ممرضة مصابة بإيبولا تتلقى العلاج فيه أمس (إ.ب.أ)

وسط تعبئة عالمية ضد فيروس «إيبولا» الذي تسبب في نحو 4500 حالة وفاة حتى الآن، ألغى الرئيس الأميركي باراك أوباما أمس رحلة مقررا أن يقوم بها إلى روك آيلاند ونيويورك، من أجل التركيز على مساعي إدارته لاحتواء الفيروس داخل الولايات المتحدة، كما عقد وزراء الصحة التابعون لدول الاتحاد الأوروبي اجتماعا لبحث الأزمة، في حين تحدثت تقارير إعلامية عن تسجيل إصابة جديدة محتملة بالعدوى في فرنسا.
وألغى الرئيس أوباما رحلتين كانتا مبرمجتين في جدول أعماله أمس، الأولى إلى رود آيلاند حيث كان مقررا أن يتحدث حول الاقتصاد، والثانية إلى نيويورك حيث كان مفترضا أن يشارك في جمع تبرعات لحزبه الديمقراطي.
وكان أوباما ألغى أيضا كل ارتباطاته في اليوم السابق استجابة للقلق العام المتزايد بشأن إيبولا القاتل، خصوصا بعد تشخيص ثاني حالة إصابة بالمرض داخل الأراضي الأميركية.
وأعلن أوباما مساء أول من أمس أن الولايات المتحدة ستكون «أكثر حزما» في التصدي للتهديد الذي يشكله فيروس إيبولا في أراضيها، مطمئنا في الوقت نفسه إلى أن خطر تفشي الوباء في البلاد ضئيل للغاية. وشدد أوباما في ختام اجتماع أزمة مع مساعديه في البيت الأبيض على أهمية مساعدة الدول الأفريقية التي تفشى فيها الوباء، واصفا هذه المساعدة بأنها «استثمار في صحتنا العامة».
وقال أوباما: «لسنا أبدا في حالة شبيهة بحالة الأنفلونزا حيث تكون هناك مخاطر وشيكة بحصول تفشٍّ سريع للمرض». وإذ ذكر بأن الفيروس لا ينتقل عبر الهواء وبأن العدوى لا تنتقل من شخص لآخر إذا لم تظهر عوارض الإصابة على الأول، قدم الرئيس الأميركي نفسه مثالا على ما يقول في مسعى لطمأنة مواطنيه، فقال: «لقد صافحت وعانقت وقبلت ممرضات للإشادة بالعمل الشجاع الذي قمن به باعتنائهن بمريض. لقد اتبعن القواعد. كن يدركن ماذا يفعلن، وقد شعرت بأنني في أمان تام».
وأعلنت السلطات في ولاية تكساس عن إصابة ممرضة ثانية اعتنت بمريض ليبيري توفي جراء الفيروس. وكما في الإصابة الأولى، فإن المريضة تعمل في القطاع الصحي وكانت تهتم بالليبيري توماس إريك دانكان قبل وفاته في 8 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي. وأكد أوباما أن السلطات استقت مما حدث في تكساس دروسا عممتها على المستشفيات والعيادات «في سائر أنحاء البلاد» لمنع تكرار ما حصل.
وفي باريس، أفادت تقارير إعلامية بأن ممرضة يشتبه في إصابتها بإيبولا لمخالطتها عاملة إغاثة مصابة نقلت إلى المستشفى يوم أمس. وذكرت صحيفة «لو باريزيان» أن المرأة التي تعاني ارتفاعا كبيرا في درجة الحرارة نقلت تحت حراسة مشددة من منزلها بمنطقة أوت دو سين التابعة لباريس إلى مستشفى بيجين دي سان ماندي العسكري خارج العاصمة. وكانت المرأة قد خالطت ممرضة فرنسية متطوعة تعمل مع منظمة «أطباء بلا حدود»، وكانت أصيبت بإيبولا في ليبريا ثم أعيدت إلى فرنسا الشهر الماضي. وتعد هذه الممرضة المتطوعة أول شخص فرنسي يصاب بالمرض، وتلقت علاجا تجريبيا للفيروس وشفيت منه. وكانت وزارة الصحة الفرنسية ذكرت الأسبوع الماضي أنها لن تعلق على الحالات المشتبه في إصابتها بإيبولا لحين إجراء التحليلات الطبية. وذكرت قناة «بي إف إم» التلفزيونية أن الممرضة المشتبه في إصابتها بإيبولا وضعت في العزل الصحي، لكن لم يجر بعد إجراء التحليلات الطبية.
وفي بروكسل، أعلن مفوض الصحة بالاتحاد الأوروبي تونيو بورغ أمس أن الاتحاد ومنظمة الصحة العالمية سيقومان بعملية مراجعة لإجراءات الكشف عن إيبولا في الدول الأفريقية التي ظهر بها المرض، لتقييم ما إذا كان يجري تطبيقها بصورة صحيحة. وقال بورغ عقب لقائه مع وزراء صحة دول الاتحاد في بروكسل: «هناك تقارير متضاربة بشأن فعالية إجراءات المسح. هذه الإجراءات سارية، ولكن المشكلة هل هي فعالة؟».
وأضاف المفوض: «المراجعة ستجري في ليبيريا وسيراليون وغينيا من أجل فحص إجراءات المسح، ثم سيجري تعزيزها إذا لزم الأمر». ومن بين الأفكار التي جرى طرحها خلال اجتماع الوزراء، استخدام أنظمة معلومات تأشيرات السفر لمعرفة موعد عودة المسافرين المعرضين لخطر الإصابة بالمرض لأوروبا، بالإضافة إلى وضع قاعدة بيانات لمعرفة أماكنهم.
ووسط المخاوف العالمية من انتشار المرض، أرسلت شركة أدوية صينية لها صلات بالجيش عقارا تجريبيا لعلاج إيبولا إلى أفريقيا كي يستخدمه عاملو الإغاثة الصينيون هناك، وتعتزم إجراء اختبارات إكلينيكية هناك لمكافحة المرض. وقالت جيا تشونغ شين رئيسة عمليات التشغيل بمجموعة سيهوان للأدوية إن المجموعة أرسلت آلاف الجرعات من عقار «جيه كيه - 05» إلى المنطقة، وإنه يمكن إرسال جرعات أخرى إن كانت هناك حاجة لذلك.
بدورها، قالت هوه تساي شيا المدير العام المساعد بمجموعة سيهوان إن «عاملي الإغاثة أخذوا العقار معهم بالفعل، وقد يستخدم إذا ظهرت حالة» بين عاملي الإغاثة.
ويملك بنك مورغان ستانلي الاستثماري الأميركي حصة في سيهوان التي تأمل استخدام العقار على المستوى المدني في الصين. وقد وقعت اتفاقا مع أكاديمية العلوم الطبية العسكرية - وهي وحدة أبحاث - سعيا للموافقة على استخدام العقار في الصين وطرحه في الأسواق. وكانت الصين قد وافقت على استخدام العقار في الحالات الطارئة بين العسكريين فقط.
كذلك، قالت منظمة «أطباء بلا حدود» التي تتصدر الجهود لمكافحة إيبولا في غرب أفريقيا إنها وصلت إلى أقصى قدراتها وتحتاج بصورة ملحة إلى أن تكثف المنظمات الأخرى الجهود المبذولة لمواجهة هذا المرض الفتاك. وتدير المنظمة حاليا 6 مراكز في غينيا وسيراليون وليبيريا بطاقة إجمالية قدرها 600 سرير. وزاد عدد العاملين بها من نحو 650 في بداية أغسطس (آب) إلى نحو 3 آلاف في الوقت الراهن.
وقال بريس دو لو فيني مدير عمليات منظمة أطباء بلا حدود: «قمنا بزيادة قدرتنا بدرجة كبيرة.. والآن وصلنا إلى السقف». وناشد دو لو فيني الأطراف الأخرى مثل الحكومات والمنظمات الدولية تعزيز مشاركتها. وقال: «إنهم ينشرون (بعثاتهم) بينما نتحدث نحن، لكننا ما زلنا لا نرى النتائج في الميدان. سرعة الانتشار ما زالت أقل من السرعة التي ينتشر بها الوباء، وهذا هو سبب المشكلة».
وحذر أوباما من جهة ثانية المجتمع الدولي من أنه إذا لم يقم بما يلزم لمساعدة دول غرب أفريقيا الـ3 التي يتفشى فيها الوباء فإن العاقبة ستكون وخيمة. وقال: «إذا لم نقم على نطاق دولي برد فعال فقد نواجه مشكلات».
وكان أوباما عقد أول من أمس اجتماعا عبر الدائرة التلفزيونية المغلقة مع كل من نظيره الفرنسي فرنسوا هولاند والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ورئيسي الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون والإيطالي ماتيو رينزي. وقال البيت الأبيض إن أوباما طلب من القادة الأوروبيين بذل جهد أكبر في وقت أرسلت فيه الولايات المتحدة مئات من العسكريين إلى منطقة الأزمة ووعدت بتخصيص مئات ملايين الدولارات.
وتشهد الولايات المتحدة جدلا متناميا حول إجراءات السلامة غير الكافية لتجنب انتشار الفيروس بعدما بدت السلطات مطمئنة في مرحلة أولى.
وفي آخر فصول هذا الجدل، طالب رئيس مجلس النواب ومسؤولون برلمانيون آخرون إدارة أوباما بمنع مواطني الدول الأفريقية الـ3 المصابة بالفيروس من دخول الأراضي الأميركية. وقال رئيس مجلس النواب جون بينر في بيان إن «حظر السفر المؤقت إلى الولايات المتحدة من الدول المصابة بالفيروس هو أمر يجب حتما على الرئيس أن يفكر فيه، إضافة إلى أي إجراء آخر لازم لمواجهة الشكوك المتزايدة بأمن منظومة النقل الجوي لدينا».
بدوره وجه رئيس لجنة شؤون الأمن الداخلي في مجلس النواب مايكل ماكول رسالة إلى وزيري الخارجية والأمن القومي شاركه في التوقيع عليها رؤساء اللجان الفرعية الـ5 التابعة للجنته، جاء فيها: «نحضكما على التفكير في اللجوء مؤقتا إلى تعليق منح تأشيرات الدخول للأفراد في كل من ليبيريا وغينيا وسيراليون إلى أن يصبح الفيروس تحت السيطرة». كما طالب النواب بأن تجري إحالة المصابين بإيبولا إلى واحد من المراكز الصحية المتخصصة الـ4 في البلاد، وهي مستشفى إيموري الجامعي والمعاهد الوطنية الصحية ومركز نبراسكا الطبي ومستشفى سانت باتريك في مونتانا.
وعقد مجلس النواب جلسة عصر أمس للاستماع إلى المسؤولين عن القطاع الصحي في البلاد الذين يعدون منع السفر من الدول المصابة إلى الولايات المتحدة إجراء غير مفيد وغير فعال.
وبحسب آخر حصيلة لمنظمة الصحة العالمية، أسفرت الحمى النزفية عن وفاة 4493 شخصا من بين 8997 إصابة سجلت في 7 دول هي ليبيريا وسيراليون وغينيا ونيجيريا والسنغال وإسبانيا والولايات المتحدة. وحذرت الأمم المتحدة من أن العالم بصدد خسارة المعركة ضد إيبولا، فيما تخشى منظمة الصحة تسجيل 10 آلاف إصابة جديدة أسبوعيا في غرب أفريقيا.



تساؤلات ومخاوف أوروبية حول ما يخبِّئه ترمب للقارة القديمة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لدى وصوله إلى اجتماع في قصر الإليزيه بباريس خلال احتفالات إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام 7 ديسمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لدى وصوله إلى اجتماع في قصر الإليزيه بباريس خلال احتفالات إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام 7 ديسمبر 2024 (رويترز)
TT

تساؤلات ومخاوف أوروبية حول ما يخبِّئه ترمب للقارة القديمة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لدى وصوله إلى اجتماع في قصر الإليزيه بباريس خلال احتفالات إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام 7 ديسمبر 2024 (رويترز)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يصافح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب لدى وصوله إلى اجتماع في قصر الإليزيه بباريس خلال احتفالات إعادة افتتاح كاتدرائية نوتردام 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

لم تنفع محاولات التقارب التي قام بها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إزاء الرئيس الأميركي الـ47 بدعوته للمشاركة، الشهر الماضي، في احتفال ترميم كاتدرائية نوتردام بحيث تحول دونالد ترمب إلى «نجم» المناسبة التي تابعها مئات الملايين من مشاهدي التلفزيون عبر العالم. كذلك لم تكن كافية الكلمات التي قالها ماكرون بمناسبة مؤتمر سفراء فرنسا عبر العالم، حيث شدد على «ضرورة التعاون» مع ترمب، مضيفاً أن الأخير «يعي أن له في فرنسا حليفاً قوياً».

والحال أن ماكرون لم يُدعَ إلى حفل تنصيب الرئيس العائد إلى البيت الأبيض، بل دُعي خصومه من اليمين الفرنسي المتطرف، والشيء نفسه تكرر مع المستشار الألماني أولاف شولتس الذي بقي في برلين بينما قادة اليمين المتطرف ذهبوا إلى واشنطن. كذلك، فإن ترمب خصَّ رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني اليمينية المتشددة التي زارته في عرينه في ولاية فلوريدا، بمعاملة خاصة، مما يوفر صورة لكيفية تعامل ترمب مع القادة الأوروبيين بتفضيل من ينتمي منهم إلى اليمين واليمين المتطرف، وهو ليس حال ماكرون ولا شولتس ولا الكثيرين غيرهما. وتكفّل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري بالتعبير صراحةً عن تبعات رئاسة ترمب الثانية التي ستتسبب في تعزيز موجة اليمين الأوروبي. ونقل عن أوربان قوله يوم الاثنين، إنها «ساعات قليلة فقط وستشرق الشمس بشكل مختلف في بروكسل» مع تنصيب ترمب، مضيفاً: «لذا يمكن أن يبدأ الهجوم الكبير ومعه تنطلق المرحلة الثانية من الهجوم الذي يهدف إلى احتلال بروكسل».

أوروبا تقرع ناقوس الخطر

منذ إعادة انتخاب ترمب، عجَّل الأوروبيون بالتعبير عن مخاوفهم وبإبراز مكامن الصعوبات المترتبة على سياسة ترمب - 2. ومع حلول موعد عودته إلى البيت الأبيض تحوَّل التوجس إلى استشعار الخطر الداهم. وبكلام يبتعد كثيراً عن التعبير الدبلوماسي التقليدي، وضع فرنسوا بايرو، رئيس الحكومة الفرنسية، النقاط على الحروف (الاثنين) في كلمة له في معقله الانتخابي، في مدينة بو، الواقعة جنوب غربي فرنسا، بقوله إن الولايات المتحدة «قررت اتِّباع سياسة مهيمنة على نحو لا يصدَّق من خلال الدولار، ومن خلال السياسة الصناعية، ومن خلال الاستحواذ على كل الأبحاث والاستثمارات». وأضاف: «إذا لم نفعل شيئاً، فسوف نخضع للهيمنة ونتعرض للسحق والتهميش... والأمر منوط بنا نحن الفرنسيين والأوروبيين لاستعادة زمام الأمور». وبعبارة واحدة، لخَّص الشعور الأوروبي العام بقوله: «إن تنصيب دونالد ترمب يجعلنا نواجه مسؤولياتنا». وبذلك يكون بايرو قد استعاد تحذيراً سابقاً لماكرون، بمناسبة مؤتمر السفراء جاء فيه: «إذا قررنا أن نكون ضعفاء وانهزاميين، فستكون لنا فرصة ضئيلة بأن نحظى باحترام الولايات المتحدة».

ماكرون وترمب والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عند اجتماعهم في قصر الإليزيه 7 ديسمبر 2024 (رويترز)

في هذا السياق، نقلت صحيفة «لو فيغارو» الفرنسية عن ألكسندرا هوب فيشر، رئيسة مركز أبحاث صندوق مارشال الألماني لشؤون الولايات المتحدة، تأكيدها أن «حلفاء واشنطن هم الأكثر سهولة لتركيعهم، وأنهم كأوروبا والحلف الأطلسي يعانون من التبعية تجاهها».

حقيقة الأمر أن الأوروبيين بدأوا يستشعرون «عقدة النقص» لجهة التعامل مع الشريك الأميركي. وعبرت عن ذاك افتتاحية يوم الاثنين للصحيفة المذكورة، جاء فيها أن إحدى صعوباتهم تكمن في «غياب اليقين» حول ما يمكن لترمب أن يقرره أو لا يقرره بحيث يمارس بذلك ضغوطاً كبيرة على شركائه كما على خصوم بلاده من أجل التوصل إلى «صفقة». والصعوبة الثانية أنه ليس من السهل تصنيفه سيادياً، انعزالياً أو حمائياً، والأمر الوحيد الثابت أنه يؤمن بـ«استثنائية الولايات المتحدة التي لها أن تختار بشكل منهجي طريقها الخاص بغض النظر عن حالة النظام العالمي إذا كان يناهض مصالحها». وخلاصة الصحيفة أنه مع ترمب - 2، انتهى زمن «المصالح المشتركة» مع واشنطن، كما دُفن «النادي الغربي» وبدأ عصر جديد.

مخاوف الأوروبيين

يبيّن استطلاع للرأي أُجري لصالح مجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية والتقرير الصادر عن جامعة أوكسفورد بخصوص مستقبل أوروبا، أن مواطني القارة القديمة هم «الأكثر تشاؤماً» إزاء ولاية ترمب الثانية التي ستكون مسيئة بالنسبة إلى الأوروبيين كما للعثور على حلول للنزاعات عبر العالم، وذلك عكس ما يروِّج له ترمب وأنصاره ومَن عيَّنهم في مناصب في إدارته الجديدة. ويرى المؤرخ والباحث البريطاني تيوزمتي غارتون آش، أن ثمة تحديين كبيرين بالنسبة إلى الاتحاد الأوروبي وأيضاً لبريطانيا: الأول، عنوانه النهج المرتقب لترمب إزاء الحلف الأطلسي، والآخر كيفية تعامله مع الملف الأوكراني. والقاسم المشترك بينهما التساؤل حول مدى استعداد أميركا ترمب - 2 لدعم حلفائها في حال انخراطها في نزاع قد يكون مع روسيا. وقال المؤرخ البريطاني ما حرفيته: «أخشى أن تأثير ترمب لن يقسم الغرب فحسب، بل سيقسم أوروبا أيضاً. وهذا هو التحدي الكبير بالنسبة لنا نحن الأوروبيين». وسبق للرئيس الجديد أن هدَّد بترك الحلف في حال امتناع الأوروبيين عن التجاوب مع مطالبه.

رئيس الوزراء الفرنسي فرنسوا بايرو يجيب عن أسئلة الصحافيين في باريس 17 يناير 2025 (أ.ف.ب)

وليس سراً أن الأوروبيين ليسوا مجمعين، حتى قبل بدء ولاية ترمب -2 على كيفية التعاlg معه، مما يُضعف بوضوح موقفهم. كذلك هم منقسمون حول الدعوات الخاصة بتعزيز الوسائل الدفاعية الأوروبية المشتركة تحسباً لما قد يصدر عنه. وسبق أن طالب الأخير شركاء بلاده في الحلف الأطلسي بأن يرفعوا مخصصاتهم الدفاعية إلى 5 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهي نسبة لا يبلغها سوى عدد قليل جداً من الأطلسيين مثل بولندا ودول بحر البلطيق... أما بالنسبة لأوكرانيا، فإن تخوف الأوروبيين أن يعمد ترمب إلى التخلي عن مواصلة دعم كييف، وأن يبرم صفقة مع نظيره الروسي على حساب أوكرانيا والأوروبيين. من هنا، فإن الاتحاد الأوروبي يطالب بأن يكون له دور في أي مفاوضات تقوم بين روسيا وأوكرانيا، وأن تكون الكلمة الفصل للأوكرانيين أنفسهم. كذلك يتأهب الأوروبيون لمواصلة دعم كييف حتى لو تراجع الإسناد الأميركي.

وسارع بوتين، الاثنين، إلى تهنئة ترمب والإعلان عن الانفتاح على الحوار معه بشأن أوكرانيا والأسلحة النووية، مضيفاً، خلال كلمة له في اجتماع لمجلس الأمن الروسي، إنه يسعى إلى ضمان سلام دائم لا إلى وقف قصير لإطلاق النار.

رئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني تتسلم من إيلون ماسك جائزة خلال حفل عشاء جوائز المواطن العالمي في نيويورك 23 سبتمبر 2024 (أ.ب)

ضرائب ورسوم وخلافات تجارية

قبل أوكرانيا، يهتم الأوروبيون، قبل كل شيء، بطبيعة علاقات بلادهم الاقتصادية والتجارية مع الشريك الأميركي، وخوفهم الأكبر أن ينفّذ ترمب تهديداته بفرض رسوم إضافية على صادراتهم، علماً بأن الولايات المتحدة تشكل السوق الأولى للصادرات الأوروبية والعكس بالعكس. وخلال حملته الانتخابية، لم يتوانَ ترمب عن التنديد بالأوروبيين شاهراً سلاح رفع الرسوم الجمركية إلى نسبة تتراوح ما بين 10 و20 في المائة مما من شأنه الإضرار بالدول المصدِّرة. ويبحث الأوروبيون عن حلول أو عن ردود لثني ترمب عن اختيار هذا السبيل. وقال رولف موتسنيش، رئيس المجموعة البرلمانية للحزب الديمقراطي الاشتراكي الألماني (حزب شولتس) إن رفع الرسوم والضرائب «سيؤدي إلى ضياع وظائف كثيرة في ألمانيا، كما أنه، بوجه عام، سيُفضي إلى تراجع الاقتصاد العالمي». وبيَّنت دراسة لمعهد «بروجنوس» للبحوث الاقتصادية أن هناك 2.1 مليون وظيفة في ألمانيا تعتمد على الصادرات إلى الولايات المتحدة، وأن رسوم ترمب الجمركية قد تُعرِّض 300 ألف وظيفة منها للخطر. وقد بدأ الأوروبيون، منذ أسابيع، في دراسة الإجراءات المتوافرة لهم للرد على ما يقرره ترمب. وإزاء هذه المخاوف، سعى شولتس إلى إبراز أهمية العلاقات مع واشنطن، مشيراً إلى أن الحلف الأطلسي «هو الضامن لأمننا، ولذلك نحتاج إلى علاقات مستقرة» مع واشنطن. وأكد شولتس أيضاً أهمية أن تكون أوروبا واثقة من نفسها، وقال: «بصفتنا الاتحاد الأوروبي، يمكننا أيضاً الاعتماد على قوتنا... وبوصفنا مجتمعاً يضم أكثر من 400 مليون أوروبي، فإننا نتمتع بثقل اقتصادي... نستطيع أن نتصرف بثقة كدول في الاتحاد الأوروبي»

يبقى أن الأوروبيين يتخوفون من تدخل ترمب في شؤونهم الداخلية إمّا مباشرةً وإما عبر حليفه إيلون ماسك الذي يُبدي ميلاً واضحاً لدعم اليمين المتطرف أكان في ألمانيا أم في بريطانيا أم في دول أوروبية أخرى.