برد الشتاء يزيد من بؤس اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين

بسبب الأوضاع التي خلفتها الميليشيات... موجة غلاء وركود يضربان أسواق الملابس

TT

برد الشتاء يزيد من بؤس اليمنيين في مناطق سيطرة الحوثيين

تقف أم هاني وهي يمنية تعيل وزوجها 5 أطفال أمام سوق كبيرة للملابس المعروضة بشارع هائل وسط صنعاء، مذهولة من الارتفاع الجنوني لأسعار الملابس الشتوية. وقررت العودة إلى منزلها من دون اقتناء أي قطعة لملابس شتوية من تلك السوق التي اشتهرت عادة بتدني جودة معروض البضاعة ورخص أسعارها.
تقول أم هاني التي فضلت الاكتفاء بهذه الكنية إن «الملابس الشتوية باتت اليوم ونتيجة للظروف المعيشية التي تعانيها أسرتي وكثير من الأسر اليمنية، خاصة بالأغنياء فقط دون الفقراء... أتيت لهذه السوق لشراء ملابس شتوية لأطفالي، ولم أستطع شراء أي شيء بسبب ارتفاع الأسعار بشكل جنوني».
ومع دخول فصل الشتاء واشتداد موجة البرد القارس، يبدأ اليمنيون بمن فيهم النازحون بمناطق سيطرة الحوثيين بالولوج في أتون معاناة وأوجاع وآلام جديدة، في ظل وضع معيشي هو في الأساس سيئ ومتدهور ويحاولون فيه البقاء على قيد الحياة ما استطاعوا.
وعلى المنوال ذاته، تشهد الملابس الشتوية في العاصمة صنعاء ومدن أخرى خاضعة للميليشيات، ارتفاعاً كبيراً في أسعارها بنسبة تتراوح بين 60 و70 في المائة لبعض الأصناف مقارنة بالأعوام السابقة، الأمر الذي دفع كثيراً من اليمنيين في ظل عودة الطقس السيئ المصحوب بليالي البرد القاسية لمناطقهم، إلى العزوف عن الشراء واكتفاء البعض الآخر بملابس الأعوام الماضية.
وتحدثت أم هاني عن الظروف المعيشية الصعبة بعد انقطاع المرتب الشهري لزوجها، ولجوئه إلى العمل بالأجر اليومي حمّالاً بمتجر لتوفير ما أمكن لعائلته بعد فقدان مصدر عيشه الوحيد المتمثل بالمرتب الذي انتهى في أيدي ميليشيات النهب والسلب الحوثية.
وأكد سكان محليون في كل من صنعاء وذمار وإب ومناطق أخرى خاضعة للحوثيين، لـ«الشرق الأوسط»، معاناتهم الشديدة في تلك المناطق في ظل انخفاض درجة الحرارة واشتداد موجة البرد في فصل الشتاء.
وقال عدد من السكان، في أحاديث مقتضبة مع «الشرق الأوسط»، إن «أيام الشتاء بدأت قاسية وثقيلة عليهم وعلى أسرهم وتحمل معها أيضاً كل الهموم والآلام والمعاناة والأوجاع». وعدّ السكان موسم البرد وما يحمله من خوف وجوع وفقر بات يثقل كاهلهم، في وقت يرافقه فيه ممارسات حوثية تعسفية تتمثل بالنهب والسلب والتجويع والبطش والتنكيل والاختطاف وغيرها.
يقول مواطن يقطن قرية محاذية لجبل نبي شعيب (أعلى قمة في اليمن والجزيرة العربية)، وتتبع إدارياً محافظة صنعاء، إن موجة البرد القاسية تزداد كل يوم شدة «علينا وعلى كثير من المواطنين الفقراء والمنهكين في منطقتهم الجبلية». وأشار إلى أن البرد والفقر والجوع يتناوبان على إيلامنا خصوصاً في هذه الأيام. وتابع: «نتحمّل عدم توفّر الغذاء الكافي في النهار، في حين يهجم علينا البرد القارس في الليل، وفي صباح كل يوم تبدأ معاناتنا من جديد»، مضيفاً: «إن موسم البرد يأتي كل عام ليزيد من أوجاعنا ومعاناتنا، فكثير منا لا يملك أي وسيلة من وسائل التدفئة، ونكتفي فقط بجمع الحطب وإشعال النيران للحصول على التدفئة، متجاوزين كل المخاطر التي قد يحدثها الدخان المنبعث من الحطب».
مواطن آخر في إب، يروي لـ«الشرق الأوسط» هو الآخر، أنه وجد صعوبة بالغة عند قيامه بشراء احتياجات أطفاله الثلاثة من الملابس مع دخول فصل الشتاء. وأشار إلى أنه تمكن وبعد عناء من شراء 3 فانيلات صوف متواضعة لأولاده بمبلغ 11 ألف ريال. ووصفت ما يحدث في أسعار الملابس من غلاء وجشع واحتكار من بعض التجار، بالمصيبة والكارثة.
وتحدث عبد الله الانسي، مالك محل ملابس بذمار، لـ«الشرق الأوسط»، عن أن أسعار الملابس بصفة عامة في ارتفاع متواصل وبشكل جنوني، الأمر الذي أدى، بحسبه، إلى العزوف الكبير من قبل المواطنين عن الشراء.
وقال إن المواطنين في ذمار، ونتيجة للأوضاع الصعبة، يلجأون عادة ومع بداية الشتاء لشراء الملابس الشعبية لسد حاجتهم ولا يهتمون بجودتها.
وأضاف أن عدداً كبيراً من التجار غير راضين إطلاقاً عن الغلاء الفاحش في الأسعار والأعباء الكبيرة التي يتعرض لها المواطن البسيط، خصوصاً أن الغلاء يأتي مع تدني القدرة الشرائية لهذه الشريحة. وأكد أن الوضع السيئ للمواطنين وعدم إقبالهم على الشراء خلق أيضاً ركوداً غير مسبوق في أسواق ومحلات الملابس.
وأرجع الانسي زيادة أسعار الملابس من قبل كثير من التجار، بأنه يعود بالدرجة الأساسية إلى تعدد حملات الميليشيات الحوثية التي تشنها بين الحين والآخر على التجار ومحلات بيع الملابس، فارضة عليهم جبايات وإتاوات مالية كبيرة وغير قانونية تحت ذرائع وهمية على رأسها «دعم المجهود الحربي».
وأضاف مالك محل الملابس لـ«الشرق الأوسط»، أن الجماعة لم تكتفِ بمطالبتنا بدعم المجهود الحربي فقط، بل وصل الأمر إلى حد إجبارنا على منحهم عينات وأصناف ملابس تارة لأسر قتلاها، وأخرى لمقاتليها في الجبهات، ولا يدفعون سوى 20 أو 30 في المائة من قيمة الفاتورة والبقية «كتب الله أجرك»، كما يقولون.
وفي العاصمة صنعاء وبقية المناطق الجبلية الخاضعة لسلطة الحوثيين، تنخفض درجة الحرارة إلى درجة مئوية واحدة، ومن المتوقع أن يكون الشتاء هذا العام، وفق بيانات مركز الأرصاد بصنعاء، قارساً ليهدد البرد حياة كثير من اليمنيين بما فيهم شريحة النازحين.
وفي آخر بيان لمركز الأرصاد الخاضع لسيطرة الانقلابيين بصنعاء، أكد استمرار الأجواء الباردة على 7 محافظات يمنية. وأوضح المركز استمرار الأجواء الباردة على عموم المرتفعات الجبلية في 7 محافظات يمنية بما فيها صعدة وعمران وصنعاء وذمار وإب وغيرها.
وبدورهم، أكد مراقبون ومهتمون بهذا الشأن، أن الشعب اليمني يتعرض لمعاناة مستمرة وصلت إلى مأساة إنسانية بسبب الحرب، فضلاً عن سوء الأحوال الجوية سواء في الصيف أو في الشتاء.
وقال المراقبون إن اليمنيين ونتيجة 5 سنوات من الحرب التي أشعلت فتيل نيرانها الميليشيات الحوثية، لا يزالون يتعرضون لكارثة حقيقية سواء في الجانب الصحي أو الخدمي أو الاقتصادي والمعيشي.
وعلى صعيد متصل، أطلقت الأمم المتحدة في بيانات عدة، تحذيرات من أن اليمن يقترب من أزمة إنسانية خطيرة، حيث يعاني 16 مليون يمني من أصل 26 مليون نسمة من انعدام الأمن الغذائي، ويكافحون كل يوم لتوفير الطعام لأسرهم.
وأشارت إلى أن نحو 20 مليون يمني يواجهون نقصاً حاداً في الغذاء، وفق تقييم الأمن الغذائي الذي أجراه، برنامج الأغذية العالمي، أواخر عام 2018.
وقالت الأمم المتحدة، في آخر بيان لها، نشرته أمس، إن اليمن لا يزال يمثل أسوأ أزمة إنسانية في العالم بعد 5 سنوات من الحرب. وأشارت إلى أن 24 مليون يمني بحاجة لمساعدات عاجلة.
وأوضح وكيل الأمين العام للشؤون الإنسانية مارك لوكوك خلال مؤتمر إطلاق التقرير السنوي لعام 2020، أن اليمن بحاجة عاجلة لأكثر من 3 مليارات دولار لتغطية الاستجابة الإنسانية.
وبحسب التقرير الأممي الحديث، فإن واحداً من كل 45 شخصاً في دول العالم، بينها اليمن، بحاجة إلى الغذاء والسكن والرعاية الصحية والحماية، وغيرها من المساعدات.
من جهتها، قالت منظمة «اليونيسف»، إنها ستقدم مساعدة بقيمة 535 مليون دولار لليمن العام المقبل.
وكانت المنظمة قد أكدت في وقت سابق، أن اليمن يشهد أكبر أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من 24 مليون شخص - نحو 80 في المائة من السكان - لمساعدة إنسانية، بمن فيهم أكثر من 12 مليون طفل.
وأكدت المنظمة استمرار تعرض الأطفال للقتل والإصابة في النزاع. وأشارت إلى أن الأطفال دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد الوخيم ويحتاجون إلى العلاج، مع تفشٍ لحالات الإسهال المائي الحاد والكوليرا.


مقالات ذات صلة

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

المشرق العربي عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح خلال الاجتماع (سبأ)

طارق صالح يدعو إلى تجاوز الخلافات والاستعداد ليوم الخلاص الوطني

دعا عضو مجلس القيادة الرئاسي اليمني طارق صالح إلى ما أسماه «وحدة المعركة»، والجاهزية الكاملة والاستعداد لتحرير العاصمة اليمنية صنعاء من قبضة الميليشيات الحوثية.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
المشرق العربي جانب من اجتماع سابق في عمّان بين ممثلي الحكومة اليمنية والحوثيين خاص بملف الأسرى والمحتجزين (مكتب المبعوث الأممي)

واشنطن تفرض عقوبات على عبد القادر المرتضى واللجنة الحوثية لشؤون السجناء

تعهَّدت واشنطن بمواصلة تعزيز جهود مساءلة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في اليمن، بمَن فيهم «مسؤولو الحوثيين».

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي من عرض عسكري ألزم الحوثيون طلبة جامعيين على المشاركة فيه (إعلام حوثي)

حملة حوثية لتطييف التعليم في الجامعات الخاصة

بدأت الجماعة الحوثية فرض نفوذها العقائدي على التعليم الجامعي الخاص بإلزامه بمقررات طائفية، وإجبار أكاديمييه على المشاركة في فعاليات مذهبية، وتجنيد طلابه للتجسس.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني (سبأ)

​وزير الإعلام اليمني: الأيام المقبلة مليئة بالمفاجآت

عقب التطورات السورية يرى وزير الإعلام والثقافة والسياحة اليمني معمر الإرياني أن المنطقة مقبلة على مرحلة جديدة تحمل الأمل والحرية

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي خلال عام أُجريت أكثر من 200 ألف عملية جراحية في المستشفيات اليمنية (الأمم المتحدة)

شراكة البنك الدولي و«الصحة العالمية» تمنع انهيار خدمات 100 مستشفى يمني

يدعم البنك الدولي مبادرة لمنظمة الصحة العالمية، بالتعاون مع الحكومة اليمنية، لمنع المستشفيات اليمنية من الانهيار بتأثيرات الحرب.

محمد ناصر (تعز)

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
TT

بلينكن في الأردن مستهِلاً جولته لبحث الأزمة في سوريا

أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)
أنتوني بلينكن يستقل طائرته في طريقه إلى الأردن (رويترز)

وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن (الخميس) إلى الأردن، مستهِلاً جولة لبحث الأزمة في سوريا بعد إطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وفق ما أفاد صحافي من «وكالة الصحافة الفرنسية» كان ضمن فريق الصحافيين المرافق له في الطائرة.

وقال مسؤولون أميركيون، للصحافيين المرافقين، إن بلينكن المنتهية ولايته سيلتقي العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني، ووزيرَ خارجيته في مدينة العقبة (نحو 325 كيلومتراً جنوب عمان) على البحر الأحمر، في إطار سعيه إلى عملية «شاملة» لاختيار أعضاء الحكومة السورية المقبلة. وفور وصوله، توجَّه بلينكن إلى الاجتماع، ومن المقرر أن يسافر في وقت لاحق من اليوم إلى تركيا.

ودعا بلينكن إلى عملية «شاملة» لتشكيل الحكومة السورية المقبلة تتضمَّن حماية الأقليات، بعدما أنهت فصائل معارضة بقيادة «هيئة تحرير الشام» حكم بشار الأسد المنتمي إلى الطائفة العلوية التي تُشكِّل أقلية في سوريا.

وقالت وزارة الخارجية الأميركية، لدى إعلانها عن جولة بلينكن، إنه سيدعو إلى «قيام سلطة في سوريا لا توفر قاعدة للإرهاب أو تُشكِّل تهديداً لجيرانها»، في إشارة إلى المخاوف التي تُعبِّر عنها كل من تركيا، وإسرائيل التي نفَّذت مئات الغارات في البلد المجاور خلال الأيام الماضية. وأشار المتحدث باسم وزارة الخارجية ماثيو ميلر إلى أنه خلال المناقشات في العقبة على البحر الأحمر «سيكرر بلينكن دعم الولايات المتحدة لانتقال جامع (...) نحو حكومة مسؤولة وتمثيلية». وسيناقش أيضاً «ضرورة (...) احترام حقوق الأقليات، وتسهيل إيصال المساعدات الإنسانية، ومنع تحول سوريا إلى قاعدة للإرهاب أو أن تُشكِّل تهديداً لجيرانها، وضمان تأمين مخزونات الأسلحة الكيميائية وتدميرها بشكل آمن». وهذه الزيارة الثانية عشرة التي يقوم بها بلينكن إلى الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، وهجوم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على إسرائيل، التي ردَّت بحملة عنيفة ومُدمِّرة ما زالت مستمرة على قطاع غزة.

وانتهت رحلة بلينكن السابقة بخيبة أمل بعد فشله في تأمين صفقة تنهي فيها إسرائيل و«حماس» الحرب في مقابل إطلاق سراح الرهائن المحتجزين في غزة. وسيغادر بلينكن منصبه في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل مع إدارة الرئيس جو بايدن.

ووصف الرئيس المنتخب دونالد ترمب الوضع في سوريا بـ«الفوضى». وقال إن الولايات المتحدة لا ينبغي أن تتدخل، رغم أنه لم يوضح السياسة الأميركية منذ سقوط الأسد.