أكثر من 400 قتيل و20 ألف جريح منذ انطلاق احتجاجات العراق

هدوء حذر في النجف والناصرية... وتعزيزات عسكرية لحماية سجنين في ذي قار

عراقيون يشيعون أحد قتلى الاحتجاجات في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يشيعون أحد قتلى الاحتجاجات في بغداد أمس (أ.ف.ب)
TT

أكثر من 400 قتيل و20 ألف جريح منذ انطلاق احتجاجات العراق

عراقيون يشيعون أحد قتلى الاحتجاجات في بغداد أمس (أ.ف.ب)
عراقيون يشيعون أحد قتلى الاحتجاجات في بغداد أمس (أ.ف.ب)

كشفت مفوضية حقوق الإنسان العراقية، أمس، عن آخر إحصائياتها لأعداد الضحايا والجرحى والمعتقلين في المظاهرات منذ انطلاقها مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، في بغداد ومحافظات وسط البلاد وجنوبها.
وقال عضو المفوضية علي البياتي، لـ«الشرق الأوسط» إن «عدد الشهداء، وفق آخر إحصائية، بلغ 433 شهيداً، إضافة إلى نحو 20 ألف إصابة معظمها من المحتجين، إلى جانب إصابات داخل صفوف عناصر القوات الأمنية». ولفت إلى أن «إجمالي عدد المعتقلين بلغ 2597. أُفرج عن 2441 منهم وبقي 156 رهن الاعتقال».
وكشف البياتي عن إطلاق السلطات العراقية، أمس، سراح 15 معتقلاً بعد تدخل مفوضية حقوق الإنسان وتبرئتهم من قبل القضاء. وطالب بـ«تعويض جميع المعتقلين الذي تمت تبرئتهم قضائياً، مادياً ومعنوياً، نتيجة الأضرار التي لحقت بهم من عمليات الاعتقال».
كانت المفوضية العليا لحقوق الإنسان قد بحثت، أمس، مع بعثة الاتحاد الأوروبي في العراق ملف المظاهرات وما رافقتها من أحداث. وقال رئيس المفوضية عقيل الموسوي لبعثة الاتحاد الأوروبي، حسب بيان، إن «المفوضية نشرت أكثر من 400 من موظفيها في ساحات التظاهر في بغداد والمحافظات ضمن فرق لرصد الانتهاكات».
وأشار إلى أن «المفوضية التقت المتظاهرين الموقوفين في السجون ومراكز الاحتجاز ونجحت في تهيئة الضمانات القانونية للمتهمين ومنها إجراء الزيارات من قبل ذويهم». ولفت إلى أن «المفوضية تواصل جهودها لإطلاق سراح جميع المتظاهرين الموقوفين ممن لم يتورطوا باعتداءات على الأملاك العامة والخاصة، واتفقنا مع نقابة المحامين على توكيل محامين للدفاع عن المتظاهرين الموقوفين، وقد تم تنظيم ما يقارب 100 وكالة».
وعدّ الموسوي أن «غياب المركزية في إصدار الأوامر وقلة العناصر المدربة على قواعد التعامل الآمن أدى إلى سقوط وإصابة العديد من الضحايا». وكان وزير الدفاع نجاح الشمري، قد حمّل في وقت سابق «طرفاً ثالثاً» لم يسمّه مسؤولية عمليات الاستهداف والقتل المباشر التي طالت المتظاهرين.
من جهة أخرى، ساد هدوء حذر مدينة النجف، أمس، خصوصاً في المنطقة القريبة من محيط ضريح رجل الدين الشيعي البارز محمد باقر الحكيم، بعد جولة مفاوضات بين المحتجين الذي يحاولون منذ نحو أسبوع حرق الضريح وشخصيات مؤثرة في المدينة. وأكدت مصادر أن المتظاهرين ابتعدوا نحو 300 متر عن الضريح، بعدما اشترطوا انسحاب عناصر حماية الضريح المتهمين باستهداف المتظاهرين وقتل وجرح العشرات منهم.
ورغم تقديم حكومة عادل عبد المهدي استقالتها وقبولها من البرلمان، فإن ساحات وشوارع الاعتصام في عموم المحافظات شهدت، أمس، توافد أعداد غير قليلة من المتظاهرين الذين يشددون على عدم الاكتفاء باستقالة رئيس الوزراء.
وقال الناشط في الناصرية حيدر الناشي، إن «المظاهرات مستمرة، والهدوء عاد إلى المدينة بعد سلسلة أحداث ومواجهات عنيفة مع قوات الأمن في الأيام الماضية». وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «تعيين العميد ريسان الإبراهيمي قائداً للشرطة، وهو من أبناء المدينة، وضع حداً لحالة التوتر الشديد التي سادت قبل أيام». لكنه توقع «صعود موجة جديدة من الاحتجاجات في الأيام المقبلة في حال قامت القوى السياسية بتعيين رئيس وزراء جديد مرشح أو تابع لها».
ووجّه قائد شرطة ذي قار، أمس، بغلق جسر الزيتون وسط مدينة الناصرية، مركز محافظة ذي قار، لمدة 40 يوماً، حداداً على أرواح قتلى المظاهرات. وكانت قوات الأمن قد فتحت نيران أسلحتها لتفريق المتظاهرين قرب جسر الزيتون الرابط بين شطري الناصرية، الخميس الماضي، فقتلت نحو 50 متظاهراً وجرحت 225 آخرين.
وكانت الولايات المتحدة قد دعت الحكومة العراقية إلى التحقيق، ومعاقبة المسؤولين عن استخدام القوة «المفرطة» في الناصرية. وقال مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ديفيد شينكر، مساء أول من أمس، إن «استخدام القوة المفرطة في نهاية الأسبوع في الناصرية صادم ومقيت، وندعو الحكومة العراقية إلى احترام حقوق الشعب العراقي، ونحثها على التحقيق ومحاسبة من يحاولون إسكات المحتجين السلميين بوحشية».
وأعلن قائد قوات الشرطة الاتحادية اللواء الركن جعفر البطاط، أمس، وصول تعزيزات عسكرية إلى «سجن الحوت» في ذي قار الذي يضم نحو ثلاثة آلاف محكوم من الجماعات الإرهابية وعناصر تنظيم «داعش».
وقال البطاط في بيان، إن «تعزيزات من 500 مقاتل من الشرطة الاتحادية وصلت إلى سجن الحوت في ذي قار، و150 آخرين وصلوا إلى السجن المركزي في البصرة». وذكر أن الخطوة «تأتي ضمن سلسلة الإجراءات الأمنية لحماية السجون، ولتعزيز القوة الماسكة للسجنين وتأمين محيطهما».
من جهة أخرى، أعلن بطريرك الكلدان الكاثوليك لويس روفائيل ساكو، أمس، إلغاء مظاهر الاحتفال بعيد الميلاد ورأس السنة الميلادية في العراق، احتراماً لأرواح ضحايا الاحتجاجات. وقال ساكو في بيان نقلته وكالة الأنباء الألمانية، أمس: «قررنا إلغاء الاحتفالات، ولذا لن تكون هناك أشجار ميلاد مزيَّنة في الكنائس والساحات، ولا حفلات وسهرات بهذه المناسبة، ولا استقبال رسمي للتهاني في مقر البطريركية، إنما نكتفي بالصلاة ترحماً على أرواح الضحايا، والدعاء بالشفاء العاجل للجرحى، وعودة الحياة الطبيعية إلى البلاد ونهوضها بوطن راقٍ، جامع لكل طوائفه وشرائحه، انطلاقاً من قيم الاحترام والمساواة والمواطنة والحق في الحياة الكريمة».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».