طليطلة... مدينة الثقافات الثلاث

تختصر أجمل التاريخ العربي الأوروبي

منظر بانورامي للمدينة القديمة
منظر بانورامي للمدينة القديمة
TT
20

طليطلة... مدينة الثقافات الثلاث

منظر بانورامي للمدينة القديمة
منظر بانورامي للمدينة القديمة

نادرة هي المدن التي تحتضن هذا القدر من المعالم التاريخية التي تجتمع في طليطلة (توليدو)، عاصمة الإمبراطورية الإسبانية في أوج عزّها بعد أن استحقّت لقب «مدينة الثقافات الثلاث» التي تعايش فيها وتمازج الإسلام مع المسيحية واليهودية طوال قرون، وانتقلت منها الفلسفة والعلوم الإغريقية إلى بقية أوروبا عبر مدرسة الترجمة الشهيرة التي تأسست فيها على يد الكتّاب والمفكّرين الأندلسيين.
تبعد طليطلة نحو 70 كيلومتراً عن مدريد التي تربطها بها طريق تعبر سهول قشتالة قبل أن تطلّ عليها رابضة على هضبة مستديرة يزنّرها نهر «التاج» Tajo الذي يدور حولها كالسوار قبل أن يتابع سيره حتى مصبّه في المحيط الأطلسي عند أقدام العاصمة البرتغالية لشبونة.
لكن إذا كان الوصول إلى طليطلة بالسيّارة مهيباً، فإن الدخول إليها بالقطار يحمل مفاجأة جميلة عند الوصول إلى المحطة المبنيّة في عام 1919 على الطراز المدجّن الذي يستقي أشكاله وخطوطه من الفن الإسلامي الحاضر بقوّة في كثير من مباني المدينة القديمة.
يغادر الزائر محطة القطار ويتّجه مباشرة إلى مدخل المدينة الرئيسي القديم من بوابة «بيساغرا» التي تعود للقرن السادس عشر، ويشعر فوراً بأن التاريخ توقّف في هذه المدينة التي ما زالت شوارعها ومبانيها ومعالمها القديمة كما كانت عليه منذ قرون.
طليطلة اليوم لا تختلف كثيراً عن تلك التي وصل إليها ابن جزيرة كريت اليونانية، الرسّام المعروف باسم «الغريكو»، في عام 1577 وأمضى فيها آخر 37 سنة من حياته أبدع خلالها أجمل أعماله التي تخصّص لها المدينة متحفاً عالميّاً في المنزل الذي عاش فيه، وكان المحترف الذي ولدت فيه مدرسته الفريدة بالرسم.
في تلك الفترة كانت المدينة تشرّع أبوابها أمام رياح النهضة التي كانت تهبّ على أوروبا من الحواضر الإيطالية، وإليها تعود مجموعة المباني التي ما زالت ترصّع طليطلة إلى اليوم. من هذه المباني مستشفى «سانتا كروز» القديم الذي أصبح اليوم متحفاً للفن المعاصر يضمّ مجموعة نفيسة لكبار الفنانين الإسبان في قاعاته الأنيقة التي تعود إلى القرن السادس عشر. وعلى مقربة منه مبنى «آلكازار» الذي يرتفع مُطِلاً على المدينة بأكملها. ويضمّ حاليّاً متحف الجيش بعد ترميمه عقب الدمار الذي لحق به إبّان الحرب الأهلية الإسبانية عندما قصفته قوات الجمهورية بعد أن رفض قائد حاميته تسليمه تحت تهديده بقتل ابنه.
من مبنى «آلكازار» نتجّه نحو جسر «القنطرة» للعبور إلى الضفة الأخرى التي يرتفع عليها قصر «سيرفاندو» من القرن الحادي عشر، ومنه إلى الشوارع القديمة المرصوفة بالحجر في حي «سان مارتين» الذي كان يتعايش فيه المسلمون مع المسيحيين واليهود في القرون الوسطى، والذي يضمّ اليوم حوانيت الحرفيين الذين يواصلون تقاليد الصناعات اليدوية المعروفة باسم «الدمشقيّة».
الطبق الرئيسي في زيارة طليطلة هو الكاتدرائية التي لا يضاهيها أي معبد قوطي آخر في أوروبا، تعود إلى القرن السادس عشر عندما كانت ثاني أهمّ المراكز الكاثوليكية بعد روما. وفي داخلها مجموعة نفيسة من الأعمال الفنّية، أبرزها ثلاث لوحات أنجزها «الغريكو» في الفترة الأخيرة من حياته عندما كان فنّه قد بلغ مرحلة من النضج والاكتمال جعلت منه مدرسة قائمة بذاتها. وإلى جانب الكاتدرائية يقوم القصر الأسقفي الذي يستحقّ زيارة متأنية لجمال معماره. فهو يمزج بين الطرازين الكلاسيكي والأندلسي، ولما تزخر به قاعاته من روائع فنّية.
وتجدر الإشارة إلى أنه حتى المعابد اليهودية في طليطلة مبنيّة على الطراز الأندلسي، خصوصاً كنيس «القديسة ماريّا» الذي يخال الواقف في داخله أنه في مسجد.
قد لا تكون الحضارة العربية الإسلامية ظاهرة هنا كما في غرناطة وإشبيلية وقرطبة، لكن تطالعك كيفما اتجهت في أقواس المباني والرسوم والشعارات المحفورة على المداخل، وفي الصناعات الحرفيّة والأطعمة والحلوى التي كانت شائعة في بلاد الأندلس وتفتخر طليطلة اليوم باستعادتها وتطويرها. وعندما تصل إلى ساحة «زوكودوفير» التي ينبض قلب المدينة بين أطرافها، فإن أول ما تقع العين عليه هو الحمّامات العربية التي تجعلك تشعر لوهلة بأنك في فاس أو مرّاكش.
ولعلّ هذا العمق التاريخي الذي تحتضنه طليطلة بوصفها مدينة تعايشت فيها الديانات والثقافات الكبرى، وبقيت تتمازج بانسجام حتى بعد سقوط آخر الممالك الأندلسية في غرناطة وخروج اليهود من إسبانيا، هو الذي جذب إليها دائماً كبار الفنّانين والشعراء والأدباء، الإسبان والأجانب، يبحثون عن ذلك المكان الذي قال فيه الشاعر الألماني ريلكيه: «هنا تتقاطع نظرات الأحياء مع نظرات الموتى والملائكة».
جاء راينير ماريّا ريلكيه إلى طليطلة في عام 1912 وكتب فيها صفوة أشعاره، وجاءها همنغواي ثم تبعه أورسون ويلز وآفا غاردنر يقضون فترات طويلة في المدينة التي خرجت من التاريخ بعد أن كانت تختصر أجمل التاريخ الذي عاشته أوروبا. ثم قصدها أيضاً شاعر الإسبانية الكبير غارسيّا لوركا الذي قال: «إن هجرتني يوماً غرناطة، فليس لي في الدنيا غير طليطلة».
ثمّة سحر في زيارة طليطلة يدفع إلى الاستزادة منها ويجعل من الصعب على المرء أن يغادرها. لذلك نقترح، بعد التجوال فيها طوال النهار، قضاء الليل في فندق «بارادور» من سلسلة الفنادق الأثرية التابعة لوزارة السياحة، والذي يقع على الضفة الأخرى من نهر «التاج» ويطلّ على المدينة الرابضة فوق الهضبة. ليس أجمل من طليطلة سوى طليطلة تحت ضوء القمر.



اكتشف أفضل المدن الفنية في أوروبا

قصر الريجنسي بمدينة برايتون ألهم مجموعة من المجوهرات بطبيعته ومعماره (غيتي)
قصر الريجنسي بمدينة برايتون ألهم مجموعة من المجوهرات بطبيعته ومعماره (غيتي)
TT
20

اكتشف أفضل المدن الفنية في أوروبا

قصر الريجنسي بمدينة برايتون ألهم مجموعة من المجوهرات بطبيعته ومعماره (غيتي)
قصر الريجنسي بمدينة برايتون ألهم مجموعة من المجوهرات بطبيعته ومعماره (غيتي)

العطلة هي فرصة مثالية لاستكشاف الفن والثقافة، ولهذا، فلا داعي للسفر بعيداً، حيث تنتظرك بعض المدن الجميلة بالقرب منك. من المتاحف الفنية إلى العروض المسرحية، تقدم مدن أوروبية مثل باريس وبرلين وفيينا الكثير لقضاء عطلة ثقافية.

قامت منصة «هوليدو»، بوابة تأجير المساكن لقضاء العطلات، بالبحث في المدن الأوروبية التي يمكن أن تعدّ نفسها مدناً فنية حقيقية. للقيام بذلك، تم الرجوع لبيانات خرائط «غوغل» باستخدام كلمات مفتاحية متعلقة بتخصصات الفنون السبعة الرئيسية. استعد لمعرفة أفضل الوجهات في المدن الأوروبية لقضاء عطلة ثقافية في المدينة. سواء كنت تحب الهندسة المعمارية أو الفنون البصرية أو الموسيقى، فستكتشف هنا المدن المثالية لقضاء عطلتك المقبلة.

أفضل 10 مدن فنية في أوروبا

1. باريس (فرنسا)

يحق للعاصمة الفرنسية أن ترى نفسها أفضل المدن الفنية في أوروبا. بمتاحفها عالمية المستوى مثل «اللوفر»، ومئات المعالم الثقافية مثل المعارض الفنية والمكتبات وقاعات الحفلات الموسيقية، تستحق باريس هذا اللقب عن جدارة. اكتشف أعمالاً فنية مشهورة عالمياً وأعمالاً رائعة لفنانين محليين، واستمتع بحفل موسيقي أو مسرحية، وتصفح متاجر الكتب ومحلات التسجيلات في المدينة. في باريس ستجد الثقافة والفن في كل ركن.

ما يجب مشاهدته في باريس:

* متحف اللوفر للفنون البصرية.

* القصر الملكي (قصر الكاردينال) ومعرض فيفيان للهندسة المعمارية.

2. بلباو (إسبانيا)

حصلت مدينة بلباو الباسكية على الميدالية الفضية، إذ تشتهر المدينة الجميلة الواقعة على الساحل الشمالي الإسباني بـ«متحف غوغنهايم» الشهير الذي يعد قبلة لمحبي الفن الحديث. لكن بلباو لديها كثير من المعارض الفنية الجميلة والمسارح ومتاجر الموسيقى غير هذا المتحف، حيث يمكن أن تكتشف فنانين محليين وعالميين. علاوة على ذلك، فإن المدينة نفسها هي أيضاً عمل فني بما تضمه من مبانٍ جميلة وكنوز معمارية يمكنك الاستمتاع بها في نزهة بأرجاء المدينة.

ما يجب مشاهدته في بلباو:

* متحف غوغنهايم للفنون البصرية.

* قاعة بيلبروك للموسيقى.

3. بورتو (البرتغال)

في المركز الثالث تقع بورتو، وهي مدينة ساحلية جميلة في شمال البرتغال. تشتهر بورتو أيضاً باسم «مدينة الجسور». فالجسور الستة التي تمر عبر نهر دورو هي إنجاز معماري رائع، لكن لدى هذه المدينة لديها أيضاً الكثير لتقدمه في الموسيقى والفنون البصرية. في قاعة حفلات «كازا دا موزيكا» (من تصميم ريم كولاس)، يمكنك الاستمتاع بأفضل حفلات الموسيقى الكلاسيكية والحديثة.

إذا كنت ترغب في تجربة الفن بطريقة مختلفة، تجول في شوارع بورتو واكتشف فن الشارع لفنانين مثل ديو وهيزول لوزا.

ما يجب مشاهدته في بورتو:

* مكتبتا «ليلو» و«أيرامو»

للأدب والهندسة المعمارية.

* قاعة «كازا دي ميوزيكا» للموسيقى.

بقية أفضل 10 مدن فنية

4. فلورنسا، إيطاليا.

5. ليو بليانا، سلوفينيا.

6. بوردو، فرنسا.

7. زيوريخ، سويسرا.

8. فينيسيا، إيطاليا.

9. دبلن، آيرلندا.

10. ترييستي، إيطاليا.

أفضل الوجهات حسب نوع الفن

باريس - الفنون البصرية

(الرسم والنحت)

إذا كنت من محبي الفنون الجميلة، فلا داعي لأن ترهق نفسك بالبحث، باريس هي المكان المناسب لك. تفتخر المدينة باحتضانها لأكثر من ألفي معرض فني، بدءاً من المنظمات الكبيرة إلى الفنانين المستقلين الصغار الذين يعرضون أعمالهم. علاوة على ذلك، تعدّ باريس أيضاً موطناً لمتحف اللوفر وأكثر من 60 متحفاً للفنون يمكنك أن تجدها في مختلف أنحاء المدينة. من الموناليزا (ليوناردو دافينشي) إلى المفكر (أوجست رودين)، تتيح لك زيارة باريس رؤية كثير من الأعمال الفنية ذات الشهرة العالمية.

برايتون - المملكة المتحدة (الموسيقى)

لقضاء عطلة غنية بالموسيقى الحية، توجه إلى برايتون، فهذه المدينة الساحلية الواقعة جنوب إنجلترا هي الوجهة المثالية لعشاق الموسيقى. مع 18 قاعة حفلات دافئة، ستكون لديك دائماً فرصة لمشاهدة أداء رائع. اكتشف الفنانين المحليين واستمتع بالموسيقى الحية. وإذا رغبت في إحضار هدية تذكارية إلى بلدك، فستجد ما تبحث عنه في متاجر الموسيقى والتسجيلات بالمدينة.

بوردو، فرنسا - فنون الأداء

(المسرح والسينما):

بوردو هي مدينة الفنون المسرحية الأوروبية بلا شك، حيث ستجد هنا ما لا يقل عن 80 مسرحاً، من المسارح الكبيرة مثل «غراند ثياتر»، إلى قاعات البلدية الصغيرة، حيث تقدم الفرق المحلية عروضها، ويمكنك حضور المسرحيات، والعروض الموسيقية، والأوبرا، وغيرها لكي تختار من بينها في بوردو. وإذا كنت ترغب في زيارة المدينة في أفضل حالاتها، فيمكن زيارتها خلال فعاليات «فاب»، وهو مهرجان فني نابض بالحياة مخصص للفن التفاعلي والأداء.

فلورنسا - إيطاليا (الأدب)

لرحلة استراحة أدبية مميزة، تعد مدينة فلورنسا المكان المثالي، حيث تحتوي هذه المدينة التي تعود إلى العصور الوسطى على ما لا يقل عن 94 مكتبة غنية يمكنك أن تجد فيها مجموعة كبيرة من الكتب الإيطالية والأجنبية.

تأكد من زيارة «تودو مودو»، وهي مكتبة وحانة في مكان واحد. كما تعد فلورنسا موطناً لمكتبات تاريخية جميلة مثل «بيبليوتيكا مارسيليانو» و«بيبلوتيكا ريكورديانا»، حيث يمكن لعشاق الكتب الانغماس في مجموعة مختارة من المخطوطات والكتب النادرة.

بلباو - إسبانيا (الهندسة المعمارية)

زيارة بلباو ستتيح المتعة لمحبي الهندسة المعمارية. فالمدينة عبارة عن مزيج مثير للاهتمام من الأنماط المعمارية المختلفة. ويعد جسر «زوبيزاري» ومبنى «غوغنهايم» مثالين جميلين على الطراز المعاصر. كذلك تعد «كاسا مونتريو» مكاناً لا غنى عن رؤيته لجميع عشاق فن «أرت نوفو».

كذلك تعد مباني «أزونتا زينترو»، و«بلباو مارينا» و«منستيريو دي سانيداد» أمثلة حية على الهندسة المعمارية الفريدة للمدينة، ويمكنك اكتشافها جميعاً في نزهة على الأقدام أو جولة في المدينة.