أبحاث لتحسين تصميم محركات جديدة أعلى كفاءة

باحثو «كاوست» يطورون نموذجاً جديداً لوصف تركيب الوقود

أبحاث لتحسين تصميم محركات جديدة أعلى كفاءة
TT

أبحاث لتحسين تصميم محركات جديدة أعلى كفاءة

أبحاث لتحسين تصميم محركات جديدة أعلى كفاءة

يتَّسم الغازولين والديزل اللذان نزوِّد بهما سياراتنا بأنهما خليط معقد من آلاف المواد الكيميائية المختلفة، ولكن سرعان ما يزول هذا التعقيد الطاغي عند دراسة الوقود بصورة أكثر قرباً. وفي داخل مختبرات جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية (كاوست)، وبدلاً من محاولة وضع نموذج لعملية احتراق الوقود بالاعتماد على قائمة طويلة من الجزيئات التي يحتوي عليها، توصل الباحثون إلى طريقة مختصرة: فقد أثبتوا الآن أنه بإمكانهم تبسيط هذا التعقيد وإنتاج قائمة قصيرة جداً من الوحدات الجزيئية الفرعية أو المجموعات الوظيفية التي تتكوَّن منها معظم جزيئات الوقود.
وتوصَّل إلى هذا الأسلوب المبسَّط لمحاكاة احتراق الوقود بدقة، طالب الدكتوراه عبد الغني عبد الجميل، والمهتم بنمذجة الاحتراق لزيادة كفاءته، بالتعاون مع الدكتور ماني ساراثي، في مركز بحوث الاحتراق النظيف وأستاذ الهندسة الكيميائية المشارك، قسم العلوم والهندسة الفيزيائية وفريقهما بكاوست.
بدأ المشروع بفرضية تنصُّ على أن طبيعة احتراق كل مكوِّن من مكونات الوقود تتحدد وفقاً للمجموعات الوظيفية التي يتألف منها. ولإثبات النظرية، أجرى الفريق تحليلاً بالرنين المغناطيسي النووي عالي الدقة بمختبرات كاوست الأساسية، لتحديد المجموعات الوظيفية الرئيسية في سلسلة من مركبات الوقود المعقدة، ثم وضعوا بعد ذلك بدائل بسيطة لكل نوع من الوقود باختيار جزيء أو اثنين يحتويان على المجموعات الوظيفية بنفس التوازن الموجود في الوقود الحقيقي.
بمقارنة المتغيرات الرئيسية للاحتراق في المختبر؛ مثل زمن تأخُّر الاشتعال ونقطة التدخين، أكَّد الباحثون أن البدائل البسيطة كانت شديدة الشبه بالوقود الحقيقي. وأثبتوا أن البديل الجيَّد عليه أن يطابق الوقود الأصلي من حيث متوسط الوزن الجزيئي وأن يحتوي على النسب الصحيحة لخمسٍ فقط من المجموعات الوظيفية، وهي: الكربون والهيدروجين، مثل: الـCH3. والـCH2 البارافيني، والـCH البارافيني، والـCH–CH2 النافثيني، وC–CH العطري.
تُعطي النمذجة التقليدية للاحتراق وصفاً دقيقاً لسلوك مزيج الوقود عند إضافة بيانات مفصلة للحركة الكيميائية بشكل متزايد للكثير من مكونات الوقود، إلا أن عيبها الوحيد أن عملية المحاكاة تزداد بطئاً، ما قد يعيق إتمامها. ويقول ساراثي: «لقد أثبتنا أن زيادة تعقيد النموذج غير ضرورية ما دمنا تمكَّنا من رصد السمات الأساسية للمتغيرات الجزيئية الأبسط؛ والمجموعات الوظيفية».
من جانبه يوضح عبد الجميل أن الأسلوب الذي يتبعه الفريق لإنتاج بدائل بسيطة للوقود سيحسِّن بشكل مباشر من تصميم محركات جديدة بكفاءة أعلى. ويوضح أن «استخدام أقل عدد من المكونات يخفِّض إلى حد كبير الوقت المستغرق في تطوير نماذج الحركة الكيميائية ويقلّل من التكاليف الحاسوبية لمحاكاة الاحتراق في محركات الاحتراق الداخلي».
ويستهدف منهج الفريق القائم على المجموعة الوظيفية تحقيق ما هو أكثر من تصنيع وقود بديل. يضيف عبد الجميل: «نعمل حالياً على تطوير نماذج قائمة على تكنولوجيا تعلُم الآلة للتنبؤ بخصائص احتراق نوع الوقود بناء على مجموعته الوظيفية».



«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
TT

«مرايا» الذكاء الاصطناعي تعكس دواخلها «مع كل التحيزات»

«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها
«بوابة السحاب» مرآة تعكس الحياة وتشوهاتها

قبل بضع سنوات، وجدت شانون فالور نفسها أمام تمثال «بوابة السحاب (Cloud Gate)»، الضخم المُصمَّم على شكل قطرة زئبقية من تصميم أنيش كابور، في حديقة الألفية في شيكاغو. وبينما كانت تحدق في سطحه اللامع المرآتي، لاحظت شيئاً، كما كتب أليكس باستيرناك (*).

وتتذكر قائلة: «كنت أرى كيف أنه لا يعكس أشكال الأفراد فحسب، بل والحشود الكبيرة، وحتى الهياكل البشرية الأكبر مثل أفق شيكاغو... ولكن أيضاً كانت هذه الهياكل مشوَّهة؛ بعضها مُكبَّر، وبعضها الآخر منكمش أو ملتوٍ».

الفيلسوفة البريطانية شانون فالور

تشويهات التعلم الآلي

بالنسبة لفالور، أستاذة الفلسفة في جامعة أدنبره، كان هذا يذكِّرنا بالتعلم الآلي، «الذي يعكس الأنماط الموجودة في بياناتنا، ولكن بطرق ليست محايدة أو موضوعية أبداً»، كما تقول. أصبحت الاستعارة جزءاً شائعاً من محاضراتها، ومع ظهور نماذج اللغة الكبيرة (والأدوات الكثيرة للذكاء الاصطناعي التي تعمل بها)، اكتسبت مزيداً من القوة.

مرايا الذكاء الاصطناعي مثل البشر

تبدو «مرايا» الذكاء الاصطناعي مثلنا كثيراً؛ لأنها تعكس مدخلاتها وبيانات التدريب، مع كل التحيزات والخصائص التي يستلزمها ذلك. وبينما قد تنقل القياسات الأخرى للذكاء الاصطناعي شعوراً بالذكاء الحي، فإن «المرآة» تعبير أكثر ملاءمة، كما تقول فالور: «الذكاء الاصطناعي ليس واعياً، بل مجرد سطح مسطح خامل، يأسرنا بأوهامه المرحة بالعمق».

غلاف كتاب «مرايا الذكاء الاصطناعي»

النرجسية تبحث عن صورتها

كتابها الأخير «مرآة الذكاء الاصطناعي (The AI Mirror)»، هو نقد حاد وذكي يحطِّم عدداً من الأوهام السائدة التي لدينا حول الآلات «الذكية». يوجه بعض الاهتمام الثمين إلينا نحن البشر. في الحكايات عن لقاءاتنا المبكرة مع برامج الدردشة الآلية، تسمع أصداء نرجس، الصياد في الأساطير اليونانية الذي وقع في حب الوجه الجميل الذي رآه عندما نظر في بركة من الماء، معتقداً بأنه شخص آخر. تقول فالور، مثله، «إن إنسانيتنا مُعرَّضة للتضحية من أجل هذا الانعكاس».

تقول الفيلسوفة إنها ليست ضد الذكاء الاصطناعي، لكي نكون واضحين. وسواء بشكل فردي، أو بصفتها المديرة المشارِكة لمنظمة «BRAID»، غير الربحية في جميع أنحاء المملكة المتحدة المكرسة لدمج التكنولوجيا والعلوم الإنسانية، قدَّمت فالور المشورة لشركات وادي السيليكون بشأن الذكاء الاصطناعي المسؤول.

نماذج «مسؤولة» ومختبرة

وهي ترى بعض القيمة في «نماذج الذكاء الاصطناعي المستهدفة بشكل ضيق والآمنة والمختبرة جيداً والمبررة أخلاقياً وبيئياً» لمعالجة المشكلات الصحية والبيئية الصعبة. ولكن بينما كانت تراقب صعود الخوارزميات، من وسائل التواصل الاجتماعي إلى رفاق الذكاء الاصطناعي، تعترف بأن ارتباطها بالتكنولوجيا كان مؤخراً «أشبه بالوجود في علاقة تحوَّلت ببطء إلى علاقة سيئة. أنك لا تملك خيار الانفصال».

فضائل وقيم إنسانية

بالنسبة لفالور، إحدى الطرق للتنقل وإرشاد علاقاتنا المتزايدة عدم اليقين بالتكنولوجيا الرقمية، هي الاستفادة من فضائلنا وقيمنا، مثل العدالة والحكمة العملية. وتشير إلى أن الفضيلة لا تتعلق بمَن نحن، بل بما نفعله، وهذا جزء من «صراع» صنع الذات، بينما نختبر العالم، في علاقة مع أشخاص آخرين. من ناحية أخرى، قد تعكس أنظمة الذكاء الاصطناعي صورة للسلوك أو القيم البشرية، ولكن كما كتبت في كتابها، فإنها «لا تعرف عن التجربة الحية للتفكير والشعور أكثر مما تعرف مرايا غرف نومنا آلامنا وأوجاعنا الداخلية».

الخوارزميات والعنصرية وعدم المساواة

في الوقت نفسه تعمل الخوارزميات المدربة على البيانات التاريخية، بهدوء، على تقييد مستقبلنا بالتفكير نفسه الذي ترك العالم «مليئاً بالعنصرية والفقر، وعدم المساواة، والتمييز، وكارثة المناخ».

«كيف سنتعامل مع تلك المشكلات الناشئة التي ليست لها سابقة؟»، تتساءل فالور، وتشير: «مرايانا الرقمية الجديدة تشير إلى الوراء».

الاعتماد على السمات البشرية المفيدة

مع اعتمادنا بشكل أكبر على الآلات، وتحسينها وفقاً لمعايير معينة مثل الكفاءة والربح، تخشى فالور أننا نخاطر بإضعاف عضلاتنا الأخلاقية أيضاً، وفقدان المسار للقيم التي تجعل الحياة تستحق العناء.

مع اكتشافنا لما يمكن أن يفعله الذكاء الاصطناعي، سنحتاج إلى التركيز على الاستفادة من السمات البشرية الفريدة أيضاً، مثل التفكير القائم على السياق والحكم الأخلاقي، وعلى تنمية قدراتنا البشرية المتميزة. كما تعلمون. وهي تقول: «لسنا بحاجة إلى هزيمة الذكاء الاصطناعي. نحن بحاجة إلى عدم هزيمة أنفسنا».

* مجلة «فاست كومباني» - خدمات «تريبيون ميديا»

اقرأ أيضاً