تباين الاستراتيجيات الإعلامية للفنانين... و«السوشيال ميديا» أهمها

بعضهم تخلى عن المقابلات الصحافية كلياً

أحمد حلمي
أحمد حلمي
TT

تباين الاستراتيجيات الإعلامية للفنانين... و«السوشيال ميديا» أهمها

أحمد حلمي
أحمد حلمي

يحرص نجوم الفن على تغيير استراتيجياتهم في التعامل مع الإعلام كلما ظهرت وسائط جديدة تتيح لهم فرصة الوصول إلى قطاعات أكبر من الجمهور. ومع ظهور «السوشيال ميديا» اتجه بعض الفنانين خصوصاً من جيل الشباب إلى الاعتماد بشكل كلي على هذه المنصات الجديدة، التي تتيح لكل منهم التحكم في علاقته بمتابعيه مباشرة من دون وسيط، وفي المقابل لا يزال هناك من يعتمد على الإعلام التقليدي، ويحرص على الوجود بصفحات الجرائد والمجلات مع كل عمل جديد يقدمه، عادّاً هذه الطريق الأكثر احترافية، ومنهم من بات يسند تعامله مع وسائل الإعلام إلى مكاتب علاقات عامة تنظم حواراته ولقاءاته مع الإعلاميين.
رغم إغراءات مواقع «التواصل الاجتماعي» الكبيرة، وما تحققه من انتشار واسع، والمقابل المادي الذي يتحقق من الظهور في البرامج التلفزيونية، فإن بعض الفنانين لا يزالون يقفون على مسافة من هذه الوسائط، بالامتناع التام، أو الترشيد... ومن هؤلاء الفنان أحمد حلمي الذي اختار منذ سنوات عدم إجراء أي مقابلات صحافية، مكتفياً بالتواصل مع متابعيه عند الضرورة عبر حسابه بموقع «تويتر». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «استراتيجية الصمت التي اختارها أثبتت على مدار سنوات أنها الأفضل، ولا يرغب في تغييرها، دون توضيح أسباب».
حلمي ليس الوحيد الذي توقف عن إجراء مقابلات صحافية، فهناك عدد كبير من النجوم لا يتواصلون بشكل مباشر مع الصحافة؛ ومنهم منى زكي، وعمرو دياب، وشريهان، وعبلة كامل، وحسن حسني، حيث يكتفي هؤلاء بأن تتحدث أعمالهم الفنية عنهم ولا يتحدثون هم عنها.
هناك نموذج آخر من الفنانين الذين لا يزالون يدركون أهمية الإعلام التقليدي، ولا يفرطون في استخدام «السوشيال ميديا»، من بينهم الفنانة بسمة، التي قالت لـ«الشرق الأوسط»، إن «السوشيال ميديا عالم خيالي بالنسبة لي، ولا أزال أسعى لفهم أبعاده، وكيف يمكنني الاستفادة منه»، مؤكدة حرصها على أن تدرس كل شيء قبل أن يخرج للجمهور، «وهذا ربما لا يناسب عالم السوشيال ميديا الذي يحتاج إلى الوجود بكثافة».
وأوضحت بسمة أنها «تطبق المنهج نفسه في تعاملها مع وسائل الإعلام التقليدية من صحافة مطبوعة أو مرئية، فهي لا تفضل الإدلاء بأي تصريحات؛ إلا عندما يكون لديها ما تقوله أو توضحه».
وعن لجوئها أخيراً لتدشين حساب على موقع تبادل الصور «إنستغرام»، وإذا ما كانت بداية للاعتماد على هذا الوسيط، أم لا، قالت بسمة إن «(إنستغرام) لا يغني عن الإعلام التقليدي، فهو موقع للصور ويكون مفيداً في نشر الأشياء المرئية، لكن عندما أرغب في التحدث والدخول في نقاش عن عمل فني أقدمه، لا بديل عن الإعلام التقليدي من صحافة وبرامج تلفزيونية».
وينشط عدد كبير من نجوم الفن خصوصاً من السيدات على مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً «إنستغرام» الذي يتيح لهم نشر أكبر عدد من صورهم بمواقع مختلفة، وغالباً ما تثير تلك الصور ردود فعل وجدلاً واسعاً في مصر والبلدان العربية المختلفة، عند الظهور بملابس تتسم بالجرأة.
محمد عبد الرحمن، رئيس تحرير موقع «في الفن»، يقول لـ«الشرق الأوسط» إن الصحافة كانت في الماضي الوسيط بين الفنان والجمهور، لكن بعد ظهور «السوشيال ميديا»، أصبح الفنان في مواجهة الجمهور مباشرة، وتحولت الصحافة إلى موقع المتفرج لعلاقة الفنان بجمهوره، ورغم أن لذلك إيجابيات يشعر بها الفنان، فإن السلبيات التي تعود عليه أكبر، بدليل أن غالبية الأزمات التي يتعرض لها الفنانون مؤخراً تحدث بسبب عدم قدرتهم على مخاطبة الجمهور بشكل مباشر، لدرجة تورط بعضهم في دخول سجالات مع متابعيهم تصل إلى حد السباب، ما يدفعهم بعد ذلك للاعتذار والتبرير، مشيراً إلى أن الفنان الذي يرغب في الاستغناء عن الإعلام التقليدي، ويريد أن يكتب أخباره مباشرة على حساباته بمواقع التواصل، لا بد أن يستعين بفريق محترف يساعده في ذلك، وهناك أكثر من نموذج للتعامل مع مواقع التواصل، فالفنان أحمد حلمي على سبيل المثال نموذج للنجوم الذين يديرون صفحاتهم بذكاء شديد، وهو بالمناسبة أعلن قبل أيام أنه «أدمن» حسابه على موقع «تويتر». هذا الفنان يملك من الحكمة ما يساعده على الاستفادة من «السوشيال ميديا»، كما حدث مؤخراً عندما هاجمه أحد متابعيه قائلاً: «فيلمك وحش»، فاستوعبه «حلمي» قائلاً: «كنت أتمنى الفيلم يعجبك يا درش»، وهو ما أكسبه احترام الجميع.
ما يفعله حلمي، يقوم بعكسه تماماً الفنان أحمد فهمي، الذي اعتادت الصحافة أن ترصد اشتباكاته المتتالية مع متابعيه بالألفاظ والشتائم، وهو ما يعرضه لخسائر هو في غنى عنها.
هناك نموذج آخر يستخدم السوشيال ميديا بشكل إيجابي؛ هو الفنان محمد هنيدي، الذي يستخدم فريقاً في التواصل مع الجمهور، واستطاع من خلال حساباته المختلفة على مواقع التواصل أن يحقق حالة من الوجود الإيجابي حتى في الأوقات التي لا يشارك في أعمال فنية.
يوضح عبد الرحمن، أن العلاقة كانت مختلفة تماماً قبل ظهور عصر «السوشيال ميديا»، فالفنان كان متابعاً جيداً للصحافة، وكان لديه أشخاص وظيفتهم صناعة أرشيف له عن طريق جمع كل ما يكتب عنه في الصحف، وكان التواصل مباشراً مع الصحافيين، أما الآن فالفنان يرى أنه قادر على الاستغناء عن الصحافة ما دام أن له عدد متابعين بالملايين على السوشيال ميديا، وهذه مفاهيم خاطئة انتشرت مؤخراً ولا بد من تصحيحها للفنانين حتى تعود العلاقة طبيعية بين الإعلام والفنان.
ونتيجة زخم «السوشيال ميديا» وكثرة برامج المنوعات في الفضائيات، أصبح هناك إفراط في ظهور الفنانين إعلامياً، دون دراسة لتأثير ذلك عليهم، لدرجة أن كثيراً من الفنانين يعدّون ظهورهم في البرامج مثل مأمورية تصوير، يذهبون ليحصلوا على المال وليس لأن هناك ما يريدون قوله لجمهورهم، فالغالبية تنجرف لفكرة الظهور بغض النظر عن كونه مفيداً أو مضراً، بعض الفنانين يقبل التكريم من جهات مجهولة، أو يحضر مهرجانات كثيرة للحديث إلى الكاميرات، وأصبح الفنان منفتحاً جداً على الجمهور من خلال وسائل الإعلام الحديثة، بالإضافة إلى حملات التوعية وما يسمى سفراء النوايا الحسنة، وكل ذلك يحتاج إلى ترشيد.
وبالتوازي مع الفنانين الذين يديرون علاقتهم مع وسائل الإعلام المختلفة بأنفسهم، منهم يسرا وأحمد عز وعادل إمام وأشرف عبد الباقي، ظهرت شركات العلاقات العامة أو الاستشارات الإعلامية التي تنظم علاقة الفنان بوسائل الإعلام المختلفة، فلا يستطيع الصحافي إجراء مقابلة مع الفنان الذي يتعاقد مع هذه الشركة أو تلك إلا عبرها.
رباب إبراهيم، مؤسسة إحدى شركات العلاقات العامة، تقول لـ«الشرق الأوسط»، إنها عندما بدأت العمل في هذا المجال قبل ظهور السوشيال ميديا تعرضت لهجوم شديد، ووجهت لها اتهامات بأنها تفسد علاقة الصحافة بالفنانين، رغم أن هذا النظام كان معمولاً به في دول مثل الإمارات ولبنان، ومهمته تسويق الفنان إعلامياً وإدارة ظهوره بالشكل الذي يخدمه ولا يضره، موضحة أن الفنان في بداية مشواره لا يكون على دراية كافية بالصحف المهمة التي يجب أن يتعامل معها، ولا يعرف الشكل الأمثل للظهور الذي يزيد من شعبيته ولا يضره، الحال نفسها تنطبق على الفنان غير المصري.
وأكدت إبراهيم أن بعض الفنانين أصبحوا يفضلون التعامل مع الصحافة من خلال وسيط، بسبب الزيادة غير الطبيعية في عدد المواقع الفنية، فهم يتلقون كماً هائلاً من الاتصالات وطلبات لإجراء حوارات صحافية وتلفزيونية، ولأن وقتهم لا يسمح بالتواصل مع الجميع، يلجأون إلى شركات العلاقات العامة لترشح لهم وسائل الإعلام المهمة لإجراء المقابلات.
وعن جلسات الحوار الجماعية، التي يجلس فيها أكثر من صحافي مع الفنان في وقت واحد، ويتهمها الكثيرون بإفساد الصحافة لأنها توفر مادة متشابهة تنشر في التوقيت نفسه في كل المطبوعات، قالت رباب إبراهيم إن هناك عدداً كبيراً من الصحف والمواقع وقنوات «يوتيوب» ومصورين وفضائيات، وكل ذلك يرغب في التواصل مع الفنان وقت طرح فيلمه، وبالتالي كان الحل الأمثل لإرضاء الجميع أن يجلس الجميع جلسة واحدة للحصول على الإجابات الرئيسية التي يكرر السؤال عنها الجميع، وإذا كانت لأحدهم أسئلة خاصة به، فيخصص له 15 دقيقة على أقصى تقدير لتكون لديه المادة التي ينفرد بها عن غيره، لكن الفنان لم يعد يستطيع أن يجلس مع كل صحافي على حدة، ليجيب عن السؤال نفسه.
وأوضحت إبراهيم أن الوسائط الإعلامية على اختلافها مكملة بعضها لبعض، فمن يشاهد التلفزيون مساء يختلف عن الذي يستمع للراديو بسيارته في فترة الظهيرة، وبالتأكيد يختلف عن الذي يتابع السوشيال ميديا، وبطبيعة الحال عن الذي يقرأ الصحف الورقية، وبالتالي يحتاج الفنان الوصول إلى الجمهور عبر كل هذه المنصات، لكن هذا لا ينفي أن هناك عدداً من الفنانين أصيبوا بحالة من الجنون بسبب البحث المستمر عن «تريند السوشيال ميديا»، وفي سبيل ذلك يفعلون أي شيء بما في ذلك التعري وارتداء ملابس غريبة أو مثيرة للفت الانتباه، وبعض النجوم يقومون بتسريب صور خاصة ليحققوا انتشاراً ووجوداً، لكن الإفراط في التعري أصبح لا يحقق شيئاً، لأن ذلك أصبح العادي بالنسبة لمتابعي «السوشيال ميديا».



استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)
TT

استنفار الإعلام المرئي اللبناني على مدى 24 ساعة يُحدث الفرق

إدمون ساسين (إنستغرام)
إدمون ساسين (إنستغرام)

تلعب وسائل الإعلام المرئية المحلية دورها في تغطية الحرب الدائرة اليوم على لبنان.

نوع من «التجنيد الإجباري» فرضته هذه الحالة على المحطات التلفزيونية وموظفيها ومراسليها، فغالبيتهم يمضون نحو 20 ساعة من يومهم في ممارسة مهامهم. وبعضهم يَصِلون ليلهم بنهارهم في نقل مباشر وموضوعي، وآخرون يضعون دمهم على كفّ يدهم وهم يتنقلون بين مناطق وطرقات تتعرّض للقصف. أما رؤساء التحرير ومقدِّمو البرامج الحوارية اليومية، فهم عندما يحوزون على ساعات راحة قليلة، أو يوم إجازة، فإنهم يشعرون كما السمك خارج المياه. ومن باب مواقعهم ومسؤولياتهم الإعلامية، تراهم يفضلون البقاء في قلب الحرب، وفي مراكز عملهم؛ كي يرووا عطشهم وشهيّتهم للقيام بمهامهم.

المشهدية الإعلامية برمّتها اختلفت هذه عن سابقاتها. فهي محفوفة بالمخاطر ومليئة بالصدمات والمفاجآت من أحداث سياسية وميدانية، وبالتالي، تحقن العاملين تلقائياً بما يشبه بهرمون «الأدرينالين». فكيف تماهت تلك المحطات مع الحدث الأبرز اليوم في الشرق الأوسط؟

الدكتورة سهير هاشم (إنستغرام)

لم نتفاجأ بالحرب

يصف وليد عبود، رئيس تحرير الأخبار في تلفزيون «إم تي في» المحلي، لـ«الشرق الأوسط»، حالة الإعلام اللبناني اليوم بـ«الاستثنائية». ويضيف: «إنها كذلك لأننا في لبنان وليس عندنا محطات إخبارية. وهي، بالتالي، غير مهيأة بالمطلق للانخراط ببث مباشر يستغرق ما بين 18 و20 ساعة في اليوم. بيد أن خبراتنا المتراكمة في المجال الإعلامي أسهمت في تكيّفنا مع الحدث. وما شهدناه في حراك 17 أكتوبر (تشرين الأول) الشعبي، وفي انفجار مرفأ بيروت، يندرج تحت (الاستنفار الإعلامي) ذاته الذي نعيشه اليوم».

هذا «المراس» - كما يسميه عبود - «زوّد الفريق الإخباري بالخبرة، فدخل المواكبة الإعلامية للحرب براحة أكبر، وصار يعرف الأدوات اللازمة لهذا النوع من المراحل». وتابع: «لم نتفاجأ باندلاع الحرب بعد 11 شهراً من المناوشات والقتال في جنوب لبنان، ضمن ما عرف بحرب المساندة. لقد توقعنا توسعها كما غيرنا من محللين سياسيين. ومن كان يتابع إعلام إسرائيل لا بد أن يستشفّ منه هذا الأمر».

جورج صليبي (إنستغرام)

المشهد سوريالي

«يختلف تماماً مشهد الحرب الدائرة في لبنان اليوم عن سابقاته». بهذه الكلمات استهل الإعلامي جورج صليبي، مقدّم البرامج السياسية ونشرات الأخبار في محطة «الجديد» كلامه لـ«الشرق الأوسط». وأردف من ثم: «ما نشهده اليوم يشبه ما يحصل في الأفلام العلمية. كنا عندما نشاهدها في الصالات السينمائية نقول إنها نوع من الخيال، ولا يمكنها أن تتحقق. الحقيقة أن المشهد سوريالي بامتياز حتى إننا لم نستوعب بسرعة ما يحصل على الأرض... انفجارات متتالية وعمليات اغتيال ودمار شامل... أحداث متسارعة تفوق التصور، وجميعها وضعتنا للحظات بحالة صدمة. ومن هناك انطلقنا بمشوار إعلامي مرهق وصعب».

وليد عبود (إنستغرام)

المحطات وضغوط تنظيم المهام

وبالفعل، منذ توسع الحرب الحالية، يتابع اللبنانيون أخبارها أولاً بأول عبر محطات التلفزيون... فيتسمّرون أمام الشاشة الصغيرة، يقلّبون بين القنوات للتزوّد بكل جديد.

وصحيحٌ أن غالبية اللبنانيين يفضّلون محطة على أخرى، لكن هذه القناعة عندهم تتبدّل في ظروف الحرب. وهذا الأمر ولّد تنافساً بين تلك المحطات؛ كي تحقق أكبر نسبة متابعة، فراحت تستضيف محللين سياسيين ورؤساء أحزاب وإعلاميين وغيرهم؛ كي تخرج بأفكار عن آرائهم حول هذه الحرب والنتيجة التي يتوقعونها منها. وفي الوقت نفسه، وضعت المحطات جميع إمكاناتها بمراسلين يتابعون المستجدات على مدار الساعات، فيُطلعون المشاهد على آخر الأخبار؛ من خرق الطيران الحربي المعادي جدار الصوت، إلى الانفجارات وجرائم الاغتيال لحظة بلحظة. وفي المقابل، يُمسك المتفرجون بالـ«ريموت كونترول»، وكأنه سلاحهم الوحيد في هذه المعركة التنافسية، ويتوقفون عند خبر عاجل أو صورة ومقطع فيديو تمرره محطة تلفزيونية قبل غيرها.

كثيرون تساءلوا: كيف استطاعت تلك المحطات تأمين هذا الكمّ من المراسلين على جميع الأراضي اللبنانية بين ليلة وضحاها؟

يقول وليد عبود: «هؤلاء المراسلون لطالما أطلوا عبر الشاشة في الأزمنة العادية. ولكن المشاهد عادة لا يعيرهم الاهتمام الكبير. ولكن في زمن الحرب تبدّلت هذه المعادلة وتكرار إطلالاتهم وضعهم أكثر أمام الضوء».

ولكن، ما المبدأ العام الذي تُلزم به المحطات مراسليها؟ هنا يوضح عبود في سياق حديثه أن «سلامة المراسل والمصور تبقى المبدأ الأساسي في هذه المعادلة. نحن نوصيهم بضرورة تقديم سلامتهم على أي أمر آخر، كما أن جميعهم خضعوا لتدريبات وتوجيهات وتعليمات في هذا الشأن... وينبغي عليهم الالتزام بها».

من ناحيته، يشير صليبي إلى أن المراسلين يبذلون الجهد الأكبر في هذه الحرب. ويوضح: «عملهم مرهق ومتعب ومحفوف بالمخاطر. لذلك نخاف على سلامتهم بشكل كبير».

محمد فرحات (إنستغرام)

«إنها مرحلة التحديات»

وبمناسبة الكلام عن المراسلين، يُعد إدمون ساسين، مراسل قناة «إل بي سي آي»، من الأقدم والأشهر في هذه المحطة. وهو لا يتوانى عن التنقل خلال يوم واحد بين جنوب لبنان وشماله. ويصف مهمّته خلال المرحلة الراهنة بـ«الأكثر خطراً». ويشرح من ثم قائلاً: «لم تعُد هناك خطوط حمراء أو نقاط قتال محددة في هذه الحرب. لذا تحمل مهمتنا التحدّي بشكل عام. وهي محفوفة بخطر كبير، لا سيما أن العدو الإسرائيلي لا يفرّق بين طريق ومبنى ومركز حزب وغيره، ويمكنه بين لحظة وأخرى أن يختار أهدافه ويفاجئ الجميع... وهذا ما وضع الفرق الصحافية في خطر دائم، ونحن علينا بالتالي تأمين المعلومة من قلب الحدث بدقة».

وفق ساسين، فإن أصعب المعلومات هي تلك المتعلقة بالتوغّل البرّي للجيش الإسرائيلي، «فحينها لا يمكن للمراسل معرفة ما يجري بشكل سليم وصحيح على الأرض... ولذا نتّكل أحياناً على مصادر لبنانية من جهة (حزب الله)، و(اليونيفيل) (القوات الدولية العاملة بجنوب لبنان) والجيش اللبناني والدفاع المدني، أو أشخاص عاشوا اللحظة. ومع هذا، يبقى نقل الخبر الدقيق مهمة صعبة جداً. ويشمل ما أقوله أخبار الكمائن والأسر، بينما نحن في المقابل نفتقر إلى القدرة على معرفة هذه الأخبار، ولذا نتوخى الحذر بنقلها».

«لبنان يستأهل التضحية»

في هذه الأثناء، يتكلم مراسل تلفزيون «الجديد» محمد فرحات «بصلابة»، عندما يُسأل عن مهمّته الخطرة اليوم.

محمد كان من بين الفريق الإعلامي الذي تعرّض لقصف مباشر في مركز إقامته في بلدة حاصبيا، وخسر يومذاك زملاء له ولامس الموت عن قرب لولا العناية الإلهية، كما يقول. ويتابع: «لقد أُصبت بحالة إنكار للمخاطر التي أتعرّض لها. في تلك اللحظة عشت كابوساً لم أستوعبه في البداية. وعندما فتحت عيني سألت نفسي لبرهة: أين أنا؟»، ويضيف فرحات: «تجربتي الإعلامية ككل في هذه الحرب كانت مفيدة جداً لي على الصعيدين: الشخصي والمهني. من الصعب أن أُشفى من جروح هذه الحرب، ولكني لم أستسلم أو أفكر يوماً بمغادرة الساحة. فلبنان يستأهل منا التضحية».

العلاج النفسي الجماعي ضرورة

أخيراً، في هذه الحرب لا إجازات ولا أيام عطل وراحة. كل الإعلاميين في مراكز عملهم بحالة استنفار. ولكن ماذا بعد انتهاء الحرب؟ وهل سيحملون منها جراحاً لا تُشفى؟

تردّ الاختصاصية النفسية الدكتورة سهير هاشم بالقول: «الإعلاميون يتعرضون لضغوط جمّة، وفي الطليعة منهم المراسلون. هؤلاء قد لا يستطيعون اليوم كشف تأثيرها السلبي على صحتهم النفسية، ولكن عند انتهاء الحرب قد يكون الأمر فادحاً. وهو ما يستوجب الدعم والمساندة بصورة مستمرة من مالكي المحطات التي يعملون بها». وأضافت الدكتورة هاشم: «ثمة ضرورة لإخضاعهم لجلسات علاج نفسية، والأفضل أن تكون جماعية؛ لأن العلاج الموسمي غير كافٍ في حالات مماثلة، خلالها يستطيعون أن يساندوا ويتفهموا بعضهم البعض بشكل أفضل».