تستعد دول منطقة الخليج لتطبيق تقنية شبكة الجيل الخامس للاتصالات، بما تحمله معها من سعات وسرعات هائلة للإنترنت، وقدرات معالجة فورية للبيانات، يتطلع القطاع العقاري في المنطقة لتحوّل رقمي شامل يتمثل في انتشار تطبيقات ومنصات التكنولوجيا العقارية الذكية التي تستخدم تقنيات «الواقع الافتراضي» و«الواقع المعزز» و«تحليل البيانات الضخمة» وتقنية «سلسلة الكتل أو البلوك تشين» لتقديم تجربة رقمية متكاملة للمستثمرين والباحثين عن الخيارات العقارية التجارية أو السكنية أو السياحية في المنطقة.
وسنشاهد في المستقبل القريب في دول المنطقة، مثل السعودية والإمارات والبحرين، التي تستكمل بسرعة فائقة مراحل التحول الرقمي في بنيتها التحتية التكنولوجية المتقدمة، صعود سوق رقمية تفاعلية للعقارات تؤهّل المستثمرين والمتعاملين لإنجاز مختلف عمليات المعاينة والتفاوض وحجز العقارات وتسجيلها ونقل ملكيتها؛ دون الحاجة حتى إلى زيارة العقار أو المكتب العقاري أو الدوائر الحكومية المعنية بالعقارات والأراضي.
وقال غابريت سيثي، الرئيس التنفيذي لشركة «هيكس جين» ومُعد استبيان «بروب تيك تايم» العالمي لعام 2019: «يسهم قطاع العقارات المتنامي في المنطقة في تعزيز الطلب على منظومة قوية للتكنولوجيا العقارية. كما أن التطورات التقنية مثل الذكاء الصناعي والبيانات الضخمة وإنترنت الأشياء والمستشعرات والطائرات بلا طيار، سيكون لها أثر كبير على القطاع العقاري. إن الابتكار والتغييرات التكنولوجية الإحلالية مهمة جداً لنمو القطاع، كما تسهم التكنولوجيا العقارية في خلق موجة جديدة للقطاع، وهذه هي البداية وحسب، إذ سنقوم بالكشف عن مزيد من المنافع التي توفرها التكنولوجيا لدعم القطاع».
وأضاف «لقد وجدنا في استبيان (بروب تيك تايم) العالمي لعام 2019 أن نحو 80 في المائة من العاملين في القطاع رأوا أن التكنولوجيا العقارية تشكل فرصة يجب استغلالها، لكن يبدو أن نصف العاملين في القطاع فقط جاهزون لتبني هذه التكنولوجيا عبر وضع خطة محكمة وتخصيص ميزانية. ما زال الطريق طويلاً لتبني التكنولوجيا بشكل كامل، لكن المسيرة بدأت فعلاً».
الموجة الجديدة
وبعد أن شهد العالم صعود التكنولوجيا الإحلالية في قطاع الغرف الفندقية والإقامة السياحية، ونمواً غير مسبوق لمنصات رقمية عالمية مثل «إير بي إن بي» و«هوستميكر» التي بسّطت إجراءات عرض أو إيجاد غرف أو عقارات لفترات قصيرة للمسافرين والسياح، يستعد العالم لموجة جديدة من التطبيقات الرقمية الجديدة التي ستنتقل بالقطاع العقاري وتجربة البحث عن عقار إلى مستوى جديد كلياً، حيث يمكن للمستثمرين شراء العقارات وإتمام كافة معاملات تمليكها عن بعد، وذلك من خلال التحويلات المالية الإلكترونية الآمنة التي تستخدم تقنية سلسلة الكتل «بلوك تشين» وتفعيل التوقيع الإلكتروني الموثّق الذي يرتبط ببيانات المستثمر وحساباته المالية ومحفظته العقارية، ويمنع التلاعب بهويته.
الحكومات تقود المبادرة
وعلى عكس الكثير من المناطق في العالم، فإن حكومات المنطقة تأخذ دور الريادة وتقود مسار تسهيل الاستفادة من التكنولوجيا في القطاع العقاري.
المراكز الخمسة الأولى
ففي السعودية، تتطور استخدامات وتطبيقات التكنولوجيا في مختلف المجالات منذ إطلاق كل من برنامج «التحول الوطني 2020» و«رؤية المملكة 2030» وذلك للصعود بالبلاد من المركز 36 إلى المراكز الخمسة الأولى في مؤشر الحكومات الإلكترونية. وهو ما ينعكس إيجاباً بالضرورة على تطوير القطاع العقاري وتعزيز مساهمته في الناتج غير النفطي للمملكة بمواكبته أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا.
خدمات حكومية متكاملة
فيما تطبق الإمارات مبدأ الحكومة الذكية و«رؤية الإمارات 2021» و«مئوية الإمارات 2071» لتستشرف المستقبل في مختلف قطاعات اقتصاد المعرفة والرقمنة والابتكار، ويتم حالياً العمل في الدولة على تجميع الخدمات الحكومية المتكاملة، بما فيها خدمات بيع وشراء وتسجيل العقارات، ضمن منصات رقمية جامعة، تحول الخدمات الحكومية إلى رحلات خدمية متكاملة توظف التكنولوجيا لتوفير الوقت والجهد ورقمنة مختلف الخدمات الحكومية، كما في تجربة «تم» للخدمات الحكومية المتكاملة.
100 في المائة
وفي البحرين، التي بدأت تطبيق شبكة الجيل الخامس مع شبكة النطاق العريض منذ يونيو (حزيران) الماضي، تحرص الكثير من الجهات المعنية بتعزيز البنية التحتية الاقتصادية واستقطاب الاستثمارات الإقليمية والأجنبية المباشرة، ومنها «مجلس التنمية الاقتصادية في البحرين»، و«تمكين»، على تعزيز موقع البحرين كبيئة حيوية جاذبة لشركات التكنولوجيا العقارية؛ العالمية منها والناشئة في المنطقة.
وذلك بما توفره من تكاليف تشغيلية منخفضة وعمالة متخصصة مدربة، وبنية تحتية تكنولوجية متطورة، تعتمد تقنيات الجيل الخامس وأحدث تطبيقات التكنولوجيا المالية ونظم المعلومات الجغرافية، إلى جانب منظومة تشريعية مرنة تسمح للشركات الأجنبية في معظم القطاعات الاقتصادية بتملّك أعمالها بنسبة 100 في المائة.
سياحة العقارات
وفيما تشهد المنطقة فعاليات عالمية تستقطب إليها السياح من مختلف أنحاء العالم، ومنها فتح السعودية مؤخراً باب التأشيرة السياحية وتطلعها إلى استقبال 100 مليون سائح بحلول عام 2030، واستعدادات الإمارات لتنظيم حدث «إكسبو 2020» العالمي والذي يتوقع أن يستقطب 25 مليون زائر من مختلف أنحاء العالم، وتركيز البحرين في رؤيتها الاستراتيجية 2030 على الانتقال إلى اقتصاد متنوع منتج قادر على المنافسة عالمياً، يبرز شكل جديد من الخدمات العقارية التي تخدم القطاع السياحي من خلال التأجير قصير الأجل.
وتمثّل التكنولوجيا العقارية في هذا المجال عامل النجاح الأبرز في استقطاب شريحة جديدة من المتعاملين تتمثل في السياح القادمين من خارج المنطقة والراغبين باستكشاف الخيارات المتاحة عن بعد قبل موعد وصولهم لقضاء عطلاتهم والقيام بجولاتهم السياحية، وهنا يأتي دور تكنولوجيا الواقع الافتراضي والمعزز التي تتيح لهم معاينة الأماكن التي سيختارون الإقامة السياحية فيها بتقنية 360 درجة.
تصميم ثلاثي الأبعاد
وتوفر التكنولوجيا العقارية اليوم تطبيقات متكاملة تتيح للعملاء والمستثمرين خيارات جديدة مثل التصميم الداخلي الافتراضي للوحدات العقارية التي يرغبون بشرائها، وتقييم التكلفة التقديرية لتأثيثها أو تغيير تقسيمها أو حتى إكساء أرضياتها وجدرانها وأسقفها بمواد عصرية من اختيارهم. كما يمكن استخدام تطبيقات الذكاء الصناعي مستقبلاً لاحتساب القيمة التقديرية المستقبلية للعقار بعد خمس أو عشر سنوات بحسب المعلومات الجغرافية والبيانات العمرانية والسكانية والخطط الإنمائية المرسومة للمنطقة التي يوجد فيها.
مرحلة جديدة
ومع هذه التطورات فإن القطاع العقاري الذي واصل خلال العقود الماضية الازدهار والنمو على مستوى المنطقة مقبل على مرحلة جديدة واعدة تفتح خلالها التكنولوجيا العقارية بتطبيقاتها المبتكرة المزيد من الآفاق والخيارات للمستثمرين والمتعاملين، بما يلبي تطلعات دول المنطقة الطامحة لتنويع اقتصاداتها واستدامة النمو فيها.