لم تفلح أنقرة في إقناع واشنطن بتبني وجهة نظرها حيال ضرورة إقامة «منطقة آمنة» في المناطق الحدودية السورية المجاورة لأراضيها.. وفي حين لم تتوقف حركة الأكراد الذين يتظاهرون في الكثير من المدن التركية، محدثين أعمال شغب أدت إلى مقتل 25 شخصا على الأقل، قالت السلطات التركية إن بعضهم قضى نتيجة «إعدامات» قام بها تنظيم «حزب العمال الكردستاني» المحظور، في حين اتهم الأكراد السلطات بتسليح «حزب الله» التركي واستعماله لقمع المتظاهرين.
واستغربت تركيا التصريحات الأميركية التي تعبر عن «خيبة أمل» حيال موقف تركيا من التحالف الدولي الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم «داعش». وقال مصدر تركي مسؤول لـ«الشرق الأوسط»، إن هذه التصريحات «جزء من عملية التخبط التي تسود أداء المسؤولين الأميركيين حيال الأزمة»، مؤكدا أن بلاده «تعمل وفق تقييمها لحقيقة الواقع على الأرض وتتعامل معه»، مشيرا إلى أنها «تنطلق في أي تصرف تقوم به من خلال حرصها على أمنها القومي، واهتمامها بمصير ملايين الأشقاء السوريين الذين يعانون منذ سنوات من قمع وحشي دموي»، عادا أن تركيا كانت سباقة في إدانة تنظيم «داعش» ووضعه على لوائح الإرهاب، لكن «هذا لا يعني أن نظام دمشق يقل عنه إرهابا وخطرا».
وزار الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ينس شتولتنبرج، تركيا أمس وبحث مع عدد من المسؤولين التطورات على الحدود الجنوبية، غير أنه أكد أن الحلف لم يناقش إقامة منطقة حظر طيران أو منطقة آمنة داخل سوريا. وقال شتولتنبرج في مؤتمر صحافي مع وزير الخارجية التركي مولود جاويش: «أعتقد أنه لا توجد أي وسيلة بسيطة ومباشرة للخروج من المشكلات التي نشهدها.. لم يكن ذلك (إقامة منطقة آمنة) على طاولة أي مناقشات للحلف».
وبدوره، قال وزير الخارجية التركي إنه ليس واقعيا الانتظار من تركيا القيام بعملية برية بمفردها، داعيا إلى ضرورة إقامة منطقة حظر للطيران قبل كل شيء، لأهميتها القصوى من الناحية الإنسانية، ولنجاح العملية العسكرية. وأضاف جاويش، أن تركيا ستواصل دائما تقديم دعمها القوي وعلى جميع المستويات، للمساهمة في الأمن والاستقرار الدوليين. وأوضح جاويش أنه تباحث مع أمين عام الناتو، حول التطورات في سوريا والعراق وفي مقدمتها تهديدات «داعش»، والمشكلات الأمنية، وأهمية حلف الناتو في المنطقة، مؤكدا أنهم تداولوا مسألة الإرهاب على الحدود بشكل مفصل، إضافة إلى الوضع الإنساني.
ولفت جاويش إلى أن هذا وضع الحالي سيستمر مع بقاء نظام الأسد في سدة الحكم في سوريا، موضحا أن النظام هو سبب عدم استقرار سوريا، وهو الذي هيأ الأجواء لظهور الجماعات المتطرفة واكتسابها القوة. وأكد أنهم يواصلون مشاوراتهم مع الحلفاء، وأن بلاده لن تتردد بالقيام بما هو ضروري بعد التوصل إلى قرار مشترك.
ميدانيا، استمرت المظاهرات المناوئة للحكومة التركية لليوم الثالث على التوالي، وإن بوتيرة أخف سمحت بتخفيف حظر التجول المفروض في 3 ولايات جنوبية، حيث الغالبية الكردية، حيث أزيل الحظر نهارا وأبقي عليه ليلا لضبط الأوضاع المتوترة على خلفية اتهامات أكراد تركيا أنقرة بـ«التواطؤ» مع تنظيم «داعش» في حملته على مدينة كوباني ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا.
وقال إيرتورول كوركجو، عضو البرلمان عن حزب ديمقراطية الشعوب، لـ«الشرق الأوسط» إن السبب في وصول الحريق الذي يأكل الأخضر واليابس في عين العرب إلى تركيا هو موقف حكومة العدالة التنمية الداعم لـ«داعش». وأشار إلى أن مطالب المتظاهرين واضحة لجهة إعلان الحكومة موقفها الصريح من «داعش» والسماح لمن يريد الدخول إلى الأراضي السورية للقتال ضد «داعش» وإيقاف الدعم الذي يصل من تركيا إلى «داعش»، كما يطالبون بفتح الحدود في منطقة الجزيرة أمام المساعدات الإنسانية وغيرها لدعم صمود المقاومين في شمال سوريا وعين العرب. وقال كوركجو إن الغريب في الأمر أنه كان إلى جانب قوات الأمن التي تتصدى للمتضامنين مع عين العرب وشمال سوريا قوات من «حزب الله» التركي والجميع يعرف ماضي هذا الحزب الذي قام في التسعينات بجرائم ضد السياسيين الوطنيين من الأكراد وأيضا ممن كانوا يؤيدون حزب العمال الكردستاني وقاموا أمس بقتل 12 متظاهرا.
ورأى أن هذه التصرفات غير المسؤولة من الحكومة وقوات الأمن التي سمحت لهؤلاء القتلة بحمل السلاح في الشوارع وقتل الشباب يؤثر تأثيرا سلبيا على عملية السلام التي بدأت قبل عامين. وقال: «نحن نؤمن بأن أمن الأكراد في تركيا هو من أمن أهل عين العرب، ولهذا نرى أن ردود فعل الشباب الكردي في تركيا محقة نؤيدها وندعمها بكل ما نملك من قوة». وأشار كوركجو إلى أن الأكراد لا يريدون أن تستمر المفاوضات مع الحكومة فقط من أجل التقاط الصور أو لكي تستخدمها الحكومة كحقن تخدير للأكراد.
وفي المقابل، نفت مصادر تركية اتهامات الأحزاب الكردية، محذرة من تحول الأمر إلى «نزاع أهلي»، كما حصل في السبعينات، مشيرة إلى أن ما يحصل هو أن المواطنين الأتراك يتصدون لمثيري الشغب كل في منطقته لحماية ممتلكاتهم وأرواحهم. وأوضح المصدر أن ما يحصل هو نزاع بين «الكردستاني» ومنظمة حزب الدعوة الحرة، التي أعلن عن وقوع 6 قتلى من بينهم، وهي أحد تنظيمات «حزب الله» التركي، وهو منظمة إسلامية كردية تأسست لمواجهة «الكردستاني» وحصلت بينهما في السابق مواجهات دامية.
وأوردت وكالة أنباء الأناضول شبه الرسمية أمس، أن السلطات التركية لم تتمكن حتى الآن من التعرف على شخصية اثنين من الأشخاص الـ10 الذين فقدوا حياتهم في ولاية ديار بكر، في حين أظهرت التحقيقات أن 4 من القتلى، هم من أعضاء جمعية «كوي - در»، المقربة من «حزب القضية الحرة»، الذي يعرف بدوره على أنه الجناح السياسي لـ«حزب الله» التركي (أو «حزب الله» الكردي) في تركيا.
وأكد الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، أن بلاده لن تسمح لأحد باستهداف أمنها واستقرارها، وأجواء الأُخوَّة التي تنعم بها. وقال في تصريح نشره المركز الإعلامي لرئاسة الجمهورية، إن «أعمال العنف التي شهدتها تركيا بذريعة الهجمات الإرهابية على عين العرب (كوباني)، أظهرت أن النية والهدف الأصلي يختلفان عمّا هو معلن». ولفت إردوغان إلى أن «تركيا دفعت أثمانًا باهظة بسبب الإرهاب، لذا فهي تقف ضد جميع التنظيمات الإرهابية على وجه الأرض». أما وزير الخارجية التركي مولود جاويش فقد أكد أن «الذين يتهمون تركيا بعدم التدخل في موضوع كوباني، قدموا - خلف الأبواب المغلقة - مطالب مغايرة لتلك التي يصرحون بها، وقد عكست ذلك عملية التصويت في البرلمان التركي؛ حول مذكرة تفويض الجيش بالقيام بعمليات عسكرية خلف الحدود». وأضاف: «نحن كحكومة جرى تفويضنا من قبل البرلمان، وإن الذين صوتوا ضد التفويض؛ هم من يحرضون الناس من أجل النزول إلى الشارع»، في إشارة إلى التصريحات التي صدرت عن مسؤولي حزب الشعب الديمقراطي التركي. لكن الرئيس المشارك لحزب الشعب الديمقراطي التركي (ذي الأغلبية الكردية)، صلاح الدين دميرطاش أكد أنه «يجب الاستمرار في تنظيم المظاهرات الداعمة لكوباني في تركيا، مشددا على ضرورة «توقف أعمال العنف من الجانبين». وأضاف في تصريحات صحافية أدلى بها في مدينة دياربكر، جنوب شرقي تركيا، أن حزبه لم يدعُ أحدًا لاستخدام العنف، مضيفًا: «قلنا لنساند كوباني من خلال تنظيم المسيرات والمظاهرات، ولكن دون حرق أو تدمير أو سلاح أو قتل.. لم ندع للوسائل العنيفة، ونأمل من الجميع أن يلتزم بمناشدتنا».
وكشف دميرطاش عن أنه اتصل أول من أمس بزعيم تنظيم «الكردستاني» عبد الله أوجلان المسجون في تركيا، موضحًا أن الأخير «أوصى واقترح على جميع الأطراف تسريع الحوار المتبادل والمفاوضات من أجل مواجهة خطر وقوع مجازر واستفزازات كبيرة».
مصدر رسمي تركي لـ {الشرق الأوسط}: تصريحات واشنطن متخبطة.. ولن نتصرف إلا وفق رؤيتنا ومصالحنا
أنقرة لن تتحرك لنجدة «كوباني» منفردة.. ومظاهرات الأكراد مستمرة
مصدر رسمي تركي لـ {الشرق الأوسط}: تصريحات واشنطن متخبطة.. ولن نتصرف إلا وفق رؤيتنا ومصالحنا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة