مواصفات عون للحكومة تلائم الحريري ورفضه الشارعين يحرج «التيار الوطني»

TT

مواصفات عون للحكومة تلائم الحريري ورفضه الشارعين يحرج «التيار الوطني»

في قراءة أولية لمضامين الخطاب الذي ألقاه رئيس الجمهورية ميشال عون لمناسبة انتهاء النصف الأول من ولايته الرئاسية، فإنه خلا من المواقف النافرة مع أنه أكثر في إغداقه الوعود، وأن الجزء الأخير من خطابه المتعلق بالوضع الحكومي وبرنامج الحكومة العتيدة يتلاءم مع توجهات الرئيس سعد الحريري، خصوصاً في إشارته إلى تشكيل حكومة نظيفة من الاختصاصيين ومتجانسة، وأن الولاءات فيها للكفاءات.
ورأى مصدر وزاري، أن العبرة تبقى في التنفيذ رغم أن مضامين خطابه لا تتلاءم مع المناخ السياسي السائد لدى «التيار الوطني الحر» الذي يصر على تحريك شارعه في وجه الشارع الذي يحتضن «الحراك الشعبي»، وهذا ما لا يوافق عليه رئيس الجمهورية، الذي لم يقفل الباب أمام التجاوب مع ما يطرحه الذين احتشدوا سلمياً في الساحات والطرقات.
وأكد أن معظم ما قاله رئيس الجمهورية لا علاقة له بالمواقف التي ما زالت تصدر عن نواب ووزراء «التيار الوطني الحر»، وسأل ما إذا كان في وارد الإصرار على مواقفه حيال رؤيته الإطار العام للحكومة الجديدة، سواء أكان الرئيس الحريري على رأسها أم لم يكن؟
ولفت المصدر الوزاري لـ«الشرق الأوسط» إلى أن الرئيس الحريري لا ينتظر أن يأتيه التكليف بتشكيل الحكومة بالمظلة، وقال إنه ينظر إلى الأمور من زاوية سياسية ويتعاطى معها بجدية ويراقب عن كثب المواقف التي صدرت حتى الآن، أو تلك التي ستصدر لاحقاً وترتبط مباشرة بتشكيل الحكومة العتيدة.
واعتبر أن قبول الرئيس الحريري التكليف بتشكيل الحكومة يرتّب عليه مسؤولية في مواجهة كرتي النار. الأولى مصدرها الشارع وهو كان أول من تفهّم مطالب «الحراك الشعبي» ووقف إلى جانبهم، والأخرى مصدرها الوضع الاقتصادي المتأزم، وبالتالي لن يدير ظهره لكل هذه الصرخات مع أنه لن يستبق ما ستؤول إليه الاستشارات الملزمة التي سيُجريها رئيس الجمهورية لتسمية الرئيس المكلف تشكيل الحكومة وعندها سيبني على الشيء مقتضاه.
وحذّر المصدر الوزاري من المراوحة في الالتفات إلى الوضع الاقتصادي المتأزم وتوفير الحلول له ولو على مراحل، وقال إنه لم يعد يحتمل وأن لا مجال لهدر الوقت والاستفادة من مقررات مؤتمر «سيدر» لمساعدة لبنان للنهوض من أزماته الاقتصادية والمالية.
وأكد أن للتكليف مواصفات استثنائية، ولن يكون مفروشاً بالورد. ورأى أن هناك ضرورة ليس للانفتاح على المطالب المرفوعة من «الحراك الشعبي» فحسب، وإنما للعمل من أجل الاستجابة لها، خصوصاً أن هذا الحراك شكّل ضربة للاصطفافات التقليدية التي كانت وراء انقسام البلد بين «قوى 14 آذار» و«8 آذار». وقال المصدر الوزاري، إن لبنان يقف الآن أمام مرحلة سياسية جديدة غير تلك المرحلة التي كانت قائمة قبل «الحراك الشعبي»، وهذا ما يضع الحكومة الجديدة في مهمة محاكاة الشارع.
وشدد على ضرورة الإسراع في حسم مسألة التكليف تمهيداً للدخول في مرحلة التأليف؛ لأن أي تأخير على هذين الصعيدين سيكون له تداعيات سترتد سلباً على البلد؛ لأن لا مجال للانتظار أو المناورة وصولاً إلى إقحام البلد في عملية ابتزازية لن تكون لصالح رئيس الجمهورية، وبالتالي لا بد من أن يؤخذ في الحسبان أن تأليف الحكومة هذه المرة يجب أن يتلازم بإقرار جميع الأطراف المعنية بأن هناك قواعد سياسية جديدة يُفترض اتباعها غير تلك القواعد التقليدية السابقة التي كانت تُتّبع في كل مرة تُشكّل فيها الحكومات.
وتوقف المصدر الوزاري أمام التحضيرات التي يقوم بها «التيار الوطني» لحشد مناصريه ومحازبيه في المسيرة التي ينظّمها غداً (الأحد) إلى بعبدا دعماً لرئيس الجمهورية، وسأل ما إذا كان رئيسه الوزير جبران باسيل سيحولها إلى منازلة على المكشوف بين شارعه والشارع المؤيد لـ«الحراك الشعبي»، وقال إنها ستؤدي إلى إحراج عون باعتبار أنها تأتي نقيضاً لما ورد في خطابه؟
كما سأل ما إذا كان باسيل سيحشد مناصريه رغبة منه في أن يؤمّن رافعة شعبية لتعويمه في وجه تصاعد الموجة ضد توزيره؛ كونه يتزعّم لائحة الوزراء الذين يُنظر إليهم على أنهم من الوجوه النافرة، وأن هناك ضرورة لإعفائهم بغية تبريد الأجواء من جهة والانفتاح على «الحراك الشعبي»، خصوصاً أنه على اشتباك سياسي مع كل الأطراف ما عدا حليفه «حزب الله».
ورأى المصدر الوزاري، أن المسيرة المقررة إلى بعبدا يجب أن توظّف لإنقاذ «العهد القوي» وأن مجرد تحويلها باتجاه تعويم باسيل تتعارض مع رفض عون لحروب الشوارع.
لذلك؛ أكد أنه من السابق لأوانه تسليط الأضواء على مسألة التكليف قبل بدء الاستشارات النيابية المُلزمة، ورأى بأن ما يشاع عن وجود خيارات عدة تتعلق بتسمية الرئيس المكلف ما هو إلا بالونات اختبار يراد منها حرق المراحل وتوجيه رسائل في غير محلها، خصوصاً أن الاتصالات الجارية أكانت في العلن أم تحت الطاولة لا تزال محصورة في استقراء أبرز العناوين السياسية والاقتصادية لمرحلة ما بعد التكليف وقبل التأليف.
في هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» من مصادر نيابية بارزة، أن اللقاءات التي عقدها الحريري حتى الآن ما زالت تحت سقف التداول في هذه العناوين ولم تتطرق إلى التكليف، وهذا ما ينقله النواب عن رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي يعطي الأولوية الآن للبرنامج السياسي للمرحلة المقبلة، وإن كان ينظر إلى الحريري على أنه الأقوى في طائفته.
ومع أن المصادر نفسها لم تستبعد أن يكون الرئيس بري في عداد الذين يحبّذون عودة الحريري على رأس الحكومة الجديدة وأن لا شيء رسمي حتى الآن؛ لأنه يحرص على عدم التفرّد بموقفه من دون التشاور مع حليفه «حزب الله» الذي يرفض تشكيل حكومة تكنوقراط، ويؤيد تطعيمها بوجوه سياسية رغبة منه في الوقوف إلى جانب حليفه باسيل الذي تجاوز كل الخطوط الحمر المرسومة في البيان الوزاري للحكومة المستقيلة لتوفير الغطاء السياسي لهذا الحليف الذي يكاد يكون الأوحد له حتى إشعار آخر.
وعليه، فإن ما يشاع حول وجود خيارات لرئيس الجمهورية غير تكليف الحريري برئاسة الحكومة الجديدة ما هو إلا قنابل دخانية يتناوب على تسريبها الفريق الوزاري التابع لباسيل، مع أنه لم يكن طرفاً في التسوية التي عقدها الحريري مع عون وفتحت الباب أمام انتخابه رئيساً للجمهورية.



هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
TT

هدنة غزة: انتشار «حماس» في القطاع يثير تساؤلات بشأن مستقبل الاتفاق

مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)
مسلحو «حماس» يسلمون رهينة إسرائيلية إلى أعضاء اللجنة الدولية للصليب الأحمر (رويترز)

أثار انتشار عسكري وأمني لعناصر من «حماس» وموالين لها، عقب بدء تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة، تساؤلات بشأن مستقبل الصفقة، في ظل ردود فعل إسرائيلية تتمسك بالقضاء على الحركة، وجهود للوسطاء تطالب الأطراف بالالتزام بالاتفاق.

تلك المشاهد التي أثارت جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد ورافض، يراها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ستكون ذريعة محتملة لإسرائيل للانقلاب على الاتفاق بعد إنهاء المرحلة الأولى والعودة للحرب، معولين على جهود للوسطاء أكبر لإثناء «حماس» عن تلك المظاهر الاستعراضية التي تضر مسار تنفيذ الاتفاق.

بينما قلل محلل فلسطيني مختص بشؤون «حماس» ومقرب منها، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، من تأثير تلك الأجواء، وعدّها «بروتوكولية» حدثت من قبل أثناء صفقة الهدنة الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.

وبزي نظيف وسيارات جديدة وأسلحة مشهرة، خرج مسلحون يرتدون شارة الجناح العسكري لـ«حماس» يجوبون قطاع غزة مع بداية تنفيذ اتفاق الهدنة، الأحد، وسط بيان من وزارة الداخلية بالقطاع التي تديرها عناصر موالية للحركة، كشف عن مباشرة «الانتشار بالشوارع»، وخلفت تلك المشاهد جدلاً بمنصات التواصل بين مؤيد يراها «هزيمة لإسرائيل وتأكيداً لقوة وبقاء (حماس) بالقطاع»، وآخر معارض يراها «استفزازية وتهدد الاتفاق».

عناصر من شرطة «حماس» يقفون للحراسة بعد انتشارهم في الشوارع عقب اتفاق وقف إطلاق النار (رويترز)

إسرائيلياً، تساءل المعلق العسكري للقناة 14 نوعام أمير، بغضب قائلاً: «لماذا لم يتم ضرب (تلك الاستعراضات) جواً؟»، بينما هدد وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، بإسقاط الحكومة في حال الانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

وأكد مكتب رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، في بيان الاثنين، «مواصلة العمل لإعادة كل المختطفين؛ الأحياء منهم والأموات، وتحقيق كل أهداف الحرب في غزة»، التي تتضمن القضاء على «حماس».

ويصف الخبير في الشؤون الإسرائيلية، الدكتور سعيد عكاشة، ما قامت به «حماس» بأنه «استعراض مزيف لعلمها بأنها لن تدير غزة، لكنها تحاول أن تظهر بمظهر القوة، وأنها تستطيع أن تحدث أزمة لو لم توضع بالحسبان في حكم القطاع مستقبلاً، وهذا يهدد الاتفاق ويعطي ذريعة لنتنياهو لعودة القتال مع تأييد الرأي العام العالمي لعدم تكرار ما حدث في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023».

ويتفق معه المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، قائلاً إن «(حماس) لا تزال بعقلية المقامرة التي حدثت في 7 أكتوبر، وتريد إرسال رسالتين لإسرائيل وللداخل الفلسطيني بأنها باقية رغم أنها تعطي ذرائع لإسرائيل لهدم الاتفاق».

بالمقابل، يرى الباحث الفلسطيني المختص في شؤون «حماس» والمقرب منها، إبراهيم المدهون، أن «الاستعراض لا يحمل أي رسائل وظهر بشكل بروتوكولي معتاد أثناء تسليم الأسرى، وحدث ذلك في الصفقة الأولى دون أي أزمات»، مشيراً إلى أن «الحركة لها جاهزية ونفوذ بالقطاع رغم الحرب، والانتشار الأمني يعدّ دور وزارة الداخلية بالقطاع وتنفذه مع توفر الظروف».

وعقب دخول الاتفاق حيز التنفيذ، استقبل رئيس وزراء قطر، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مكتبه بالدوحة، وفداً من الفصائل الفلسطينية، مؤكداً ضرورة العمل على ضمان التطبيق الكامل للاتفاق، وضمان استمراره، وفق بيان لـ«الخارجية» القطرية الأحد.

وبينما شدد وزير الخارجية المصري، خلال لقاء مع رئيس المجلس الأوروبي، أنطونيو كوستا، ببروكسل، مساء الأحد، على «أهمية التزام أطراف الاتفاق ببنوده»، وفق بيان لـ«الخارجية» المصرية، سبقه تأكيد مجلس الوزراء الفلسطيني، الأحد، استعداد رام الله لتولي مسؤولياتها الكاملة في غزة.

وبتقدير عكاشة، فإن جهود الوسطاء ستتواصل، لا سيما من مصر وقطر، لوقف تلك المواقف غير العقلانية التي تحدث من «حماس» أو من جانب إسرائيل، متوقعاً أن «تلعب غرفة العمليات المشتركة التي تدار من القاهرة لمتابعة الاتفاق في منع تدهوره»، ويعتقد مطاوع أن تركز جهود الوسطاء بشكل أكبر على دفع الصفقة للأمام وعدم السماح بأي تضرر لذلك المسار المهم في إنهاء الحرب.

وفي اتصال هاتفي مع المستشار النمساوي ألكسندر شالينبرغ، الاثنين، شدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على «ضرورة البدء في جهود إعادة إعمار القطاع، وجعله صالحاً للحياة، بما يضمن استعادة الحياة الطبيعية لسكان القطاع في أقرب فرصة». بينما نقل بيان للرئاسة المصرية، عن المستشار النمساوي، تقديره للجهود المصرية المتواصلة على مدار الشهور الماضية للوساطة وحقن الدماء.

ويرى المدهون أنه ليس من حق إسرائيل أن تحدد من يدير غزة، فهذا شأن داخلي وهناك مشاورات بشأنه، خصوصاً مع مصر، وهناك مبادرة مصرية رحبت بها «حماس»، في إشارة إلى «لجنة الإسناد المجتمعي» والمشاورات التي استضافتها القاهرة مع حركتي «فتح» و«حماس» على مدار الثلاثة أشهر الأخيرة، ولم تسفر عن اتفاق نهائي بعد بشأن إدارة لجنة تكنوقراط القطاع في اليوم التالي من الحرب.