بات الشباب العاملون على عربات «التوك توك» أيقونة الاحتجاجات في بغداد، بعد أن كان ينظر إليهم على نطاق واسع بوصفهم شباباً فوضويين مندفعين ويتكدسون بزحمة واضحة في الأحياء والمناطق الشعبية، ولا يعيرون اهتماماً يذكر لقواعد السير والسلوك في الشوارع.
هذه النظرة الشائعة، تغيرت بدرجة عالية منذ انطلاق المظاهرات في مطلع أكتوبر (تشرين الأول) الجاري، وباتت قطاعات شعبية واسعة تنظر لهم باحترام ومحبة كبيرين وتعاملهم بوصفهم أيقونة الاحتجاجات وشبابها الشجعان، نظراً لما قاموا به من أعمال حاسمة وخطيرة حيال الحوادث والإصابات التي وقعت بين صفوف المحتجين في ساحة التحرير وغيرها من المناطق، نتيجة استهدافهم من عناصر الأمن بالرصاص المطاطي والحي والمياه الحارة والغازات المسيلة للدموع.
ولم تقتصر أعمال شباب «التوك توك» على عمل محدد حيال المتظاهرين، لكن أحد أعظم الأعمال التي يقوم بها منذ بداية الشهر، هو قيامهم بنقل الجرحى والقتلى إلى المستشفيات القريبة لساحة التحرير وإنقاذهم لأرواح المئات من المصابين، فضلاً عن قيامهم، بطريقة مجانية، بنقل الأشخاص من مناطق القطع البعيدة عن التحرير، حيث لا يسمح للسيارات بالمرور من خلالها، إلا أن حجم «التوك توك» الصغير منحها مرونة كبيرة في حرية الحركة وتجاوز الحواجز الأمنية. وتتحدر غالبية الشباب من أصحاب «التوك توك)» من مدينة الصدر وأحياء الأمين والنصر والعماري والعبيدي وغيرها من الأحياء الفقيرة. ويؤكد حسين عبد الكاظم (22 عاماً)، أنه يقتطع من يومه ساعات قليلة لتحصل الرزق إلى عائلته ثم يلتحق في ساحة التحرير ويبقى نحو 10 ساعات متواصلة فيها لتقديم الخدمات المختلفة للمتظاهرين. ويقول عبد الكاظم في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «قمت بنقل نحو 200 جريح وعشرة قتلى إلى مستشفى الشيخ زايد ومستشفى الجملة العصبية، وهكذا بقية رفاقي». ويضيف: «لم يقتصر عملنا على نقل القتلى والجرحى، إنما قمنا بنقل المواد الغذائية والمتظاهرين من المناطق التي وضعت فيها حواجز أمنية».
أما صباح أنور (50 عاماً)، وهو من العناصر المخضرمة من سائقي «التوك توك»، متزوج وله 4 أبناء، فيؤكد أنه لم يعمل منذ ثلاثة أسابيع إلا مجاناً في تقديم الخدمات المختلفة للمتظاهرين. ويقول أنور، وهو خريج معهد التكنولوجيا منذ عام 1994. لـ«الشرق الأوسط»: «نعمل ما تمليه علينا ضمائرنا، ودماؤنا مليئة بالغيرة، نؤمن بشعار (نريد وطناً) الذي يرفعه المتظاهرون، لذلك نحن هنا ولن نتعب». ويضيف أنور: «ما نعيشه ونشاهده من أوضاع مريرة في بلادنا لا نجد له معنى، لقد سرق الساسة أحلامنا وأحلام وطننا». وعن الأعمال التي قام بها خلال الأسابيع الأخيرة، يقول: «قمنا بكل ما بوسعنا طبقاً لمتطلبات الأوضاع، تعرض كثير منا للإصابات، نقل الجرحى والشهداء والمتظاهرين، جلبنا مياه الشرب وكنا البديل الأفضل عن سيارات الإسعاف الحكومية، هذا واجبنا ولن ندخر وسعاً في القيام به».
أما سائق «التوك توك» الثالث سجاد أبو جنة (28 عاماً)، متزوج وله ولدان وخريج قسم الجغرافيا في كلية التربية المستنصرية، فيقول لـ«الشرق الأوسط»: «إن موقفنا ينطلق من موقف شعب كامل، وعازمون على مواصلة عملنا حتى الرمق الأخير». ويؤكد أبو جنة أنه يؤدي أعمال نقل الجرحى والمصابين رفقة اثنين من أصدقائه ومستمرون منذ اليوم الأول لانطلاق المظاهرات. ويضيف: «حاول الكثير من المتظاهرين مساعدتنا بمبالغ مالية تقديراً لجهودنا ولأننا نعمل مجاناً، لكننا لم نقبل بذلك، فعملنا خالص لله ومن ثم الوطن».
شباب «التوك توك»... «أيقونة» الاحتجاجات في بغداد
تمحور دورهم حول نقل الجرحى والقتلى إلى المستشفيات
شباب «التوك توك»... «أيقونة» الاحتجاجات في بغداد
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة