«النهضة» تبدأ مشاورات «عسيرة» لتشكيل الحكومة التونسية

الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف ترفع سقف شروطها

الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد يفصح عن ممتلكاته أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد يفصح عن ممتلكاته أمس (إ.ب.أ)
TT

«النهضة» تبدأ مشاورات «عسيرة» لتشكيل الحكومة التونسية

الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد يفصح عن ممتلكاته أمس (إ.ب.أ)
الرئيس التونسي الجديد قيس سعيد يفصح عن ممتلكاته أمس (إ.ب.أ)

مع انطلاق حركة «النهضة» التونسية، أمس، في مشاوراتها الرسمية لتشكيل الحكومة المنبثقة عن الانتخابات البرلمانية التي أُجريت الشهر الحالي، رفع معظم الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف الحاكم المقبل من سقف شروطها.
وتمسكت «النهضة» في بيان بعد اجتماع «مجلس الشورى» التابع لها، بأن يكون رئيس الحكومة من بين قياداتها. وقال رئيس المجلس عبد الكريم الهاروني، إن أعضاء المجلس أجمعوا على أن يكون رئيس الحكومة من الحركة، معتبراً أن «هذا الأمر لا يخضع للتفاوض، فمن حق الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية أن يقود الحكومة وأن يشكلها على أساس برنامج يضبطه الشركاء السياسيون».
واشترط حزب «التيار الديمقراطي» الفائز بـ22 مقعداً برلمانياً، الحصول على ثلاث حقائب وزارية، وهي الداخلية والعدل والإصلاح الإداري، للمشاركة في حكومة بقيادة «النهضة». وأشارت مصادر من الحزب إلى أن طموح رئيسه محمد عبو «يتجاوز هذه الحقائب الوزارية إلى رئاسة الحكومة المقبلة».
وقال القيادي في «التيار الديمقراطي» محمد الحامدي، إن «اختيار حركة النهضة وتمسكها برئاسة الحكومة المقبلة مجرد تكتيك تنتهجه قيادات هذا الحزب في إطار التفاوض المتواصل مع بقية الشركاء السياسيين». واعتبر أن «تمسك حزب التيار الديمقراطي بهذه الشروط يعد تمسكاً بخريطة طريق تجبر الحكومة على تنفيذها». وأشار إلى «استعداد التيار الديمقراطي للمشاركة في الحكومة، لكنه يشترط برنامجاً واضح المعالم قادراً على إخراج تونس من أزماتها الاقتصادية والاجتماعية».
وأكد رئيس حزب «حركة الشعب» القومي الفائز بـ16مقعداً برلمانياً زهير المغزاوي، أن المجلس الوطني للحزب ناقش في اجتماع الأحد الماضي الوضع السياسي في تونس وتشكيل الحكومة الجديدة على ضوء نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، «واعتبر أن الموقف المبدئي للحركة هو المشاركة في الحكومة التي تسعى حركة النهضة لتشكيلها».
غير أنه أشار إلى «وجود عدد من المطالب الاجتماعية الملحة التي يسعى الحزب للاتفاق بشأنها، وهي على وجه الخصوص إيجاد حلول مجدية للملفات الاجتماعية العالقة عبر مكافحة البطالة وإصلاح قطاعي الصحة والتعليم». ودعا «النهضة» إلى «التماهي مع هذه المطالب والتنازل من أجل تحقيقها».
وأوضح أن «هناك ثلاثة محاور أساسية تعمل حركة الشعب على تحقيقها، وتتمثل في الملف الأمني ومكافحة الإرهاب، وفتح ملف الاغتيالات السياسية التي جدّت سنة 2013 (اغتيال القيادي اليساري شكري بلعيد والبرلماني محمد البراهمي مؤسس حزب التيار الشعبي)، علاوة على القطع مع الإملاءات الخارجية»، في إشارة إلى توصيات صندوق النقد الدولي وشروطه. وأكد أن حزبه «لن يشارك في حكومة تونسية تعتمد مبدأ المحاصصة الحزبية، بل على أساس برامج وأهداف محددة».
وأظهرت تصريحات متواترة لقيادات «حركة الشعب» أن هذا الحزب كان يدفع نحو اقتراح رئيس الجمهورية المنتخب قيس سعيد مرشحاً لرئاسة الحكومة، فيما بات يُعرف في تونس بـ«حكومة الرئيس»، وهذا الخيار السياسي يُطرح خصوصاً في حال فشل «النهضة» صاحبة الأكثرية البرلمانية في تشكيل ائتلاف سياسي حاكم.
كانت «حركة الشعب» قد وعدت خلال حملتها الانتخابية الماضية، بتمكين الصافي سعيد، المرشح السابق للرئاسة، من رئاسة الحكومة في حال نجاحها في الانتخابات البرلمانية، وهو ما تعمل على تنفيذه في حال فشل «النهضة» في تشكيل الحكومة، وبالتالي اقتراح الصافي سعيد على رئيس الجمهورية.
ويرى مراقبون أن الأحزاب المرشحة للانضمام إلى الائتلاف تدرك صعوبة مهمة حركة النهضة في تشكيل الحكومة، في ظل تشتت نتائج الانتخابات البرلمانية وشبح الفشل في ضمان الأغلبية المطلقة المقدرة بـ109 أصوات من إجمالي 217 لحصول الحكومة على ثقة البرلمان. ومن ثم تسعى تلك الأحزاب إلى فرض شروطها على «النهضة» الموجودة في زاوية صعبة.
غير أن «النهضة» تعتمد في تفاوضها في المقابل على التلويح بالعودة إلى الناخبين وتنظيم انتخابات برلمانية مبكرة تعتقد أنها قد تمنحها تفويضاً شعبياً أكبر لتصدّر المشهد السياسي، وكذلك التمسك برئاسة الحكومة المقبلة إلى آخر رمق في انتظار تراجع الأحزاب المرشحة للمشاركة في الائتلاف عن بعض شروطها مقابل سحب شرط رئاسة الحكومة.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.