«زيارة الأربعين»... استراحة محاربين إجبارية في العراق

تعطيل الدوام حتى ذروتها وترقب لما بعدها

TT

«زيارة الأربعين»... استراحة محاربين إجبارية في العراق

بدأت الحكومات المحلية في عدد من محافظات الوسط والجنوب منح عطلات رسمية فيها تصل إلى 5 أيام طبقاً لقانون يتيحه لها البرلمان. سبب هذه العطلات السخية هو تدفق الزوار الشيعة من كل المحافظات إلى محافظة كربلاء حيث تجرى مراسم زيارة الأربعين لمرقدي الإمام الحسين وأخيه العباس (رضي الله عنهما).
في بغداد تم الإعلان عن قطع طرق جنوب العاصمة بغداد مع منع دخول سيارات الحمل إلى العاصمة بدءاً من اليوم وحتى انتهاء موعد الزيارة بعد نحو أسبوع. الهدف هو تسهيل مرور مواكب الزوار. طقس يتكرر سنوياً، لكن بهاجس مختلف هذه المرة. ففي كل سنة ومنذ 16 عاماً تخشى السلطات إرهابيي «القاعدة» قبل 10 سنوات و«داعش» اليوم. وبالفعل فقد جرى توظيف الخلاف المذهبي توظيفاً طائفياً خلال سنوات مضت تم خلالها إزهاق أرواح من الطرفين تحت ذريعة الفعل ورد الفعل.
موسم الزيارة هذا العام يختلف جذرياً. فالدم الذي أريق في مظاهرات عارمة للشبان الشيعة الذين تعرضوا فيها لنيران قناصين مجهولين من القوات الأمنية أو الطرف الثالث المجهول، يجعل للزيارة هذا العام طعماً مختلفاً. ليس هناك خطر على الزوار ممن يختلف معهم مذهبياً وطائفياً. ولم تتخذ السلطات إجراءات مشددة لمنع عمليات ممكنة من هذا النوع طبقاً لما يحصل سابقاً. الإجراءات هذه المرة كلها تصب في هدف واحد؛ هو محاولة منع تكرار سيناريو مظاهرات بغداد في 1 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي التي كانت حصيلتها في غضون أسبوع أكثر من 110 قتلى وأكثر من 6 آلاف جريح كلهم من طائفة واحدة هي الطائفة الشيعية التي تتوجه الآن بالملايين شباباً وشيوخاً إلى كربلاء لأداء طقس الزيارة واحتمال القيام بمظاهرة كبرى تقول مواقع التواصل الاجتماعي إنه يجري التحشيد لها يوم 25 من هذا الشهر.
الآن الهدوء هو سيد الموقف على كل الجبهات، ما عدا الحراك الجاري على وسائل التواصل الاجتماعي، ومواكب الزوار التي يطغى عليها اللون الأسود، بما في ذلك الأعلام الموشّاة بالأحمر والأخضر، وكذلك إجراءات رئيس الوزراء عادل عبد المهدي التي يستمر التشكيك في جدواها مِن قِبل مَن قرر منذ البدء رفع سقف مطالبه لتصل إلى إسقاطه (عبد المهدي) أو حكومته أو ربما كل العملية السياسية.
بالنسبة لعبد المهدي، فإنه، وطبقاً للمقربين منه، يصل الليل بالنهار من أجل تقليص الفجوة بين ما تستطيع حكومته عمله وبين مطالب المتظاهرين. اللجنتان اللتان شكلهما للوقوف على ما حصل من عملية استهداف واسع النطاق للمتظاهرين، على وشك إعلان نتائج عملها وسط شكوك تذهب إلى حد فبركة اعترافات لمسجونين أصلاً لإبعاد الشبهة عن الفاعل الحقيقي. بصرف النظر إن كانت صحيحة أم لا، فإن ذلك يعني أن النتيجة معروفة بالنسبة لمن لا يريد أن يصدق رواية الحكومة حتى لو ذهبت بعيداً في التشخيص الدقيق.
أما التعديل الوزاري المحدود الذي اقترحه عبد المهدي، فإنه، وطبقاً لما يجري تداوله في أوساط المقربين، ينوي (رئيس الوزراء) الذهاب إلى البرلمان بعد الزيارة لكي يبين لأعضائه الأسباب التي دفعت به لإجراء هذا التغيير مع إمكانية إضافة أسماء وزراء جدد مرشحة للتغيير مع الطلب من البرلمان تفويضه بالكامل ومن ثم محاسبته بعد شهور.
على صعيد المطالب التي تسمى مشروعة، بدأت الحكومة بزج مزيد من الخريجين العاطلين عن العمل في وظائف حكومية لا يحتاجها الجهاز الإداري الذي يشكو أصلاً من الترهل الوظيفي الذي جعل إنتاجية الموظف العراقي لا تتعدى 17 دقيقة من 8 ساعات عمل يومياً. كما أن وزارتي الدفاع والداخلية فتحتا أبواب التطوع أمام آلاف مؤلفة أخرى، والهدف منه هو امتصاص غضب المتظاهرين الذين توزعوا وعبر الاستراحة الإجبارية بين تأدية طقس الزيارة إلى كربلاء، والوقوف طوابير طويلة أمام مبنى وزارات الدفاع والداخلية والعمل والشؤون الاجتماعية.
بين هذا وذاك، لا تزال الدعوات لإقالة عبد المهدي وحكومته حقناً لدماء جديدة قائمة من قبل أطراف عدة؛ سواء كانت سياسية أم برلمانية أم في أوساط الحراك الجماهيري. لكن هذه الدعوات، وفقاً للباحث السياسي العراقي فرهاد علاء الدين، «تحمل طابعاً سياسياً اعتماداً على الجهة التي تطلقها، غير أن السؤال هو: هل بالإمكان استقالة الحكومة، وما الأسباب التي تدفع إلى ذلك؟». علاء الدين، وفي إطار حديثه لـ«الشرق الأوسط»، يقول إنه «إذا ازدادت ضغوطات الشارع من خلال عودة المظاهرات وبشكل عنيف، وتمت إراقة مزيد من الدماء، أو شلت الحكومة، وتأزم الوضع لمدة طويلة بحيث لن يكون هناك مفر من استقالة الحكومة لبدء صفحة جديدة وتهدئة الوضع، فإنها يمكن أن تستقيل».
من جهته، يرى عضو البرلمان العراقي هشام السهيل أن «من المحزن أن نرى كل قطرة دم سالت من العراقيين؛ سواء كانوا متظاهرين أم قوات أمنية انطلاقاً من أن التظاهر حق كفله الدستور». ويضيف: «المظاهرات يجب أن تكون وفق القانون النافذ، وألا يرافقها عنف وهو ما حصل للأسف».



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.