إقبال لافت في انتخابات تونس يرجّح كفة قيس سعيّد

استطلاعات الخروج ترشحه لفوز كبير على نبيل القروي... ونسبة المشاركة تناهز 70 %

تونسيون ينتظرون في طابور للإدلاء بأصواتهم في العاصمة أمس (أ.ب)
تونسيون ينتظرون في طابور للإدلاء بأصواتهم في العاصمة أمس (أ.ب)
TT

إقبال لافت في انتخابات تونس يرجّح كفة قيس سعيّد

تونسيون ينتظرون في طابور للإدلاء بأصواتهم في العاصمة أمس (أ.ب)
تونسيون ينتظرون في طابور للإدلاء بأصواتهم في العاصمة أمس (أ.ب)

توجّه التونسيون إلى صناديق الاقتراع أمس لانتخاب رئيس جديد لبلادهم، من بين قيس سعيّد المرشح المستقل ونبيل القروي مرشح حزب «قلب تونس» المدعوم من قوى يسارية وليبرالية. ودعي أكثر من سبعة ملايين ناخب للإدلاء بأصواتهم في هذا الدور الثاني من الاقتراع الرئاسي.
وأشارت أولى نتائج استطلاعات الرأي بعد إغلاق مراكز الاقتراع أمس، إلى فوز كبير لسعيّد بحصوله على نحو 72 في المائة من الأصوات مقابل نحو 27 في المائة لمنافسه القروي. وتحدثت الاستطلاعات أيضاً عن إقبال لافت، حيث ناهزت نسبة المشاركة 70 في المائة.
وكان قيس سعيّد، أستاذ القانون الدستوري، قد أدلى بصوته في حي النصر، أحد الأحياء الراقية في العاصمة، بحضور زوجته. وقال في تصريحات صحافية: «أبناء الوطن... إنكم اليوم تختارون بكل حرية؛ بل إنكم صنعتم مفهوماً جديداً للثورة (...) احتكموا فقط إلى ضمائركم، حينها ستعود السيادة إليكم». وبدوره، أدلى نبيل القروي، رجل الإعلام، الذي كان هو أيضاً برفقة زوجته، بصوته في منطقة البحيرة، وهي أيضاً من المناطق السكنية الراقية في العاصمة. وقال إثر خروجه من مكتب الاقتراع للصحافيين: «اليوم عندنا فرصة لاسترجاع تونس الحداثة، وتونس المرأة (...) لا يجب أن نترك الحكم في يد واحدة. يجب التوازن».
وكان سعيّد قد أحدث مفاجأة مدوية، بحصوله على المرتبة الأولى بنسبة 18.4 في المائة من الأصوات، خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية التي عرفت مشاركة 26 مترشحاً، بينهم يوسف الشاهد رئيس الحكومة، وعبد الكريم الزبيدي وزير الدفاع التونسي، علاوة على المنصف المرزوقي الرئيس الأسبق، وحمادي الجبالي، ومهدي جمعة، وكلاهما كان رئيساً للحكومة التونسية. أما نبيل القروي، فحصل خلال الدور الأول من الانتخابات الرئاسية على نسبة 15.6 في المائة من الأصوات.
وعللّ مراقبون هزيمة مرشحين من رؤساء حكومات ووزراء وحتى رئيس دولة سابق، برد فعل التونسيين تجاه السلطات الحاكمة التي لم تتمكن من إيجاد حلول للوضع الاقتصادي والاجتماعي المتأزم، والذي أفرز احتقاناً اجتماعياً ازدادت وتيرته في السنوات الأخيرة.
واتسمت الحملة الانتخابية بالتشويق في أيامها الأخيرة؛ خصوصاً بعد القرار القضائي بإطلاق سراح القروي (56 عاماً) بعدما قضى 48 يوماً في التوقيف، بسبب تهم تلاحقه بغسل أموال وتهرب ضريبي.
وجمعت مناظرة تلفزيونية «تاريخية» وغير مسبوقة المرشحين ليل الجمعة. وقد ظهر فيها سعيّد (61 عاماً) متمكناً من السجال، وأظهر معرفة دقيقة بالجوانب التي تهم صلاحياته إن تم انتخابه. في المقابل، ظهر القروي مرتبكاً في بعض الأحيان، وشدّد على مسائل مكافحة الفقر في المناطق الداخلية في بلاده، بالإضافة إلى تطوير الاستثمار الرقمي في البلاد كأولوياته إن تم انتخابه.
ولقيت المناظرة التي بثت على نطاق واسع في المحطات التلفزيونية والإذاعية الخاصة والحكومية متابعة من قبل التونسيين، داخل بيوتهم وفي المقاهي وعبر مواقع التواصل الاجتماعي. وتداول نشطاء الإنترنت صورة جمعت المتنافسين وهما يتصافحان بعد المناظرة، وكتب أحدهم: «هكذا هي تونس الاستثناء» بين دول الربيع العربي.
ولرئيس البلاد صلاحيات محدودة، بالمقارنة مع تلك التي تمنح لرئيس الحكومة والبرلمان. وهو يتولى ملفات السياسة الخارجية والأمن القومي والدفاع أساساً.
ويدعو قيس سعيّد بصوت جهوري إلى تدعيم السلطة اللامركزية، وتوزيعها على الجهات، ويرفع لواء «الشعب يريد» ويتبنى شعارات الثورة التونسية في 2011: «شغل، حرية، كرامة وطنية». كما يشدد سعيّد على «كره الوعود الزائفة»، معتبراً أن «الشعب هو من يتصور الأفكار، وهو من يطبقها» للخروج من الأزمات الاقتصادية.
إلا أن القروي يبدو براغماتياً أكثر، ينطلق في وعوده الانتخابية على أساس إيجاد حل للطبقات الاجتماعية المهمشة، مستنداً في ذلك على سنوات قضاها في زيارات ميدانية للمناطق الداخلية، يوزع مساعدات غذائية للمحتاجين والفقراء.
وأفرزت الانتخابات التشريعية التي جرت الأحد الماضي برلماناً بكتل مشتتة. وتلوح في الأفق بوادر مشاورات طويلة من أجل تحالفات سياسية بينها؛ لأن حزب «النهضة» الذي حل أولاً بـ52 مقعداً لا يستطيع تشكيل حكومة تتطلب مصادقة 109 نواب.
ويقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي، إن «الرئيس القادم سيواجه صعوبات مع الحكومة والبرلمان». ويتابع: «إذا تمكن سعيّد من الفوز فستصعب عليه عملية إقناع البرلمان بالإصلاحات الدستورية التي يدعو إليها». ويضيف الجورشي: «يجب أن يتفهم (الرئيس المقبل) طبيعة المرحلة القادمة، ويخلق توازناً مع من سيشكل الحكومة»، مشيراً إلى أن القروي يقيم «علاقات متوترة مع كتل برلمانية كثيرة، بما فيها (النهضة)». ودعت «النهضة» قواعدها إلى التصويت لسعيّد، بعد أن أعلن القروي رفضه كل تحالف وتوافق معها مستقبلاً، واتهمها بالوقوف وراء سجنه.
وتمتد ولاية الرئيس التونسي الجديد خمس سنوات، وهو الذي يعين بالتشاور مع رئيس الحكومة، كلاً من وزير الدفاع والخارجية لارتباطهما بالأمن القومي التونسي، غير أن ثقل السلطة موزع بين رئيسي الحكومة والبرلمان، نتيجة الحد من صلاحيات الرئيس في نظام حكم برلماني معدل.
وذكرت بعثة دولية لمراقبة الانتخابات في تونس، أمس، أن احتجاز القروي الذي دام أسابيع يثير القلق على الاقتراع، على الرغم من الإفراج عنه يوم الأربعاء الماضي.
وقال ليز كامبل، رئيس البعثة الميدانية المشتركة للمعهد الديمقراطي الوطني والمعهد الجمهوري الدولي: «اعتقال أحد مرشحي الرئاسة، وعدم قدرته على القيام بحملة انتخابية في ظروف متكافئة، يشكل بالنسبة لنا ما يدعو للقلق».
في السياق ذاته، منعت هيئة الانتخابات الملاحظين (المراقبين) الممثلين للقوائم المرشحة للانتخابات البرلمانية، من دخول مكاتب الاقتراع، وأكدت أن الدخول مسموح به فقط لفائدة ممثلي المتنافسين في الدور الثاني من السباق الرئاسي، وهو ما خلق جدلاً سياسياً حاداً بين الأحزاب السياسية الداعمة لكلا المترشحين.
وبشأن سحب الاتحاد العام التونسي للشغل (نقابة العمال) لنحو سبعة آلاف من ملاحظيه خلال الدور الثاني للانتخابات الرئاسية، أكد نبيل بافون رئيس هيئة الانتخابات علمه بالأسباب التي دفعت الاتحاد لاتخاذ مثل هذا القرار، لافتاً في هذا الصدد إلى أن عملية تكليف الملاحظين تتطلب اعتمادات كبرى، وتتكلف مبالغ مالية طائلة على حد تعبيره.
وشارك في متابعة سير العملية الانتخابية، وفق المعطيات التي قدمتها هيئة الانتخابات، 18 ألف ملاحظ محلي، و700 ملاحظ أجنبي، و2100 صحافي، و33094 ممثلاً للمرشحين قيس سعيّد ونبيل القروي. وأشار بافون إلى أن الهيئة تعتمد في عملها على التقارير التي يعدها نحو 1200 عون محلف تم تسخيرهم لمراقبة سير العملية الانتخابية.
وإثر وفاة الرئيس السابق الباجي قائد السبسي في 25 يوليو (تموز) الفائت، نظمت في البلاد انتخابات رئاسية مبكرة في 15 سبتمبر (أيلول) الماضي، على أن يتم انتخاب الرئيس قبل 25 أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، وفقاً لما ينص عليه الدستور التونسي بمدة زمنية لا تتعدى التسعين يوماً.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.