تشكيل اللجنة الدستورية يطلق «معركة التطبيع» مع دمشق

باريس تضع 4 شروط أوروبية لـ«شرعنة» الانتخابات السورية

بيدرسون خلال مؤتمر صحافي في جنيف قبل يومين (إ.ب.أ)
بيدرسون خلال مؤتمر صحافي في جنيف قبل يومين (إ.ب.أ)
TT

تشكيل اللجنة الدستورية يطلق «معركة التطبيع» مع دمشق

بيدرسون خلال مؤتمر صحافي في جنيف قبل يومين (إ.ب.أ)
بيدرسون خلال مؤتمر صحافي في جنيف قبل يومين (إ.ب.أ)

طرح تشكيل اللجنة الدستورية السورية، وقواعد عملها، «معركة التطبيع» مع دمشق، و«إعادة الشرعية إلى النظام السوري»، بين استعجال موسكو «إعادة سوريا إلى العائلة العربية» من جهة، وتمسك واشنطن بـ«عزل» دمشق من جهة ثانية، في وقت تقدمت فيه باريس بوثيقة وضعت أربعة شروط لـ«إعادة الشرعية»، والاعتراف بنتائج الانتخابات، بينها «إشراف كامل» من الأمم المتحدة على الانتخابات البرلمانية العام المقبل، والرئاسية في 2021.
ومنذ اتفاق المبعوث الأممي غير بيدرسون، ووزير الخارجية السوري وليد المعلم، على قائمة الـ150 مرشحاً للجنة الدستورية، وقواعدها الإجرائية، الشهر الماضي، كان هناك حرص على كل إشارة سياسية؛ ذلك أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، تبنى الإعلان عن «الإنجاز السياسي»، وأن اللجنة ستعقد اجتماعها الأول في جنيف في الـ30 من الشهر الحالي، بحيث يكون عملها بناء على القرار 2254. وفي المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لـ«الشرق الأوسط»، إن الاختراق جاء «بناءً على قرار مؤتمر الحوار الوطني السوري في سوتشي» بداية العام الماضي، وضمن «إنجازات» الدول الثلاث الضامنة لمسار آستانة؛ روسيا وتركيا وإيران.

- معركة دبلوماسية
لكن المعركة الدبلوماسية الأهم تدور حالياً حول «ما بعد تشكيل اللجنة»، إذ قال لافروف لـ«الشرق الأوسط» إنه يرحب بتشكيل اللجنة الدستورية، لافتاً إلى أن التقدم على المسار السياسي «سيطرح ملفاً تم طرحه منذ وقت طويل، حول ضرورة عودة سوريا إلى العائلة العربية. والكثير هنا سيتوقف على موقف السعودية، لأن صوتها مسموع في المنطقة وخارجها»، علماً بأن الرئيس فلاديمير بوتين سيزور الرياض قريباً. ومن جهته، قال المعلم، بعد لقاء عرضي مع الأمين العام للجامعة العربية أحمد أبو الغيط في نيويورك، إن على الجامعة العربية أن تعود إلى سوريا «كي تصبح عربية».
أما أبو الغيط، فقال إن الوقت لم يحن لعودة سوريا للجامعة العربية، وزاد: «ليس بعد، رغم أن دولاً عربية أعادت العلاقات، وأعادت فتح السفارات مع سوريا، فإن الإرادة الجماعية العربية لم تصل بعد إلى اللحظة التي تفيد بأنه ليست لدينا مشكلة مع الحكم في سوريا».
وأضاف: «عندما... تنطلق سوريا الجديدة، أتصور عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة. وسوريا الجديدة لن تكون مرتمية في أحضان إيران؛ هذا شرط عربي رئيسي».
وفي الضفة الثانية، قال المبعوث الأميركي للملف السوري السفير جيمس جيفري: «نواصل حث جامعة الدول العربية على التصدي لأي جهود ترمي لإعادة نظام الأسد إلى الجامعة قبل الوفاء بالمعايير المحددة في القرار 2254»، مضيفاً: «أي محاولة للترحيب بعضوية نظام الأسد مرة أخرى في الجامعة العربية، أو استئناف العلاقات معه، من شأنها أن تقوض جهودنا الجماعية الرامية للتحرك نحو التوصل إلى حل دائم وسلمي وسياسي للصراع الدائر في سوريا، وستستمر العزلة الدولية المفروضة على نظام الأسد حتى يكف عن شن هجماته الوحشية على السوريين الأبرياء، ويتخذ خطوات ذات مصداقية لتهدئه العنف، وتمهيد الطريق أمام التوصل إلى حل سياسي».
وكانت واشنطن قد جمدت، بداية العام الحالي، مسارين لـ«التطبيع» مع دمشق: المسار الأول الذي كان قد بدأ بإعادة تشغيل سفارات عربية في العاصمة السورية، والمسار الثاني رفع التجميد عن مقعد الحكومة السورية في الجامعة العربية الذي اتخذ في نهاية 2012.

- «عزل دمشق»
وقادت واشنطن ولندن جهوداً لتثبيت عناصر الموقف السياسي هذه عبر اجتماع في نيويورك لوزراء خارجية «المجموعة الصغيرة» التي تضم مصر وفرنسا وألمانيا والأردن والسعودية وبريطانيا وأميركا، إضافة إلى اجتماع آخر دعت إليه مسؤولة الشؤون الخارجية الأوروبية فيدريكا موغيريني وبيدرسون على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإذ رجبت الدول بـ«إعلان الأمم المتحدة أن الأطراف كافة قد وافقت على إنشاء لجنة دستورية. هذه خطوة إيجابية طال انتظارها، ولا تزال تتطلب التزاماً جاداً وتعهداً بتحقيق الوعود لتنجح»، جددت الإشارة إلى أدوات الضغط المتوفرة لديها، وبينها ضرورة توفر البيئة المحايدة للعملية السياسية، و«الإفراج الجماعي عن السجناء السياسيين، والخطوات لتهيئة بيئة آمنة محايدة من شأنها أن تمكن السوريين من إجراء انتخابات حرة نزيهة ذات مصداقية، تحت إشراف الأمم المتحدة، بشكل يتيح للنازحين واللاجئين والمهاجرين المشاركة فيها». كما تمسكت هذه الدول بإبقاء ملف المساءلة مطروحاً، وسط تأكيدها على «دعم الجهود الرامية إلى ضمان تحديد ومحاسبة جميع مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، بمن فيهم المسؤولون عن الجرائم ضد الإنسانية».
كما أبقت واشنطن ولندن «ورقة» ملف الكيماوي، إذ أعلن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو أن بلاده «خلصت إلى أن نظام الأسد استخدم غاز الكلور كسلاح كيمياوي في 19 مايو (أيار)، في هجوم على محافظة اللاذقية، غرب سوريا». وأيدت لندن موقف واشنطن التي فرضت عقوبات إضافية على كيانات سورية.
ولم تظهر إلى الآن تغيرات جوهرية في مواقف الدول الأوروبية وأميركا من شروط «التطبيع» مع دمشق، و«شرعنة النظام»، والمساهمة في إعمار سوريا، لكن بعض الدول الأوروبية قلقة من تفكك «الجدار الجماعي» إزاء ذلك، خصوصاً بعد إعلان هنغاريا فتح سفاراتها في العاصمة السورية. لذلك، فإن اجتماعات عدة ستعقد في بروكسل لهذا الغرض، قبل الاجتماع الأوروبي الوزاري منتصف الشهر.

- أربعة شروط
وكان لافتاً أن باريس وضعت على طاولة حلفائها ورقة حددت شروط قبول نتائج الانتخابات البرلمانية والرئاسية في سوريا، و«إلا، لن تكون شرعية»، واقترحت أربعة مبادئ للموقف الجماعي، هي:
أولاً، إرساء تدابير بناء الثقة على أرض الواقع، بهدف تهيئة الأجواء والبيئة الآمنة والمحايدة، قبل وأثناء وعقب انعقاد الانتخابات، وذلك لضمان تمتع العملية الانتخابية بالمصداقية، في ظل الشروط الأمنية الكافية، مع حماية حقوق الأطراف كافة. ويشمل ذلك وقف النار وإطلاق معتقلين.
ثانياً، ضمانات تؤكد على مشاركة ووصول النازحين واللاجئين إلى مراكز الاقتراع، فضلاً عن حملات التثقيف والتوعية الانتخابية.
ثالثاً، شروط قانونية وعملية ميسرة لإجراء الاقتراع التعددي. وفي ظل وجود 12 مليون لاجئ خارجي ونازح داخلي في سوريا، من الأهمية البالغة أن يتمكن جميع المواطنين السوريين في الشتات من التصويت، مع حيازتهم لحق الترشح أيضاً في الانتخابات المقبلة.
رابعاً، إشراف منظمة الأمم المتحدة على الانتخابات، وتوفر الحياد الصارم في العملية الانتخابية. ومنعاً لوقوع أي شكل من أشكال التلاعب، مع ضمان الإعداد الجيد للانتخابات في مرحلة ما بعد الصراع، ينبغي لإشراف الأمم المتحدة أن يكون شاملاً، يتضمن تنظيم وإجراء الانتخابات، مع الدعم الأممي للبيئة الانتخابية الآمنة، ومراقبتها بعناية فائقة.
وذكرت الوثيقة بموقف دول الاتحاد الأوروبي، وأنها على «استعداد تام للاضطلاع بدورها في إعادة إعمار سوريا، في حالة وجود عملية انتقالية سياسية شاملة حقيقية، على أساس قرار مجلس الأمن 2254».



مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
TT

مدارس لبنانية تفتح أبوابها للتلاميذ لتلقي العلم وسط النازحين

المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)
المدارس الحكومية في عمشيت تستأنف مهمتها التعليمية (رويترز)

في بلدة عمشيت الساحلية الهادئة التي تبعد 45 دقيقة بالسيارة شمالي بيروت، استأنفت المدارس الحكومية أخيراً مهمتها التعليمية وسط عشرات الآلاف من النازحين الذين اتخذوا من بعض المدارس مأوى مؤقتاً.

وحسب «رويترز»، قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إنه مع تصاعد الصراع بين إسرائيل و«حزب الله» في سبتمبر (أيلول) لحق الدمار بمئات المدارس في لبنان أو اضطرت لغلق أبوابها بسبب الأضرار أو المخاوف الأمنية.

وقالت وزارة التربية والتعليم العالي اللبنانية إنه تم تحويل 505 مدارس من بين نحو 1250 مدرسة حكومية في لبنان إلى ملاجئ مؤقتة لبعض النازحين الذين يبلغ عددهم 840 ألف شخص.

وبدأت الوزارة، الشهر الماضي، إعادة فتح المدارس على مراحل، مما سمح بعودة 175 ألف طالب منهم 38 ألف نازح إلى بيئة تعليمية لا تزال بعيدةً عن وضعها الطبيعي.

وفي مدرسة عمشيت الثانوية الحكومية، التي تضم الآن 300 طالب مسجل ويُتوقع انضمام المزيد منهم مع استمرار وصول العائلات النازحة، تحولت المساحات المألوفة ذات يوم إلى مكان مخصص لاستيعاب الواقع الجديد.

وقال مدير المدرسة، أنطوان عبد الله زخيا، إنه قبل شهرين ونصف الشهر اختيرت المدرسة كملجأ.

واليوم، تتدلى الملابس المغسولة من نوافذ الفصول الدراسية، وتملأ السيارات ساحة اللعب التي كانت ذات يوم منطقةً صاخبة، والممرات التي كان يتردد فيها صوت ضحكات التلاميذ أصبحت الآن استراحةً للعائلات التي تبحث عن ملجأ.

وأعربت فادية يحفوفي، وهي نازحة تعيش مؤقتاً في المدرسة، عن امتنانها الممزوج بالشوق. وقالت: «بالطبع، نتمنى العودة إلى منازلنا. لا أحد يشعر بالراحة إلا في المنزل».

كما أعربت زينة شكر، وهي أم نازحة أخرى، عن قلقها على تعليم أطفالها.

وقالت: «كان هذا العام غير عادل. بعض الأطفال يدرسون بينما لا يدرس آخرون. إما أن يدرس الجميع، أو يجب تأجيل العام الدراسي».

التعليم لن يتوقف

قال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن الخطة المرحلية لاستئناف الدراسة ستشمل تسجيل 175 ألف طالب من بينهم 38 ألف طفل نازح في 350 مدرسة عامة غير مستخدمة كملاجئ. وقال وزير التربية والتعليم العالي، عباس الحلبي، لـ«رويترز»: «العملية التعليمية هي أحد مظاهر مقاومة العدوان الذي يواجهه لبنان». وأضاف الحلبي أن قرار استئناف العام الدراسي كان صعباً لأن العديد من الطلاب والمدرسين النازحين لم يكونوا مستعدين نفسياً للعودة إلى المدرسة. وفي مبنى مجاور في مدرسة عمشيت الثانوية الرسمية، يتأقلم المعلمون والطلاب مع أسبوع مضغوط مدته 3 أيام ويشمل كل يوم 7 حصص دراسية لزيادة وقت التعلم إلى أقصى حد.

ولا تزال نور قزحيا (16 عاماً)، وهي من سكان عمشيت، متفائلة. وقالت: «لبنان في حالة حرب، لكن التعليم لن يتوقف. سنواصل السعي لتحقيق أحلامنا». ويتأقلم المعلمون مع الظروف الصعبة. وقال باتريك صقر وهو مدرس فيزياء (38 عاماً): «الجميع مرهقون ذهنياً... في نهاية المطاف، هذه الحرب تطولنا جميعاً». وبالنسبة لأحمد علي الحاج حسن (17 عاماً) النازح من منطقة البقاع، يمثل الأسبوع الدراسي الذي يدوم 3 أيام تحدياً لكنه ليس عائقاً. وقال: «هذه هي الظروف. يمكننا أن ندرس رغم وجودها».