اللغة ليست شيئاً آخر... إنها نحن

اللغة ليست شيئاً آخر... إنها نحن
TT

اللغة ليست شيئاً آخر... إنها نحن

اللغة ليست شيئاً آخر... إنها نحن

هل هناك «لغة شريفة»، ولغة ليست كذلك؟ لغة مقدسة، وأخرى دونها في المنزلة؟ ثم، هل هناك لغة علمية، وأخرى أدبية أو شعرية، لغة دقيقة، وأخرى سائبة محشوة بالإنشاء، كما حالنا الآن، أو تسمح به؟ لا نكاد نعثر في الأدبيات اللغوية، وعند فقهاء علماء اللغة على أسئلة كهذه إلا عندنا نحن العرب. والسبب واضح: إننا ننظر للغة كعنصر قائم بذاته، منعزل عن تاريخنا القديم والحديث، ومراحله المتعاقبة المليئة بالتغيرات الكبرى، ودورات الزمن المتعاقبة، عنصر منفصل عن تطورنا الاقتصادي الاجتماعي والثقافي، وبنائها الذهني والنفسي في كل مرحلة من التاريخ. وكأن اللغة وجدت لذاتها، وجوداً سرمدياً لا يصقله أو يخدشه الزمن. كأنها ولدت وكبرت خارج التاريخ، أو كأنها شيء سقط علينا من فوق، وبذلك اكتسب صفة القداسة للأبد. ولأننا لا نعتبرها لساناً يعبر عن هواجسنا ومخاوفنا، ومشاعرنا وعقولنا، ووجودنا في هذه اللحظة أو تلك من تطور واقعنا وتاريخنا، ولأننا لا ندرك أنها تعجز حين نعجز، وأنها تشمخ وتقوى بنا، وترتفع معنا إذا ارتفعنا، ظللنا نملأ الدنيا صراخاً من الخوف عليها من زحف شقيقاتها الأجنبيات «الشقراوات المغريات»، ومن هجران أهلها لها، وتلاعبهم عن جهل بقوانيهنا وقواعدها وفقهها، وبشكل خاص من محاولات «المس» بها.
وربما لهذا السبب، ظلت مجامعنا اللغوية مسمرة أمام الدنيا، لا تعرف ماذا تفعل بقاموسها، الذي مضى عليه أكثر من ألف سنة، من دون تغذية يفرضها التطور الهائل الذي قلب العالم خلال هذا الزمن الطويل، وكأنها تخاف أن ترتكب معصية انتهاك هذا الكائن «المقدس»، الذي هو ليس بمقدس على الإطلاق، بل هو كلماتنا، ومفرداتنا، التي نختارها لنعبر بها عن أرواحنا وعقولنا، ونكتب بها شعرنا ونثرنا. إنها نحن، وليست شيئاً آخر هبط علينا من السماء.
علماء اللغة يعرفونها بأنها الوجود المادي للفكر. وهي تعبر عن هذا الفكر. إذا كان متقدماً، انعكس ذلك عليها، وعلى مفرداتها وبنائها، وتركيبها وصياغاتها، وإذا كان متأخراً تهلهلت شخصيتها، واضمحل تأثيرها، وبهتت مفرداتها.
كان «ابن جنّي» يقول إن اللغة العربية «لغة شريفة»، وقد وجد فيها «الحكمة والدقة، والإرهاف والرقة». ولكن لا لغة أفضل من لغة أخرى، كما يقول عن حق حمد الشمري، الذي ترجم كتاب «عبقرية اللغة»، في الحوار المنشور معه في هذه الصفحة على هامش الترجمة. توجد كتل بشرية أفضل من غيرها، في لحظات تاريخية معينة، فتزدهر لغتها وتكتنز باغتنائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، كما حصل في عصر ابن جني، العصر العباسي، شارح أشعار المتنبي، الذي اشتهر ببلاغته وحسن تصريف الكلام، وأغنى القاموس العربي بـ«الإبانة عن المعاني بوجوه الأداء ووضع أصول في الاشتقاق ومناسبة الألفاظ للمعاني»، وكما حصل مع اللغة الإنجليزية في عصرنا الحالي، ولا نقصد انتشارها لأسباب استعمارية قبل كل شيء، وإنما باغتناء قاموسها بمفردات الحياة المعاصرة، وتطوره ارتباطاً بتطور العلم والثقافة والاجتماع والتكنولوجيا. ولذلك لا تجد إنجليزياً واحداً يرطن بلغة أخرى، أو يستخدم مصطلحاً معاراً. لغته جاهزة للتعبير عما يريد.
اللغة، أي لغة، أداة محايدة. ليست هي ضمن البناء الفوقي وليس ضمن البناء التحتي، حسب مصطلحات الفلاسفة.
ولا مشكلة في أي لغة. المشكلة في الناس الذين يستخدمون هذه الأداة، بشكل مستقيم أو معوج. والاستقامة والاعوجاج مرتبطان بالتطور الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والتعليمي في أي أمة من الأمم.
اللغة ليست شيئاً آخر. إنها نحن.



الفيلم المصري «شرق 12» يفتتح «أسبوع النقاد» في «مهرجان برلين»

لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)
لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)
TT

الفيلم المصري «شرق 12» يفتتح «أسبوع النقاد» في «مهرجان برلين»

لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)
لقطة من فيلم «شرق 12» (الشركة المنتجة)

اختار «مهرجان برلين السينمائي» الفيلم المصري «شرق 12» للمخرجة هالة القوصي، ليكون فيلم افتتاح برنامج «أسبوع النقاد» خلال دورته الـ75 المقررة في الفترة من 13 إلى 22 فبراير (شباط) 2025.

وكان الفيلم الذي يُعدّ إنتاجاً مشتركاً بين هولندا، ومصر، وقطر، قد عُرض للمرة الأولى عالمياً في مهرجان «كان السينمائي» ضمن برنامج «نصف شهر المخرجين»، خلال دورته الـ77، كما انفرد مهرجان «البحر الأحمر السينمائي» بعرضه الأول في الشرق الأوسط ضمن برنامج «رؤى جديدة»، وحاز الفيلم على تنويه خاص من لجنة التحكيم في مهرجان «كيرالا السينمائي الدولي» بالهند، للتناغم بين عناصر الديكور والصوت والتصوير، كما جاء في حيثيات لجنة التحكيم. ويشارك الفيلم في مهرجان «روتردام السينمائي» ضمن قسم «أفضل الأفلام العالمية» في دورته التي تنطلق في 30 يناير (كانون الثاني) المقبل.

الفيلم من بطولة منحة البطراوي، وأحمد كمال، وعمر رزيق، وفايزة شمة، وينتمي لفئة «الكوميديا السوداء»، حيث تدور أحداثه في إطار الفانتازيا الساخرة من خلال الموسيقي الطموح «عبده» العالق في مستعمرة صحراوية معزولة ويقضي وقته بين حفر القبور وتأليف الموسيقى باستخدام آلات موسيقية اخترعها من أدوات منزلية، ويخطّط عبده للهروب من المستعمرة رفقة حبيبته للتخلص من هيمنة «شوقي بيه»، بينما الحكاءة «جلالة» تروي للناس قصصاً خيالية عن البحر، والفيلم من تأليف وإخراج هالة القوصي في ثاني أفلامها الطويلة بعد «زهرة الصبار».

وأبدت المخرجة المصرية الهولندية سعادتها باختيار الفيلم في «برلين»، وقالت لـ«الشرق الأوسط» إنها تفاجأت باختياره لأن موزعته هي من تقدمت به، وأضافت: «لم أكن أعرف أن مهرجان (برلين) يقيم أسبوعاً للنقاد، على غرار مهرجاني (كان) و(فينيسيا)، عَلِمتُ بذلك حين اختاروا فيلمنا بوصفه فيلم افتتاح، هذا في حد ذاته شرف كبير، وقد قال لي الناقد طارق الشناوي إنها ربما المرة الوحيدة التي يتم فيها اختيار فيلم مصري لافتتاح هذا القسم».

المخرجة هالة القوصي في مهرجان «البحر الأحمر» (الشرق الأوسط)

وتلفت هالة إلى أن «أسبوع النقاد يُعد جهة مستقلة في جميع المهرجانات الكبرى عن إدارة المهرجان نفسه، ويقام تحت إدارة نقاد، وهو في مهرجان (برلين) لديه طبيعة نقدية وله بعد مفاهيمي من خلال عقد مناقشات بين الأفلام».

وترى هالة أن «أول عرض للفيلم يحدّد جزءاً من مسيرته، وأن التلقي الأول للفيلم في مهرجان (كان) الذي يُعد أكبر تظاهرة سينمائية في العالم، ويحضره عدد من نقاد العالم والمنتجين ومبرمجين من مختلف المهرجانات يتيح للفيلم تسويقاً أكبر وحضوراً أوسع بمختلف المهرجانات».

وعُرض فيلم «شرق 12» في كلٍ من السعودية والبرازيل وأستراليا والهند، حيث شاهده جمهور واسع، وهو ما تراه هالة القوصي غاية السينما؛ كونها تملك هذه القدرة لتسافر وتتفاعل مع مختلف الثقافات، في حين يرى الناس في بلاد مختلفة صدى لتجربتها الشخصية بالفيلم، موضحة: «لذلك نصنع السينما، لأنه كلما شاهد الفيلم جمهور مختلف وتفاعل معه، هذا يجعلنا أكثر حماساً لصناعة الأفلام».

بوستر اختيار الفيلم في مهرجان «برلين» (الشرق الأوسط)

وعن صدى عرض الفيلم في مهرجان «البحر الأحمر» مؤخراً، تقول المخرجة المصرية: «كان من المهم بالنسبة لي عرضه في مهرجان (البحر الأحمر) لأتعرف على ردود فعل عربية على الفيلم، وقد سعدت بها كثيراً، وقد سألني كثيرون، كيف سيستقبل الجمهور العربي الفيلم؟ فقلت، إن أفق الجمهور أوسع مما نتخيل، ولديه قدرة على تذوّق أشكالٍ مختلفة من الفنون، وهذا هو رهاني دائماً، إذ إنني لا أؤمن بمقولة (الجمهور عايز كده)، التي يردّدها بعض صناع الأفلام، لأن هذا الجمهور سيزهد بعد فترة فيها، وفي النهاية فإن العمل الصادق سيلاقي حتماً جمهوره».

لا تستعين هالة بنجوم في أفلامها، وتبرر ذلك قائلة: «لأن وجود أي نجم بأفلامي سيفوق أجره ميزانية الفيلم كلّه، فنحن نعمل بميزانية قليلة مع طموحٍ فني كبيرٍ، ونقتصد في كل النفقات التي لا تضيف قيمة للفيلم، نعمل في ظروف صعبة ليس لدينا كرافانات ولا مساعدين للنجوم، ونحرص على تكثيف فترات العمل وضغط النفقات في كل شيء، وهو ما لا يناسب النجوم».

ووفق الناقد خالد محمود، فإن «مهرجان (برلين) دائماً ما يمنح فرصاً للتجارب السينمائية الجريئة والمختلفة من المنطقة العربية والشرق الأوسط، والأفلام خارج سياق السينما التجارية، التي تجد متنفساً لها في مهرجان (برلين)».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «فيلم (شرق 12) يُعدّ أحد الأفلام المستقلة التي تهتم بها المهرجانات الكبرى وتُسلط عليها الضوء في برامجها، وقد حقّق حضوراً لافتاً في مهرجانات كبرى بدءاً من عرضه الأول في (كان)، ومن ثمّ في (البحر الأحمر)، ولا شك أن اختياره في أسبوع النقاد بـ(برلين) يمثل إضافة مهمة له».