«يوميات تولستوي»... تأملات في معنى الحياة

تضم مراسلاته مع غاندي وشو وترجمها يوسف نبيل في 6 أجزاء

غلاف اليوميات الجزء الثالث
غلاف اليوميات الجزء الثالث
TT

«يوميات تولستوي»... تأملات في معنى الحياة

غلاف اليوميات الجزء الثالث
غلاف اليوميات الجزء الثالث

بالتزامن مع شهر ميلاد الكاتب الروسي الشهير ليو تولستوي (1828 - 1910)، التي تصادف هذا الشهر، سبتمبر (أيلول)، تستعد دار «آفاق» للنشر والتوزيع بالقاهرة لإطلاق مشروع ضخم بعنوان: «يوميات تولستوي» وهو مشروع يصدر في ستة أجزاء متتالية، صدر منه حتى الآن 3 أجزاء.
أنجز ترجمة المشروع المترجم المصري يوسف نبيل الذي قال لنا: «بدأت التفكير منذ فترة في ترجمة أعمال تولستوي الفكرية، حيث إن أغلب ما تُرجم له كانت أعماله الأدبية، في حين أن أهميته وشهرته في العالم لا تتأسس على أدبه فقط، بل كذلك على أفكاره وفلسفته وأدواره الاجتماعية المهمة. بعد ترجمة ثلاثة كتب فكرية مع دار آفاق المصرية، ونجاحها بدأنا نفكر في أهم ما تبقى له، ففكرنا في (اليوميات) لكننا ترددنا كثيراً في البداية لحجمها الرهيب وتكلفة المشروع من ناحية الوقت والمجهود والمال، ثم قررنا سوياً خوض المغامرة، بالنسبة لدار النشر كانت المخاطرة في التكلفة الباهظة لترجمة ستة أجزاء ضخمة، وبالنسبة لي كانت المخاطرة في التفرغ لمدة عامين تقريباً لإنجازه، ورفض كل العروض التي تقدمها لي دور النشر الأخرى بالعمل من أجل إنهاء هذا المشروع».
أنجز نبيل قبل «اليوميات» أربعة أعمال لتولستوي وهي روايته «السند المزيف» التي صدرت عن سلسلة الجوائز بالهيئة المصرية العامة للكتاب، و«طريق الحياة»، بالإضافة لكتابين يضمان مختارات من مقالات ورسائل تولستوي هما «في الدين والعقل والفلسفة» و«في العلم والأخلاق والسياسة»، ما يجعل «اليوميات» مواصلة لرحلة شقّها المترجم منذ سنوات مع مشروع الأديب والمفكر الروسي الأشهر.
حسب المترجم فإن أغلب أجزاء اليوميات تضم شكلين: إما تسجيل للأحداث اليومية، وإما مناقشة لأفكار بعينها يفكر فيها تولستوي أو مطروحة في كتب يقرأها، وبالتالي تعرض لنا اليوميات تفاصيل حياة تولستوي اليومية، وتعرض لنا آراءه فيما يقرأه من كتب، وترصد تفكيره في أعماله الفنية وتطورها، كما أنها تكشف عن مفاجآت حقيقية عن حياته وأفكاره ربما لم يعرفها أحد من قبل ما دام لم يقرأ اليوميات.
تنقسم يوميات تولستوي بحساب السنوات لستة أجزاء، يقول عنها المترجم: يتناول الجزء الأول الفترة من 1847 - 1857، أي منذ إن كان تولستوي في الـ19 من عمره، وافتتاحيتها وحدها صادمة سأتركها للقارئ. هذه فترة عاصفة في حياة تولستوي حيث يعاني من اضطرابات أخلاقية وفكرية ونفسية خطيرة جداً، كما أنها ترصد بدايات عمله الأدبي وعلاقته بتورجينيف وفترة عمله في الجيش وسفره لأوروبا وتفرغه للأدب بصورة كاملة.
أما الجزء الثاني فيتناول الفترة من 1858 - 1889، وفي هذه الفترة ترصد اليوميات بحثه عن زوجة، وتفاصيل زواجه من صوفيا والمشاكل التي تفجرت بينهما، وكتابته لبعض أهم أعماله مثل «سوناتا كرويتزر» و«ما الفن؟» وغيرهما، كما أنها تعرض لبدء توثق علاقته بتشيرتكوف الذي سيتولى تنظيم بعض أعماله الأدبية.
ويتابع نبيل «الجزء الثالث يتناول الفترة من 1890 وحتى 1895 وفي هذه الفترة يكتب عمله الخالد (ملكوت الله بداخلكم) وبعضاً من أهم مقالاته مثل (لماذا يخدر البشر أنفسهم؟) و(الدرجة الأولى) وبالتالي تتشكل رؤيته عن فلسفة عدم المقاومة كما تتعقد علاقة صوفيا بتولستوي بشدة خاصة بسبب تدخل تشيرتكوف في حياة زوجها».
الجزء الرابع من 1896 - 1903 الذي يتناول جهوده في دعم طائفة «الدخوبوريين» وهي طائفة مسيحية اعتنقت أفكار المسيح الأخلاقية ورفضت انضمام أبنائها للجيش وامتنعت عن كل ما نهى عنه المسيح مما عرضها لاضطهاد شديد من قِبل السلطة وتم ترحيلها إلى كندا. في هذه الفترة كتب تولستوي كذلك أعمالا شديدة الأهمية مثل: «البعث - الأب سيرجيه»، وازداد الصراع بينه وبين زوجته خاصة بسبب غيرته من علاقتها بأحد الموسيقيين. يتناول هذا الجزء أيضاً جهوده التي بذلها من أجل إنقاذ الفلاحين الجوعى في مقاطعة تولا.
الجزء الخامس 1904 - 1907، والسادس 1908 - 1910 يضم مقالات عن الثورة التي تم وأدها في عام 1905 وما تلاها من مجازر، وهجوم تولستوي الشديد على الحكومة والقيصر، ومقالته عن شكسبير ومراسلاته مع غاندي وبرنارد شو، ومقالات عن موت ابنته ماشا، وازدياد اضطراب صوفيا ونوباتها الهيستيرية، وتعقد الصراع بينهما بسبب أمور كثيرة منها وصيته... وفي الجزء السادس، يتناول تفاصيل سنواته الأخيرة، حيث تنتهي اليوميات قبل وفاته بأقل من شهر واحد وهو يخاطب الله متسائلا عن معنى الحياة.
ويعتبر المترجم المصري يوسف نبيل أن «يوميات تولستوي» هي حجر رئيس في مشروعه في الترجمة عن الروسية، فحسب قوله: «أخذت على عاتقي من البداية ترجمة كل ما تيسر لي لتولستوي من أعمال غير أدبية، واليوميات هي العمل الأهم والأضخم. أفخر كذلك بتقديم أسماء مهمة في الأدب الروسي لم يُترجم لها شيء تقريباً من قبل مثل ميخائيل زوشينكو وإسحاق بابل.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».