دخل الحراك الشعبي في الجزائر شهره السابع بنفس الزخم تقريباً الذي انطلق به في فبراير (شباط) الماضي، لكن «الجمعة 31» أول من أمس، كانت طويلة جدّا على الجزائريين، وحبست أنفاسهم خوفاً من أي انحراف قد يحدث بعد أن قررت السلطة المرور إلى السرعة القصوى باستدعاء الهيئة الناخبة يوم 14 سبتمبر (أيلول) من طرف رئيس الدولة، وتحديد يوم 12 ديسمبر (كانون الأول) موعداً لإجراء الانتخابات الرئاسية التي فشلت مرتين في الوصول إليها: المرة الأولى في 18 أبريل (نيسان) حين تقدم فيها عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، والمرة الثانية هي التي حددتها الآجال الدستورية بشكل آلي في 4 يوليو (تموز).
وعلى غرار كل سلطة تواجه سخطا شعبياً عارماً، يحاول النظام الجزائري إنهاء هذا الوضع الثوري في أقرب وقت ممكن، مبرراً ذلك بكونه قد استجاب لكل مطالب الجزائريين فيما يتعلق بمحاربة الفساد، وتوفير الضمانات القانونية لنزاهة الانتخابات بعد أن نقل صلاحيات تنظيمها من وزارة الداخلية إلى هيئة جديدة أطلق عليها اسم «السلطة العليا المستقلة لتنظيم الانتخابات» التي تحتكر جميع الصلاحيات في تنظيم ومراقبة العملية الانتخابية، وبالتالي لم يعد هناك مبرر في نظر السلطة، ليس فقط لتأجيل الانتخابات الرئاسية بل أيضاً للتظاهر والاحتجاج الذي يعطل سير عمل الدولة ويحمل معه مخاطر الانحراف إلى ما قد لا يتوقعه أحد.
ولكن رغم عدم لجوء السلطة إلى القمع، وعدم تكرار ما فعلته بعض الأنظمة العربية التي واجهت ثورة شعبية ضدّها إلا أنها لا تفوت أي وسيلة قانونية وشرعية لتحييد الخصوم السياسيين والناشطين الذين يشكلون مصدر إزعاج، على طريق الوصول إلى موعد الثاني عشر ديسمبر (كانون الأول). خلال الأشهر الماضية، لم تكن هنالك انتقائية في الاعتقال، وكانت التهم متعددة، والانتماءات الآيديولوجية للمعتقلين متنوعة ومختلفة. لكل معتقل قصة تختلف عن الأخرى باستثناء ربما أولئك الذين حملوا الراية الأمازيغية وأفرج عن بعضهم لاحقاً.
أما الجديد هذا الأسبوع فهو اعتقال ناشطين سياسيين، (كريم طابو، سمير بلعربي، فضيل بومالة) بتهم تمتد من إضعاف معنويات الجيش خلال فترة السلم، وصولاً إلى المساس بالوحدة الوطنية، وهي تهم خطيرة تصل عقوبتها إلى 10 سنوات سجن. فما هي الدلالات السياسية لهذه الاعتقالات؟ ولماذا استهدفت هؤلاء الأشخاص بعينهم؟ بغض النظر عن التهم التي وجهتها إليهم العدالة، والتي لا يمكن إثباتها أو نفيها إلى بعد اكتمال التحقيق وتقديم المتهمين للمحاكمة، فإن التساؤل عن الخلفية السياسية للاعتقال يبدو مشروعاً.
وعلى خلاف المعتقلين الآخرين في بقية الولايات فإن معتقلي هذا الأسبوع هم من يتصدر الإعلام البديل في مسيرات العاصمة الأسبوعية، بل امتد نشاطهم إلى الكثير من ولايات الجزائر رغم أنهم لا ينشطون تحت راية تنظيم حزبي، كما عرفوا بمعارضة مباشرة ومفتوحة لخطة السلطة بشكل عام وقيادة الأركان بشكل خاص، في الدعوة إلى رئاسيات في أقرب وقت ممكن، ومطالبتهم بمرحلة انتقالية. بالنسبة للسلطة، فقد تمادى هؤلاء في عرقلة المشروع الانتخابي الذي من شأنه أن ينهي الأزمة، وأيضاً تحييد هؤلاء «الراديكاليين» عن طريق حبسهم، ولو مؤقتاً، قد يساعد في التخفيف من حدّة الرفض للانتخابات في العاصمة.
الوزن السياسي لعاصمة البلاد يجعل من وقف حراكها ومسيراتها الأسبوعية، أو على الأقل تخفيفها أو توجيهها إن أمكن، رهاناً أساسيا للسلطة إذا أرادت الوصول إلى 12 ديسمبر (كانون الأول) بشكل آمن. وبقاء هؤلاء المتهمين، طلقاء ليقودوا مسيرات الجمعة ويتحدون قرارات قيادة الأركان، يزيد من حجم الهوة بين تصورات السلطة للحل وتصورات التيارات السياسية الرافضة له. إن إقناع الجزائريين بجدوى، بل بضرورة، نجاح موعد 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019. يمر حتماً عبر وقف المسيرات، وقد يساعد في تحييد أصحاب المواقف (الراديكالية) في تغيير قناعات البعض، كما يهيأ الأجواء لتسهيل أي مفاوضات قادمة إذا تطلب الأمر ذلك.
بالإضافة إلى لجوء السلطة إلى اعتقال الشخصيات البارزة ذات المواقف الراديكالية في العاصمة، أمر قائد الأركان في آخر خطاب له قوات الدرك بعرقلة قدوم متظاهرين إلى العاصمة من الولايات المجاورة. ويعكس هذا القرار رهان السلطة الأساسي على وقف الحراك الشعبي تدريجياً في العاصمة، وربما هذا ما يفسر أيضاً التعامل المزدوج للسلطة مع المسيرات الأسبوعية. في الوقت الذي تركز فيه جهودها على عرقلتها في مدينة الجزائر، فهي لا تبدي درجة الانزعاج نفسها من استمرارها في المدن الجزائرية الأخرى.
تحليل إخباري: إلى ماذا تشير اعتقالات الجزائر الأخيرة؟
غالبية الموقوفين يتصدرون الإعلام البديل في مسيرات العاصمة الأسبوعية
تحليل إخباري: إلى ماذا تشير اعتقالات الجزائر الأخيرة؟
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة