تدهور القطاع الصحي جنوب سوريا والاعتقال يواجه المرضى في دمشق

TT

تدهور القطاع الصحي جنوب سوريا والاعتقال يواجه المرضى في دمشق

يعاني القطاع الصحي في جنوب سوريا، خصوصاً بالمناطق الخاضعة لاتفاق التسوية، من نقص في الخدمات الصحية المقدمة للأهالي، والمستلزمات والأجهزة الطبية، والكوادر المختصة.
وبحسب ناشطين، فإن مناطق جنوب سوريا تعاني من ضعف البنية التحتية للمراكز الصحية والمستشفيات الحكومية، وإن الواقع الصحي بات يؤثر على حياة الأهالي في ظل نقص ملحوظ وتحديات تواجه القطاع في المنطقة، خصوصاً مع ارتفاع أجور المستشفيات الخاصة، وقلة فرص العمل، وتنامي الغلاء في أسعار جميع مستلزمات الحياة الرئيسية.
يقول أحد الممرضين، وهو مفصول من عمله من محافظة درعا جنوب سوريا: «منذ بداية الحرب في المنطقة الجنوبية بين فصائل المعارضة والنظام السوري سابقاً، توقف النظام في دمشق عن تمويل المراكز الطبية والمستشفيات التي كانت تقع في مناطق تسيطر عليها المعارضة سابقاً، حيث انقطعت الموارد المالية عن هذا القطاع في مناطق المعارضة سابقاً، مثل أجور الأطباء والممرضين والعاملين، إضافة إلى نقل الكوادر الطبية إلى مناطق سيطرة النظام وفصل الرافضين للقرار، كما حرمت المراكز الصحية من اللوازم الطبية والأجهزة الحديثة، وكانت ظروف القطاع الصحي في المنطقة عموماً قد وصلت إلى وضع صعب للغاية، خصوصاً مع تعرض كثير من المنشآت الصحية للقصف وباتت غير مناسبة للرعاية الصحية في بعض المناطق».
وأضاف أن «الواقع الصحي في المحافظة بشكل عام وفي المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية يسير بشكل مقبول الآن، رغم أن القطاع الصحي لا يزال يحتاج لمعطيات كثيرة لمواجهة التحديات الصحية في المنطقة، والنهوض بالوضع الصحي الذي شهد تدنياً في مستوى الخدمات المقدمة، نتيجة ما شهدته تلك المناطق من اختلالات أمنية وتغيرات ساهمت في توقف المستشفيات والمراكز الطبية فترة محددة قبيل سيطرة النظام على المنطقة قبل عام، حيث إن معظم المستشفيات والمراكز الطبية التي كانت في مناطق التسويات كانت خارجة عن إطار مؤسسات الحكومة قبل عودة سيطرة النظام على المنطقة، وكانت تدار من قبل منظمات المجتمع المدني المعنية بالشأن الطبي مثل منظمة (أطباء بلا حدود)، وما لبثت في توقفها إلا للأشهر الأولى بعد سيطرة النظام على المنطقة حتى يعود تفعيلها بوصفها إحدى مؤسسات الدولة مع نقص بالميزانيات التشغيلية والخدمات، ونقص بالكوادر الطبية، حيث إن معظم الأطباء الذين ما زالوا موجودين في المنطقة والممرضين فصلوا من عملهم في المستشفيات والمراكز الطبية الحكومية نتيجة انقطاعهم سابقاً عن المستشفيات الحكومية في المناطق التي كان يسيطر عليها النظام، قبل سيطرته على المنطقة بشكل كامل قبل عام».
وأوضح أن الخدمات المتوفرة في المناطق الخاضعة لاتفاق التسوية بحاجة إلى التطوير، «فهي لا تزال تقدم أبسط الخدمات الصحية المطلوبة في المستشفيات والمرافق الصحية الحكومية، مثل تقديم التطعيمات الدورية للأطفال (اللقاحات)، والعمليات غير المزمنة التي لا تتطلب أكثر من طبيب مختص إن وجد».
وبحسب تعبيره، فإنه «لم يتم النهوض بالواقع الطبي حتى اليوم، لا سيما أن هناك مستشفيات ومراكز طبية لا تزال مغلقة في ريف درعا ولم تتم إعادة تفعيلها، ويعتمد معظم السكان المحليين حالياً على المستشفيات في مدينة (درعا المحطة) التي لم تخرج عن سيطرة النظام السوري سابقاً، وهي مستشفيات ومراكز طبية حكومية؛ ومنها الخاصة، والخاصة تكون الإقامة العلاجية بها بأسعار باهظة؛ حيث إن أبسط عملية جراحية تكون بتكلفة 150 ألف ليرة سورية؛ أي ما يعادل 250 دولاراً، ومع الغلاء العام وضعف الحالة المادية لدى الأغلبية، فإن معظم الحالات الصحية تتوجه للمستشفيات الحكومية، مما يتطلب تفعيل مزيد من المراكز الطبية لاستيعاب كل الأعداد المراجعة والمرضى، وتزويد المراكز الحالية بأدوات وأجهزة حديثة، وعودة الأطباء المختصين والممرضين المفصولين إلى عملهم لتوفير أعداد أكبر من الكوادر المختصة في المراكز الطبية».
وقال أحد الأطباء في ريف القنيطرة الخاضع لاتفاق التسوية إن «الوضع الصحي فيها ليس أفضل من حال مناطق درعا، وتمت إعادة تأهيل عدد من المراكز الطبية للعمل بشكل إسعافي في المنطقة، بدوام جزئي لمدة يومين في الأسبوع بسبب نقص الكادر على مستوى المحافظة، في حين أن هناك قرى مثل مسحرة وأم باطنة لم تتم إعادة تفعيل المراكز الطبية بها، نتيجة تعرض مراكزها للتدمير الكلي، ويعتمد سكان هذه المناطق في الرعاية الصحية على العيادة المتنقلة... ورغم إعادة تفعيل عدد من الوحدات الطبية، فإن ازدياد الطلب على الخدمات من المواطنين ونزوح أعداد كبيرة من الأطباء المختصين إلى خارج البلاد، جعل المستشفيات والوحدات الصحية لا تؤدي دورها المطلوب».
ويرى أن الواقع الصحي في الجنوب «يجب أن يكون على قدر المسؤولية لتجنب الوقوع في كارثة صحية تتيح الفرصة لانتشار الأمراض والأوبئة، خصوصاً في المناطق التي لم تتم إعادة تفعيل المراكز الصحية بها، وهذا الأمر يتطلب جهوداً كبيرة من الحكومة والمجتمع الدولي لوضع حد لما يحتاجه القطاع الصحي في الجنوب السوري، وتوفير المتطلبات الأساسية والضرورية للنهوض بهذا القطاع».
وقال ناشطون في درعا إن قوات النظام السوري اعتقلت مؤخراً شابين من مدينة درعا البلد بعد أن توجها إلى أحد المستشفيات الحكومية في دمشق، وإنه تم الإفراج عنهما بعد تدخل «خلية الأزمة» في مدينة درعا البلد، وإجراء تواصلات مع الجانب الروسي للضغط على الجهة الأمنية التي اعتقلت الشابين للإفراج عنهما.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».