تفسيرات بسيطة لنظريات اقتصادية معقدة

كتاب أميركي قديم ـ جديد حول نظرية «الوكزة»

تفسيرات بسيطة لنظريات اقتصادية معقدة
TT

تفسيرات بسيطة لنظريات اقتصادية معقدة

تفسيرات بسيطة لنظريات اقتصادية معقدة

احتفل مؤلفا كتاب «ندج» (وكزة)، ودار النشر، بمرور 10 سنوات على نشر الكتاب، وبإصداره في أكثر من عشر لغات عالمية. ومرة أخرى، عاد الحديث عن موضوع الكتاب، وهو يمكن أن يكون واضحاً من الصورة على غلافه: فيل عملاق «يوكز» فيلاً صغيراً. وهو إشارة على تركيز النظام الرأسمالي على حركة البيع والشراء، ربما أكثر من الاستثمار والابتكار، وذلك لأنها هي التي تحرك الاقتصاد، ويومياً، بل ربما كل ثانية يشتري فيها أناس ما يريدون.
لهذا، يقول الرأسماليون إنهم عقلانيون، يعرفون ما يريدون، ويخططون له، ويجمعون أمواله، ويشترونه (حاجيات، أو بضائع، أو أسهم، أو عقارات). لكن، قبل ربع قرن تقريباً، ظهرت نظرية «أراشونال اكسوبرنس» (الوفرة غير العقلانية). وتعني أن الشخص الذي يشتري، الذي يستثمر (وينشط الاقتصاد) ليس عقلانياً حقيقة، وإنما يتأثر بعوامل عاطفية، ونفسية، وباطنية.
لهذا، جاء كتاب «وكزة»، المكتوب بطريقة مبسطة، وشبه فكاهية، ليقدم لعامة الناس تفسيرات بسيطة لنظريات معقدة لعباقرة وأساتذة الاقتصاد حول العالم.
إذا كان آلان غرينسبان، رئيس سابق لمجلس الاحتياط (البنك المركزي) الأميركي، هو صاحب نظرية «الوفرة غير العقلانية»، فإن رتشارد ثايار، أستاذ الاقتصاد في جامعة شيكاغو، هو صاحب نظرية «الوكزة». وكان قد نال في 2017 جائزة نوبل في الاقتصاد، وفي عام 2018 صار عضواً في أكاديمية العلوم الأميركية (عادة، لا يدخلها اقتصاديون).
ويمكن اعتبار الكتاب الجديد كتاباً عن النفس البشرية أكثر منه عن الاقتصاد. يقول المؤلف في مقدمته: «يقرر كثير من الناس قرارات واقعية، أكثر منها عقلانية، أو مثالية. قرارات فيها كثير من التخمين، والبديهية، والفطرة الطبيعية».
إن كل شخص، حسب المؤلف، يفكر بطريقتين:
الطريقة الأتوماتيكية: وهي طريقة «سريعة، وغريزية، أو فيها إحساس غريزي. ولا تشمل ما نعتقد أنه (تفكير). إنها مثل أن يبتسم شخص عندما يرى طفلاً يضحك. أو يتوتر عندما تهتز طائرة وهو داخلها. أو يتحاشى كرة تطير نحوه وهو يتفرج على مباراة رياضية».
الطريقة التأملية: وهي «انعكاسية، ومتعمدة، وواعية. إنها مثل قرار أي شخص اختيار الجامعة التي يريد أن يدرس فيها، أو يريد أن يرسل ابنه أو ابنته إليها، أو مثل الشخص الذي يخطط لرحلة، أين يذهب؟ أو الشخص الذي يريد أن يتزوج، من يتزوج؟».
هذا هو الجانب الشخصي في التفكير. لكن، يوجد الجانب الخارجي، العوامل الخارجية التي تؤثر، أو لا تؤثر على هذا التفكير: هل يتأثر تفكير الشخص بالذين حوله؟ بعائلته، بأصدقائه، بكتاب يقرأه، أو بقبيلة ينتمي إليها، أو بدين يعتنقه؟
يقسم الكتاب هذه التأثيرات الخارجية إلى قسمين:
الليبرالية: أن الإنسان خلق حرا، ويجب أن يفكر تفكيرا حرا، لأن هذه هي طبيعته.
الأبوية: أن الإنسان مقيد بالبيئة التي ولد فيها، والتي يعيش فيها، لأن هذه، أيضاً، طبيعته.
لهذا، يستعمل الكتاب عبارة «ليبرتانيان باتيرناليزم» (الليبرالية الأبوية)، التي هي، طبعاً، عبارة تناقض نفسها. لكن، يرى الكتاب أن النفس البشرية تناقض نفسها، أيضا.
في جانب، قد يقول شخص إنه حر يفعل ما يريد، وفي جانب، إذا فكر جلياً (أو إذا درسه باحثون أو أكاديميون) يكتشف أنه ليس حراً، حقيقة.
وهنا تأتي كلمة «وكزة». مثلاً: وضع الأطعمة الصحية في كافتيريا المدرسة على مستوى العين، ووضع الأطعمة غير الصحية في أماكن يصعب الوصول إليها. يقول الكتاب: «نظريا، لا تمنع المدرسة أي طالب من أين يأكل ما يريد. لكنها تقدر على أن ترتب خيارات الطعام بطريقة تؤثر على حرية الطالب وهو يدخل الكافتيريا، ويعتقد أن ما سيأكله هو ما يريد أن يأكله».
غير أن أكبر «الوكزات» هي توفر، أو غياب، معلومات عن موضوع معين. مثلا: يعتقد كثير من الناس أن جرائم القتل في الولايات المتحدة أكثر من حالات الانتحار. وذلك لأن معلومات جرائم القتل متاحة بسهولة أكبر. ولأنها توثر على مداولات وقرارات رجال الأعمال والسياسة، لكن، تميل هذه المداولات نحو المبالغة في عدد جرائم القتل، بينما، في الجانب الآخر، تقلل من عدد حالات الانتحار. سبب ذلك هو أن الانتحار أقل أهمية لغياب عامل الخوف فيه، (أي يخاف الشخص من أن يقتل، فكيف يخاف من أن ينتحر؟).
«وكزة» أخرى هي الحماس العاطفي. مثلاً: خلال تشجيع فريق لكرة السلة لأن لاعبا معينا صار يسجل نقاطا بعد نقاط، يعتقد المشجعون أنه سيظل يفعل ذلك حتى نهاية المنافسة. لكن، أثبتت إحصائيات رياضية أن اللاعب الذي يسجل هدفا ليس، بالضرورة، أنه يقدر على أن يسجل هدفا آخر.
ويرى المؤلف أن أكثر من يعرف أهمية «الوكزة» هم البائعون الذين يبيعون أطعمة، أو المشروبات، أو حتى المنازل، أو غير ذلك. مثلا: تقدم شركة بيع المجلات إغراءات، منها أن قيمة المجلة ستكون منخفضة، ولكن لفترة قصيرة من الزمن. لكن، بعد انتهاء الفترة، تظل الشركة ترسل المجلة، وترسل معها فواتير السعر الأصلي.
في نهاية المطاف، يقول الكتاب إن العقل الباطني (الذي يميل أكثر نحو العقلانية) لا يقدر، كما يعتقد حتى كثير من العلماء والأطباء، أن يسيطر على العقل الواعي (الذي يميل أكثر نحو العاطفة).
لهذا، فإن قول الرأسماليين بأن النظام الرأسمالي غربي، وعقلاني، وحضاري هو، نفسه، «وكزة»: يفتخر الشخص الذي يشتري بأنه حر، يشتري ما يريد. وحتى إذا عرف بأنه ليس كذلك، يفضل أن يتجاهل ذلك، ليظل عقلانياً، وحضارياً، تماماً كما يريد الرأسماليون.



أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
TT

أسواق 2024: الكتب الأكثر مبيعاً... الخاسرون والرابحون

 «من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر
«من أجل عيون منى» لتوماس شيسلر

ككل نهاية سنة ينشر الإعلام الفرنسي قائمة بالكتب والإصدارات التي سجَّلت أقوى المبيعات على مدار السنة. النتائج تُنشر بناءً على أرقام معاهد الإحصاء المختصة، مثل «إيدستا» أو «داتاليب»، ولكن أيضاً انطلاقاً من الأرقام التي أعلنت عنها دور النشر، وهي لا تأخذ بعين الاعتبار القيمة الأدبية للإصدارات، بل النجاح التجاري فقط، حيث يحدث أن نجد في أسفل القائمة كتباً قيّمة لاقت ترحيب النقاد لكنَّ الإقبال الجماهيري عليها كان ضعيفاً.

من هذا المنظور تُوجت دار نشر «ألبان ميشال» هذه السنة «ملكة للمبيعات»، حيث سجلت بفضل غزارة ونوعية الأعمال التي أشرفت على نشرها هذه السنة، أكبر النجاحات. أول هذه الأعمال كانت رواية «من أجل عيون منى» للكاتب والباحث في تاريخ الفن توماس شيسلر، وهي الرواية التي فاقت منذ صدورها كل التوقعات، إذ حازت اهتماماً إعلامياً واسعاً، كما تُرجمت إلى 32 لغة بما فيها العربية، وبيعت بأكثر من 390 ألف نسخة (أرقام خاصة بفرنسا) وهي تروي قصّة «منى»، طفلة في العاشرة تصاب بتوقف تدريجي للبصر، فيقرر جدها معالجتها على طريقته الخاصة بأن يصطحبها في كل أسبوع إلى أكبر متاحف فرنسا لتتأمل روائع الفن العالمي.

«مذكرات» لجوردن بارديلا

من الأعمال الناجحة أيضاً الرواية الرابعة للكاتبة فاليري بيران «تاتا» وهي بوليسية نفسية تروي قصة كوليت، امرأة مختفية تقوم ابنة أختها بالتحقيق في سبب اختفائها لتكتشف أن لخالتها حياة مزدوجة. هذه الرواية بيعت بأكثر من 250 ألف نسخة وهو نفس الإنجاز الذي وصلت إليه رواية «نادل فندق الريتز» للكاتب فيليب كولين، وهي القّصة الحقيقية لفرانك مايير، أشهرا نادل في باريس إبان حقبة النظام الفيشي. «ألبان ميشال» كانت أيضاً المؤسسة التي نشرت السيرة الذاتية لرئيسة وزراء ألمانيا السابقة أنجيلا ميركل بعنوان «الحرية: الذكريات 1954 - 2021» التي تروي فيها مسيرتها السياسية عبر أكثر من 700 صفحة. ورغم أن الكتاب بيع منه نحو 350 ألف نسخة فإن الإنجاز لم يكن في مستوى توقعات وآمال الناشر على اعتبار أنه دفع أكثر من 400 ألف يورو في مزاد علني خاص (حسب مصادر مجلة «لكسبرس») مقابل الحصول على حقوق النشر، ناهيك بمصاريف الترجمة والدعاية والتوزيع، خصوصاً إذا ما قورن بما حققته دار نشر «فايار» مع الطبعة الفرنسية لمذكرات ميشال أوباما مثلاً، التي بيع منها داخل فرنسا 500 ألف نسخة وأكثر من عشرة ملايين في العالم. سنة 2024 أكدت أيضاً صحة الآراء التي ترى أن الجوائز تسهم في الترويج للكتب ورفع المبيعات، فعلى الرغم من الجدل الكبير بخصوص قضية نشر قصّة سعادة عربان البطلة الحقيقية لـ«الحوريات» لكمال داود دون إذنها، فإن الرواية تمكنت من تحقيق نجاح تجاري كبير منذ صدورها في 15 أغسطس (آب)، إذ بيع منها حتى الآن أكثر من 390 ألف نسخة، متبوعة برواية «جاكاراندا» التي يواصل فيها الكاتب غاييل فاي استكشاف إشكالات المنفى والذاكرة والهويات المتعددة من موطنه رواندا. هذه الرواية كانت تنافس «الحوريات» على جائزة «غونكور» لكنها ختمت السنة بجائزة «رونودو»، وبيع منها أكثر من 250 ألف نسخة، وهي الثانية لفاي بعد ثماني سنوات على صدور عمله الروائي الأول «البلد الصغير». أقل منهما حظاً الكاتبة هيلين غودي، فرغم ترحيب النقاد بعملها وترشحها للقائمة الصغيرة لـ«غونكور» فإن عملها الروائي لم يلقَ الرواج المتوقَّع، حيث لم تَبِعْ من روايتها «الأرخبيل» سوى 4000 نسخة منذ صدورها.

«تاتا» لفاليري بيرن

سنة 2024 تميزت أيضاً بنجاح الكتب السياسية لشخصيات من اليمين المتطرف، أهمها إصدارات تابعة لدار نشر «فايار» التي أصبحت مِلك رجل الأعمال فنسان بولوري المعروف بقربه من تيار اليمين المتطرف. أهم هذه الإصدارات السيرة الذاتية لجوردان برديلا، رئيس حزب التجمع الوطني، وهي بعنوان «عن ماذا أبحث؟»، حيث لاقت إقبالاً كبيراً وبيع منها 150 ألف نسخة، إضافةً إلى كتاب فيليب دو فيليي، وهو شخصية سياسية محافظة من اليمين المتطرف سجّل كتابه «مبيد الذاكرة» أكثر من 140 ألف نسخة، في الوقت الذي سجلت فيه كتب الشخصيات اليسارية أمثال الرئيس السابق فرانسوا هولاند، وآن هيدالغو، عمدة باريس، فشلاً ذريعاً، حيث بيع من عمل الرئيس السابق 6000 نسخة، و السيدة هيدالغو 250 نسخة فقط.

على أن روايات الجريمة والتشويق تبقى الأكثر شعبية.

على رأس القائمة الرواية البوليسية «حيوان متوحش» للكاتب السويسري جويل ديكير وهي من نوع المغامرات البوليسية، وحازت رواجاً شعبياً كبيراً وبيعت بأكثر من 420 ألف نسخة. تليها الرواية الجديدة لغيوم ميسو «شخص آخر»، وهي من النوع البوليسي أيضاً وبيع منها 390 ألف نسخة.

«فادي الأخ المسروق» لرياض سطوف

ودائماً في عالم الجريمة تَحوَّل الطبيب الشرعي البلجيكي فيليب بوكسو إلى نجم المكتبات الفرانكوفونية بفضل كتب استلهمها من خبرته في تشريح الجثث وأسلوبه المتسم بروح الفكاهة اللاذعة. وقُدرت مبيعات كتابه الأخير «في مواجهة الموت» بـ300 ألف نسخة.

والجديد هذه المرة اقتحام القصص المصوَّرة وسلاسل المانغا بقوة سوق الكتب. حيث نقلت وسائل الإعلام الفرنسية النجاح الساحق الذي سجَّله المؤثر الشاب «أنوكس تاغ» بسلسلة المانغا «الغريزة» أو «أنستا»، (دار نشر «ميشال لافون»)، التي بيع منها 265 ألف نسخة بعد شهرين فقط من صدورها، إضافةً إلى سلسلة الرسوم المصّورة: «أنا فادي... الابن المسروق» للرسّام السوري الفرنسي رياض سطّوف الذي يعد من الأسماء المتعودة على احتلال صدارة قوائم الكتب الأكثر مبيعاً (بيست سيلرز) في فئة القصّص المصورة (بي دي)، فهو معروف بسلسلة «عربي من المستقبل» التي أصدر منها 6 مجلدات، وهي سيرة ذاتية هزلية عن حياته من الطفولة في سوريا وليبيا إلى حياته في المهجر. «عربي من المستقبل» كانت قد حازت بها عدة جوائز منها «الجائزة الكبرى لمهرجان أنغولام» أما السلسلة الجديدة فقد بيع منها أكثر من 350 ألف نسخة.