مرشح يختبر الديمقراطية التونسية بخوض انتخابات الرئاسة من السجن

ترشح القروي يثير التساؤلات حول دور الإعلام والمال في التأثير على الناخبين

رجل الإعلام التونسي نبيل القروي (أ.ف.ب)
رجل الإعلام التونسي نبيل القروي (أ.ف.ب)
TT

مرشح يختبر الديمقراطية التونسية بخوض انتخابات الرئاسة من السجن

رجل الإعلام التونسي نبيل القروي (أ.ف.ب)
رجل الإعلام التونسي نبيل القروي (أ.ف.ب)

قبل أيام قليلة من الانتخابات الرئاسية المبكرة في تونس، لا يزال رجل الإعلام نبيل القروي يقبع خلف القضبان بشبهة غسل الأموال، ولكنه يظل واحداً من المرشحين الأوفر حظاً للفوز، مما يمثل اختباراً جدياً لهذه الديمقراطية الوليدة.
ووفقاً لوكالة «رويترز» للأنباء، فإن تلفزيون «نسمة» المملوك للقروي يبث على امتداد اليوم تسجيلات تُظهره وهو يوزع مساعدات عبر منظمة «خليل تونس» التي أطلقها لمساعدة الفقراء، بينما تمضي حملته الانتخابية قدماً في العديد من مناطق البلاد، خصوصاً الفقيرة، بمشاركة زوجته التي تسعى لاستمالة المهمشين في الشمال والجنوب مستعملةً نفس عبارات زوجها في مخاطبة هؤلاء.
وفي ثالث انتخابات حرة في تونس منذ ثورة 2011 التي أنهت حكم زين العابدين بن علي، أثار ترشح القروي (56 عاماً) التساؤلات حول دور الإعلام والمال في التأثير على الناخبين وربما في استهداف الانتقال الديمقراطي برمّته.
ولكن ترشحه يلقي الضوء أيضاً على اتهامات متزايدة بتدخل الحكومة في المسار القضائي.
والشهر الماضي، أوقفت قوات الأمن، القروي، بينما كان في عربته إثر قرار قضائي بسجنه بشبهة التهرب الضريبي وغسل الأموال عقب شكوى قدمتها منظمة «أنا يقظ» المعنية بمكافحة الفساد.
ويقبع القروي، الذي يتهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد بتدبير الأمر لإزاحته من سباق الانتخابات، خلف قبضان في سجن المرناقية. لكن لم يصدر أي حكم في قضيته حتى الآن. وتنفي الحكومة أي علاقة لها بالقضية.
وإذا تمكن القروي من تخطي منافسيه الخمسة والعشرين، وأُدين ومُنع من تسلم المنصب في نفس الوقت، فقد يفجّر ذلك موجة غضب لدى ناخبيه ويلقي البلاد في أتون أزمة سياسية حادة لا يعرف كيف تبدأ وأين تنتهي.
ورغم أن الدورة الأولى من انتخابات الرئاسة تجري يوم الأحد المقبل فيما تعقد الدورة الثانية الشهر القادم على الأرجح، لم يحدد القضاء أي تاريخ لإصدار حكم بخصوص القروي.
وستنظر، غداً (الجمعة)، محكمة التعقيب في طلب إفراج قدمه محاموه.
وتقول الهيئة المستقلة للانتخابات إن القروي يبقى ضمن القائمة الرسمية للمرشحين ما دام لم يصدر أي حكم نهائي في حقه.
وإبقاء القروي في اللائحة الرسمية مع عدم صدور أي قرار قضائي بالإفراج عنه أو إدانته بشكل نهائي يكشف بعض التناقضات التي تحيط بالمسار الانتخابي، ويرى محللون أنها قد تُفقد الانتخابات مصداقيتها وتدفع بالوضع نحو المجهول.
والقروي من بين المرشحين البارزين في السباق، إضافةً إلى رئيس الوزراء يوسف الشاهد، ونائب رئيس حزب النهضة عبد الفتاح مورو، ورئيس الوزراء السابق مهدي جمعة، والرئيس الأسبق المنصف المرزوقي.
والشاهد نادراً ما يذكر القروي بالاسم، لكنه يقول إنه ترشح لقطع الطريق أمام «المافيا الإعلامية والمغامرين الذين يهددون الانتقال الديمقراطي».
ويقول كثيرون من المشهد السياسي التونسي إن القروي شعبوي ويستعمل محطته التلفزيونية للترويج لأنشطته الخيرية بهدف تحقيق مكاسب سياسية شخصية.
كانت قوات الأمن قد اقتحمت في أبريل (نيسان) الماضي، قناة «نسمة» وصادرت معداتها بعد أمر من هيئة التعديل السمعي البصري المستقلة التي قالت إن القناة تبث بشكل غير قانوني وإن مالكها يستثمر في معاناة المهمشين لتحقيق أهداف سياسية، وهو ما لا يسمح به القانون.
ويقول أنصار القروي وأعضاء حزبه إن اعتقاله واستهداف تلفزيون «نسمة» جزء من مؤامرة تهدف إلى إقصائه من سباق الرئاسة ليكون الطريق مفتوحاً أمام الشاهد، وهو ما ينفيه رئيس الوزراء الذي يقول إنه لا علاقة للحكومة من بعيد ولا من قريب بما حدث له.
من جهتها، قالت سلوى السماوي، زوجة القروي، في أثناء حملة انتخابية، مخاطبةً المواطنين: «تعرفون لماذا سجنوه ولماذا يكرهونه؟ لأنه قريب منكم ويتواصل معكم ويساعدكم ويفعل ما لا يستطيعون هم فعله». وتابعت: «نبيل في السجن، وكل التونسيين في سجن... معاً لإخراج تونس من سجن الفقر، معاً من أجل إخراج التونسيين من سجن الإهمال والمعاناة، معاً نمزّق تذاكر الفقر».
وشهدت تونس نهاية الأسبوع الماضي مناظرات تلفزيونية لأول مرة في تاريخها في خطوة وُصفت بأنها ترسخ الانتقال الديمقراطي، ولكن القروي كان أبرز الغائبين عن المناظرة التي اصطف خلالها المرشحون وراء منصات يناقشون مواضيع ويلقون تعهدات ويسعون لاجتذاب الناخبين للتصويت لهم.
وانتقدت منظمات محلية وأجنبية تُعنى بمراقبة الانتخابات قرار استبعاد القروي من المناظرة وقالت إن ذلك يضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين جميع المرشحين.
وفي حي الكبارية الشعبي، قرب العاصمة تونس، كانت حملة القروي تسعى لاستمالة الأهالي وتدعوهم للتصويت له قبل أن يأتي أربعة شبان على دراجات نارية ويطردوا أعضاء الحملة ويهددوهم بالضرب إن لم يغادروا، في تصرف وصفه فريق القروي بأنه جزء من حملة مخطط لها لإقصائه ومنعه من التواصل مع الناس.
وفي هذا الحي، كان أغلب الأهالي لا حديث لهم سوى عن القروي وقال كثير منهم إنهم ينوون التصويت له.
وقال محمد علي الذي كان يرتدي قميصاً أسود وبنطالاً من الجينز لـ«رويترز»: «لا أحد يهتم بنا هنا. لا أحد يزورنا ليعرف ماذا نريد. القروي هو الوحيد الذي يزورنا هنا ويقدم مساعدات مالية وغذاء وأغطية وحتى كراسي متحركة لبعض ذوي الاحتياجات الخاصة». وأضاف: «أؤكد لكم أن الجميع هنا سيصوّت له».
وعلى الجانب الآخر، يرى آخرون أن القروي لا يمكن أن يكون خيارهم بأي حال قائلين إنه لا برنامج له سوى السعي لاستمالة الفقراء مقابل مساعدتهم.
وتقول حبيبة الرياحي، وهي مدرسة عمرها 41 عاماً، بينما كانت في متجر بالعاصمة: «صحيح نحن فقراء ولكن لسنا أغبياء لنصوّت للقروي. لا يستطيع أن يشترينا بماله».
وكان نبيل القروي متخصصاً في قطاع الإعلانات مع شقيقه غازي، حيث أسس شركة «قروي آند قروي» للإعلانات وانتشرت في بلدان المغرب العربي قبل أن يطلق تلفزيون «نسمة» الذي كان متخصصاً قبل الثورة في البرامج الترفيهية وتأييد نظام ابن علي على غرار أغلب وسائل الإعلام المحلية آنذاك.
ولكن بعد الثورة، استعمل القروي محطته التلفزيونية للتصدي لنفوذ حركة النهضة المتنامي آنذاك وأسهم عبر برامج ترويجية وسياسية موجّهة في فوز «نداء تونس» بالانتخابات البرلمانية ووصول الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي لكرسي الرئاسة في 2014 على حساب منافسه المنصف المرزوقي.
ويبدو أن نجاح السبسي وحزبه في الانتخابات فتح شهية القروي لخوض تجربة مماثلة وانسحب بعد ذلك من «نداء تونس» ليطلق منظمة خيرية اسمها «خليل تونس» حققت بسرعة انتشاراً واسعاً وسريعاً في الأرياف والمناطق النائية وفي كل ربوع البلاد.
وكان البرلمان قد وافق هذا العام على قانون يمنع مَن يدير منظمات خيرية من الترشح لانتخابات لتفادي التحايل السياسي مما كان سيقصي القروي من السباق.
لكن السبسي لم يمضِ القانون، مما جعل مالك قناة «نسمة» مؤهلاً لخوص السباق.



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.