خالد الفرج.. سيرة رجل جسد حلم الوحدة بين الخليجيين

الشبيلي والعوامي في ندوة بالقطيف عن حياته تستحضر دوره في الاندماج الوطني

جانب من ندوة خالد الفرج
جانب من ندوة خالد الفرج
TT

خالد الفرج.. سيرة رجل جسد حلم الوحدة بين الخليجيين

جانب من ندوة خالد الفرج
جانب من ندوة خالد الفرج

أعادت ندوة أدبية في القطيف، شرقي السعودية، إلى الواجهة سيرة الشاعر خالد الفرج، أحد أهم الشخصيات الأدبية التي أثرت على الحياة الشعرية والثقافية على ساحل الخليج خلال النصف الأول من القرن الماضي.
هذه الندوة أقيمت عشية اليوم الوطني السعودي، وهدفت إلى استجلاء سيرة رجل جسد حلم الوحدة بين الخليجيين، والتواصل العابر للحواجز والانقسامات، وكانت فترة حياته التي توثقت صلة بالملك المؤسس عبد العزيز، عنوانا لقدرة الإداري المثقف على تعزيز التلاحم وبناء الثقة.
حملت الندوة عنوان: «خالد الفرج: الشاعر والوطن»، وحضرها نخبة من المثقفين السعوديين حضر كثير منهم من الرياض، وبعضهم من الكويت، مع جمهور غفير من المنطقة الشرقية، ونظمها «منتدى الثلاثاء» الذي يديره الكاتب المهندس جعفر الشايب، بالتعاون مع دارة الملك عبد العزيز في الرياض، وشارك في الندوة كل من: الدكتور عبد الرحمن الشبيلي والأديب عدنان العوامي.
ولد الشاعر خالد الفرج، في الكويت، منتصف ربيع الثاني عام 1898، وذكر الباحث الدكتور عبد الرحمن الشبيلي أنه «ينحدر من أصول سعودية تعود إلى البدارين من الدواسر، وقد ولد من أسرة ميسورة الحال، ووالدته هي شيخة بنت ثنيان عبد الرحمن الثنيان من قبيلة الخليفات القطرية، عاش في الهند، فالبحرين، ثم في المنطقة الشرقية السعودية، وأمضى العامين الأخيرين من عمره في بلاد الشام»، وتوفي في أحد مستشفيات لبنان سنة 1954.
وفي ترجمة معجم البابطين لشعراء العربية، يشير إلى أن اسمه الكامل هو: خالد بن محمد بن فرج الصراف الدوسري، وأنه ولد في الكويت وتوفي في لبنان، وقضى حياته العملية متنقلا من الكويت إلى مومباي والبحرين والسعودية (القطيف والأحساء والدمام) وتلقى علومه المبكرة في الكتاب، وعند افتتاح المدرسة المباركية عام 1911 التحق بها، ونشط في الاطلاع على كتب التراث المختلفة، ثم بدأ حياته العملية مدرسا في المباركية، فكاتبًا عند أحد كبار الكويتيين في الهند، وأسس في مومباي المطبعة العمومية التي طبع فيها مجموعة من الكتب كان بعضها على نفقة الملك عبد العزيز، وقد درس اللغة الإنجليزية والهندسة خلال عمله هناك، ثم انتقل إلى البحرين ليصبح مدرسا بمدرسة الهداية الخليفية في البحرين، وعضوا في المجلس البلدي البحريني، ثم صار مسؤولا في بلدية الأحساء ورئيسا لبلدية القطيف.

* شاعر الخليج
* ولذلك، فإن عددا من الأقطار الخليجية والعربية تتنازع انتماء هذا الشاعر إليها، هي الكويت والبحرين والسعودية. وكانت الفترة الذهبية في حياته التي عرفته على الشعراء والأدباء في السعودية والبحرين، خلال تكليفه من قبل الملك عبد العزيز بتولي بلدية القطيف. وعن هذه المرحلة يتحدث المؤرخ الراحل محمد سعيد المُسلم، صاحب كتاب «ساحل الذهب الأسود»، قائلا: «إن خالد الفرج قضى معظم حياته في القطيف، وكان لها الفضل في استقراره النفسي، وقد منحها في المقابل إخلاصه ووفاءه وعصارة أفكاره، واندمج في مجتمعها، وأصبح فردا منهم، وغذى الحركة الأدبية فيها، وترك أثرا كبيرا في تطور الحياة الفكرية، وكان يلتقي الأدباء والمثقفين من أبناء القطيف».
الشاعر والمحقق عدنان العوامي، ناقش في دراسته عن سيرة الشاعر خالد الفرج، ما يثار غالبا بشأن هويته وانتمائه، ففي حين جزم أن الشخصيات الأدبية تنسب لبلد المنشأ غالبا، فقد أعطى تفسيرا اقتصاديا لاجتذاب الشخصيات الأدبية في الخليج، وقال: «قبل ظهور النفط في منطقتنا الشرقية هذه لم تكن الظروف مهيأة لنشوء حركة ثقافية أو صحافية، وإن كان فيها أدباء وعلماء، وشعراء متابعون للحركة الثقافية، وتصلهم الصحف والكتب من الخارج، ومنهم من مارس النشر في صحف تصدر في الخارج كالعراق والبحرين ولبنان، وكان المؤلفون يُضطرون للسفر إلى العراق أو الهند لطباعة مؤلفاتهم». ويضيف: «لكن حين تفجر النفط، واتجهت المنطقة نحو النهوض والازدهار باتساع موارد الرزق فيها، بدأ الناس يتقاطرون عليها من كل حدَب وصوب، فكان فيهم التاجر، والأديب، والشاعر، والمثقف. فانتقل إليها شخصيات أدبية وصحافية، وأخرى مثقفة لم تكن منها في الأصل، لكنها استوطنتها، وشاركت في صنع نهضتها الثقافية والصحافية التي نشهدها اليوم»، وبينهم بالطبع خالد الفرج.
وكان العلامة حمد الجاسر من أقدم من تناول سيرته ومؤلفاته وشعره بالتفصيل؛ إذ رثاه بُعيد وفاته بمقال مطول في مجلة «اليمامة» عام 1954 استعرض فيه أبرز محطات حياته وإنتاجه الفكري، متتبعا هجرة أسرته - ولأسباب غير معروفة - في أواخر القرن الحادي عشر الهجري (السابع عشر الميلادي) من بلدة نزوى في وادي الدواسر لتستقر في بلدة الزبارة في شمالي شبه جزيرة قطر، ثم رحلت إلى عُمان، ومنها اتجهت إلى الكويت، وقد خرج من هذه الأسرة ابنُ عمه الأديب الكويتي المعروف عبد الله محمد الفرج المتوفى في الكويت عام 1902 وهو موسيقي وملحن، وله ديوان شعر بالفصحى والعامية أعده وطبعه خالد الفرج عندما كان في الهند في حدود عام 1338هـ (1919م) ثم أعيد طبعه مرارا.
وكما كان لخالد الفرج دور مهم في ترسيخ الاهتمام بالأدب، فقد اهتم أيضا بالنشر. يقول الدكتور الشبيلي: «بحكم هوايته للطباعة من خلال تجربته السابقة في الهند، بادر الفرج إلى تبني إنشاء أول مطبعة في المنطقة الشرقية (المطبعة السعودية بالدمام) التي سعى إلى تأسيسها بدعم من الملك سعود، وقد سافر إلى ألمانيا من أجل شرائها، وتابع تركيبها خلال إقامته الاستشفائية في سوريا ولبنان في العامين الأخيرين من حياته، لكنه لم يحضر تشغيلها، وقد أتاح تأسيسها للصحف الأهلية الناشئة في المنطقة الشرقية آنذاك أن تطبع محليا».
يقول الشبيلي: «عاش خالد الفرج نحوا من ثمانية وخمسين عاما من التنقل المكاني عبر كل إمارات الخليج تقريبا، ليجد ضالته في التوطن أخيرا في المنطقة الشرقية حيث تكونت أسرته، ووجد من الاستقرار النفسي والمعيشي والوظيفي والأسري ما جعله يتفرغ للفكر والإبداع، مع أنه أقام في الكويت والبحرين والهند والأحساء والقطيف والدمام وتردد عليها، ثم أقام في بلاد الشام قبيل وفاته».
وعن إقامته في القطيف يقول: «كانت إقامته في المنطقة الشرقية الفترة الأكثر خصوبة وحيوية في حياته الفكرية والإدارية، والأطول من الناحية الزمنية؛ قرابة نصف عمره».
أما سفر وتنقلات خالد الفرج، فقال عنه الشبيلي، إنه جسد وحدة المنطقة، وإن أشعاره عبرت عن هموم الأمة، «وكان في زمنه ملء السمع والبصر.. كوّن صداقات، وتبادل المراسلات والقصائد الإخوانية مع عدد من رموز الثقافة في الكويت من أمثال عبد اللطيف النصف، وعبد الرحمن النقيب، ويوسف القناعي، وخالد العدساني، وصقر الشبيب.. وفي البحرين من أمثال قاسم الشيراوي، وعبد الله الزايد، وفي المنطقة الشرقية من أمثال آل الجشي، وآل الخنيزي، والعوامي والخطي، علاوة على زميل دربه هاشم الرفاعي مدير الجمارك».
كلف خالد الفرج من قبل الملك عبد العزيز بإنشاء بلدية القطيف، لكنه وجد هناك بيئة ثقافية وشعرية وعلمية، فتأثر بها وتفاعل معها.
يذكر خالد سعود الزيد أن الفرج استجاب لتشجيع هاشم الرفاعي (الكاتب آنذاك في الديوان السلطاني) للعمل في المملكة، وأن السلطان عبد العزيز (حينها) استقبله أحسن استقبال واختاره مشرفا على بلدية الأحساء ثم القطيف، بينما يُستفاد من سيرة الفرج التي كتبها بنفسه أنه كُلف ببلدية القطيف وكان مؤسسها سنة 1346هـ. يقول الشبيلي: «وبتتبع علاقته بالمجتمع الثقافي في أثناء إقامته، التي قيل إنها امتدت نحو خمسة وعشرين عاما في المنطقة الشرقية، تذكر المراجع أنه قدم من البحرين مع النزوح الجماعي المعروف لعشيرة الدواسر مطلع الأربعينيات من القرن الهجري الماضي (العشرينات الميلادية)».

* تأثيره الثقافي
* الشاعر عدنان العوامي، اهتم في دراسته بتتبع العلاقة الوثيقة التي ربطت خالد الفرج بشخصيات القطيف العلمية والأدبية، والإخوانيات والمساجلات التي ربطت بينه وبينهم، والقصائد التي نظمها في مناسبات متعددة خاصة ما يتعلق بمراسلاته الشعرية مع الشيخ فرج العمران، أو الشيخ ميرزا حسين البريكي، أو نظمه قصائد رثائية في مناسبات وفاة أحد، كرثاء الشيخ منصور الزاير، ورثائه السيد سعيد العوامي، أو تأبينه السيد ماجد العوامي. وفي سنة 1363هـ توفي الشيخ علي أبو الحسن الخنيزي، الذي عرف بلقب زعيم القطيف، فرثاه خالد الفرج بقصيدة قال فيها:
ابكوا بدمع أو نجيع
شيخا يعز على الجميع
وتصوروا البدر اختفى
في غامض الليل المريع
يضيف العوامي: «نلمس مبلغ تفاعل الفرج بالبيئة الأدبية في القطيف في رثائه كذلك الشاب أحمد البيات، إبن صديقه الشيخ منصور البيات:
اقرأوا، خاشعين، أمَّ الكتاب
ثم ضجوا بالنوح والاكتئاب
واملأوا موضع الخشوع عويلا
في عظيم الأحزان والاكتئاب
الشاعر عدنان العوامي، قال إن «ارتباط خالد الفرج بالقطيف لم يقف عند حده هو، بل كان السبب في ارتباط غيره من الشخصيات بالقطيف ومثقفيها وأدبائها كالشيخ حمد الجاسر، حيث اصطحب الفرج الجاسر إلى مجلس الأديب أحمد بن حسين السنان، وكان بمثابة الصالون الأدبي لمثقفي القطيف، فكان ذلك اللقاء بداية صلة امتدت بين الشيخ الجاسر ومثقفي القطيف حتى وفاته».

* رائد الملاحم
* في الجانب الشعري لخالد الفرج، تحدث الباحث الدكتور عبد الرحمن الشبيلي عن الحياة الشعرية لخالد الفرج، فـ«هو مثقف وشاعر ومؤرخ اشتهر من نظمه ملحمة (أحسن القصص) التي طبعت في القاهرة في 130 صفحة في حدود عام 1929 من تقديم محمد علي الطاهر، ثم راجعها عالم قطر الشيخ عبد الله الأنصاري وطبعت في الدوحة عام 1982، وهي مطولة شعرية غطت العقود الخمسة الأولى من حياة الملك عبد العزيز منذ ولادته سنة 1876، وحتى دخل الحجاز في حكمه سنة 1925.
وأضاف الشبيلي: «والملحمة مقسمة إلى 20 فصلا تشتمل على 800 بيت (..) وقد نظمها وطبعها إبان عهد الملك عبد العزيز عندما كان ملك الحجاز ونجد وملحقاتها».
يضيف الشبيلي: «كما اشتهر من آثاره الشعرية القصيدة البائية (الخبر والعيان في تاريخ نجد) في خمسمائة بيت، نظمها على مرحلتين في عامي 1367 و1368هـ (1947 و1948م) قائلا في مطلعها:
إلى مجدك العلياءُ تُعزى وتنسبُ
وفي ذكرك التاريخُ يُملى ويُكتبُ».
ويرى الشبيلي أن خالد الفرج أبدع في شعر الملاحم، «بل إنه ربما كان الأسبق من بين عدد من الشعراء الذين عرفوا بهذا الفن، أمثال أصحاب الملاحم: محمود شوقي الأيوبي، وبولس سلامة، وفيكتور البستاني، ومحمد عبد الله العوني، وعبد الله العلي الزامل، وأحمد إبراهيم الغزاوي، وحسين سرحان، وخير الدين الزركلي، وعبد الله بالخير، وفؤاد شاكر، ومحمد بن عبد الله العثيمين.. وغيرهم»، ورجح أن «يكون الفرج الأسبق بينهم في هذا النوع من الشعر الملحمي ذي الطابع السردي التاريخي».
ويضيف: «تضمن التراث الفكري لخالد الفرج مجموعةً من الكتب المطبوعة والمقالات التي نشرها في حياته، وبعض مخطوطات لم يتمكن من استكمالها أو من طباعتها قبل وفاته». وقد تولى الباحث عبد الرحمن الشقير تحقيقها ونشرتها مكتبة «العبيكان» عام 1420 هـ (2000م) في مجلد يزيد على 500 صفحة. وبحسب المحقق خالد سعود الزيد، توجد للفرج قصيدة لامية طويلة ثالثة سماها «الملحمة الذهبية» نظمها بمناسبة الذكرى الخمسين لدخول الرياض.

* شاعر عروبي
* تحدث الشبيلي عن عقيدة خالد الفرج الشعرية، فقال إنه عاش بدايات المخاض السياسي في الوطن العربي، «ومن يتابع سيرته يجد أنه تفاعل مع التحولات السياسية التي مرت بتلك الحقبة، كالاحتلال البريطاني للخليج، وقيام الشيوعية، واغتصاب فلسطين، وبروز القومية العربية، والحربين العالميتين، وقضية الجزائر. وغلبت على شعره نبرة التندر أحيانا تجاه بعض التيارات، لكنه لم ينهج في تفكيره منهجا متطرفا..».
ويستحضر الشبيلي ما ذكره حمد الجاسر في هذا الشأن: «خرج في شعره إلى مجال أرحب، فعالج النواحي الاجتماعية العامة للأمة العربية، وتعدى ذلك إلى الإشادة بعظماء العالم الذين خدموا بلادهم، فرثى شاعر العروبة أحمد شوقي، وصديقه أمين الرافعي، ومجد الزعيم الهندي غاندي. وبجانب مديحه للزعماء العرب وجه نقدا لاذعا لآخرين رأى فيهم اعوجاجا، وكانت له خبرة بمسألة إصلاح الحروف العربية وألّف في ذلك».
عن وعد بلفور قال خالد الفرج:
ما وعد بلفور إلا بدء سلسلة
من المظالم في التاريخ كالظـلم
وما فلسطين إلا مثل أندلسٍ
قضى على أهلها بغي وعدوان
وله قصيدة طويلة معروفة باسم «الشرق والغرب» ألقاها بمناسبة احتفاء النادي الأدبي في الكويت به (31 – 8 – 1927) جاء فيها:
الغَرْبُ قد شدّدَ في هَجْمَتِهْ
والشَرْقُ لاهٍ بعدُ في غَفْلَتِهْ
وكُلّمَا جَدَ بأعْمَالِهِ
يَسْتَسْلِمُ الشَرْقُ إلى رَاحَتِهْ
فيجمعُ الغربِي وحْدَاتِهِ
والشرق مقسوم على وحدتِهْ
وذاكَ يبني العِلْمَ في بحثِهِ
وذا يُضيعُ الوقتَ في نظرته
ومنها:
يا قومُ في أحوالنا عِبرَةٌ
فليقم النائم من رقدته
فَمَنْ تَغدّى بأخي ضحوةً
حتما تعشَى بي في ليلتِهْ
وكلنا يُنشِدُ في سِرِهِ
ما قالَهُ الشاعرُ في حِكمتِهْ:
«مَنْ حُلِقتْ لِحْيةُ جارٍ لَهُ
فلْيسكبِ الماءَ على لِحيتِهْ»



إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.