بعدما ظلت ملاذاً لهم لسنوات... تركيا تدير ظهرها للاجئين السوريين

أطفال لاجئين سوريين في تركيا (أرشيف - رويترز)
أطفال لاجئين سوريين في تركيا (أرشيف - رويترز)
TT

بعدما ظلت ملاذاً لهم لسنوات... تركيا تدير ظهرها للاجئين السوريين

أطفال لاجئين سوريين في تركيا (أرشيف - رويترز)
أطفال لاجئين سوريين في تركيا (أرشيف - رويترز)

منذ أسابيع عدة، بدأت تركيا في ترحيل آلاف اللاجئين السوريين من مدنها الرئيسية، وقامت بنقل الكثير منهم إلى حدودها مع سوريا في حافلات بيضاء وعربات للشرطة، وذلك بعد أن كانت تعتبر ملاذاً لملايين من هؤلاء اللاجئين خلال السنوات الثماني الماضية.
وتسيطر تركيا، التي تستضيف 3.6 مليون لاجئ سوري، على أجزاء من شمال سوريا، حيث تقول إن 350 ألف سوري عادوا بالفعل إلى هناك، وتقيم «منطقة آمنة» مع الولايات المتحدة في الشمال الشرقي، حيث قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إنه يمكن نقل المزيد إليها.
وهدد إردوغان، الذي كان يُنظر إليه على أنه منقذ اللاجئين السوريين، الخميس الماضي بفتح الحدود أمام اللاجئين إلى أوروبا حال عدم تقاسم الأعباء مع تركيا، قائلاً إن بلاده أنفقت على اللاجئين المقيمين على أراضيها نحو 40 مليار دولار، وإن المساعدات الخارجية التي وصلت إلى اللاجئين لا تتجاوز 3 مليارات يورو.
وقد زاد استياء إردوغان ضد السوريين، بعد أن فرّ مئات الآلاف من اللاجئين إلى الحدود التركية إثر هجمات لروسيا والنظام السوري في إدلب، حيث إنه قال إن التطورات الحاصلة في هذه المحافظة السورية تنذر بخطر تدفق أفواج جديدة من اللاجئين نحو تركيا، قد تصل أعدادهم إلى المليون.
ومنح الاتحاد الأوروبي تركيا نحو 6.7 مليار دولار منذ عام 2015 للمساعدة في السيطرة على تدفق المهاجرين. لكن تركيا تقول إن مشكلة المهاجرين تتزايد بشكل كبير جداً.
وأدار السوريون أنظارهم إلى أوروبا مرة أخرى، حيث زاد عدد المهاجرين الذين يحاولون الوصول إلى أوروبا بطرق غير شرعية بشكل ملحوظ الشهر الماضي، وأغلبهم سوريون. وقد وصل أكثر من 500 لاجئ على متن قارب إلى جزيرة ليسبوس اليونانية قبل أسبوع.
وبحسب تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، يرجع كثيرون التحول الذي حدث في سياسة إردوغان تجاه اللاجئين إلى هزيمة حزبه في انتخابات رئيس بلدية إسطنبول في يونيو (حزيران) الماضي، حيث أكدوا أن هذه الهزيمة جاءت نتيجة لارتفاع معدلات البطالة والتضخم، التي يقول بعض الأتراك إن السوريين ساهموا فيها بشكل كبير.
ومؤخراً، كثفت وسائل الإعلام الموالية للحكومة التركية من انتقادها للاجئين السوريين، في الوقت الذي تعجّ فيه وسائل التواصل الاجتماعي بالتعليقات المناهضة لسوريا.
بالإضافة إلى ذلك، قام المسؤولون الأتراك باتخاذ إجراءات صارمة ضد السوريين الذين يعملون بشكل غير قانوني أو من دون أوراق إقامة، وفرض غرامة على أصحاب العمل الذين يشغلون اللاجئين من دون إذن عمل.
فعلى سبيل المثال، قال فاتح بلماز، المتحدث باسم منطقة إسنيورت في إسطنبول، والتي تعرف باحتضانها عدداً كبيراً من العمالة السورية، إن البلدية أصبحت توفر حافلات لنحو 100 شخص في الأسبوع للعودة إلى سوريا.
وأضاف بلماز، إن مغادرة هؤلاء الأشخاص «ستسعد المواطنين الأتراك حتى وإن اشتكى أصحاب المصانع وأصحاب العقارات من فقدان عمال ومستأجرين».
ويعد هذا التحول في السياسة والموقف التركي تجاه اللاجئين السوريين بمثابة صدمة مؤلمة لهم.
وقال مهند غباش، وهو سوري يعمل في منظمة غير حكومية في مدينة غازي عنتاب الجنوبية، بالقرب من الحدود السورية: «إن هذا الترحيل كارثة للشعب السوري».
وأضاف: «تم إخبار العمال السوريين بضرورة الحصول على تصاريح عمل ودفع الضمان الاجتماعي حتى يتمكنوا من الإقامة في تركيا، لكن الكثيرين لا يستطيعون تحمل هذه التكاليف الإضافية».
يذكر أنه في فبراير (شباط) الماضي، قام ضباط شرطة في غازي عنتاب بزيارة عدد من متاجر البقالة والمعجنات السورية وأمروا أصحابها بإزالة اللافتات التي تحتوي على كتابات باللغة العربية، مهددين إياهم بفرض غرامة كبيرة عليهم إذا لم يمتثلوا لهذا الأمر.
وقد قالت تقارير إعلامية في ذلك الوقت، إن هذا القرار اتخذ للتخفيف من السخط الشعبي الناشئ عن تزايد أعداد اللاجئين السوريين في المدينة.
وتعليقاً على ذلك، قال محمد الأزور، وهو صاحب متجر حلويات في المدينة، إنه قام بتغطية مقولة بالعربية لجلال الدين الرومي كانت معلقة على الحائط داخل متجره خوفاً من الغرامة.
وأضاف قائلاً: «غرامة واحدة من الشرطة سترهقني بشدة. أنا لست عبئاً على أحد. جئت من حلب ومعي أموالي الخاصة وفتحت بها هذا المتجر، فلا تضغطوا علينا ودعونا نعيش».
وبحسب تقرير «نيويورك تايمز»، يشكل السوريون نحو 20 في المائة من سكان غازي عنتاب، وقد قاموا باستثمار رؤوس أموالهم بها.
ويرفض السوريون بالمدينة اتهامهم بالمساهمة في تدهور الاقتصاد التركي، ويقول نور موسيلي، وهو مصنّع للنسيج خسر مصنعاً بقيمة 12 مليون دولار في حلب في الحرب، وقام بفتح متجر لملابس الرجال في غازي عنتاب «يمكننا العمل والإنتاج في أي مكان يتم وضعنا فيه. أعمالنا فائدة صافية للاقتصاد التركي».
وسبق أن صرّحت رئيسة بلدية غازي عنتاب، فاطمة شاهين، وهي مسؤولة رفيعة المستوى في حزب إردوغان، بأنها مؤيدة قوية لوجود اللاجئين السوريين بالمدينة، مشيرة إلى أنهم قاموا بتعزيز اقتصادها بشكل ملحوظ، إلا أنها أكدت «ضرورة امتثال هؤلاء اللاجئين للقوانين التركية».
وأوضحت قائلة: «ما نقوله للسوريين هو أن هناك قواعد للعيش هنا؛ لذلك عليك أن تطيع هذه القواعد».
لكن السوريين يرون أن السياسات الجديدة تهدف إلى دفعهم لمغادرة البلاد. وقال عبد الكريم الرحمن، الذي يدير فرعاً من عطور سورية شهيرة في غازي عنتاب: «إنهم يريدون إقناعنا بأنه من الأفضل أن نرحل إلى المنطقة الآمنة».
وقد أشارت فاطمة شاهين إلى أنها تؤيد خطة إنشاء منطقة آمنة في سوريا، وتتوقع أن ينتقل نصف اللاجئين السوريين البالغ عددهم 500.000 لاجئ إلى هذه المنطقة.



ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
TT

ملاهي سوريا وحاناتها تعيد فتح أبوابها بحذر بعد انتصار فصائل المعارضة

سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)
سوري يصب شراباً محلياً في سوق باب توما بدمشق (رويترز)

احتفل سكان دمشق بسقوط نظام بشار الأسد بعد حرب وحشية استمرت 13 عاماً، لكن أصحاب أماكن السهر في المدينة اعتراهم القلق وهم يعيدون فتح أبواب حاناتهم وملاهيهم.

فقد قادت «هيئة تحرير الشام» فصائل المعارضة التي أطاحت بنظام الأسد، وكانت هناك خشية لدى بعض الناس من أن تمنع الهيئة شرب الكحول.

ظلت حانات دمشق ومحلات بيع الخمور فيها مغلقة لأربعة أيام بعد دخول مقاتلي «هيئة تحرير الشام» المدينة، دون فرضهم أي إجراءات صارمة، والآن أعيد فتح هذه الأماكن مؤقتاً.

ما يريده صافي، صاحب «بابا بار» في أزقة المدينة القديمة، من الجميع أن يهدأوا ويستمتعوا بموسم عيد الميلاد الذي يشهد إقبالاً عادة.

مخاوف بسبب وسائل التواصل

وفي حديث مع «وكالة الصحافة الفرنسية» في حانته، اشتكى صافي، الذي لم يذكر اسم عائلته حتى لا يكشف عن انتمائه الطائفي، من حالة الذعر التي أحدثتها وسائل التواصل الاجتماعي.

فبعدما انتشرت شائعات أن المسلحين المسيطرين على الحي يعتزمون شن حملة على الحانات، توجه إلى مركز الشرطة الذي بات في أيدي الفصائل في ساحة باب توما.

وقال صافي بينما كان يقف وخلفه زجاجات الخمور: «أخبرتهم أنني أملك حانة وأود أن أقيم حفلاً أقدم فيه مشروبات كحولية».

وأضاف أنهم أجابوه: «افتحوا المكان، لا مشكلة. لديكم الحق أن تعملوا وتعيشوا حياتكم الطبيعية كما كانت من قبل»، فيما كانت الموسيقى تصدح في المكان.

ولم تصدر الحكومة، التي تقودها «هيئة تحرير الشام» أي بيان رسمي بشأن الكحول، وقد أغلق العديد من الأشخاص حاناتهم ومطاعمهم بعد سقوط العاصمة.

لكن الحكومة الجديدة أكدت أيضاً أنها إدارة مؤقتة وستكون متسامحة مع كل الفئات الاجتماعية والدينية في سوريا.

وقال مصدر في «هيئة تحرير الشام»، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، طلب عدم كشف هويته، إن «الحديث عن منع الكحول غير صحيح». وبعد الإلحاح عليه بالسؤال شعر بالغضب، مشدداً على أن الحكومة لديها «قضايا أكبر للتعامل معها».

وأعيد فتح «بابا بار» وعدد قليل من الحانات القريبة، لكن العمل محدود ويأمل صافي من الحكومة أن تطمئنهم ببيان يكون أكثر وضوحاً وقوة إلى أنهم آمنون.

في ليلة إعادة الافتتاح، أقام حفلة حتى وقت متأخر حضرها نحو 20 شخصاً، ولكن في الليلة الثانية كانت الأمور أكثر هدوءاً.

وقال إن «الأشخاص الذين حضروا كانوا في حالة من الخوف، كانوا يسهرون لكنهم في الوقت نفسه لم يكونوا سعداء».

وأضاف: «ولكن إذا كانت هناك تطمينات (...) ستجد الجميع قد فتحوا ويقيمون حفلات والناس مسرورون، لأننا الآن في شهر عيد الميلاد، شهر الاحتفالات».

وفي سوريا أقلية مسيحية كبيرة تحتفل بعيد الميلاد، مع تعليق الزينات في دمشق.

في مطعم العلية القريب، كان أحد المغنين يقدم عرضاً بينما يستمتع الحاضرون بأطباق من المقبلات والعرق والبيرة.

لم تكن القاعة ممتلئة، لكن الدكتور محسن أحمد، صاحب الشخصية المرحة والأنيقة، كان مصمماً على قضاء وقت ممتع.

وقال لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «كنا نتوقع فوضى عارمة في الموقف»، فيما كانت الأضواء تنعكس على ديكورات المطعم، مضيفاً: «لكننا عدنا سريعاً إلى حياتنا، حياتنا الليلية، وحقوقنا».

حفلة مع مغنٍ

وقال مدير المطعم يزن شلش إن مقاتلي «هيئة تحرير الشام» حضروا في ليلة إعادة الافتتاح ولم يغلقوا المكان.

وأضاف: «بدأنا العمل أمس. كانت الأمور جيدة جداً. كانت هناك حفلة مع مغنٍ. بدأ الناس بالتوافد، وفي وسط الحفلة حضر عناصر من (هيئة تحرير الشام)»، وأشار إلى أنهم «دخلوا بكل أدب واحترام وتركوا أسلحتهم في الخارج».

وبدلاً من مداهمة المكان، كانت عناصر الهيئة حريصين على طمأنة الجميع أن العمل يمكن أن يستمر.

وتابع: «قالوا للناس: لم نأتِ إلى هنا لنخيف أو نرهب أحداً. جئنا إلى هنا للعيش معاً في سوريا بسلام وحرية كنا ننتظرهما منذ فترة طويلة».

وتابع شلش: «عاملونا بشكل حسن البارحة، نحن حالياً مرتاحون مبدئياً لكنني أخشى أن يكون هذا الأمر آنياً ولا يستمر».

ستمارس الحكومة الانتقالية الجديدة في سوريا بقيادة «هيئة تحرير الشام» عملها حتى الأول من مارس (آذار). بعد ذلك، لا يعرف أصحاب الحانات ماذا يتوقعون.