«مجموعة السبع» الصناعية تفقد بريقها وتأثيرها

TT

«مجموعة السبع» الصناعية تفقد بريقها وتأثيرها

يجتمع رؤساء ورؤساء حكومات الدول السبع الأكثر قوة في بياريتز الفرنسية حتى الاثنين، فماذا يعني هذا الاجتماع؟ ولماذا يتعرض إلى هجوم من مناهضي العولمة وانتقادات من داخله ومن أطراف أخرى؟
قال تقرير لمحطة «فرانس إنفو» إن اجتماع هذا العام مكلف جداً، إذ يُعقد في مدينة تحولت إلى محمية أمنية، أشبه بقلعة حصينة. وتبلغ التكلفة نحو 27 مليون دولار لتأمين حضور واجتماع وأمن واستقبال 7 زعماء، ونحو 5 آلاف من الوفود المرافقة وحشود الصحافيين المتابعين للحدث الذي أرادته الحكومة الفرنسية تحت عنوان «محاربة اللامساواة».
لكن هل تحقق اجتماعات كهذه الأهداف المرجوة منها؟
بدأت القصة مع الرئيس الفرنسي السابق فاليري جيسكار ديستان. ففي منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) 1975، وجّه ديستان دعوة لزعماء أكبر الدول الصناعية الغنية للاجتماع في قصر فرنسي منيف «قصر رامبوييه»، والدول هي الولايات المتحدة الأميركية واليابان وبريطانيا وإيطاليا وألمانيا، إلى جانب فرنسا. وكانت الحجة يومها أن فرنسا أرادت خلق أداة تواصل مباشر في اجتماع صداقة وتعاون. وفي السنة التالية انضمّت كندا إلى هذا الاجتماع الذي تحول إلى حدث سنوي منتظَر على مستوى العالم.
كانت الفكرة الأولى بدأت تتبلور بعد الصدمة النفطية التي عاشها العالم الغربي في 1973. بهدف تنسيق التعاون في السياسات المالية خارج الأطر الدولية المعروفة مثل الأمم المتحدة، وذلك لمصلحة أخذ قرارات سريعة للخروج من الفوضى النقدية والمالية وخلق إدارة غربية منسقة موضوعة من الدول الغنية، بحيث تخرج بمقررات تلزم نسبياً الدول الناشئة أيضاً.
ومن النتائج الأولى لتلك الاجتماعات اكتشاف إمكان التوافق على قرارات مالية بدأ يتلقفها صندوق النقد الدولي، خصوصاً أنها رمت إلى عدم الوقوع في الحمائية الزائدة، والحؤول دون وقوع حروب عملات.
وتجلّت فعالية الاجتماعات لاحقاً في وضع أطر عامة وتوجهات بخطوط عريضة من دون الدخول في قرارات تفصيلية.
فمجموعة الدول السبع ليست مؤسسة أممية، بل مجموعة تلعب دوراً في التوجيه والدفع السياسي اللازم للقضايا المالية، ثم تطور الأمر ليشمل قضايا الأمن وإدارة تطور مسارات العولمة.
كان المهم في البداية شد الأواصر في مواجهة التقلبات، ففي عام 1977 سهلت مجموعة الدول السبع قيام نظام تشاور دائم بين الأميركيين والأوروبيين واليابانيين لمواجهة الأزمات بشكل مشترك.
وبين التواريخ الحاسمة لتلك الاجتماعات، ما حصل في عام 1984 بلندن عندما حاول البريطانيون والأميركيون (مارغريت ثاتشر ورونالد ريغان) فرض أجندة ليبرالية أنغلوساكسونية. وفي 1988 في تورونتو (كندا) حصل تحول، إذ اتخذ المجتمعون قراراً بإلغاء جزء من ديون الدول النامية. وبعد سقوط جدار برلين، سهّل اجتماعان عُقِدا في لندن وميونيخ (1991 و1992) الإدخال التدريجي لروسيا الجديدة في الاقتصاد العالمي. وبين التحولات أيضا ما حصل في 1996 في اجتماع عقد في ليون الفرنسية باتجاه إدخال استراتيجية لمحاربة الإرهاب.
ومنذ ذلك الحين، عنوانان توطّدا أكثر فأكثر هما تثبيت أطر النظام الاقتصاد الليبرالي ومحاربة الإرهاب، علماً بأن آلية المجموعة تعرضت مع الوقت لبعض قلة الفعالية، بسبب التوسع في حضور الوفود بأعداد كبيرة مع حشد صحافي هائل أفقد الاجتماعات حيزاً من سريتها. ففي السابق، كانت بعض نتائج الاجتماعات لا تُعلَن على الملأ، وكانت تطبق قرارات من دون أي ضجيج إعلامي يسبقها، ثم بفعل احتجاجات مناهضي العولمة، تحوّلت أمكنة الانعقاد إلى قلاع أمنية بأشكال حماية غير مسبوقة، لا سيما بعد اجتماع 2001 في جنوا الإيطالية، عندما سقط متظاهر إيطالي برصاص الشرطة.
ويقول مناهضو العولمة إن مجموعة الدول السبع لم تعد كما كانت قبل 10 أو 20 سنة، ولم يعد باستطاعتها تحقيق هدف تنظيم العالم كما تشاء أو كما تدعي، لا بل هي تواجه الفشل الذريع أحياناً مثل عدم استطاعتها فرض إجراءات للحد من الانبعاثات الكربونية، أو تأمين الأمن الغذائي، كما تقرر في اجتماع عام 2017.
ويضيف مناهضو العولمة إلى ذلك أن هدف الاجتماع الحالي والمعلن تحت عنوان محاربة اللامساواة، هو بين الأهداف التي تُعلن ولا تُنفذ. ويرى المناهضون أن تلك العناوين الجاذبة ما هي إلا واجهة لإبراء الذمة، بينما الأهداف الحقيقية تبقى الدفاع عن النظام الاقتصادي الليبرالي الذي يبدو مهدداً هو الآخر حالياً مع صعود نزعات الحمائية التجارية، وشبح حرب العملات الذي يخيم هنا وهناك.
إلى ذلك، يقول متخصصون في السياسات الخارجية إن المجموعة تعجز عن التوسع في كادرها، وخير دليل استبعاد روسيا من الاجتماعات منذ 2014، كما أن اجتماعات مجموعة العشرين بدأت تأخذ الضوء من مجموعة الدول السبع، لأنها ضمت دولاً فاعلة على المستوى الدولي، مثل الصين وروسيا والسعودية والهند والبرازيل... فمجموعة العشرين أكثر تعبيراً عن عالم اليوم برأي الخبراء في العلاقات الدولية.
ماذا بقي من مجموعة الدول السبع؟ يبقى التنسيق بين حفنة من الدول فقط، لكن بات ذلك صعباً أيضاً بعد انتخاب دونالد ترمب رئيساً للولايات المتحدة ورفعه شعار «أميركا أولاً» وعدم اهتمامه كثيراً بالحلفاء الآخرين. فمنذ مشاركته في الاجتماعات، إما يفرض أجندتها أو يهدم أي قرار يُتخذ بتغريدة واحدة على موقع «تويتر»، كما فعل في 2018، عندما سحب تأييده للبيان الختامي وهدد بفرض رسوم جمركية على الواردات من أوروبا وكندا.
ومع ذلك، يحاول الرئيس الفرنسي في اجتماعات الدورة الحالية إعطاء جرعة أكسجين بصيغة جديدة مطورة، تضم للدول السبع وحضور شركاء مثل جنوب أفريقيا وأستراليا وتشيلي والهند ومصر ودول أخرى، ما يعني برأي المتابعين أن النادي الضيق لم يعد فعالاً كما السابق، والمطلوب توسعة أطر التعاون الدولي لتنفتح هذه الدول السبع على قضايا العالم بطريقة جديدة مختلفة كلياً عن السابق.


مقالات ذات صلة

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

صحتك رجل يسكب الماء على رأسه أثناء موجة حر في هيوستن بولاية تكساس بالولايات المتحدة 25 أغسطس 2023 (رويترز)

دراسة: كبار السن أكثر قدرة على تحمل حرارة الطقس مقارنة بالشباب

كشفت دراسة مكسيكية أنه على عكس الاعتقاد السائد، فإن كبار السن أكثر قدرة على تحمل موجات الحرارة مقارنة بالشباب.

«الشرق الأوسط» (سان فرانسيسكو)
خاص تم تحسين هذه النماذج لمحاكاة سيناريوهات المناخ مثل توقع مسارات الأعاصير مما يسهم في تعزيز الاستعداد للكوارث (شاترستوك)

خاص «آي بي إم» و«ناسا» تسخّران نماذج الذكاء الاصطناعي لمواجهة التحديات المناخية

«الشرق الأوسط» تزور مختبرات أبحاث «IBM» في زيوريخ وتطلع على أحدث نماذج الذكاء الاصطناعي لفهم ديناميكيات المناخ والتنبؤ به.

نسيم رمضان (زيوريخ)
بيئة أظهرت الدراسة التي أجراها معهد «كلايمت سنترال» الأميركي للأبحاث أنّ الأعاصير الـ11 التي حدثت هذا العام اشتدت بمعدل 14 إلى 45 كيلومتراً في الساعة (رويترز)

الاحترار القياسي للمحيطات زاد حدة الأعاصير الأطلسية في 2024

أكدت دراسة جديدة، نُشرت الأربعاء، أن ظاهرة الاحترار المناخي تفاقم القوة التدميرية للعواصف، مسببة زيادة السرعة القصوى لرياح مختلف الأعاصير الأطلسية.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
بيئة متوسط درجات الحرارة كان مرتفعاً للغاية منذ يناير حتى أكتوبر (أ.ب)

علماء: عام 2024 سيكون الأكثر حرارة على الإطلاق

كشفت خدمة «كوبرنيكوس» لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي اليوم (الخميس) عن أن عام 2024 سيتخطى 2023 ليصبح العام الأعلى حرارة منذ بدء التسجيلات.

«الشرق الأوسط» (باريس)
بيئة تظهر صورة القمر الاصطناعي العاصفة الاستوائية «ميلتون» وهي تشتد وتتجه للتحول إلى إعصار قبل وصولها إلى فلوريدا في خليج المكسيك في 6 أكتوبر 2024 (رويترز)

لماذا يجعل الاحتباس الحراري الأعاصير أكثر قوة؟

يؤدي الاحتباس الحراري إلى ارتفاع درجات حرارة مياه المحيطات؛ مما يجعل الأعاصير أكثر قوة. ومع ذلك، هذا لا يعني بالضرورة أنه سيكون هناك المزيد من الأعاصير.

«الشرق الأوسط» (باريس)

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
TT

روته: يجب تعزيز دفاعات حلف «الناتو» لمنع الحرب على أراضيه

صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)
صورة التُقطت 4 ديسمبر 2024 في بروكسل ببلجيكا تظهر الأمين العام لحلف «الناتو» مارك روته خلال مؤتمر صحافي (د.ب.أ)

وجّه الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (الناتو) مارك روته، اليوم (الخميس)، تحذيرا قويا بشأن ضرورة «زيادة» الإنفاق الدفاعي، قائلاً إن الدول الأوروبية بحاجة إلى بذل مزيد من الجهود «لمنع الحرب الكبرى التالية» مع تنامي التهديد الروسي.

وقال روته في كلمة ألقاها في بروكسل «نحن لسنا مستعدين لما ينتظرنا خلال أربع أو خمس سنوات»، مضيفاً: «الخطر يتجه نحونا بسرعة كبيرة»، وفق «وكالة الصحافة الفرنسية».