دمامة اللغة بعيداً عن وهج القصائد

«مراجيح الناثر بدر شاكر السيّاب» لجاسم المطير

دمامة اللغة بعيداً عن وهج القصائد
TT

دمامة اللغة بعيداً عن وهج القصائد

دمامة اللغة بعيداً عن وهج القصائد

صدر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون» كتاب «مراجيح الناثر بدر شاكر السيّاب»، للكاتب الروائي جاسم المطير الذي حاول كشف «البيئة السياسية» التي أحاطت بالسيّاب، وجعلته يتأرجح باتجاهات شتّى ألحقت الضرر بسمعته الشخصية، وأساءت كثيراً إلى وضعه السياسي، وقناعاته الفكرية الرخوة التي أفضت إلى «انتهازيته» و«نفاقه الآيديولوجي».
يتألف الكتاب من مقدمة مستفيضه و14 مقالة، يردُّ فيها جاسم المطير على كتاب «كنتُ شيوعياً» للسياب، و«رسائل السياب» للكتاب ماجد السامرائي، كما تتشظى مادة الكتاب لتغطّي جانباً من السيرة الذاتية للشاعر، وسيرة المؤلف الذي تعرّف إلى السيّاب في الخمسينات، كما تعرّف في السبعينات إلى الشاعر عبد الوهاب البياتي الذي كان ينافس السيّاب على ريادة التجديد في الشعر العربي، إلى جانب نازك الملائكة.
يعترف المطير بأن مقالات هذا الكتاب لا علاقة لها بشعر السيّاب وشاعريته لأنه ترك هذه المهمة للنقاد والباحثين، وأعلنَ صراحة أنه لا يمتلك خبرة في هذا المضمار البعيد عن تخصصه السردي في كتابة القصة والرواية وأدب المذكرات، ولو بذل المطير جهداً مُضاعفاً لكتب سيرة ذاتية للسيّاب، بما لها من مزايا ومحاسن، وما عليها من مساوئ وأخطاء.
لا يعتمد المطير في كتابه على ذكرياته الشخصية فقط، وإنما يستعين بآراء كُتّاب وصحافيين آخرين، وأناس عاديين من كوادر الحزب الشيوعي العراقي، أمثال عبد الوهاب طاهر والصحافي عبّاس سكران وغيرهما الكثير. فقد حدّثه عبّاس أنّ السيّاب كتب قصيدة «أنشودة المطر» في «البيت الشيوعي» في الكويت، في أثناء إقامته هناك عام 1953. كما تطرّق إلى انعزاليته، وولعه بالقراءة، وتزايد اهتمامه بالأساطير التي كانت تغذّي مخيلته الشعرية المتوقدة. وقال الشاعر ألفريد سمعان: «إن أفضل قصائد السيّاب، من حيث الموضوع واللغة والثقافة، هي تلك التي كتبها عندما كان داخل قلعة الحزب الشيوعي العراقي، السياسية والثقافية»، وهو يعني «الأسلحة والأطفال» و«المومس العمياء» و«حفّار القبور». ومَنْ يقرأ هذه المجموعات الثلاث يشعر بقدرة السيّاب على ملامسة المعاناة الإنسانية لشرائح واسعة من المجتمع العراقي.
ويرصد المطير المصادر الثقافية للسيّاب، فيعزوها إلى كُتّاب وشعراء بريطانيين وألمان وفرنسيين، أمثال شكسبير وإليوت وأيديث ستويل وغوته ورامبو وبودلير، وأنّ تلك القراءات هي التي صوّرت له أن التحرّر من الفكر الحزبي الملتزم هو الخلاص الذي يفضي به إلى الإبداع الحقيقي، بعيداً عن الشعارات الجوفاء التي لا تسمن ولا تُغني عن جوع. أما بصدد مذكراته الحزبية - السياسية، فيعتقد المطير أنها «ذات صبغة عاطفية، غاضبة، سريعة، انتقامية، ثأرية، لا تحمل وضوح الفلاسفة والعلماء». كما يذهب أبعد من ذلك حين يقول: «إنها كُتبت بأسلوب نثري ضعيف، كما أجمع كثير من الذين قرأوها، بضمنهم شقيقه الأصغر مصطفى السيّاب».
ويُعيب عليه لجوئه إلى مؤسسة بنيامين فرانكلين الأميركية، التي ترجم لها كتابين مقابل 700 دينار عراقي، وهو مبلغ كبير جداً آنذاك. ويقول المؤلف إن السياب لم يعمل بمفرده على تشويه صورة الحزب الشيوعي العراقي، فقد كان أدونيس يلحُّ عليه لإرسال مُذكرات «كنتُ شيوعياً» كي ينشرها في كتاب ببيروت، كجزء ممنهج من عملية التشويه المتعمدة، علماً بأنّ أدونيس نفسه قد ترجم كتاب «التعذيب في سيبيريا».
ويعتقد المطير أن هجوم السيّاب على الحزب الشيوعي قد جاء لسببين لا ثالث لهما: الأول أنّ الحزب لم يمنحه الريادة في الشعر الحر، والأسبقية على نازك والبياتي، والثاني هو اعتقاده بتقصير الحزب في نشر وترويج قصائده الحرة، وانحيازه إلى شعراء عراقيين آخرين، مثل البياتي وبلند الحيدري، مع أنّ النقاد العراقيين، كما يذهب المطير، لم يروا أي فروق في ناحية التجديد الشعري بين الشعراء الثلاثة، ولم يكن للحزب أي دور في هذا التقييم النقدي، آخذين بنظر الاعتبار أن السيّاب هو الشاعر الوحيد الذي نال شهرة عراقية وعربية كبيرة بعد وفاته، وسوف يحقق الشاعر سعدي يوسف شهرة عربية - عالمية في أواخر التسعينات، حين عرّت قصائده ما يحدث من فظائع داخل «الغابة الفاشية» للديكتاتور، وحزبه القمعي الذي سلب حرية البلاد والعباد معاً.
يُركِّز المطير على ثلاثة شعراء مدّاحين، وهم الجواهري والسيّاب وعبد الرزاق عبد الواحد، فالأول مدح الملك فيصل الثاني لكنه استعاد ثقة المواطنين به، والسيّاب مدح الزعيم عبد الكريم قاسم يوم 7 فبراير (شباط) 1963 بقصيدة «أغثني يا زعيمي»، قبل الانقلاب بيوم واحد، لكنه تحول خلال 24 ساعة إلى مادحٍ للانقلابيين الطغاة، وأعلن عن خلاصه من الليل القاسمي الحالك السواد، وأنشد للبعثيين وغنّى لهم، لكنه سرعان ما تخلّى عن هذا الغناء لأنهم لم يقدموا له الأموال والعطايا كما كان يفعل «زعيمه العبقري الأوحد». أما عبد الرزاق عبد الواحد فقد ظل حزيناً على الديكتاتور، ووفياً له حتى بعد مماته، ولم يعتذر للعراقيين أبداً.
يمجّد المطير الشاعر التركي ناظم حكمت الذي تأثّر العراقيون والعرب به وبشعره، لأنه كان ثورياً مناوئاً للسلطة العسكرية القامعة في بلاده، وحينما زُجّ به إلى السجن، ارتفع صوت بابلو نيرودا مُطالباً بإطلاق سراحه، لكنه ما إن أُخلي سبيله حتى هرب إلى موسكو، وتحوّل إلى أسطورة حيّة تعيش في أذهان الناس. يخلص المطير إلى القول بأن واقع وخيال السيّاب لم يكونا ثوريين في التعبير الدائم عن مكامن البيئة - الثورية الشعبية العراقية.
ويؤكد المطير أن السيّاب لم يكن شاعراً مفكراً على غرار غوته، وقد برهن خلال عمره القصير (38 عاماً) على أنه «ليس شخصية فكرية - نضالية إلاّ بحدود». أما بصدد أحلام السيّاب فقد كانت كثيرة، من بينها اللجوء إلى موسكو، والحصول على شهادة الدكتوراه، وأن يجد حياته محمية في دولة متقدمة، لكنه كان بالفعل ذا حظ عاثر، فما أن هُرِّب إلى طهران على أمل المشاركة في مهرجان الشبيبة في بوخارست عام 1953 حتى اضطربت الأوضاع، فعاد إلى عبادان، ومنها إلى الكويت، ليجد نفسه في البيت الشيوعي ثانية، فكتب قصيدة «غريب على الخليج»، في جو من الانقطاع والعزلة، وكان يردد دائماً أن «الغربة دمار، وأنّ السجن أهون من الغربة»، ولم يستطع أن يحقق توازنه في بلدٍ ليس فيه مطر ولا شناشيل.
يصل المطير إلى نتيجة مفادها أن السيّاب لم يتعمّق بالمبادئ الشيوعية وأفكارها وخططها، ولم يقرأ جوانب النظرية الماركسية، وأن مقالاته الأربعين هي «محاولة فاسدة في الكتابة الفردية المتعالية على الجماعة الشيوعية... وتحريض على مساراتها النضالية».
وثمة إشارة مهمة إلى تلبية السيّاب لدعوة «خميس الشعر» ببيروت التي تحدّث فيها عن الدين كثيراً، كأنه يريد القول إنه ليس ملحداً، وقد قطع صلته بالحزب الشيوعي نهائياً. وقد قرأ في هذه الأمسية شعراً لمدة ساعتين متتاليتين، وبعدها قرّر قسم اللغة العربية في الجامعة الأميركية اعترافه بالشعر الحر، وإدخاله في مناهجها المستقبلية، حينها شعرَ «أنه إله الشعر العربي المتميز بالذكاء الخارق»، وأنّ قريته جيكور قد استردته من أيدي الشيوعيين الذين وصفهم بأوصاف شتى، أقلّها الإلحاد والإباحية والتبعية لموسكو.


مقالات ذات صلة

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

كتب لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

لودفيغ فتجنشتاين... ثورة هادئة على الفلسفة التقليدية

ضمن سلسلة «الفلسفة» التي تصدر عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، صدرت طبعة جديدة من كتاب «لودفيغ فتجنشتاين» للباحث المصري الراحل د. عزمي إسلام.

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

«هيئة الكتاب» المصرية تنشر أعمال شكري عياد وشاكر عبد الحميد وعبد الحكيم راضي

تعاقدت «الهيئة المصرية العامة للكتاب» مع أسرة الناقد والأديب الراحل الدكتور شكري عيّاد؛ لإصدار وإتاحة مؤلفاته الكاملة ضمن خطط الهيئة لإحياء التراث النقدي العربي

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون «لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

«لا مفاتيح هناك»... المدينة حين تتحول إلى مسرح عبثي

تتخذ رواية «لا مفاتيح هناك»، للروائي المصري أشرف الصباغ، من السخرية نهجاً لها، سخرية من الذات ومن العالم، ومن المدينة الكبيرة التي لا ترحم.

عمر شهريار

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
TT

كريتي سانون تروي رحلتها من دروس شاروخان إلى شجاعة الاختيار

الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)
الفنانة الهندية تحدثت عن تجربتها في السينما (مهرجان البحر الأحمر)

في واحدة من أكثر الجلسات جماهيرية في مهرجان البحر الأحمر السينمائي هذا العام، حلّت الممثلة الهندية كريتي سانون في ندوة حوارية تحوّلت سريعاً من حوار تقليدي إلى عرض كامل تفاعل خلاله الجمهور بحماسة لافتة، حتى بدا المشهد وكأنه لقاء بين نجمة في ذروة تألقها وجمهور وجد فيها مزيجاً من الذكاء والعفوية والثقة.

منذ اللحظة الأولى، بدا واضحاً أن الجمهور جاء محملاً بأسئلته، فيما شجع التفاعل الجماهيري الممثلة الهندية على أن تجيب بصراحة عن كل ما يتعلق بمسيرتها، ومن بين كل أسماء الصناعة، لم يلمع في حديثها كما لمع اسم شاروخان. توقفت عند ذكره كما يتوقف شخص أمام لحظة صنعت في داخله تحولاً، وصفته بأنه «الأكثر ذكاءً وخفة ظل» ممن قابلتهم، ومثال حي على أن الفروسية والذوق الرفيع لا يزالان ممكنَين في صناعة صاخبة.

واستعادت كريتي كيف كان شاروخان ينظر إلى من يتحدث معه مباشرة، وكيف يمنح الجميع احتراماً متساوياً، حتى شعرت في بداياتها بأنها تلميذة تقع فجأة في حضرة أستاذ يعرف قواعد اللعبة من دون أن يستعرضها، ومع أن كثيرين يرون أن سانون دخلت عالم السينما من باب الجمال والأزياء، فإنها أكدت أن دراستها للهندسة لعبت دوراً في دخولها مجال الفن باعتبار أنها تعلمت منها أن كل شيء يجب أن يكون منطقياً وقائماً على أسئلة لماذا؟ وكيف؟

وأوضحت أن تحليل الأمور ومراجعتها منحتاها أدوات لم يمتلكها ممثلون آخرون، مروراً بتجارب وورشات تمثيل طويلة، فيما كانت هي تتعلم على أرض الواقع عبر طرح الأسئلة، حتى تلك التي قد يضيق منها البعض أو يعدها دليلاً على التردد.

الممثلة الهندية خلال جلستها الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

توقفت أيضاً في حديثها عند واحدة من أكثر محطاتها صعوبة، شخصية الروبوت «سيفرا» في فيلم «لقد وقعت في شرك كلامك»، شارحة أنها كانت لعبة توازن دقيقة بين أن تكون آلة بما يكفي ليصدّقها المشاهد، وإنسانة بما يكفي ليُصدّقها شريكها في الفيلم، مشيرة إلى أنها لم ترمش في أثناء الحوارات، وضبطت كل حركة لتكون دقيقة ومحسوبة، ورغم أنها معروفة بخفة الحركة و«العثرات الطريفة» كما وصفت نفسها، فإن أكثر ما أسعدها في الفيلم كان مشهد «الخلل» الذي ابتكرته بنفسها، لتمنح الشخصية ملمساً أكثر واقعية.

لكن اللحظة الأكثر دفئاً كانت عندما تحدثت عن الموسيقى، وعن دورها في مسيرتها؛ حيث روت كيف كانت غرف التسجيل التي تعمل فيها مع الملحّنين تشبه «متجر حلوى»، وكيف كان اللحن يُولد من جلسة ارتجال بسيطة تتحول بعد دقائق إلى أغنية جاهزة، ومع أن الجلسة كانت مليئة بالضحك واللحظات الخفيفة، فإنها لم تخفِ الجانب العميق من تجربتها، خصوصاً عندما تحدثت عن انتقالها من الإعلانات والصدفة إلى البطولة السينمائية.

وروت كيف أن فيلم «ميمي» منحها مساحة أكبر مما حصلت عليه في أي عمل سابق، وغيّر نظرتها إلى نفسها بوصفها ممثلة، مؤكدة أن ذلك العمل حرّرها من الحاجة الدائمة إلى إثبات ذاتها، وأعطاها الشجاعة لاختيار أدوار أكثر مجازفة. ومنذ ذلك الحين -كما تقول- لم تعد في سباق مع أحد، ولا تبحث عن لائحة إيرادات، بل عن أن تكون أفضل مما كانت عليه أمس.

وحين سُئلت عن فيلمها الجديد «تيري عشق مين» وعن موجة النقاشات التي أثارها على مواقع التواصل، أكدت أنها تتابع الآراء بشغف، لأن السينما تشبه اللوحة الفنية التي يراها كل شخص من زاوية مختلفة، مشيرة إلى أن الناس يتفاعلون مع قصة الفيلم، لأنهم قد عرفوا في حياتهم شخصاً مثل الممثلين.

وأكدت أن جزءاً من التفاعل يرجع إلى كون العمل يعرض الحب السام من جهة، لكنه يتيح للشخصية النسائية أن تُسمّيه وتواجهه، وهذا ما تعدّه تطوراً مهماً في كتابة الشخصيات النسائية، فلم تعد المرأة مجرد ضحية أو محبوبة مثالية، «فالمرأة المعاصرة على الشاشة يمكن أن تكون معقدة، متناقضة، واقعية، ومحبوبة رغم كل ذلك»، حسب تعبيرها.


جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
TT

جيسيكا ألبا تكشف عن مشروع سينمائي مع هيفاء المنصور

جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)
جيسيكا ألبا خلال حضورها مهرجان البحر الأحمر (إدارة المهرجان)

كشفت الفنانة الأميركية جيسيكا ألبا عن ملامح مشروع سينمائي جديد يجمعها بالمخرجة السعودية هيفاء المنصور، مشيرة خلال ندوتها في «مهرجان البحر الأحمر السينمائي» إلى أن هذا التعاون لم يتشكل بين ليلة وضحاها، بل جاء نتيجة نقاشات طويلة امتدت على مدار سنوات.

وأوضحت في اللقاء الذي أقيم، الجمعة، أن الفكرة التي استقرتا عليها تدور حول قصة إنسانية عميقة تتناول علاقة ابنة بوالدها المتقدّم في العمر، ضمن سردية تقترب من تفاصيل العائلة وتحولاتها، وتسلّط الضوء على هشاشة العلاقات حين تواجه الزمن، وما يتركه ذلك من أسئلة مفتوحة حول الذاكرة والواجب العاطفي والمسؤولية المتبادلة.

وأضافت أن ما شدّها إلى المشروع ليس موضوعه فقط، بل الطريقة التي تقارب بها هيفاء المنصور هذه العلاقات الحسّاسة وتحولها إلى لغة بصرية تتسم بالهدوء والصدق، لافتة إلى أن «هذا التعاون يمثّل بالنسبة لي مرحلة جديدة في اختياراتي الفنية، خصوصاً أنني أصبحت أكثر ميلاً للأعمال التي تمنح الشخصيات النسائية مركزاً واضحاً داخل الحكاية، بعيداً عن الأنماط التقليدية التي سيطرت طويلاً على حضور المرأة في السينما التجارية».

وأشارت إلى أنها تبحث اليوم عن قصص تستطيع فيها المرأة أن تظهر بوصفها شخصية كاملة، تملك مساحتها في اتخاذ القرارات والتأثير في مسار الحكاية، وهو ما تراه في مشروعها مع المنصور، الذي وصفته بأنه «قريب من قلبها»؛ لأنه يعيد صياغة علاقة الأم والابنة من منظور مختلف.

وخلال الندوة، قدّمت ألبا قراءة موسّعة لتغيّر مسارها المهني خلال السنوات الأخيرة، فهي، كما أوضحت، لم تعد تنظر إلى التمثيل بوصفه مركز عملها الوحيد، بل بات اهتمامها الأكبر موجّهاً نحو الإنتاج وصناعة القرار داخل الكواليس.

وأكدت أن دخولها عالم الإنتاج لم يكن مجرد انتقال وظيفي، وإنما خطوة جاءت نتيجة إحساس عميق بأن القصص التي تُقدَّم على الشاشة ما زالت تعكس تمثيلاً ناقصاً للنساء وللأقليات العرقية، خصوصاً للمجتمع اللاتيني الذي تنتمي إليه.

وتحدثت ألبا عن تجربة تأسيس شركتها الإنتاجية الجديدة، معتبرة أن الهدف منها هو خلق مساحة لصناع المحتوى الذين لا يجدون غالباً فرصة لعرض رؤاهم، موضحة أن «غياب التنوّع في مواقع اتخاذ القرار داخل هوليوود جعل الكثير من القصص تُروى من زاوية واحدة، ما أدّى إلى تكريس صور نمطية ضيّقة، خصوصاً فيما يتعلّق بالجاليات اللاتينية التي غالباً ما تظهر في الأعمال ضمن أدوار مرتبطة بالعنف أو الجريمة أو الأعمال الهامشية».

وشددت على أنها تريد أن تساهم في معالجة هذا الخلل، ليس عبر الخطابات فقط، بل من خلال إنتاج أعمال تظهر فيها الشخصيات اللاتينية والعربية والنساء بصورة كاملة، إنسانية، متنوّعة، لافتة إلى أن تنوّع التجارب الحياتية هو العنصر الذي يجعل صناعة السينما أكثر ثراء، وأن غياب هذا التنوع يجعل الكثير من الكتّاب والمخرجين عاجزين عن تخيّل شخصيات خارج ما اعتادوا عليه.

وأضافت أن مهمتها اليوم، من موقعها الجديد، هي فتح المجال أمام أصوات غير مسموعة، سواء كانت نسائية أو تنتمي إلى أقليات ثقافية واجتماعية، لافتة إلى أنها تعمل على تطوير فيلم جديد مع المخرج روبرت رودريغيز، يعتمد على مزيج من الكوميديا العائلية وأجواء أفلام السرقة، مع طاقم تمثيل لاتيني بالكامل.

وأوضحت أن هذا العمل يأتي امتداداً لرغبتها في دعم المواهب اللاتينية، وفي الوقت نفسه تقديم أعمال جماهيرية لا تُختزل في سرديات العنف أو الهوامش الاجتماعية، واصفة المشروع بأنه خطوة مختلفة على مستوى بنية الحكاية؛ لأنه يجمع بين الترفيه والأسئلة العائلية، ويقدّم الشخصيات اللاتينية في إطار طبيعي وغير مصطنع.

وتوقفت جيسيكا عند مشاركتها المرتقبة في فيلم «الشجرة الزرقاء»، ويتناول علاقة أم بابنتها التي تبحث عن استقلاليتها رغم حساسية ظروفها موضحة أن ما جذبها لهذا العمل هو طبيعته الهادئة، واعتماده على بناء علاقة حميمة بين شخصيتين، بعيداً عن الصراعات المفتعلة، معتبرة أن هذا النوع من الحكايات يمثّل مرحلة أصبحت قريبة جداً منها في هذه الفترة من حياتها.


«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
TT

«الآثار المسترَدة»... محاولات مصرية لاستعادة التراث «المنهوب»

جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)
جهود مصرية متواصلة لاسترداد الآثار المهرَّبة إلى الخارج (وزارة السياحة والآثار)

في إطار الجهود المصرية المستمرة للحفاظ على التراث وحمايته واستعادة الآثار المصرية المنهوبة من الخارج وصيانتها، تعدَّدت الجهود الرسمية والأهلية والبحثية والأكاديمية للعمل على حفظ التراث واستعادة الآثار المُهرَّبة، واستضافت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً علمياً، بالتعاون مع مؤسسة ألمانية، تناول استرداد الآثار المصرية من الخارج، وحفظ وصيانة التراث.

وركز المؤتمر على تجارب مصر في استرداد القطع الأثرية التي خرجت من البلاد بطرق غير قانونية، سواء عبر المتاحف الأجنبية أو الأسواق غير المشروعة. وشارك فيه عدد من المسؤولين والخبراء المصريين والدوليين، وتم عرض نماذج بارزة من الآثار المسترَدة حديثاً، مثل التوابيت المذهبة والقطع الخشبية النادرة، مع مناقشة الإجراءات القانونية والدبلوماسية التي اعتمدتها مصر لاستعادة هذه القطع الأثرية وحمايتها بوصفها جزءاً من التراث العالمي.

وأكد عالم الآثار المصرية، الدكتور حسين عبد البصير، أن هذه الجهود تمثل رسالةً قويةً للعالم حول أهمية حماية التراث الثقافي المصري والعربي والعالمي، وأن استعادة كل قطعة أثرية هي خطوة نحو الحفاظ على الهوية الوطنية وإعادة حق الأجيال القادمة في التراث الحضاري لمصر، والعالم العربي، والعالم.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن دور المجتمع المدني والجمعيات الأثرية مهم في دعم هذه الجهود، من خلال التوعية، والبحث العلمي، والتعاون مع المنظمات الدولية؛ لتقوية موقف مصر القانوني في مواجهة التجارة غير المشروعة بالآثار.

جانب من المؤتمر الذي ناقش الآثار المسترَدة وحفظ التراث (الشرق الأوسط)

وتحت عنوان «الاتجار بالآثار سرقة للتاريخ وطمس للهوية»، تحدَّث الدكتور شعبان الأمير، أستاذ ترميم الآثار ومواد التراث بكلية الآثار بجامعة الفيوم، وتناول التنقيب والاتجار بالآثار وتقارير اليونيسكو حول هذه العمليات، التي تُقدَّر بنحو 10 مليارات دولار سنوياً، وهي ثالث أكبر عملية تجارية بعد المخدرات والسلاح على مستوى العالم.

وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «حماية التراث واجب وطني ومجتمعي، والاتجار بالآثار يعدّ سرقةً للتاريخ وطمساً ومحواً وفقداناً للهوية». وأشار إلى أن المؤتمر تناول أبحاثاً حول تطبيقات الذكاء الاصطناعي، والهندسة، والكيمياء، والوعي المجتمعي، وغيرها من الموضوعات التي اهتمت بكيفية حماية التراث والآثار، والحد من عمليات التنقيب غير الشرعي، وعمليات التسجيل والتوثيق والفحص والتحليل تمهيداً لعمليات الترميم والصيانة والحفظ والعرض المتحفي أو بالمواقع الأثرية.

وفي ورقة بحثية بالمؤتمر، تناولت الدكتورة منى لملوم، قوة الميديا ووسائل الإعلام المختلفة في المطالبة باسترداد الآثار، مشيرة إلى الحملات التي تقوم بها وسائل الإعلام من أجل الضغط لاسترداد الآثار المُهرَّبة من مصر بطرق غير مشروعة. وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أنها «تناولت كثيراً من النماذج، منها استعادة تمثال من أميركا عام 2019 بجهود رسمية كبيرة، بالإضافة إلى قوة الإعلام، وكذلك الضغط من خلال حملات صحافية وأهلية، إلى جانب الجهود الحكومية لاستعادة آثار مصرية مهمة مثل رأس نفرتيتي من ألمانيا، وجدارية (الزودياك) أو الأبراج السماوية من متحف اللوفر، فضلاً عن استعادة حجر رشيد من المتحف البريطاني».

ولفتت د. منى إلى دور الدراما والسينما في التعامل مع الآثار والتاريخ مثل فيلم «المومياء» من إخراج شادي عبد السلام الذي لعب دوراً إيجابياً وصُنِّف من أهم 100 فيلم مصري في القرن الـ20، وهناك نماذج سلبية مثل مسلسل «كليوباترا» الذي أنتجته «نتفليكس» وقوبل بهجوم شديد لتجسيد الملكة المصرية بممثلة سوداء، و«اضطرت الشبكة إلى تغيير تصنيف الفيلم من (وثائقي) إلى (درامي) تحت ضغط (الميديا)» على حد تعبيرها.