الشاعر القطري محمد السادة: أدب الطفل ينمو ببطء

قال إن عناق الرمل والبحر صنع منه شاعرا

محمد السادة
محمد السادة
TT

الشاعر القطري محمد السادة: أدب الطفل ينمو ببطء

محمد السادة
محمد السادة

بعد توقف 7 سنوات عن التأليف في مجال الشعر، أصدر الشاعر القطري محمد السادة ديوانه «كثبان وأمواج» في عام 2012. بعد ديوان «على رمل الخليج»، الذي صدر عام 2005.
وللسادة، تجربة مع كتابة المسلسلات الإذاعية، منها «شاعرات عربيات»، «شخصيات حية من التاريخ»، «العلماء العرب» وفي مجال المسرح كتب «مذكرات غرفة»، وللأطفال كتب «أرض الفراشات» بالإضافة إلى «ملك الغابة» و«مرجانة».
وكانت للشاعر مشاركة في مهرجان الشعر الخليجي الذي أقيم مؤخرا في مدينة الطائف السعودية، حيث التقيناه وكان الحوار التالي:
* أول ديوان لك حمل عنوان: «على رمل الخليج».. ماذا تمثل لك هذه التجربة؟
- «على رمل الخليج».. هو عنوان أول ديوان شعري أُصدره وقد طبع في عام 2005، ولكن أستطيع أن أقول: إن تجربتي الشخصية الشعرية، استمدت بذرة نبتتها من بيئة نشأتي، فمنذ صغري قرضت الشعر وأنا في سن مبكرة، إلى أن نضجت تجربتي مع مرور الزمن والعمر وتطور الحياة من حولي، خاصة خلال سنوات دراستي الأكاديمية، والاحتكاك مع الآخرين، ومع ذلك أقول: إنني لا زلت أبحث عن التطور.
* في ديوانك الشعري «كثبان وأمواج».. اكتنزت قصائدك بمفردات الطبيعة من بحر وموج ونخيل..
- ديوان «كثبان وأمواج»، جاء بعد توقف 7 سنوات عن التأليف في مجال الشعر، حيث صدر في عام 2012، وفي هذا الديوان تنوعت الموضوعات ومناسبات القصائد وعالجت خلاله المناسبات الوطنية والاجتماعية والوصف والرثاء والغزل والقصائد الدينية.
وبالنسبة للتأثر بالطبيعة فأنا أعد أن البيئة التي أعيش فيها أثرت كثيرا على قصائدي، فقد عشقت عناق الرمل والبحر، حيث الكثبان الرملية التي تغوص رمالها في البحر، كما أنك تجد في كثير من القصائد أبياتا بها مرادفات تشير إلى البحر والرمل وأشعة الشمس، التي تلون حبات الرمل وسعف النخيل. وفي قصيدة «هبوب الصبا» من هذا الديوان، نجد أبياتا تزخر بمكونات تلك البيئة:
نُجومٌ وليلٌ والرمالُ وخيمة..
نارٌ تشُبّ القلبَ شَوقا بِسافِعِ..
بَدرٌ سميرٌ كالكَحِيلِ بِحُسنِهِ..
عيدٌ وللأَصداءِ ليسَ بسامِعِ..
جرّ أنينَ الشّوقِ قوسُ ربابَة..
ترقُصُ أطيافُ الرّؤى بالمضاجِعِ..
حُزنكَ قَد أنّ الظّلامُ وأشفَقَتْ..
هادُ البَوادِي في لُحُونِ السّواجِعِ..
حتى الصّخورُ الصّمّ لأن عنيدُها..
بَوحِ الهوى من حُرقَة بالمَدامِعِ..
* كشاعر يعيش على ضفاف البحر، ماذا يعني لك البحر..؟
- للبحر حكايات كثيرة عاشها الآباء والأجداد، الذين كانوا يرتادونه، بحثا عن اللؤلؤ في مواسم الغوص، وقد كانت فترة الستينات والسبعينات من القرن الماضي هي فترة احتكاكي بمن عاشوا تلك المواسم حيث إن مواسم الغوص انتهت في نهاية العشرينات وبداية الثلاثينات، حيث جسدت لي قصص كبار السن الكثير من جوانب حياتهم وشقائهم في البحث عن لقمة العيش، كذلك طرق معيشتهم الاجتماعية ومعتقداتهم وتراثهم وأوجه الحياة التي يعيشونها وارتيادهم للبحر في مواسم.. كل ذلك أثر في نفسي ومنحني الشغف في تصوير تلك الحياة بالكلمة الشعرية، وتجد في قصيدة «قطر» وهي الأولى في ديوان «كثبان وأمواج»، تصويرا لتلك الحياة ومنها:
تَسَاءَلَ النّجْمُ مَنْ تَهْواهُ يا قَمَرُ
أَجَابَهُ البَدْرُ فِي إِشْراقِهِ.. قَطَرُ
هِي النّمِيرُ إِذا الرّكْبانُ قَدْ ظَمِئَتْ
منازِلُ الأَهلِ إِنْ غابوا وَإِنْ حَضَرُوا
فِي كُلّ رَسمٍ بِها الآثارُ ناطِقَة
عَنِ الجُدُودِ ويَحلُو عَنهُمُ الخَبَرُ
عَنِ الصّوارِي بِعرضِ البَحْرِ سامِقَة
عَنِ الشّراعِ تَناءى وهو مُنتَشِرُ
فِي بَحْرِها سِيَرُ الأَمْجادِ قَدْ كُتِبَتْ
فِي عُمقِهِ تَشْهَدُ الأَصْدافُ وَالدّرَرُ
كَمْ جالَ غَواصُهُ قِيعانَ مُظلِمَة
عَنِ اللآلِئِ بَحثا حَفّهُ الخَطَرُ

* أدب الطفل
* لك تجربة في مجال كتابة المسلسلات الإذاعية فضلا عن البرامج.. حدثنا عن هذه التجربة؟
- نعم كانت لي تجربة في كتابة المسلسلات الإذاعية، حيث ألفت مسلسلات منها: «شاعرات عربيات»، «شخصيات حية من التاريخ»، «العلماء العرب» وفي مجال المسرح كتبت: «مذكرات غرفة»، وللأطفال كتبت: «أرض الفراشات»، «ملك الغابة» و«مرجانة»، وهي قصة «علي بابا»، وكان ذلك من واقع عملي بإذاعة قطر، حيث عملت في بداية حياتي بعد تخرجي من الثانوية في «إذاعة قطر» مذيعا، ثم رئيسا للمذيعين وقد كان لتلك الفترة أثر في حياتي من تقديم البرامج الإذاعية والتلفزيونية، وكتابة المسلسلات والمسرحيات والبرامج والتقارير، وكما تعلم ففي تلك الفترة كنا نستخدم الأوراق والأقلام قبل انتشار الكومبيوتر وبرامج الكتابة الإلكترونية والتخزين، إذ كان معظم ما كتبت مكتوبا على الورق ولذلك ضاع معظمه، وإنني أجد نفسي مقصرا في حق ما كتبت، فالكثير منها قد ضاع بمجرد كتابته وبثه.. وهناك بعض النصوص التي ما زالت على الورق تنتظر الالتفات إليها، أما البرامج الإذاعية، فهي كثيرة وقد شاركت الكثير من الزملاء في إذاعات الدول الخليجية والعربية في تقديم البرامج.
* يلاحظ أيضا اهتمامك بأدب الطفل من خلال عدد من المسرحيات أو كتاب «السردية الشفاهية لقصص الأطفال»..
- لقد استهوتني الكتابة للطفل عندما كتبت مسرحية «مرجانة»، وهي قصة «علي بابا»، عالجت فيها أسطورة «علي بابا»، من زاوية مختلفة، فالأسطورة تبين أن «علي بابا»، استولى على أموال اللصوص التي كانت في الكهف أما في مسرحية مرجانة فقد أخذ علي بابا الأموال المسروقة للوالي الذي وزعها على أصحابها وأعطى علي بابا مكافأة وفي ذلك توضيح للأطفال أن السرقة شيء مشين ويزرع في نفوسهم الأمانة والصدق.. وقد فتحت المسرحية لي آفاقا في أدب الطفل فألفت المسرحيات الاستعراضية، مثل: «أرض الفراشات» و«ملك الغابة» وأجزتها من الرقابة إلا أنها ظلت على الورق، أما بالنسبة لشعر الأطفال فقد أصدرت ديوان «أنغام البراعم» ثم ديوان «أناشيد البلابل»، الذي قامت وزارة الثقافة بطباعته، وعالجت في الديوانين، الكثير من الموضوعات بلغة شعرية سهلة للأطفال، منها التعليمي مثل أسماء الشهور العربية وكيف يصل إلينا الماء «حكاية النهر» و«الألوان»، ومنها الإرشادي مثل مخاطر الطريق والعبور ومخاطر الحريق والحذر من الغرق وغيرها.
* من أين تستمد مادتك في كتابتك للطفل؟
- من خلال حكايات الأطفال التي كنت أسردها على أبنائي عندما كانوا صغارا قمت بتأليف «السردية الشفاهية لقصص الأطفال» وبينت في الكتاب أثر السرد الشفاهي للقصص على الأطفال وكيف يؤثر فيهم صوت الراوي ووجوب استغلال ذلك في غرس المفاهيم الإيجابية من خلال معالجة الأساطير المتداولة ومواضيع الجن والخرافات والجنس وكيف يمكن الإشارة إليها بلغة الطفل، وبيان السلوكيات الخاطئة لشخصيات تلك الروايات والأساطير والتنفير منها والسلوكيات الإيجابية الفاضلة وتعزيزها، كما تطرقت إلى الأوقات التي يفضل فيها سرد القصص على الأطفال ومراعاة الأعمار ومستوى الذكاء لديهم واختيار المرادفات التي تصل إلى عقولهم ثم ذكرت بعض القصص والروايات المتداولة في المنطقة وبينت المواضع التي يجب أن يراعي فيها الراوي الألفاظ والمعاني وتطويعها بما يؤثر إيجابيا على الأطفال.
* كيف تنظر إلى واقع أدب الأطفال في الخليج عموما..؟
- بالنسبة لأدب الطفل في قطر ودول الخليج، فإنني أرى أنه يسير ببطء نحو الارتقاء بالكتابة للأطفال، فعالم الطفل عالم واسع الخيال وسبره يتطلب المهارة والمعرفة بذلك العالم الخيالي الواسع وإذا نظرنا إلى المجتمعات الأوروبية والغربية، نرى أنهم قطعوا أشواطا بعيدة في هذا المجال ليس بالشعر والكلمة فقط وإنما بالصوت والصورة المجسمة التي تشبع نهم الأطفال وتثري خيالهم.
* كيف تقيم مهرجان الشعر لدول الخليج العربية الذي شاركت فيه..؟
- مهرجان الشعر لدول الخليج العربية الذي عقد مؤخرا في مدينة الطائف هو تظاهرة أدبية تستحق الوقوف عندها والدعوة إلى تكرارها في دول الخليج حيث إنها متنفس لشعراء الخليج والجزيرة العربية واحتكاك أدبي بين شرق المنطقة وغربها وشمالها وجنوبها وتناغم بين بيئاتِها يرقى بشعرائها إلى العالمية، فلقد كان لمشاركتي أثر كبير في نفسي خاصة أنه أقيم في مدينة الطائف، والتي قلت فيها في قصيدتي التي ألقيتها في افتتاح مهرجان الشعر:
زَها بِكِ الطّودُ وازدانَتْ بِكِ القِمَمُ..
وجادَكِ الغَيثُ قَد فاضَتْ بِهِ الدّيَمُ..
بنتَ الشّمُوخِ زَكَتْ أرضُ الشّفا عَبَقَتْ..
بضَوعِ عِطرِكِ والوديانُ والأُكُمُ..
تَشَرّبَتْ بِهواكِ العَذبِ أَفئِدَة..
فأصبَحَتْ بِلَهِيبِ الشّوقِ تَضطَرِمُ..
لقد مثّل الملتقى تظاهرة ثقافية جمعت بعض شعراء دول مجلس التعاون الخليجي، بجانب أنه أتاح الفرصة للاطلاع على تجارب بعضهم البعض الشعرية ما من شأنه تعزيز التواصل بين الشعراء من جانب والرواد والشباب منهم من جانب آخر.



جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
TT

جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب تسلّم جوائزها للفائزين وتطلق دورة عمانية

الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)
الفائزون بجائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب في صورة جماعية مع راعي الحفل (العمانية)

أعلنت جائزة السُّلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب، عن إطلاق الدورة الثالثة عشرة للجائزة، المخصصة للعمانيين فقط، وتشمل فرع الثقافة (في مجال دراسات الأسرة والطفولة في سلطنة عُمان)، وفي فرع الفنون (في مجال الخط العربي)، وفي فرع الآداب في مجال (القصة القصيرة).

وجاء الإعلان في ختام حفل توزيع جوائز الدورة الـ12 للجائزة، الذي أقيم مساء الأربعاء بنادي الواحات بمحافظة مسقط، برعاية الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة، بتكليفٍ سامٍ من السُّلطان هيثم بن طارق.

وتمّ تسليم الجوائز للفائزين الثلاثة في مسابقة الدورة الثانية عشرة، حيث تسلّمت «مؤسسة منتدى أصيلة» في المغرب، عن مجال المؤسسات الثقافية الخاصة (فرع الثقافة)، وعصام محمد سيد درويش (من مصر) عن مجال النحت (فرع الفنون)، والكاتبة اللبنانية، حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب).

واشتمل الحفل على كلمة لمركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم ألقاها حبيب بن محمد الريامي رئيس المركز، استعرض فيها دور الجائزة وأهميتها، مؤكداً على أن الاحتفال اليوم يترجم استحقاق المجيدين للثناء، ليكونوا نماذج يُحتذى بها في الجد والعطاء.

حبيب بن محمد الريامي رئيس مركز السُّلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم (العمانية)

وأشار إلى أن المدى المكاني الذي وصلت إليه الجائزة اليوم، والاتساع المستمر للحيز الجغرافي الذي يشارك منه المبدعون العرب على مدار دوراتها، يأتيان نتيجة السمعة الطيبة التي حققتها، واتساع الرؤى المعوّل عليها في مستقبلها، إلى جانب الحرص المتواصل على اختيار لجان الفرز الأولي والتحكيم النهائي من القامات الأكاديمية والفنية والأدبية المتخصصة، في المجالات المحددة للتنافس في كل دورة، ووفق أسس ومعايير رفيعة تكفل إقرار أسماء وأعمال مرموقة تليق بنيل الجائزة.

كما تضمن الحفل أيضاً عرض فيلم مرئي تناول مسيرة الجائزة في دورتها الثانية عشرة وآلية عمل اللجان، إضافة إلى فقرة فنية قدمها مركز عُمان للموسيقى.

يذكر أن الجائزة تأتي تكريماً للمثقفين والفنانين والأدباء على إسهاماتهم الحضارية في تجديد الفكر والارتقاء بالوجدان الإنساني، والتأكيد على الإسهام العماني، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً في رفد الحضارة الإنسانية بالمنجزات المادية والفكرية والمعرفية.

الدّكتور محمد بن سعيد المعمري وزير الأوقاف والشؤون الدينيّة العماني يكرم ابنة الفائزة حكمت الصبّاغ المعروفة بيمنى العيد عن مجال السيرة الذاتية (فرع الآداب) (العمانية).

وتُمنح الجائزة بالتناوب بشكلٍ دوري بحيث تخصّص في عام للعُمانيين فقط، وفي العام الذي يليه تكون للعرب عموماً، ويمنح كل فائز في الدورة العربية للجائزة وسام السُّلطان قابوس للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره مائة ألف ريال عُماني (260 ألف دولار)، أما في الدورة العُمانية فيمنح كُل فائز بالجائزة وسام الاستحقاق للثقافة والعلوم والفنون والآداب، ومبلغاً ماليّاً قدره خمسون ألف ريال عُماني (130 ألف دولار).

وأنشئت الجائزة بمرسوم سلطاني، في 27 فبراير (شباط) 2011، اهتماماً بالإنجاز الفكري والمعرفي وتأكيداً على الدور التاريخي لسلطنة عُمان في ترسيخ الوعي الثقافي، ودعماً للمثقفين والفنانين والأدباء خصوصاً، ولمجالات الثقافة والفنون والآداب عموماً، لكونها سبيلاً لتعزيز التقدم الحضاري الإنساني.


إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم
TT

إرفين ومارلين يالوم في رقصة الحياة الأخيرة

مارلين يالوم
مارلين يالوم

قد تكون العلاقة العاطفية التي جمعت بين كلّ من الكاتب والمعالج النفسي الأميركي إرفين يالوم، ومواطنته مارلين كونيك، الباحثة في شؤون الأدب المقارن والمرأة والحب، واحدة من أنجح العلاقات التي جمعت بين باحثين كبيرين في القرن المنصرم، وبداية القرن الحالي. على أن ثبات العلاقة بين الطرفين في وجه الزمن لم يكن ليتحقق لولا تصميمهما الراسخ على تخليص ارتباطهما الزوجي من طابعه النمطي الرتيب، وجعله مساحة للصداقة والتكامل الفكري وتشاطر النجاحات والخيبات.

الأرجح أن العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن المنصرم، واللذين جمعهما الحب في سن مبكرة، يتمثل في دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه ومشروعه الفكري والإبداعي. ففي حين عملت مارلين في جامعة ستانفورد الأميركية، باحثةً في شؤون المرأة والحب وتاريخ النساء والأدب المقارن، عمل إرفين في الجامعة نفسها، منصرفاً إلى التعليم والطب النفسي والكتابة الروائية. والأهم في كل ذلك أن أحدهما لم ينظر إلى الآخر بوصفه خصماً أو منافساً ينبغي تجاوزه، بل بوصفه شريكاً عاطفياً وإبداعياً، ومحفزاً على المزيد من التنقيب المعرفي والإيغال في طلب الحقيقة.

إرفين يالوم

وإذا لم يكن بالمستطاع التوقف المتأني عند أعمال مارلين المهمة، وبينها «شقيقات الدم» و«تاريخ الزوجة » و«ميلاد ملكة الشطرنج»، فلا بد من الإشارة إلى أن هذه الأعمال قد لاقت رواجاً واسعاً في أربع رياح الأرض، وتمت ترجمتها إلى أكثر من 20 لغة عالمية، فيما نال كتابها الشيق «كيف ابتكر الفرنسيون الحب» جائزة المكتبة الأميركية في فرنسا.

أما كتاب مارلين المميز «القلب العاشق»، فهو واحد من أفضل الكتب التي تصدت لموضوع القلب، سواء من حيث كون هذا الأخير عاصمة الجسد ومركزه ومنظم شؤونه، أو من حيث اعتباره عبر التاريخ منزل الحب ومقر الروح، والدريئة التي يسدد إليها كيوبيد سهام الحب، وفق الأسطورة اليونانية. ولأنه كذلك فقد تم تكريس دوره العاطفي المركزي في مختلف الأديان والفلسفات والمجتمعات، واحتفى به الشعراء والفنانون، وبات الشفرة الموحدة لعيد العشاق وهدايا المحبين. وفيما حرص إرفين من جهته على استثمار شغفه بالطب النفسي في الانغماس بالكتابة الروائية، فقد آثر عدم الابتعاد عن دائرة اختصاصه، ليصدر أعمالاً عميقة وفريدة في بابها، من مثل «علاج شوبنهاور» و«مشكلة سبينوزا»، ولينال جوائز عدة أهمها «جائزة سيغموند فرويد للعلاج النفسي».

وإذا كانت رواية إرفين المميزة «حين بكى نيتشه» قد حققت قدراً عالياً من الذيوع والانتشار، فليس فقط لأن مؤلفها تصدى لأحد أبرز فلاسفة الغرب النابغين بالقراءة والتحليل، بل لأن ذلك العمل دار على محورين بالغي الأهمية، محور العلاقة العاطفية الأحادية واليائسة التي جمعت بين نيتشه والكاتبة الروسية الجميلة على ذكاء مفرط لو سالومي من جهة، ومحور اللقاء الافتراضي بين صاحب «غسق الأوثان»، الغارق في تصدعه النفسي وآلامه الجسدية ويأسه الانتحاري، والطبيب النفسي اللامع جوزف بروير من جهة أخرى. وإذ عثر عالم النفس الشهير في مريضه الاستثنائي على واحد من أبرز فلاسفة الغرب وأكثرهم فرادة وجرأة، فقد عرض عليه صفقة رابحة للطرفين، تقضي بأن يعمل الطبيب على شفاء الفيلسوف من آلام الجسد، فيما يعمل الفيلسوف على شفاء الطبيب من آلام الروح.

وفي كتابه «التحديق في الشمس» الذي يستهله بمقولة دو لاروشفوكو حول تعذر التحديق في كلٍّ من الشمس والموت، يقدم إرفين لقرائه كل الحجج والبراهين التي يمكنهم من خلالها تجاوز مقولة الفيلسوف الفرنسي، والتغلب على رعبهم من الموت بوسائل عديدة ناجعة. وفي طليعة هذه الحجج تأتي حجة أبيقور ذات المنطق المحكم، ومفادها أن خوفنا من الموت لا معنى له، لأننا لا نوجد معه في أي زمان أو مكان، فحيث نكون لا يكون الموت، وحيث يكون الموت لا نكون نحن.

ويطرح يالوم في السياق نفسه فكرة الموت في الوقت المناسب، وعيش الحياة بالكامل، بحيث «لا نترك للموت شيئاً سوى قلعة محترقة»، كما فعل زوربا اليوناني. وإذ يذكّرنا المؤلف بقول هايدغر «إن الموت الحقيقي هو استحالة وجود احتمالية أخرى» يدعونا في الوقت نفسه إلى فتح أبواب الحياة أمام ضروب كثيرة من احتمالات العيش وخياراته، وعدم حصر الحياة في احتمال واحد. كما يخصص إرفين الجزء الثاني من كتابه للحديث عن الجهود الشاقة التي بذلها في مساعدة مرضاه، بخاصة أولئك الذين طعنوا في المرض والعمر، على التخلص من رهاب الموت وفكرة العدم، مشيراً إلى أنه حقق نجاحات ملموسة في بعض الأحيان، وأخفق في أحيان أخرى.

العامل الحاسم في نجاح العلاقة بين الطرفين المولودين في مطلع ثلاثينات القرن الماضي دعم كل منهما للآخر في تحقيق طموحاته وأهدافه

إلا أن إصابة مارلين بسرطان نقي العظم بدت بمثابة الحدث الزلزالي الذي كان إرفين يظن نفسه بمنأى عنه، كما هو حال البشر جميعاً، حتى إذا وقع في بيته وإلى جواره، بدت المسافة بعيدة بين النظرية والتطبيق، وأوشك بناؤه البحثي على التهاوي. وفي أوج الوضع الحرج للطرفين، اقترحت مارلين على زوجها، وبضربة ذكاء حاذقة، أن يقوما بمراوغة الكوابيس السوداء للمرض، من خلال القيام بوضع عمل سردي مشترك، يعرضان فيه ليوميات المواجهة الضارية مع السرطان، فيما يتكفل العمل من ناحية أخرى بحفظ اسميهما وتجربتهما العاطفية المشرقة في ذاكرة الأجيال.

وإذا كانت أهمية الكتاب المذكور الذي وضعا له عنوان «مسألة موت وحياة»، قد تجسدت في ما أثاره الزوجان من أسئلة وهواجس متصلة بقضايا الحب والصداقة والحياة والمرض والموت، وصولاً إلى معنى الوجود على الأرض، فإن المفارقة الأكثر لفتاً للنظر في الكتاب، لا تتمثل في تناوبهما الدوري على إنجاز فصوله فحسب، بل في الطريقة الهادئة والعقلانية التي تقبّلت بها الزوجة المريضة فكرة الموت، مقابل حالة الهلع والإنكار التي بدت على إرفين، وهو الذي طالما نصح مرضاه بأن يتقبلوا الزائر الثقيل بروح رياضية وتفكير رصين.

وفيما يتابع الزوجان في الكتاب ما تكابده مارلين من آلام، وما يطرأ على وضعها من تغيرات، يعمدان في بعض الأحيان إلى الهروب مما يحدث على أرض الواقع، عبر نقل المشكلة إلى إطار آخر يتعلق بمشكلات نظرية شائكة، أو الانكفاء باتجاه الماضي بحثاً عن الأطياف الوردية لسنوات زواجهما الأولى. كما يتبدل عصب السرد وأسلوبه تبعاً لحالة الزوجة، التي تقع فريسة القنوط القاتم في بعض الأحيان، فيما تحاول تجاوز محنتها أحياناً أخرى، عبر اللجوء إلى الدعابة السوداء والسخرية المُرة، فتكتب ما حرفيته «إننا نشكل زوجاً جيداً، فأنا مصابة بالسرطان النقوي، وهو يعاني من مشكلات في القلب واضطراب التوازن. فنحن عجوزان في رقصة الحياة الأخيرة».

أما المفارقة اللافتة في الكتاب، فلا تتمثل في سعي الزوجة المتألمة إلى إنهاء حياتها بواسطة ما يعرف بالموت الرحيم، أو بمكاشفة إرفين لمارلين برغبته في إنهاء حياته معها، وهو المصاب ببعض أعراض النسيان وبمرض في القلب، بل في رد مارلين المفعم بالدعابة والتورية اللماحة، بأنها «لم تسمع في كل أنحاء أميركا عن تابوت تقاسمه شخصان اثنان». والأرجح أن الزوجة المحتضرة، التي ما لبثت أن رحلت عن هذا العالم عام 2019، كانت تهدف من خلال إجابتها تلك لأن توصل لزوجها الخائف على مصيره رسالة مبطنة مفادها أنه لن يلبث أن يفعل إثر رحيلها ما يفعله الرجال في العادة، وهو الارتباط بامرأة أخرى تخفف عنه أثقال الوحشة والعجز والتقدم في السن. ومع أن الزوج الثاكل قد برر تراجعه عن فكرة الانتحار، برغبته في عدم خذلان مرضاه أو خيانة مسيرته المهنية، فإن لجوءه بعد رحيل زوجته إلى الزواج من الطبيبة النفسية ساكينو ستيرنبرغ، وهو في الثالثة والتسعين من عمره، كان سيقابل من قبل مارلين، لو قُدِّر لها أن تعلم، بأكثر ابتسامات النساء اتصالاً بالحيرة والإشفاق والدهشة الساخرة.


«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني
TT

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

«البيرق.. هبوب الريح»... اشتباك مع الموروث الشفاهي العماني

تستحضر الكاتبة العمانية شريفة التوبي في روايتها «البيرق... هبوب الريح»، التي وصلت مؤخراً إلى القائمة الطويلة لجائزة بوكر العربية 2026، التاريخ بوصفه عنصراً رئيساً في مجمل أعمالها، مستلهمة الكثير من الحكايات التراثيّة، وقد أُعيد تشكيلها وبثّ الروح فيها من جديد.

تسبر التّوبي، في روايتها الجديدة، وهي خاتمة ثلاثية بعنوان البيرق، أغوار السّرد الشفاهي العُمانيّ، وتبحث في دهاليزه وعوالمه عن حكايات تتواءم مع الأفكار التي تريد مشاركتها مع القارئ، مقدمة نموذجاً في اشتباك الروائي المعاصر مع التاريخ والموروث الشفاهي.

في هذه الرواية التي صدرت هذا العام عن «الآن ناشرون وموزعون»، في عمّان، وجاءت في نحو 600 صفحة، بغلاف من تصميم الفنانة العُمانية بدور الريامي، تعود التّوبي إلى تلك الحكايات التي كان يرويها جدّها عن ذلك التاريخ القديم لعُمان.

تصوّر الروائيّة في الجزء الأول مقاومةَ سكّان حارة الوادي للوجود البريطاني الذي كان يفرض سيطرته على البلاد، في خمسينات القرن الماضي، ومناصرتَهم لحكم الإمام، في صراع غير متكافئ، تمخّضت عنه معاناة قاسية لأهل الوادي. ولأن هذه الحكاية لم تُذكر في كتب التاريخ، فقد نسجت الروائيّةُ خيوطها، وقدّمت أبطالها برؤية سردية أضاءت المناطق المعتمة في الحكاية، مازجةً الواقع بالخيال الفنيّ فقدمت وصفاً لطبيعة الحياة الشعبية وتفاصيل العلاقات الاجتماعية بين الناس.

وتتناول التّوبي في الجزء الثاني أحداث الفترة التي سمَّاها المؤرخون «حرب الجبل»، التي دارت في المرحلة الزمنية «1956- 1959». إذ تقوم حبكة هذا الجزء على وقع الحرب التي دارت رحاها في خمسينات القرن العشرين وستيناته، بكل ما دفعه البسطاء من ثمن وتضحية.

وتستكمل التّوبي في الجزء الثالث «هبوب الرِّيح» أحداثَ هذا المسار التاريخي الذي شهد ولادة مقاومة وطنية ذاتِ توجهات ثورية (قومية وماركسية)، وهي مواجهة انتهت أيضاً إلى الهزيمة والنكوص لأسباب تتعلّق باختلال موازين القوى بين الطرفين. فقد بدت الحركة الوطنية وكأنها تحمل مزيجاً آيديولوجيّاً أُملِيَ من الخارج، ولم تنتجه خصوصية الواقع الاجتماعي والثقافي العماني.

تعتني التّوبي في روايتها الجديدة بالجانب الاجتماعي، بالمرأة، بالعائلة، بزوجة السجين أو المناضل وأمه، في النصف الثاني من عمر القرن الماضي، وقد سلّطت الضوء على المشاعر الداخلية التي يعيشها ذلك الإنسان الفقير الذي تغرّب في بقاع الأرض، باحثاً عن لقمة العيش وعن التعليم، وتفاجأ أن الحياة خارج الحدود لا تشبه داخل الحدود.

تحكي الرواية عن ذلك الإنسان الحالم بالتغيير في مرحلة زمنية كانت تعج بالأفكار الثورية التي سيطرت على مختلف أنحاء العالم، في مرحلة صعبة عاشها مجتمعنا العُماني، مرحلة لاقى فيها الفكر الشيوعي لدى الشباب العربي والخليجي قبولاً في تلك الفترة، وكان من السهل انسياق هؤلاء الشباب المغتربين لهذه الأفكار الجديدة.

وترصد الرواية الأسباب التي دفعت ثلّةً من الشباب للانضمام إلى «الفكر الجديد»، والتي كانت نابعة من حلمهم بالتغيير، فضلاً عن أن لكلٍّ منهم أسبابه الخاصة به. كما أوجدت الكاتبة في هذا الجزء شخصيات جديدة؛ مثل: «أحمد سهيل»، و«عبد السلام»، و«أبو سعاد»، و«باسمة»، و«طفول» الثائرة في وجه العادات والتقاليد والأعراف والرافضة للاستغلال والتهميش.

ويجد المتلقي نفسه يخوض في «هبوب الريح» تفاصيل الأحداث المفصلية كما خاضها الأبطال مع مجتمعهم وعائلاتهم وأنفسهم، وسيعيش أحداث تلك المرحلة من تاريخ عُمان، وسيعثر على إجابات لأسئلة حول مصائر الشخصيات التي التقاها في الجزأين، الأول (حارة الوادي)، والثاني (سراة الجبل).