«قوى الحرية والتغيير»... من قيادة الثورة إلى تشكيل الحكومة

جانب من المؤتمر الصحافي لـ«قوى الحرية والتغيير» أمس (إ.ب.أ)
جانب من المؤتمر الصحافي لـ«قوى الحرية والتغيير» أمس (إ.ب.أ)
TT

«قوى الحرية والتغيير»... من قيادة الثورة إلى تشكيل الحكومة

جانب من المؤتمر الصحافي لـ«قوى الحرية والتغيير» أمس (إ.ب.أ)
جانب من المؤتمر الصحافي لـ«قوى الحرية والتغيير» أمس (إ.ب.أ)

سبق الحراك الشعبي، المناوئ لنظام الرئيس المعزول عمر البشير، الأحزاب السياسية التي اضطرت إلى لملمة صفوفها للحاق بساحات الاحتجاجات ثم تنظيمها وقيادتها، فولد من لهث المحتجين والمتظاهرين ودخان الغاز المسيل للدموع والرصاص الحي تحالف سياسي كبير أطلق على نفسه اسم (قوى إعلان الحرية والتغيير)، وهو تحالف يسعى إلى تنفيذ برنامج سياسي هدفه الأول إسقاط نظام البشير عبر العمل السلمي المدني. وبقراءة لتاريخ التحالفات في السودان، فإن تحالف قوى إعلان الحرية والتغيير، يعد التحالف الأكبر في تاريخ البلاد، ويضم طيفاً واسعاً من الأحزاب السياسية والتنظيمات المدنية، يمتد من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وما بينهما.
اندلعت الاحتجاجات الشعبية الغاضبة في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، في عدد من ولايات السودان بفعل أزمة معيشية خانقة، وكان متوقعاً من قبل البشير والإسلاميين قمعها في مهدها، لكن ردة الفعل الشعبية على أحداث القتل والتعذيب والاعتقالات زادت مع حدة الغضب الشعبي، ما أدى إلى استمرار الاحتجاجات واتساع مساحتها الأفقية والرأسية، وانتقلت من مدينة إلى أخرى، وزادت حدتها. انتقلت الاحتجاجات من المدن الولائية إلى العاصمة الخرطوم في 25 من الشهر ذاته بدعوة من «تجمع المهنيين السودانيين»، الوافد الجديد على الساحة السياسية، والمكون من لجان مهنية ونقابية تضم الأطباء والصيادلة والمهندسين والقانونين والمعلمين والصحافيين.
قاد تجمع المهنيين الاحتجاجات وفقاً لجدولة تعلن على مواقع التواصل الاجتماعي، ولقيت استجابة واسعة من المواطنين، كان شعارها إسقاط نظام البشير عبر ثورة شعبية سلمية، كرسته رمزاً وقائداً يلقى تأييد الشباب والشابات في كل أنحاء البلاد.
في أواخر أيام عام 2018 التأمت أحزاب سياسية معارضة وتنظيمات مدنية مع تجمع المهنيين السودانيين، ووقعوا على «إعلان الحرية والتغيير»، وتلا بنود الإعلان عضو سكرتارية المهنيين، الطبيب محمد ناجي الأصم، على الشعب السوداني عبر بث مباشر على موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك»، ودعا إلى إسقاط نظام الرئيس عمر البشير، ويحدد ملامح مرحلة ما بعد إسقاطه. ويعد تجمع المهنيين، والتجمع الاتحادي المعارض، وقوى الإجماع الوطني، هم أوائل الموقعين على الإعلان، ثم لحق بهم تحالف «نداء السودان» وتجمع منظمات المجتمع المدني. وتتكون كل كتلة من عدد من الأحزاب والتنظيمات، ومن أبرز الأحزاب المكونة لكتلة «نداء السودان» حزب الأمة بقيادة الصادق المهدي، وحزب المؤتمر السوداني، وتحالف الجبهة الثورية، الذي يضم إلى جانب الأحزاب السياسية الحركات المسلحة المنضوية تحت لواء «الجبهة الثورية» وهي حركات «الشعبية لتحرير السودان بقيادة مالك عقار، وتحرير السودان بقيادة مني أركو مناوي، والعدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم».
بينما يضم تحالف «الإجماع الوطني» كلا من الحزب الشيوعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي، والتجمع الاتحادي المعارض، والحزب الناصري، وحزب البعث القومي، وهي أحزاب يسارية التوجهات. ويمثل «تجمع المهنيين»، التكوين الثالث للتحالف، إضافة إلى عدد آخر من التنظيمات المطلبية والجهوية والمبادرات، لتبلغ عضوية التحالف أكثر من 80 حزباً وحركة وتنظيماً مهنياً. في مطلع يناير (كانون الثاني) 2019، توافقت مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، على تكوين «تنسيقية عليا» لقيادة الاحتجاجات في البلاد، وهي أعلى هيئة قيادية، وضمت ممثلين لكل من الكتل الموقعة على الميثاق، فضلاً عن تمثيل القوى المدنية، وانحصرت مهامها في توجيه المواكب الاحتجاجية والتنسيق بين الكتل المكونة للتحالف.
قاد هذا التحالف الاحتجاجات مستخدماً وسائط التواصل الاجتماعي، إلى أن توجها باعتصام 6 أبريل (نيسان) الماضي، أمام مقر القيادة العامة للجيش، وهو ما مهد لإسقاط حكم البشير وعزله من السلطة في 11 أبريل 2019، بعد عزل البشير وانحياز قادة الجيش إلى المحتجين، وتحولت لجنة الاتصال داخل التنسيقية إلى وفد للتفاوض مع المجلس العسكري، الذي تسلم السلطة بعد سقوط النظام، بهدف نقلها إلى المدنيين، وفق ما أعلن.
ولا يتضمن الطيف الواسع المكون لـ«قوى الحرية والتغيير» كلاً من الحركة الشعبية لتحرير السودان جناح عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد النور، ولم توقعا ميثاقه، بيد أنهما أعلنا دعمهما للثورة.
ورغم التباينات الكبيرة بين مكونات قوى الحرية والتغيير، فإنها حافظت على وحدتها حتى نجحت في توقيع اتفاقية تكوين هياكل السلطة الانتقالية.
بعد خلافات وشد وجذب استمرت لأشهر بين كتل قوى الحرية والتغيير حول أداء التنسيقية ومهامها، تم الاتفاق على تكوين هيكل قيادي موحد ليصبح المرجعية الأولى في كل القرارات، وتحولت بموجبه التنسيقية إلى جهاز تنفيذي فقط.
وظلت قوى إعلان الحرية والتغيير تقود المواكب والاحتجاجات والاعتصامات والإضرابات، حتى بعد سقوط نظام البشير بهدف الضغط على المجلس العسكري الانتقالي لتسليم السلطة للمدنيين. وواصل الطرفان التفاوض طوال الأشهر التي تلت سقوط البشير، وتراوحت بين التعثر والتلكؤ والاتهامات المتبادلة حتى وصل الطرفان إلى اتفاق نهائي مساء الجمعة 2 أغسطس (آب) الحالي، وبمقتضاه تقرر إسناد تكوين الحكومة الجديدة لقوى الحرية والتغيير، وحصولها على نسبة 67 في المائة من عضوية المجلس التشريعي الانتقالي، بما يضمن لها أغلبية «الثلثين»، وبتوقيع الاتفاق، ينتظر أن ينتقل التحالف إلى مرحلة جديدة يرسم سياستها وبرامجها، ويدير الدولة حتى موعد قيام الانتخابات بعد نهاية المرحلة الانتقالية.



إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
TT

إرغام تربويين في صنعاء على تلقي برامج تعبئة طائفية

مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)
مسؤولون تربويون في صنعاء يخضعون لتعبئة حوثية (إعلام حوثي)

أوقفت الجماعة الحوثية عشرات القادة والمسؤولين التربويين في العاصمة المختطفة صنعاء عن العمل، وأحالتهم إلى المحاسبة تمهيداً لفصلهم من وظائفهم، بعد أن وجّهت إليهم تهماً برفض حضور ما تُسمى «برامج تدريبية» تُقيمها حالياً في صنعاء وتركّز على الاستماع إلى سلسلة محاضرات لزعيمها عبد الملك الحوثي.

وفي سياق سعي الجماعة لتعطيل ما تبقى من مؤسسات الدولة تحت سيطرتها، تحدّثت مصادر تربوية في صنعاء لـ«الشرق الأوسط»، عن إرغام الجماعة أكثر من 50 مسؤولاً وقيادياً تربوياً يشملون وكلاء قطاعات ومديري عموم في وزارة التعليم الحوثية على الخضوع لبرامج تعبوية تستمر 12 يوماً.

ملايين الأطفال في مناطق سيطرة الحوثيين عُرضة لغسل الأدمغة (رويترز)

وبموجب التعليمات، ألزمت الجماعة القادة التربويين بحضور البرنامج، في حين اتخذت إجراءات عقابية ضد المتغيبين، وكذا المنسحبون من البرنامج بعد انتهاء يومه الأول، لعدم قناعتهم بما يتمّ بثّه من برامج وأفكار طائفية.

وكشفت المصادر عن إحالة الجماعة 12 مديراً عاماً ووكيل قطاع تربوي في صنعاء ومدن أخرى إلى التحقيق، قبل أن تتخذ قراراً بإيقافهم عن العمل، بحجة تخلفهم عن المشاركة في برنامجها التعبوي.

وجاء هذا الاستهداف تنفيذاً لتعليمات صادرة من زعيم الجماعة وبناء على مخرجات اجتماع ترأسه حسن الصعدي المعيّن وزيراً للتربية والتعليم والبحث العلمي بحكومة الانقلاب، وخرج بتوصيات تحض على إخضاع التربويين لبرامج تحت اسم «تدريبية» على ثلاث مراحل، تبدأ بالتعبئة الفكرية وتنتهي بالالتحاق بدورات عسكرية.

توسيع التطييف

تبرّر الجماعة الحوثية إجراءاتها بأنها رد على عدم استجابة التربويين للتعليمات، ومخالفتهم الصريحة لما تُسمّى مدونة «السلوك الوظيفي» التي فرضتها سابقاً على جميع المؤسسات تحت سيطرتها، وأرغمت الموظفين تحت الضغط والتهديد على التوقيع عليها.

وأثار السلوك الحوثي موجة غضب في أوساط القادة والعاملين التربويين في صنعاء، ووصف عدد منهم في حديثهم لـ«الشرق الأوسط»، ذلك التوجه بأنه «يندرج في إطار توسيع الجماعة من نشاطاتها الطائفية بصورة غير مسبوقة، ضمن مساعيها الرامية إلى تطييف ما تبقى من فئات المجتمع بمن فيهم العاملون في قطاع التعليم».

عناصر حوثيون يرددون هتافات الجماعة خلال تجمع في صنعاء (إ.ب.أ)

واشتكى تربويون في صنعاء، شاركوا مكرهين في البرامج الحوثية، من إلزامهم يومياً منذ انطلاق البرنامج بمرحلته الأولى، بالحضور للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة، وتلقي دروس طائفية تحت إشراف معممين جرى استقدام بعضهم من صعدة حيث المعقل الرئيس للجماعة.

ويأتي تحرك الجماعة الحوثية لتعبئة ما تبقى من منتسبي قطاع التعليم فكرياً وعسكرياً، في وقت يتواصل فيه منذ سنوات حرمان عشرات الآلاف من المعلمين من الحصول على مرتباتهم، بحجة عدم توفر الإيرادات.

ويتحدث ماجد -وهو اسم مستعار لمسؤول تعليمي في صنعاء- لـ«الشرق الأوسط»، عن تعرضه وزملائه لضغوط كبيرة من قبل مشرفين حوثيين لإجبارهم بالقوة على المشاركة ضمن ما يسمونه «برنامجاً تدريبياً لمحاضرات زعيم الجماعة من دروس عهد الإمام علي عليه السلام لمالك الأشتر».

وأوضح المسؤول أن مصير الرافضين الانخراط في ذلك البرنامج هو التوقيف عن العمل والإحالة إلى التحقيق وربما الفصل الوظيفي والإيداع في السجون.

يُشار إلى أن الجماعة الانقلابية تركز جُل اهتمامها على الجانب التعبوي، عوضاً الجانب التعليمي وسط ما يعانيه قطاع التعليم العمومي من حالة انهيار وتدهور غير مسبوقة.