قد لا يخشى اللاجئ السوري الذي قدم منذ فترة إلى فرنسا من مشكلة ترحيله من بلد وجهته الأخيرة، وخاصة من هم تحت الحماية، والذين يدفعون 269 يورو سنويا ثمن تجديد إقاماتهم. لكن ما يخشاه هو مشكلة البحث عن عمل على الأراضي الفرنسية، بعدما أمضى سنواته الأولى في تأمين بطاقة الإقامة وتأمينه الصحي وغيرها من الأوراق التي لا تعد ولا تحصى بدءاً من الإقامة المؤقتة وصولاً إلى دفتر فرنسي للعائلة.
وفي الوقت الذي لا يخفى فيه لطف معظم الفرنسيين الظاهر على العيان بشكل مناسب بابتسامة خفيفة في جميع المؤسسات التي قد يدخلها اللاجئ، فإن الأمر لا يتعدى فقط الأمور القانونية والحقوقية المتمثلة بحصوله على حقه كلاجئ سياسي أو لاجئ تحت الحماية. فالأشياء التي تتكشف بعد مرور سنوات كثيرة تدخله مرحلة من الضياع المتأتية من أسباب كثيرة.
اللاجئ بعد حصوله على أوراقه، وانتهاء ساعات دراسته اللغة الفرنسية، يبدأ رحلة صعبة في البحث عن عمل مناسب وهنا المعضلة. فما تعلمه أثناء تواصله مع الفرنسيين أن أفضل طريقة للاندماج في المجتمع الجديد، هو الحصول على فرصة عمل بعد إتقان اللغة بشكل جيد نسبياً، أو أن يجد مكاناً يمكن أن يناسبه في مجتمع سبق أن تعود على استقبال عدد لا بأس به من المهاجرين أو نسبة لا بأس بها من عرب «المغرب العربي» بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.
وهنا تبدأ مرحلة بحث اللاجئ السوري في مجال الزراعة التي كان قد ألفها في قريته أو مدينته، لكن تكمن مشكلة. يقول السيد سلام مصطفى الذي قدم هو وعائلته منذ أشهر قليلة لـ«الشرق الأوسط»: «معظم العرب المغاربة يستأجرون سنوياً أرضاً صغيرة لزراعة ما يرونه ملائماً حسب المواسم، فترى زراعة الخضار والفواكه المختلفة، لكن هذا الأمر صعب على من لم يعهد الزراعة في حياته، ولم يمارسها يوماً، فهي بحاجة لقوة عضلية متوسطة، ولعدد من العمليات المتتالية. وهذا الأمر يستصعبه كثير من السوريين الذين اعتادوا إما التوظيف كموظفين في مؤسسات عامة أو العمل الحر، وقد يصطدم اللاجئ بعنصرية بعض الفرنسيين ممن رأوا باللاجئ شخصا أتى لسرقة مال دافع الضرائب الفرنسي».
أما السيدة أم حبيب المقيمة في مدينة ليموج، فتؤكد أن «العائلة بمن فيها أتت إلى فرنسا لتعليم أطفالها كما يجب، ولتسيير أمورها الحياتية، وإلا لكانت بقيت جميعها بمدينة إسطنبول». وتوضح لـ«الشرق الأوسط» أن بقاء اللاجئ الشاب لمدة طويلة قد تبلغ سنوات دون أي عمل أو نشاط حياتي يمارسه يجعل المشاكل والمصائب تنشب بين أفراد العائلة الواحدة، وخاصة بين الرجل وزوجته، الأمر الذي خلق كثيرا من مشاكل الطلاق، وإرهاصات الهجر، ما أوقع الأولاد بين خيار العيش مع الأب أو الأم وهذا ما تحدده عادة المحكمة الفرنسية، حسب رؤية القضاة وما يمليه القانون الفرنسي.
الشاب المراهق علي سرور يروي لـ«الشرق الأوسط» حالة الصدمة التي أصابته لدى وصوله لفرنسا مع أهله واستقبالهم بمدينة صغيرة جدا. يقول: «بدأت بالبكاء يومياً وبلوم أهلي، رغم أن المنظمة التي تستقبل اللاجئين أشركتنا في كثير من النشاطات الرياضية والحفلات وغيرها. لكن اللاجئ منذ وصوله يرى أنه في بلد مختلف تماماً عن البلاد العربية، بأخلاقه وعاداته وحتى قوانينه. ويبدأ أي مراهق مهما كان عمره بالتفكير بمستقبله الدراسي، حتى إنه يبدأ بالتفكير إن كان سيتزوج في هذه البلاد أم لا. وقد يسأل نفسه: من سيتزوج في هذه البلاد الباردة؟ علما بأن الحياة هنا مملة جداً، ومحصورة بعدد قليل جداً من الأصدقاء».
الشابة سليمة عرنوس، تؤكد أن «الحياة في بلاد جديدة أمر صعب للغاية، لكن على اللاجئين أن يعتادوا العيش بالبحث عن أصدقاء وعن عمل مناسب، يحمي اللاجئ من إرهاصات حياة متعبة ومملة، بعيدة تقريباً عن النشاطات الاجتماعية التي اعتادها، كزيارة الأهل، والمعايدات... وغيرها من الأمور التي اعتادها اللاجئون في بلادهم».
فرصة العمل معضلة اللاجئين السوريين في فرنسا
فرصة العمل معضلة اللاجئين السوريين في فرنسا
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة