مذيع الملوك يروي ذكريات الإعلام السعودي في كتابه الجديد

محمد أحمد الصبيحي حاور القادة والزعماء... وأسمعَ صوته «مسافري» السماء

الملك فيصل يفتتح محطة تلفزيون جدة عام 1966 وكان الصبيحي مذيع الحفل
الملك فيصل يفتتح محطة تلفزيون جدة عام 1966 وكان الصبيحي مذيع الحفل
TT

مذيع الملوك يروي ذكريات الإعلام السعودي في كتابه الجديد

الملك فيصل يفتتح محطة تلفزيون جدة عام 1966 وكان الصبيحي مذيع الحفل
الملك فيصل يفتتح محطة تلفزيون جدة عام 1966 وكان الصبيحي مذيع الحفل

يعد الإعلامي السعودي الدكتور محمد أحمد الصبيحي أحد أقدم الوجوه في الإعلام المسموع والمرئي والمقروء في بلاده السعودية. عرفه الملايين الذين يجوبون الأرض والسماء عبر المركبات والطائرات بصوته المميز الرزين وهو يردد على مسامعهم «دعاء السفر» الذي اعتمدته الخطوط السعودية قبل إقلاع رحلاتها الداخلية والخارجية، كما أدخلته بعض وكالات السيارات في أجهزة التسجيل التي يتم تركيبها في السيارات التي تباع في السوق السعودية، وساهم انطلاقاً من خبرته الإعلامية بجهد في البدايات المبكرة لتأسيس الإذاعة والمحطات التلفزيونية في بلاده والخارج، وكان قبلها مذيعا لافتا في إذاعة بلاده، قدم من خلالها برامج منوعة لقيت صدى طيبا ومتابعة من قبل المستمعين، كما صاحب ملوك الدولة السعودية في رحلاتهم ومناسباتهم المختلفة مذيعا معتمدا.
في رحلة الدكتور الصبيحي مع العمل الإعلامي السعودي، محطات ومواقف، تعد تاريخا مهما يرصد البدايات الصعبة ورحلة الكفاح لتأسيس أرضية للانطلاق في قطاع الإعلام المسموع والمرئي والمقروء، في ظل إمكانات محدودة وقبل ثورة الاتصالات التي حدثت في كل القطاعات ومنها قطاع الإعلام.
وضع الدكتور الصبيحي أطيافا من سيرته الذاتية ووقائع رحلته في الحياة وفي الإعلام، التقطها من ذاكرته، واختلط فيها (الذاتي) كسيرة إنسانية، بـ(الموضوعي) كسيرة عملية، بدءاً بميلاده بمكة المكرمة والدراسة بمراحلها الأولى، ثم الانتقال إلى جدة وتكملة الدراسة في مراحل التعليم العام، وبداية الرحلة مع الإذاعة السعودية ومرحلة الشهرة، وبعدها رحلته مع التلفزيون السعودي وتأكيد تلك الشهرة، معرجا على انتقاله إلى الولايات المتحدة الأميركية لدراسة الماجستير والدكتوراه في إحدى جامعاتها العريقة، ليعود إلى بلاده وإلى وزارة الإعلام تحديدا، والبدء بتأسيس القناة الثانية بالتلفزيون السعودي، ثم مرحلة العمل بشركة الكهرباء بجدة، ليشد الرحال إلى لندن ويعمل ملحقا إعلاميا في سفارة بلاده ببريطانيا، وتجربته الثرية في المركز الإعلامي الذي تحول إلى معلم ثقافي كبير، وصوت سعودي مسموع في العاصمة البريطانية إبان الحضور الباهر للسفير السعودي هناك الدكتور غازي القصيبي، متذكرا مساهمته الأولى في إنشاء قناة ال(MBC)، ثم عودته إلى حضن الوطن وتوليه مسؤولية اتحاد الإذاعات الإسلامية كأمين عام لها لعدة سنوات، ثم مستشارا لهذا الاتحاد.
في كتابه الذي صدر مؤخرا «رحلة الأيام وذكريات في الإعلام» يتذكر الصبيحي أول تجربة إذاعية له، وهي تجربة لا تنسى ولم تعبر الذاكرة، فبعد أن تم تكليفه بتغطية وصول الملك سعود - ثاني ملوك الدولة السعودية الحديثة - من الرياض إلى جدة، حيث هيأ نفسه لهذه المهمة، واتجه إلى المطار في وقت مبكر ومعه جهاز التسجيل، وبصحبته مهندس الصوت المختص، وعند وصول الملك سعود وتوجهه إلى مقر إقامته في جده، ركب المذيع الجديد والمهندس في إحدى سيارات الموكب، وكانت سيارات مكشوفة، واتخذ مكانا على طرف السيارة ليقوم بالوصف، وما إن بدأ الموكب الملكي بالتحرك بسرعته المطلوبة، حتى وجد المذيع نفسه على وشك السقوط خارج السيارة، فما كان من المهندس المرافق له أحمد باجابر ومعه بعض الجنود المرافقين للموكب إلا الإمساك به بسرعة وأعادوه للسيارة بعد أن كاد يسقط منها.
وسرد الدكتور محمد بن أحمد الصبيحي تجربته مع الملك فيصل عندما كان وليا للعهد ثم ملكا، حيث حضر ولي العهد حفل افتتاح مشروع مياه الكيلو 14 طريق مكة إلى موقع الحفل عصرا دون مرافقين بسيارته البيضاء يقودها سائقه عمر باجابر، وكان الحفل بسيطا، والصبيحي هو مذيع الحفل، وكان من ضمن فقرات الحفل كلمة ألقاها عزيز ضياء ركز فيها على الماء وشحه وضرورة الترشيد في استخدامه، ولمح وصرح في هذا الإطار، وكان الملك فيصل منشغلا أثناءها بالحديث مع الشيخ عثمان باعثمان المسؤول عن وقف الملك عبد العزيز لمشروع المياه، ورد الملك فيصل على ما قاله عزيز ضياء مبينا جهود الدولة في توفير المياه وما تقوم به من مشاريع عملاقة في هذا الإطار، وكان الجميع يتصور أن الملك فيصل لم يسمع جيدا كلمة المتحدث، وعندما توجه المذيع الصبيحي إلى مبنى الإذاعة ليجري المونتاج على مادة تغطية الحفل ليذيعها لاحقا، حضر ضياء وطلب إجراء بعض المونتاج على كلمته التي ألقاها أمام ولي العهد في الحفل، اعتقادا أن الكلمة أثارت غضب الملك، وتم إبلاغ المتحدث أن المادة لا يمكن منتجتها ثانية وهي تذاع الآن على الهواء، ومرت الحادثة بسلام.
واعتبر الصبيحي أن تعيين الشيخ جميل حجيلان عام 1964 وزيرا للإعلام يعد بداية التغيير في خريطة الإذاعة استفادة من توجيهات الملك فيصل بخصوص «الترفيه البريء» والتي فسرت عدة تفسيرات لكنها في النهاية تعني كل عمل فني لا يخدش الحياء ولا يتجاوز العادات والتقاليد، من خلال ذلك بدأ الهيكل العام للإذاعة ينطلق من هذا الأساس وهو ما مثّل نقلة في تاريخ الإذاعة السعودية، مبرزاً ما كانت تقدمه الإذاعة من برامج ناجحة ووجود مسرح لها، وإنشاء مجلة تصدر عنها وإقرار إنشاء فرقتها الموسيقية لمصاحبة الفنانين، إضافة إلى قيام الإذاعة بتسجيل أغان وأناشيد عن المملكة ومدنها تجاوزت الخمسين، ولعل أشهرها أغنية «سلمك الله يا أبو عبد الله» أداها الفنان اللبناني وديع الصافي.
ويعود الصبيحي بذاكرته ليتحدث عن التلفزيون وبداية أول بث له في بلاده، ملمحا إلى أنه تم افتتاح محطتي تلفزيون الرياض وجدة في اليوم والوقت نفسه وذلك في السابع من يوليو (تموز) 1965 وكان مبنى التلفزيون في كل من جدة والرياض معلما من أبرز المعالم في الدولة حيث كان يزوره ملوك ورؤساء ومسؤولو الدول أثناء زيارتهم للمملكة، وكان التلفزيون في تلك الفترة شابا يافعا نشطا، استقطب عددا من كبار المذيعين العرب من الأردن ولبنان السودان وسوريا، وتم في عام 1966 افتتاح مبنى الإذاعة والتلفزيون وتم تصميمه على نمط مبنى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك.
صاحب الصبيحي ملوك وأمراء الدولة السعودية من سعود إلى سلمان في رحلاتهم الخارجية المتعددة وكان هو المذيع الرسمي فيها أو رئيساً للوفد الإعلامي، ولعل أبرزها افتتاح الملك سلمان بن عبد العزيز (عندما كان أميرا للرياض) معرض المملكة بين الأمس واليوم في القاهرة، وقام الصبيحي بتقديم الحفل الذي حضره الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك وحقق المعرض نجاحا باهرا «وحدثت فيه قصة لمواطن مصري من زوار المعرض قابله التلفزيون السعودي تمنى في المقابلة أن يوفقه الله ويؤدي فريضة الحج ليتلقى الصبيحي مكالمة من مكتب وزير الإعلام السعودي يخبره بصدور التوجيهات السامية للاتصال بهذا المواطن المصري وإبلاغه بتحقيق رغبته واستضافته لأداء فريضة الحج مع أسرته بعد أن تم الاستعانة بالكاميرات لمعرفة هذا المواطن من بين الآلاف الذين يزورون المعرض».
ويشير الصبيحي إلى «أنه بعد وقت طويل من عمله في لندن وإنشاء الـ(إم بي سي) ونشاط المركز الإعلامي في لندن جاءه اتصال من عساف أبو ثنين وكان يعمل سكرتيرا في مكتب الملك سلمان بن عبد العزيز عندما كان أميراً للرياض أبلغه أن الأمير أحمد بن سلمان (مؤسس المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق 1987) يقرئك السلام وقد رشحك لتسلم رئاسة تحرير (جريدة الشرق الأوسط في لندن)، وقد سرني هذا الخبر للغاية، وأثلج صدري، غير أني اعتذرت لارتباطي بأمر قناة الـ(إم بي سي) فضلا عن عملي كملحق إعلامي».



جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
TT

جهود خليجية لتطوير أدوات الذكاء الاصطناعي لمواجهة «الأخبار المزيّفة»

الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)
الدكتور بريسلاف ناكوف (لينكد إن)

بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير الذكاء الاصطناعي ضمان الموضوعية مع التدفّق المعلوماتي المتسارع والمتزايد عبر شبكة الإنترنت، واستخدام وسائل عديدة لضخ مختلف المعطيات والمعلومات، بات من الصعب على المتلقي التمييز بين الحقيقة والدعاية من جهة وبين الإعلام الموضوعي والتأطير المتحيّز من جهة ثانية.

وهكذا، تتأكد أكثر فأكثر أهمية وجود تقنيات التحليل والكشف وتصفية (أو «فلترة») هذا الكم الهائل من المعطيات، توصلاً إلى وقف سيل المعلومات المضللة وإبعاد الإشاعات و«الأخبار المزيّفة»، وجعل شبكة الإنترنت مكاناً آمناً لنقل المعلومات والأخبار الصحيحة وتداولها. والواقع أنه مع التحول الرقمي المتسارع وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، غدت «الأخبار المزيّفة» واحدة من أبرز التحديات التي تهدد المجتمعات حول العالم؛ إذ يجري تداول ملايين الأخبار والمعلومات يومياً، ما يجعل من الصعب على الأفراد - بل وحتى المؤسسات الإعلامية - التمييز بين ما هو صحيح وما هو مزيّف أو مضلِّل، وفي هذا السياق برزت تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة مبتكرة وفعّالة للكشف عن «الأخبار المزيفة» وتحليلها.

تُعرَّف «الأخبار المزيّفة» بأنها محتوى إعلامي يُنشأ ويُنشر بهدف التضليل أو التلاعب بالرأي العام، وغالباً ما يصار إلى استخدامه لتحقيق غايات سياسية واقتصادية أو اجتماعية. وتتنوّع تقنيات إنشاء «الأخبار المزيّفة» بين التلاعب البسيط بالمعلومات... واستخدام تقنيات متقدمة مثل التزييف العميق، الأمر الذي يزيد من تعقيد اكتشافها.

جهود مبتكرة

من هذا المنطلق والمبدأ، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، يقود الدكتور بريسلاف ناكوف، أستاذ ورئيس قسم معالجة اللغة الطبيعية في جامعة محمد بن زايد للذكاء الاصطناعي، جهوداً مبتكرة لتطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي، وخصوصاً تحليل الطرق المستخدمة في الإعلام للتأثير على الرأي العام. ويبرز ضمن أبرز إسهامات ناكوف تطوير تطبيق «فرابيه - FRAPPE»، وهو أداة تفاعلية مصممة لتحليل الأخبار عالمياً، حيث يقدم التطبيق رؤية شاملة حول أساليب الإقناع والخطاب المستخدمة في المقالات الإخبارية، ما يمكّن المستخدمين من فهم أعمق للسياقات الإعلامية المختلفة. ويشير ناكوف إلى أن «فرابيه» يساعد المستخدمين على تحديد كيفية صياغة الأخبار وتأطيرها في بلدان مختلفة، ما يتيح رؤية واضحة لتباينات السرد الإعلامي.

تحليل أساليب الإقناع

مع أن دراسة أساليب الإقناع لها جذور قديمة تعود إلى الفيلسوف الإغريقي القديم أرسطو، الذي أسس لمفاهيم الأخلاق والعاطفة والمنطق كأساس للإقناع، فإن فريق ناكوف أضاف تطويرات جديدة لهذا المجال.

وعبر تحليل 23 تقنية مختلفة للإقناع، مثل الإحالة إلى السلطة، واللعب على العواطف، وتبسيط الأمور بشكل مفرط، يُسهم «فرابيه» في كشف أساليب الدعاية وتأثيرها على القراء. وتُظهر هذه الأساليب كيف يمكن للإعلام أن يختار كلمات أو صوراً معينة لتوجيه فهم الجمهور. وكمثال، يمكن تأطير قضية تغيّر المناخ كمشكلة اقتصادية أو أمنية أو سياسية، حسب الإطار الذي تختاره الوسيلة الإعلامية.

التشديد على أهمية تقنيات التحليل والكشف و"فلترة" المعلومات لجعل شبكة الانترنت مكاناً آمناً. (رويترز)

تقنية التأطير الإعلامي

أيضاً من الخواص التي يستخدمها تطبيق «فرابيه» تحليل أساليب التأطير الإعلامي، وهنا يوضح ناكوف أن التطبيق يمكّن المستخدمين من مقارنة كيفية تناول وسائل الإعلام للقضايا المختلفة؛ إذ يستطيع التطبيق أن يُظهر كيف تركّز وسيلة إعلامية في بلد معيّن على الجوانب الاقتصادية لتغير المناخ، بينما قد تركز وسيلة إعلامية في بلد آخر على الجوانب السياسية أو الاجتماعية.

وفي هذا السياق، يعتمد التطبيق على بيانات متقدّمة مثل قاعدة بيانات «SemEval-2023 Task 3»، التي تحتوي على مقالات بأكثر من 6 لغات، ما يجعل «فرابيه» قادراً على تحليل محتوى إعلامي عالمي متنوع. ويستخدم التطبيق الذكاء الاصطناعي لتحديد الإطارات السائدة في الأخبار، كالهوية الثقافية أو العدالة أو المساواة ما يساهم في تقديم صورة أوضح للسياق الإعلامي.

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية

الذكاء الاصطناعي أداة أساسية في تطبيق «فرابيه»؛ إذ إنه يتيح للتطبيق تحليل الأنماط اللغوية التي تؤثر على آراء القراء. وهنا يقول ناكوف، خلال حواره مع «الشرق الأوسط» عن قدرات التطبيق: «يُعد الذكاء الاصطناعي في (فرابيه) عنصراً أساسياً في تحليل وتصنيف واكتشاف الأنماط اللغوية المعقّدة التي تؤثر على آراء القراء وعواطفهم». ويضيف أن هذا التطبيق «يستخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، مثل الشتائم ولغة الترهيب، والتنمّر والمبالغة والتكرار. ولقد جرى تدريب النظام على التعرّف على 23 تقنية مختلفة غالباً ما تكون دقيقة ومعقّدة في محتوى الوسائط في العالم الحقيقي».

ويتابع ناكوف شرحه: «... ويستخدم التطبيق أيضاً الذكاء الاصطناعي لإجراء تحليل التأطير، أي لتوصيف وجهات النظر الرئيسة التي تُناقش قضية ما من خلالها مثل الأخلاق والعدالة والمساواة والهوية السياسية والثقافية وما إلى ذلك. ويسمح هذا للتطبيق بتمييز الإطارات الأساسية التي تؤثّر على كيفية سرد القصص وإدراكها، وتسليط الضوء على الإطارات المهيمنة في المقالة ومقارنتها عبر مصادر الوسائط والبلدان واللغات».

التحيزات الإعلامية

من جهة ثانية، بين التحديات الكبرى التي يواجهها الباحثون في تطوير تطبيقات الذكاء الاصطناعي، ضمان الموضوعية والتقليل من التحيّز. وفي هذا الجانب، يوضح ناكوف أن «فرابيه» يركّز على تحليل اللغة المستخدمة في المقالات وليس على تقييم صحتها أو موقفها السياسي، وكذلك يعتمد التطبيق على تصنيفات موضوعية وضعها صحافيون محترفون لتحديد أساليب الإقناع والدعاية، ما يقلل من مخاطر التحيّز.

وبالفعل، تمكن «فرابيه»، حتى الآن، من تحليل أكثر من مليوني مقالة تتعلق بمواضيع مثل الحرب الروسية الأوكرانية وتغير المناخ. ويدعم التطبيق راهناً تحليل المحتوى بـ100 لغة، ويخطط الفريق لتوسيع نطاقه ليشمل لغات إضافية وتحسين دقة التحليل، ما سيعزّز قدرة التطبيق على فهم الأنماط الإعلامية عالمياً.

وفي حين يأمل الباحثون أن يصبح هذا التطبيق أداة أساسية للصحافيين والأكاديميين لفهم أساليب الإقناع والدعاية، يشير ناكوف إلى أهمية تطوير مثل هذه التقنيات لمساعدة الناس على التمييز بين الحقائق والدعاية، خاصة في عصر تزايد استخدام المحتوى «المؤتمت» والمعلومات المضللة. وبالتوازي، يسهم «فرابيه» بدور حيوي في تمكين الجمهور من تحليل الأخبار بطريقة أكثر وعياً وموضوعية، ووفق ناكوف: «في عصرنا الحالي، يمكن أن تُستخدم أساليب الإقناع لتضليل الناس؛ ولهذا السبب نحتاج إلى أدوات تساعد في فهم اللغة التي تشكّل أفكارنا». وبالتالي، من خلال استخدام الذكاء الاصطناعي، يمكن أن يصبح «فرابيه» نموذجاً لتطبيقات مستقبلية تسعى لتعزيز الشفافية في الإعلام وتقليل تأثير التضليل الإعلامي.

مكافحة «الأخبار المزيّفة»

في سياق متصل، تمثل خوارزميات الذكاء الاصطناعي نقلة نوعية في مكافحة «الأخبار المزيّفة»؛ حيث تعتمد على تقنيات متقدمة لتحليل النصوص والصور ومقاطع الفيديو.

ومن بين أبرز التقنيات المستخدمة في هذا المجال يمكن أيضاً تحليل النصوص؛ إذ تعتمد خوارزميات معالجة اللغة الطبيعية على تحليل لغة المقالات والتحقق من الأسلوب، واكتشاف المؤشرات اللغوية التي قد تشير إلى التضليل.

كذلك تعمل أدوات الذكاء الاصطناعي على التحقّق من المصادر، وبالأخص من موثوقية المصادر الإعلامية من خلال تحليل تاريخ النشر والتكرار والمصداقية، والتعرف على التزييف البصري عن طريق استخدام تقنيات التعلم العميق للكشف عن الصور أو الفيديوهات المزيفة باستخدام خوارزميات يمكنها تحديد التلاعبات البصرية الدقيقة.

التحديات المستقبلية

ولكن، على الرغم من النجاح الكبير للذكاء الاصطناعي في هذا المجال، لا بد من القول إن التحديات لا تزال قائمة. من هذه التحديات تزايد تعقيد تقنيات التزييف، بما في ذلك عبر تطوّر تقنيات مثل «التزييف العميق» الذي يزيد مهمة كشف «الأخبار المزيّفة» صعوبة. وأيضاً ثمة مشكلة «تحيّز البيانات (أو المعطيات)» حيث يمكن أن تتأثر خوارزميات الذكاء الاصطناعي ببيانات التدريب، ما قد يؤدي إلى نتائج قليلة الدقة أو متحيزة. وبالطبع، لا ننسى أيضاً إشكالية التنظيم القانوني مع طرح استخدام الذكاء الاصطناعي في هذا السياق تساؤلات حول الخصوصية والموثوقية والمسؤولية القانونية.