علماء في جامعة الملك عبد الله يطورون أداة تحليل بيانات لحل المشكلات الواقعية

علماء في جامعة الملك عبد الله يطورون أداة تحليل بيانات لحل المشكلات الواقعية
TT

علماء في جامعة الملك عبد الله يطورون أداة تحليل بيانات لحل المشكلات الواقعية

علماء في جامعة الملك عبد الله يطورون أداة تحليل بيانات لحل المشكلات الواقعية

علم الإحصاء هو علم التعلّم من البيانات؛ حيث يوفِّر الإحصائيون رؤى قيَّمة بخصوص المشكلات الأكثر إلحاحاً التي تواجه البشرية، كالتأثيرات الصحية للتلوث على انتشار الأمراض المُعدية، إذ يحتاج الباحثون إلى فهم الإحصائيات إذا كان عليهم أن يتخذوا قرارات مستنيرة مبنية على اطلاع. وبناء على ذلك، يمكن القول إن الأفكار والأساليب الإحصائية تمثل اليوم أساس كل جوانب الحياة الحديثة.
ويوضح هافارد رو، أستاذ الإحصاء في جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية، إن توفير الأدوات للباحثين من أجل فهم أفضل لمشكلات العالم الواقعية يعني أن صانعي السياسات سيستطيعون الوصول لمصادر موثوقة من أجل صنع القرارات المهمة التي تؤثر على كثير من جوانب الحياة، من الصحة والبيئة إلى الاقتصاد والقضايا الاجتماعية.
ويعدّ رو أحد البارزين في مجال الإحصائيات الحوسبية البايزانية، computational Bayesian statistics وهي طريقة يتم بها تطبيق الاحتمالات على المشكلات الإحصائية، ما يؤدي إلى تنبؤات أسرع، وأكثر دقة. وجدير بالذكر أن توماس بايز (1701 – 1761)، كان عالماً في الرياضيات وإحصائياً وفيلسوفاً إنجليزياً، ويعرف بأنه صاحب نظرية الاحتمالات الإحصائية، التي يتم استخدامها في معظم بحوث السوق وتقنيات استطلاع الرأي اليوم. لقد أدرك علماء الكومبيوتر وبعد أكثر من 200 عام من وفاته، أن أسلوبه في تحليل الكميات الهائلة من البيانات إحصائياً يمكن أن تكون له فائدة مذهلة مع الكميات الهائلة من المعلومات التي نعاصرها الآن.
وداخل مختبرات كاوست، يركز رو عمله على تطبيق مقاربات لابلاس (بيير سيمون لابلاس 1749 - 1827)، المتداخلة المتكاملة، (INLA) وهو منهج لإجراء الاستدلال البايزي الذي يستخدم منهجية بايز لتطوير تقييم احتمالات فرضية، ما يسبب اكتشاف دليل جديد. ويقوم هذا المنهج بتحديث الاستنتاجات المستخلصة من النماذج الإحصائية في ضوء البيانات الجديدة.
ويشير رو إلى مشكلتين رئيستين فيما يتعلق بالنمذجة البايزية، هما السرعة والدقة، فعادة ما يتعين عليك التخلي عن السرعة من أجل الدقة، ولكن مع مقاربات «INLA» تحصل على كليهما، ما يعد أمراً أروع من أن يُصَدَق.
وتمثل مقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة طريقة مختلفة لتحليل مجموعات البيانات متعددة الأبعاد والمحتوية على آلاف القياسات، كتلك المستخدمة لوضع نماذج للمناخ أو نماذج التنبؤ بالطقس. فمثلاً حينما تستخدم طرق مثل سلسلة ماركوف مونتي كارلو، فإنها تعد عملية معقدة للغاية، لكونها مستهلكة للوقت وغير عملية في التعامل مع النماذج فائقة الضخامة، حيث إنها تعتمد أساساً على تجزئة النماذج الرياضية المركبة إلى عدد من المسائل البسيطة، التي يمكن تحليلها ومعالجتها بسهولة.
طوّر رو وزملاؤه حزمة برمجيات إحصائية لمقاربات لابلاس، تتيح تطبيقها في مجالات متنوعة من الرعاية الصحية إلى علم البيئة، وذلك من أجل التحليل الأفضل لمجموعات البيانات متزايدة الضخامة. فعلى سبيل المثال استخدم جافين شاديك، أستاذ علوم البيانات والإحصاء بجامعة إكستر بالمملكة المتحدة، حزمة رو الإحصائية لمقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة (R - INLA) لتحليل قاعدة بيانات تحتوي على معلومات لأكثر من 4300 مدينة في أكثر من 100 دولة، من أجل نمذجة التأثيرات الصحية والبيئية الناتجة عن تلوث الهواء.
وقد أظهر هذا العمل، الذي تم بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، أن 92 في المائة من سكان العالم يقيمون في مناطق تتجاوز المبادئ الأساسية الخاصة بإرشادات المنظمة الخاصة بجودة الهواء.
وفي هذا السياق، لفت شاديك إلى أن تلوث الهواء يعد عامل خطورة رئيسياً على الصحة العالمية، بمعدل وفيات يبلغ 4.2 مليون حالة سنويّاً، بسبب التسمم بالجسيمات الدقيقة، ومن دون حزمة «R - INLA»، لن نكون قادرين على إجراء هذا التحليل على نطاق عالمي.
كما استخدمت هذه الطريقة أيضاً بواسطة مشروع أطلس الملاريا (MAP)، والذي ينشر معلومات مجانية ودقيقة ومُحَدَّثة عن الملاريا، ويهدف إلى الحد من انتشار المرض. وتبعاً لتقرير الملاريا العالمي، الصادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2017، فإن ما يقدَّر بـ216 مليون حالة ملاريا قد حدثت على المستوى العالمي في عام 20166، بزيادة بلغت نحو 5 ملايين حالة عن العام السابق.
ويشير سمير بات، من «إمبريال كوليدج للصحة العامة بلندن بالمملكة المتحدة»، والذي استخدم حزمة رو الإحصائية لمقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة لنمذجة انتشار أشكال مختلفة من الملاريا على نطاق عالمي، أنه قبل حزمة «R - INLA» لم يكن ممكناً إجراء استدلال لأكثر من 1000 من الملاحظات، ما يجعل من تلك الحزمة أداة مهمة لفهم انتشار الملاريا.
من جانب آخر، يستخدم مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها «CDC» أيضاً حزمة «R - INLA» لرسم خريطة للأعداد المتزايدة لحالات الانتحار في الولايات المتحدة، ما يوفِّر مستوى غير مسبوق من التفاصيل من خلال السماح بتتبع تغيّر معدلات الانتحار، عبر ما يزيد عن 3 آلاف مقاطعة من عام 2005 حتى 2015.
ويوضِّح ديبا خان، الزميل الأول بمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، أن فهم الأنماط الجغرافية لمعدلات الانتحار يساعد على تحديد أي المقاطعات بها معدلات مرتفعة، وفي حاجة إلى موارد لمنع الانتحار، وباستخدام مقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة، أصبحت هيئات الصحة العامة المحلية قادرة على تخصيص الأموال لتحقيق نتائج صحية لا يمكن تحقيقها من خلال البيانات المتاحة على مستوى ولاية واحدة فقط.
كذلك استخدم الباحثون بجامعة فالباريزو الكاثوليكية في تشيلي مقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة لرسم خريطة لتوزيع أنماط الروبيان (الجمبري) - وهو حيوان بحري - نحو سواحل تشيلي، وهو ما سمح لهم بتحديد المناطق التي يمكن الصيد بها، وتقديم توصيات بشأن حصص الصيد، للمساعدة على إدارة الموارد السمكية.
ويضيف رو أنه لا يزال يشعر بالمفاجأة عند رؤية تطبيقات مقاربات لابلاس المتداخلة المتكاملة بمجالات لم يسمع بها قط، لأنها خارج بؤرة التركيز الأساسي لعلم الإحصاء، ما يبرهن على أن ما يقومون به شيء مهم، وله تأثير على كيفية تعامل البشر مع الإحصاء.



المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر
TT

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

المستقبل الغريب للحوم المستزرعة في المختبر

تلتمع «بارفيه» السمّان (وهي لحم مسحون لطير السمّان) على صحني، مقترنة بقرص من الذرة المقلية. وللوهلة الأول، يبدو هذا كنوع من طعام العشاء الفاخر الذي ستجده في العديد من المطاعم الراقية: عجينة غنية وردية مغطاة بالفلفل المخلل، وزهرة صالحة للأكل، ولمحة من الكوتيجا (الجبن المكسيكي المعتّق).

لحم طير مختبري

ولكن العرض التقليدي لهذا اللحم يحجب حقيقة أعمق، فهذه الوجبة غير تقليدية، بل وراديكالية. ومن بعض النواحي، تختلف عن أي شيء شهده العالم في أي وقت مضى.

لم تُصنع عجينة اللحم الموجودة على طبقي بالطريقة التقليدية مع كبد الإوزّ. لقد تمت زراعة اللحم من خلايا النسيج الضام لجنين السمان الياباني الذي تم حصاده منذ سنوات، وتم تحفيزه وراثياً على التكاثر إلى الأبد في المختبر. وقد قُدم لي هذا الطبق في فعالية «أسبوع المناخ» في نيويورك من قبل جو تيرنر، المدير المالي في شركة «فاو» الأسترالية الناشئة للتكنولوجيا الحيوية.

إن تسمية السمان «اللحم المستزرع في المختبرات» تعد تسمية خاطئة. فهذه النسخة الشبيهة بالهلام من السمان كانت تُزرع في مصنع حقيقي للحوم الخلوية، وهو الأول والأكبر من نوعه. وعلى وجه التحديد زرعت في خزان طوله 30 قدماً، وسعته 15 ألف لتر في مصنع «فاو» في سيدني، حيث، حتى كتابة هذه السطور، يمكن للشركة إنتاج 2000 رطل (الرطل 152 غراماً تقريباً) من السمان كل شهر.

وهذه كمية ضئيلة مقارنة بالكميات المتوفرة في مرافق اللحوم التقليدية، لكنها تمثل خطوة كبيرة إلى الأمام بالنسبة إلى التكنولوجيا التي - على مدى العقد الماضي - أسست سمعتها بالكامل تقريباً على تقديم قطع صغيرة شهية في جلسات التذوق الصحفية الفردية.

نجاحات وإخفاقات

وقد بدأت «فاو» للتو أعمالها هذه مع ما يقرب من 50 مليون دولار من تمويل شركات أخرى مثل «بلاكبيرد فينشرز»، و«بروسبيرتي 7»، و«تويوتا فينشرز» (التي رعت فاعلية أسبوع المناخ). وقامت الشركة حديثاً بتركيب مفاعل بيولوجي كبير آخر سعته 20 ألف لتر هذه المرة، أكبر بنسبة 33 في المائة من الأول. ومع تشغيل المفاعلين على الإنترنت، تُقدر الشركة أنها سوف تنتج قريباً 100 طن من السمان المستزرع كل عام.

قد يبدو كل ذلك متناقضاً مع التقارير السابقة، إذ وصف مقال استقصائي نشرته أخيرا صحيفة «نيويورك تايمز» كيف أن قطاع اللحوم المستزرعة الناشئ قد خرج عن مساره بسبب العقبات الاقتصادية والتقنية، رغم سنوات من الضجيج، وسلسلة من الموافقات التنظيمية البارزة، و3 مليارات دولار من الاستثمار.

جمعت شركة «أب سايد فودز»، ومقرها في بيركلي، بولاية كاليفورنيا، أكثر من 600 مليون دولار لتقييم نموذج لشريحة دجاج تبين أنها يمكنها أن تصنعه يدوياً فقط في أنابيب اختبار صغيرة، في حين أن محاولة شركة «إيت جاست»، ومقرها في كاليفورنيا لبناء مصنع للحوم أكبر 50 مرة من مصنع «فاو» انتهت بدعاوى قضائية ومشاكل مالية والقليل للغاية من الدجاج المستزرع.

وقد وعدت الجهات الداعمة لهذا القطاع بمحاكاة اللحوم التي نشأنا على تناولها، اللحم البقري والدجاج، من دون المعاناة التي تعرضت لها الحيوانات والطيور، ومن دون انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ولكن اليوم لم يعد هناك أي منتج متاح إلا بالكاد في هذه الصناعة. لقد حان الوقت، كما كتبتُ، للاعتراف بحقيقة أن هذا الحلم قد مات.

تطويرات غير مألوفة

كيف تستعد شركة «فاو» لشحن المنتجات بكميات كبيرة؟ بالتخلي عن المألوف واعتماد غير المألوف. إذ وبدلاً من محاولة إنتاج قطع الدجاج الصغيرة والبرغر، ركزت «فاو» على ما يمكن أن تقدمه الخزانات الفولاذية الكبيرة المليئة بالخلايا بشكل موثوق به في المدى القصير: منتجات غريبة ومميزة مخصصة لسوق السلع الفاخرة، وهي فئة جديدة من الأطعمة التي يسميها جورج بيبو الرئيس التنفيذي لشركة «فاو»: «اللحوم الغريبة».

اللحوم الغريبة هي انحراف عمّا وعدت به صناعة اللحوم الخلوية بالأساس. سيكون الأمر مكلفاً، في البداية. ابتداء من نوفمبر (تشرين الثاني)، كانت شركة «فاو» تبيع بارفيه السمان لأربعة مطاعم في سنغافورة مقابل 100 دولار للرطل. وسوف تتميز هذه اللحوم بمذاق وقوام غير موجودين في الطبيعة. وسوف تُصنع من الحيوانات التي لم يعتد الناس أكلها. فكروا في التمساح، والطاووس، وطائر الغنم، وغيرها. في العام الماضي، تصدرت «فاو» عناوين الأخبار العالمية بعد «كرات اللحم الضخمة» - وهي نموذج أولي ضخم وفريد مختلط مع خلايا الفيل والحمض النووي لحيوان الماموث الصوفي - مما أدى إلى ظهور مقطع ذائع الانتشار في برنامج «العرض الأخير» مع ستيفن كولبرت. في نهاية المطاف، تأمل «فاو» في أن يمنحها إنشاء سوق فاخرة قوية للحوم الغريبة الفرصة لخفض التكاليف تدريجياً من خلال مواصلة البحث والتطوير، رغم أنها سوف تحتاج أولاً إلى تطبيع فكرة تناول الأنواع غير التقليدية.

غرائب الأطباق

عندما أنظر إلى طبق بارفيه السمان خاصتي، يدهشني أنني لم أتناول السمان من قبل. أتناول قضمة، ويكون الطعم خفيفاً ومليئاً مثل الزبدة المخفوقة، مع ملاحظات بطعم معدني دقيق أقرنه بالكبد. إنها تمثل بداية عصر جديد غامض، عصر ستكون فيه اللحوم المستزرعة متوافرة أخيراً، ولكن ليس بالطريقة التي يتوقعها أي شخص.

* مجلة «فاست كومباني»

ـ خدمات «تريبيون ميديا»