انتقادات واسعة لسفير العراق في واشنطن ومطالبات بإقالته

بعد حديثه عن «أسباب موضوعية» لتطبيع العلاقات مع إسرائيل

TT

انتقادات واسعة لسفير العراق في واشنطن ومطالبات بإقالته

تتواصل مطالبات الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية، باستدعاء سفير العراق في واشنطن فريد ياسين واستبدال آخر به، على خلفية حديثه عن «أسباب موضوعية» تدعو العراق إلى إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. وجاءت تصريحات السفير في مقابلة تلفزيونية رداً على سؤال بخصوص مؤتمر المنامة الأخير حول ما تسمى «صفقة القرن»، وإمكانية تطبيع العلاقات مع إسرائيل. وقال السفير خلال المقابلة إن «موقف العراق مشابه لمواقف الدول العربية الأخرى، والعراق ليست لديه علاقة مع إسرائيل، والتواصل مع سفيرها خط أحمر بالنسبة إلينا»، معترفاً بـ«الأسباب المعنوية والاعتبارية» التي تَحول دون إقامة العراق علاقات دبلوماسية مع إسرائيل.
لكنّ غالبية الكتل والأحزاب والشخصيات السياسية التي طالبت بإقالة السفير، عابت عليه قوله في سياق المقابلة إن «هناك أسباباً موضوعية قد تدعو لقيام علاقات بين العراق وإسرائيل، منها وجود جالية عراقية مهمة في إسرائيل ما زالت متمسكة بتقاليدها العراقية».
وأضاف السفير سبباً آخر لإمكانية التطبيع وهو امتلاك إسرائيل إمكانيات متطورة لتطوير الزراعة في المناطق الصحراوية. لكنه أقر بأن «هذه الأسباب غير كافية للتطبيع، مع وجود أسباب معنوية واعتبارية تمنع التواصل مع إسرائيل».
وتسببت تصريحات السفير بحرج لوزارة الخارجية العراقية، دعاها إلى الرد وتوضيح ملابسات التصريح، حيث أصدر المتحدث الرسمي باسمها أحمد الصحاف، بياناً قال فيه إن «الدول ووسائل الإعلام تولي أهمية خاصة للقضية الفلسطينية، والتي غالباً ما تمثل محوراً أساسياً في المؤتمرات واللقاءات التي يحضرها ممثلونا ووفودنا في الخارج. ويحصل أحياناً اجتزاء، أو نقص تعبير يقع فيه البعض يُشوّه موقف العراق المبدئيّ». واعتبر الصحاف أن «موقف العراق إزاء القضية الفلسطينية هو نفسه الموقف المبدئي والتاريخي برفض الاحتلال الإسرائيلي، واغتصابه لأرض عربيّة، وأننا لا نُقِيم أي علاقات مع دولة الاحتلال، ومُلتزمون بمبدأ المقاطعة».
وأصدر كل من ائتلاف «دولة القانون» وحزب «الدعوة» الإسلامية اللذين يتزعمهما رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، بيانين منفصلين، أدانا تصريحات السفير وطالبا بإقالته.
ودعا بيان «دولة القانون» الرئاسات الثلاث إلى «الوقوف بقوة في وجه تصاعد الممارسات والتصريحات التي يقوم بها بعض المسؤولين والسفراء لإقامة علاقات مع الكيان الصهيوني، ووضع خريطة للتقارب والاستسلام مع دويلة العدو، وإضعاف إرادة الأمة الإسلامية وترويضها».
ودعا الائتلاف، حسب البيان، لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب إلى «النهوض بدورها الرقابي واستدعاء السفير العراقي في واشنطن للتحقيق معه حول تصريحاته الأخيرة». كما طالب وزارة الخارجية بأن «تبادر فوراً إلى استبدال هذا السفير الذي لا يعكس موقف العراق تجاه قضايا الأمة الكبرى».
والتحق تحالف «سائرون» أمس، بقائمة القوى السياسية المنددة بتصريحات السفير، وقال المتحدث باسم كتلته النائب حمد الله الركابي في بيان: «فوجئنا بالتصريحات الغريبة التي أدلى بها سفيرنا في واشنطن والتي تتعلق بعلاقات العراق مع الكيان الصهيوني في فلسطين». وأضاف الركابي أن «سياسة العراق الخارجية تحكمها رؤية الحكومة العراقية وثوابتها تجاه قضايا الأمة، وليس من حق أي مسؤول مهما كان عنوانه أن يحيد عنها، وما صدر من سفير العراق يعد خرقاً واضحاً وتجاوزاً لصلاحياته». وأكد الركابي موقف كتلته «الرافض لأي تقارب أو تطبيع مع الكيان الصهيوني الغاصب لأرضنا الحبيبة فلسطين وتحت أي ذريعة كانت»، مطالباً الحكومة العراقية بـ«استدعاء السفير ومساءلته عن تصريحه المخالف لتوجهاتها، واستبدال شخصية وطنية تدافع عن ثوابت العراق به».
واستنكر نائب رئيس مجلس النواب عن «سائرون» حسن الكعبي، أول من أمس، بشدة تصريحات السفير، معتبراً أنها «لا تمثل موقف العراق الرسمي والشعبي». وطالب الكعبي وزارة الخارجية بـ«مساءلة واستدعاء السفير واتخاذ كل الإجراءات الكفيلة بعدم تكرار التصريحات التي تسيء إلى المواقف الثابثة للدولة».
وفي سياق آخر يتعلق بالعلاقات العراقية مع إسرائيل، تناقلت مواقع إخبارية عراقية خبر مشاركة 15 امرأة عراقية تعرضن لأهوال تنظيم «داعش» وضمنهن الإيزيدية الفائزة بجائزة نوبل للسلام نادية مراد، في برنامج تدريبي خاص لعلاج الصدمات المعقدة في إسرائيل.
وفيما لم تعلق السلطات العراقية على خبر الزيارة، أكد الموقع الرسمي الموثق «إسرائيل في اللهجة العراقية» في «فيسبوك» خبر زيارة وفد النساء.
وذكر الموقع أن الوفد «وصل إلى إسرائيل بمساعدة وزارة الخارجية الإسرائيلية وحل ضيفاً على جامعة بار إيلان ومنظمة إيسرائيد (لمساعدة اللاجئين) لمدة أسبوعين». وأشار إلى أن الوفد ضم «الناجية لمياء حجي بشار التي حصدت جائزة (ساخاروف) عام 2016 إلى جانب نادية مراد».
يشار إلى أن العراق ليست لديه حدود مشتركة مع إسرائيل ولا يرتبط بها بعلاقات دبلوماسية رسمية ولا يعترف بدولتها، وقد شاركت قواته في الحرب على الدولة اليهودية منذ تأسيسها عام 1948، كما شاركت قواته في الحروب اللاحقة ضد إسرائيل عامي 1967 و1973. وفي عام 1981 قصفت إسرائيل مفاعل (تموز) النووي الواقع جنوب العاصمة بغداد.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».