لا يزال الغموض يلف التفجير عبر دراجة نارية مفخخة الذي قضى على مدنيين من محافظة السويداء ذات الغالبية الدرزية جنوب سوريا وقرب حدود الأردن وخلال فك الاشتباك في الجولان السوري المحتل.
وإذ أشار نشطاء معارضون إلى «داعش»، قال آخرون إن التنظيم لم يتبن الحادثة حتى الآن ما يفتح احتمالات كثيرة للحادثة، التي قد تكون استهدافا لشخص معين، أو استهداف استقرار المنطقة وإرباكها وإظهار حاجتها لقبضة أمنية منضبطة وقوية.
وقال ريان معروف ناشط من السويداء لـ«الشرق الأوسط» إن الحادثة «هدفها بقاء المنطقة في حالة عدم استقرار أمنية، وإن طبيعة الاستهداف ومعطيات الحادثة تشير إلى أن التفجير كان يستهدف سيارة أحد المشايخ التابعين لحركة رجال الكرامة، وهو وسيط بين أجهزة الأمن التابعة للنظام وحركة رجال الكرامة من الفصائل المحلية في السويداء، ولم يكن موجودا في السيارة أثناء الحادثة، ما يرجح فرضية محاولة الاغتيال، خصوصاً أن المحافظة شهدت حوادث اغتيال كثيرة في الفترة الماضية طالت قياديين في الفصائل المحلية وضابطا في الجيش السوري».
وأضاف أن محافظة السويداء «لا تزال تعيش حالة من القلق إزاء الخطر المحتمل لـ(تنظيم داعش) في البادية، رغم إعلان النظام السوري سيطرته على المنطقة وتكتمه عن أي أخبار لتحركات التنظيم في المنطقة». لكن الفصائل المحلية ترصد تحركات خلايا التنظيم في منطقتي الكراع والدياثة، وهما متاخمتان لريف السويداء الشرقي، ولا تزال بعض الجروف في منطقة الصفا خاضعة لسيطرة التنظيم لكنها مشتتة وغير قادرة على الحركة نتيجة محاصرة النظام السوري لها. كما تنتشر نقاط للجيش السوري في ريف السويداء الشرقي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي وصولا إلى سد الزلف أقصى جنوب شرقي بادية السويداء، وعلى طول الحدود الأردنية مع البادية، لكن الجيش لم يثبت أي نقاط عسكرية في منطقتي الدياثة والكراع ومنطقة الرحبة التي تصل بين بادية السويداء وبادية الحماد (البادية الشامية) بشمال وشمال شرقي السويداء، ورغم ذلك فإن تحركات التنظيم المحدودة ومناطق انتشاره الضيقة داخل بادية السويداء، لا توحي أنه قادر على التحرك بطريقة علنية، وقد تتخذ تحركاته شكل الخلايا النائمة، إلا أن التخوف قائم من اتباع التنظيم لسياسات أخرى كالتفجيرات الانتحارية أو العمليات الخاطفة والتفجيرات.
وأوضحت مصادر محلية أن السويداء تعيش «حالة من الانفلات الأمني وتفشي ظاهرة انتشار السلاح والخطف والنأي بالنفس بعيداً عن سلطة النظام السوري الفعلية في المحافظة، وأن أكثر من 9 حالات خطف تمت في السويداء خلال الشهر الحالي فقط بعضها بهدف الفدية المالية مقابل إطلاق سراح المخطوف، أو الخطف المضاد لخطف، أيضاً هناك حالات خطف وقعت بحق ضباط وعناصر من الجيش السوري حدثت بعد خطف مهند شهاب الدين وهو ناشط مؤيد للمعارضة، وغالباً ما كان يعبر عن آرائه المناهضة للنظام السوري عبر صفحته الشخصية في «فيسبوك»، وأن اختطاف الناشط مهند كان الحادثة الأبرز في السويداء التي أدت إلى تأجيج الموقف، وخاصة أن الاتهامات وقعت على فرع الأمن العسكري في اختطاف مهند، رغم أن السكان داخل السويداء يقولون إنهم ليسوا متأكدين تماماً من هي المجموعة المسؤولة عن اختطافه».
وفي الوقت نفسه حدثت حالة استنفار من الفصائل المحلية المسلحة في السويداء وهددت الأفرع الأمنية التابعة للنظام لإطلاق سراح الناشط مهند شهاب الدين (فصائل من أبناء السويداء غير تابعة للنظام السوري والجيش هدفها حماية السويداء وأبناء المنطقة من أي اعتداء)، كما تجمع العشرات في شارع المحافظة في السويداء مع عائلة الناشط مهند، وهم يحملون لافتات كتب عليها «الحرية لسجناء الرأي»، وقاموا بتنفيذ اعتصام أمام مبنى المحافظة في مدينة السويداء، استمر 4 أيام، كما أنهم تلقوا وعودا من شخصيات سياسية ودينية بالبحث عن مهند وإطلاق سراحه إذا ثبت مكان وجوده، في حين لم يعرف مصير الناشط مهند حتى اليوم ولا يزال ذووه يطالبون بخروجه.
وبحسب مصادر مطلعة، فإن حال السويداء تختلف عن باقي مناطق سوريا وخاصة أن المحافظة لم تقف ضد النظام السوري أو تحاربه كباقي المناطق السورية التي كانت تشهد معارك بين فصائل معارضة والنظام السوري، لكن عددا كبيرا من أبنائها يرفض الالتحاق بالجيش السوري وهي إحدى القضايا العالقة في السويداء، حيث إن المنطقة تحوي أكثر من 20 ألف شاب مطلوب للخدمة الإلزامية والاحتياطية في الجيش السوري لا يزالون مصرين على عدم الخدمة في صفوف الجيش السوري خارج محافظتهم والمشاركة في المعارك على جبهات مختلفة في سوريا. أما الفصائل المحلية فتشكل الحالة المعقدة الثانية في المحافظة، والتي شكلت من أبناء محافظة السويداء في عام 2012. ولم تسجل أي أعمال معادية لها ضد النظام السوري، وأعلنت منذ تشكيلها عن حماية السويداء وأبنائها من أي اعتداء من أي جهة كانت، ولا تنسجم مع تشكيلات النظام السوري، وتقف ضد السوق الإجبارية للخدمة العسكرية ولا ترفض السوق الطوعية، كما أسهم وجودها في منع الاعتقالات العشوائية وخاصة للناشطين من أبناء السويداء.
وتعتبر محافظة السويداء ذات الأغلبية الدرزية، المنطقة الوحيدة في سوريا التي نجحت في إبعاد القتال والمعارك والتدمير عنها وشكلت لنفسها حالة استثنائية مغايرة للمجتمعات في أماكن أخرى من البلاد، واحتلت السويداء في يونيو (تموز) من العام الماضي 2018 عناوين الصحف الدولية والعربية، عندما شن مقاتلو «تنظيم داعش» هجوماً هو الأول والأعنف على المنطقة منذ بداية الحرب في سوريا، أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص بينهم نساء وأطفال، واحتجاز أكثر من عشرين من النساء كرهائن، استطاع النظام السوري بعد معارك ومفاوضات طويلة إطلاق سراح المخطوفين لدى التنظيم، وأطلق سكان السويداء حينها ذكرى يونيو الأسود، في إشارة إلى المجازر التي ارتكبها التنظيم بحق أهالي ريف السويداء الشرقي في شهر يونيو 2018.
الغموض يلف تفجير السويداء وسط حالة من الانفلات الأمني
الغموض يلف تفجير السويداء وسط حالة من الانفلات الأمني
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة