مهرجان «شباك» للثقافة العربية ينظم ندوات أدبية في «المكتبة البريطانية»

جانب من ندوة «كتابة الرواية التاريخية الحديثة»
جانب من ندوة «كتابة الرواية التاريخية الحديثة»
TT

مهرجان «شباك» للثقافة العربية ينظم ندوات أدبية في «المكتبة البريطانية»

جانب من ندوة «كتابة الرواية التاريخية الحديثة»
جانب من ندوة «كتابة الرواية التاريخية الحديثة»

شهدت «المكتبة البريطانية»، على مدار يوم كامل، عدة جلسات أدبية متخصصة في الأدب العربي، جمعت أسماء عربية من مختلف الأجيال الأدبية، وذلك ضمن فعاليات مهرجان «شباك» بنسخته الخامسة لهذا العام، و«شباك» هو النافذة المطلة على الثقافة العربية الراهنة؛ بينالي ثقافي تنظمه بلدية لندن، بالتعاون مع مؤسسات أجنبية وعربية كثيرة مثل «مؤسسة القطان الثقافية» و«المجلس البريطاني للفنون» و«الصندوق العربي للثقافة والفنون»، كما يُدعم من مؤسسات ثقافية عريقة مثل «المجلس الثقافي البريطاني» و«مهرجان أبوظبي للكتاب» و«الجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر)» و«الصندوق العربي للثقافة والتنمية»، وغيرها الكثير من المؤسسات.
مهرجان «شباك»، الذي أقيم للمرة الأولى عام 2011، برعاية عمدة لندن، يتيح فرصة للجمهور البريطاني للتعرف على الثقافة العربية المعاصرة التي تأثرتْ بالتغيرات السياسية والاجتماعية بعد ثورات ما يسمى بـ«الربيع العربي»، ومن جهة أخرى يشجع المقيمين والسياح العرب الذين يقضون إجازاتهم الصيفية في لندن على المشاركة في هذه الفعاليات، والتعرف عن قرب على الكتاب والفنانين المشاركين فيها.
وشهدت قاعة «مركز المعرفة» في المكتبة البريطانية عدة جلسات حوارية وتفاعلية مع الجمهور، ابتدأت بجلسة «موجة بلا نهاية» ناقشت الكتابة النسوية الحديثة في الأدب العربي الراهن، ومدى تأثير نتاج الرعيل الأول من الأديبات العربيات على ما تكتبه النساء العربيات حالياً. شاركت في هذه الندوة الأديبة والإعلامية السعودية الدكتورة بدرية البشر التي صدرت آخر رواياتها «زائرات الخميس» عن دار «روايات» عام 2017، والفنانة المصرية دينا محمد التي دخلت مجال «الكوميكس» من عمر مبكر، ونشرت روايتها المصورة الأولى «شبيك لبيك» الصادرة عن «دار المحروسة» بمصر في 2018، والتي حازت على جائزة أفضل رواية مصورة والجائزة الكبرى لمهرجان القاهرة للقصة المصورة. وقالت الدكتورة بدرية البشر إن الحركة النسوية من وجهة نظرها مرّت بثلاث مراحل هي: مرحلة المطالبة بحق التصويت والمشاركة السياسية، ومرحلة المطالبة بالمساواة الاجتماعية، وكان من أبرز نتائجها الحصول على حق قيادة السيارة في المملكة السعودية، والمرحلة الثالثة والحالية من موجات النسوية التي تؤكد على الحرية والاختلاف وتقبل هذا الاختلاف، وقالت إن لكل امرأة ظرفاً وبيئةً يختلفان عن الأخرى، وعلى كل امرأة أن تسعى للنجاح عبر الإمكانات المتاحة لها، ولا وجود لوصفة سحرية تصلح لكل المجتمعات للحصول على حقوق النساء في الحرية والمساواة. بينما أضافت الرسامة المصرية دينا محمد أن مطالب النساء مختلفة من بلد لآخر، فهناك مطالب نسوية بمساواة الأجور في أوروبا، بينما تنشط الحركة النسوية في العالم العربي لمعاقبة مرتكبي جرائم الشرف.
أعقبت ذلك جلسة أدبية عن الكتابة العربية الجديدة لكتاب مقيمين في لندن شاركت بها الكاتبة الأردنية - الفلبينية، مالو هلسا، التي أصدرت عدة كتب تتناول الفنون والعادات في منطقة الشرق مثل: «سوريا تتكلم - الفن والثقافة في خنادق القتال»، وكتاب «المرور عبر طهران - الشباب الإيراني وشخوصه الملهمة»، وصدرت روايتها الأولى «أم كل الخنازير» بالإنجليزية عام 2017. وتحدثت مالو عن اعتزازها بأصلها وقبيلتها الأردنية ذات الديانة المسيحية، وإنصاتها إلى الحكايا الشفوية الأردنية التي تأثرت بها جداً، لكنها منذ استقرارها في مدينة لندن، بدأت بالتعرف على الجالية العربية عن قرب، بالإضافة إلى زياراتها إلى منطقة الشرق الأوسط، وشغفها المعرفي بالتعرف على الفنون والعادات والثقافة التي تسود تلك المنطقة، وقد استفادت من كل ذلك في تأليف كتبها التي تناولت موضوعات الثقافة والفنون والعادات حتى تلك المسكوت عنها، التي تدخل في حيز «التابو».
محور الجلسة الثالثة كان عن الرواية السورية الجديدة. وتحدثت فيها الروائية والصحافية دينا نوس التي وصلت روايتها الثانية «الخائفون» إلى اللائحة القصيرة لجائزة «البوكر العربية» لعام 2018، والتي ترجمتها إلى الإنجليزية المترجمة إليزابيث جاكيت، عن موجة الكتابة الروائية التي أفرزتها الثورة السورية، وكل ما تلاها من تدمير وتشرد ولجوء واغتراب، وقالت إن الروائيين السوريين توجهوا مرغمين إلى كتابة الفاجعة الجماعية التي حلّت بهم، ثم قرأت بالتتابع مع مترجمتها مقاطع من روايتها «الخائفون».
وفي سابقة هي الأولى من نوعها، وتُحسب لمنظمي الفعاليات الأدبية في إدارة المهرجان، في تضمين الثقافة الكردية ضمن الفعاليات الأدبية، شارك الروائي والشاعر العراقي الكردي المقيم في ألمانيا بختيار علي في ندوة أدبية بعنوان «الرواية الكردية الحديثة»، تحدث فيها عن العراقيل التي تواجه الكاتب الكردي الذي يختار الكتابة باللغة الكردية، وندرة الترجمة من الكردية إلى بقية اللغات في مقابل وفرتها من بقية اللغات إلى الكردية، وقال إن اللغة الكردية غنية بالمفردات الموسيقية الحسية، لأنها لغة حديثة قياساً إلى العربية مثلاً، وهنا تكمن بعض صعوبات وعراقيل الترجمة. ورواية بختيار علي «الغزلي وحدائق الخيال» هي أول رواية كردية تتم ترجمتها إلى الإنجليزية من قبل المترجم كريم عبد الرحمن الذي رافق بختيار علي في القراءات. ويعكف المترجم حالياً على ترجمة رواية بختيار علي «رمانة العالم الأخيرة» إلى الإنجليزية أيضاً.
الجلسة الأخيرة التي خُتم بها يوم الفعاليات الأدبية في المكتبة البريطانية، كانت بعنوان «كتابة الرواية التاريخية الحديثة»، شارك فيها كل من الروائية العراقية إنعام كجه جي التي وصلت روايتاها «النبيذة» و«طشاري» إلى القائمة القصيرة لجائزة «البوكر العربية»، والصحافية والروائية (العراقية - الويلزية) الشابة رقية عز الدين التي صدرت روايتها «أولاد البطيخ» عام 2018، التي تتناول حقبة الاحتلال البريطاني للعراق أوائل القرن الماضي، والروائي السوداني حمور زيادة الذي فازت روايته «شوق الدرويش» بـ«جائزة نجيب محفوظ» لعام 2014، ووصلت إلى القائمة القصيرة لـ«البوكر العربية» عام 2015، والروائي الفلسطيني ربعي المدهون الذي فازت روايته «مصائر... كونشرتو الهولوكست والنكبة» بجائزة «البوكر العربية» لعام 2016.
وتحدثت الروائية العراقية رقية عز الدين عن تجربتها في كتابة تاريخ العراق القريب، لأنها تعتقد بتأثير التاريخ على أقدارنا كأشخاص، وقد افتتحت روايتها بجملة «إننا أتينا إلى هذه الحياة نتيجة خطأ أجدادنا»، وتتقاطع في روايتها شخصيتان هما أحمد البغدادي وكاريان الويلزي، بينما تدور الأحداث في عام 1915 إبان حقبة الاحتلال البريطاني للعراق.
وقالت إنعام كجه جي إنها لا تعتبر نفسها تكتب روايات تاريخية، لأن التعامل مع التاريخ القريب الذي لا يزال بعض الناس يذكرونه ليس صعباً، خصوصاً في روايتها الأخيرة (النبيذة)، التي أثار عدم حصولها على جائزة «البوكر العربية» الكثير من الجدل، حيث قالت إن بطلتي الرواية هما شخصيتان حقيقيتان، اعتمدت على مذكراتهما في روايتها. الروائي الفلسطيني ربعي المدهون قال إنه يكتب تاريخ بلده القريب، لأنه يريد القول بطريقة روائية إن مدينته التي ولد فيها تسمى المجدل في عسقلان، وليس في أشكلون، كما ينطقها المحتلون، وأنه يريد أن يحافظ على ذاكرته وذاكرة بلده من النسيان والتزوير عبر الرواية. أما حمور زيادة فقال إن تناوله التاريخ القريب للسودان هو جزء من اللعبة الروائية لديه، وأضاف أنه يعتمد على المصادر التاريخية، ويستفيد منها، لكنه يكتب رواية وليس كتاباً تاريخياً.



«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
TT

«الجمل عبر العصور»... يجيب بلوحاته عن كل التساؤلات

جانب من المعرض (الشرق الأوسط)
جانب من المعرض (الشرق الأوسط)

يجيب معرض «الجمل عبر العصور»، الذي تستضيفه مدينة جدة غرب السعودية، عن كل التساؤلات لفهم هذا المخلوق وعلاقته الوطيدة بقاطني الجزيرة العربية في كل مفاصل الحياة منذ القدم، وكيف شكّل ثقافتهم في الإقامة والتّرحال، بل تجاوز ذلك في القيمة، فتساوى مع الماء في الوجود والحياة.

الأمير فيصل بن عبد الله والأمير سعود بن جلوي خلال افتتاح المعرض (الشرق الأوسط)

ويخبر المعرض، الذي يُنظَّم في «مركز الملك عبد العزيز الثقافي»، عبر مائة لوحة وصورة، ونقوش اكتُشفت في جبال السعودية وعلى الصخور، عن مراحل الجمل وتآلفه مع سكان الجزيرة الذين اعتمدوا عليه في جميع أعمالهم. كما يُخبر عن قيمته الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لدى أولئك الذين يمتلكون أعداداً كبيرة منه سابقاً وحاضراً. وهذا الامتلاك لا يقف عند حدود المفاخرة؛ بل يُلامس حدود العشق والعلاقة الوطيدة بين المالك وإبله.

الجمل كان حاضراً في كل تفاصيل حياة سكان الجزيرة (الشرق الأوسط)

وتكشف جولة داخل المعرض، الذي انطلق الثلاثاء تحت رعاية الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكة المكرمة؛ وافتتحه نيابة عنه الأمير سعود بن عبد الله بن جلوي، محافظ جدة؛ بحضور الأمير فيصل بن عبد الله بن محمد بن عبد العزيز، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»؛ وأمين محافظة جدة صالح التركي، عن تناغم المعروض من اللوحات والمجسّمات، وتقاطع الفنون الثلاثة: الرسم بمساراته، والتصوير الفوتوغرافي والأفلام، والمجسمات، لتصبح النُّسخة الثالثة من معرض «الجمل عبر العصور» مصدراً يُعتمد عليه لفهم تاريخ الجمل وارتباطه بالإنسان في الجزيرة العربية.

لوحة فنية متكاملة تحكي في جزئياتها عن الجمل وأهميته (الشرق الأوسط)

وفي لحظة، وأنت تتجوّل في ممرات المعرض، تعود بك عجلة الزمن إلى ما قبل ميلاد النبي عيسى عليه السلام، لتُشاهد صورة لعملة معدنية للملك الحارث الرابع؛ تاسع ملوك مملكة الأنباط في جنوب بلاد الشام، راكعاً أمام الجمل، مما يرمز إلى ارتباطه بالتجارة، وهي شهادة على الرّخاء الاقتصادي في تلك الحقبة. تُكمل جولتك فتقع عيناك على ختمِ العقيق المصنوع في العهد الساساني مع الجمل خلال القرنين الثالث والسابع.

ومن المفارقات الجميلة أن المعرض يقام بمنطقة «أبرق الرغامة» شرق مدينة جدة، التي كانت ممراً تاريخياً لطريق القوافل المتّجهة من جدة إلى مكة المكرمة. وزادت شهرة الموقع ومخزونه التاريخي بعد أن عسكر على أرضه الملك عبد العزيز - رحمه الله - مع رجاله للدخول إلى جدة في شهر جمادى الآخرة - ديسمبر (كانون الأول) من عام 1952، مما يُضيف للمعرض بُعداً تاريخياً آخر.

عملة معدنية تعود إلى عهد الملك الحارث الرابع راكعاً أمام الجمل (الشرق الأوسط)

وفي حديث لـ«الشرق الأوسط»، قال الأمير فيصل بن عبد الله، رئيس مجلس أمناء شركة «ليان الثقافية»: «للشركة رسالة تتمثّل في توصيل الثقافة والأصالة والتاريخ، التي يجهلها كثيرون، ويشكّل الجمل جزءاً من هذا التاريخ، و(ليان) لديها مشروعات أخرى تنبع جميعها من الأصالة وربط الأصل بالعصر»، لافتاً إلى أن هناك فيلماً وثائقياً يتحدّث عن أهداف الشركة.

ولم يستبعد الأمير فيصل أن يسافر المعرض إلى مدن عالمية عدّة لتوصيل الرسالة، كما لم يستبعد مشاركة مزيد من الفنانين، موضحاً أن المعرض مفتوح للمشاركات من جميع الفنانين المحليين والدوليين، مشدّداً على أن «ليان» تبني لمفهوم واسع وشامل.

نقوش تدلّ على أهمية الجمل منذ القدم (الشرق الأوسط)

وفي السياق، تحدّث محمد آل صبيح، مدير «جمعية الثقافة والفنون» في جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن أهمية المعرض قائلاً: «له وقعٌ خاصٌ لدى السعوديين؛ لأهميته التاريخية في الرمز والتّراث»، موضحاً أن المعرض تنظّمه شركة «ليان الثقافية» بالشراكة مع «جمعية الثقافة والفنون» و«أمانة جدة»، ويحتوي أكثر من مائة عملٍ فنيّ بمقاييس عالمية، ويتنوع بمشاركة فنانين من داخل المملكة وخارجها.

وأضاف آل صبيح: «يُعلَن خلال المعرض عن نتائج (جائزة ضياء عزيز ضياء)، وهذا مما يميّزه» وتابع أن «هذه الجائزة أقيمت بمناسبة (عام الإبل)، وشارك فيها نحو 400 عمل فني، ورُشّح خلالها 38 عملاً للفوز بالجوائز، وتبلغ قيمتها مائة ألف ريالٍ؛ منها 50 ألفاً لصاحب المركز الأول».

الختم الساساني مع الجمل من القرنين الثالث والسابع (الشرق الأوسط)

وبالعودة إلى تاريخ الجمل، فهو محفور في ثقافة العرب وإرثهم، ولطالما تغنّوا به شعراً ونثراً، بل تجاوز الجمل ذلك ليكون مصدراً للحكمة والأمثال لديهم؛ ومنها: «لا ناقة لي في الأمر ولا جمل»، وهو دلالة على أن قائله لا يرغب في الدخول بموضوع لا يهمّه. كما قالت العرب: «جاءوا على بكرة أبيهم» وهو مثل يضربه العرب للدلالة على مجيء القوم مجتمعين؛ لأن البِكرة، كما يُقال، معناها الفتيّة من إناث الإبل. كذلك: «ما هكذا تُورَد الإبل» ويُضرب هذا المثل لمن يُقوم بمهمة دون حذق أو إتقان.

زائرة تتأمل لوحات تحكي تاريخ الجمل (الشرق الأوسط)

وذُكرت الإبل والجمال في «القرآن الكريم» أكثر من مرة لتوضيح أهميتها وقيمتها، كما في قوله: «أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ» (سورة الغاشية - 17). وكذلك: «وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ» (سورة النحل - 6)... وجميع الآيات تُدلّل على عظمة الخالق، وكيف لهذا المخلوق القدرة على توفير جميع احتياجات الإنسان من طعام وماء، والتنقل لمسافات طويلة، وتحت أصعب الظروف.