الرهان على إطلاق عون الحوار لإنقاذ التسوية الرئاسية

الحريري حريص على التفاهم مع رئيس الجمهورية

TT

الرهان على إطلاق عون الحوار لإنقاذ التسوية الرئاسية

رأت مصادر وزارية واسعة الاطلاع أن التسوية السياسية التي أدت إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية باتت في حاجة ماسة إلى رافعة لإنقاذها. وقالت إن المدخل الوحيد لإعادة تعويمها يكمن في مبادرة «العهد القوي» إلى تحضير الأجواء لإطلاق جولة من الحوار تشارك فيها الأطراف الرئيسية المشاركة في الحكومة.
وأوضحت المصادر الوزارية لـ«الشرق الأوسط» أن التسوية التي عقدها رئيس الحكومة سعد الحريري مع العماد عون قادت إلى إنهاء الفراغ في رئاسة الجمهورية ومهّدت الطريق أمام إعادة انتظام المؤسسات الدستورية وقطع الطريق على انهيار البلد وتعميم حالة من الفوضى. وقالت إن هناك ضرورة ملحة لمبادرة رئيس الجمهورية إلى رعاية حوار مفتوح بوصفه السبيل الوحيد لمعالجة التباينات وتبديد الهواجس والقلق الذي أخذ منسوبه يرتفع في الاتجاه الذي لا يخدم حماية الاستقرار السياسي.
وأكدت أنه لا يمكن تحقيق استقرار اقتصادي ولا إصلاح إداري أو مالي من دون توفير شبكة أمان سياسية للبلد للنهوض به من أزماته الاقتصادية والاجتماعية، وسألت: «لماذا لا يبادر رئيس الجمهورية إلى توجيه الدعوة لأبرز المكوّنات السياسية للتحاور معها؟»، وقالت إن «الرئيس القوي أو العهد القوي هو من لديه القدرة على الجمع بين اللبنانيين وتهيئة الأجواء التي من شأنها أن تسهم في إيجاد قواسم مشتركة تساعد على تبديد القلق لدى هذا الطرف أو ذاك».
وعدّت المصادر أن تنفيس أجواء الاحتقان بات من المهام الملقاة على عاتق رئيس الجمهورية «شرط أن يحظى بتجاوب من القوى الرئيسية في البلد». وقالت إنه «لا مبرر لتعطيل الحوار أو ترحيله في الوقت الذي يتطلع فيه لبنان إلى استضافة حوار الحضارات».
وقالت إن «البلد يمر حالياً بمرحلة من التأزم السياسي الذي لا يعالج إلا بوضع اليد على الأسباب»، وسألت: «هل يمكن تمديد هذا التأزّم، خصوصاً أن هناك من يبالغ في تعداد الإنجازات التي تحققت منذ انتخاب عون رئيساً للجمهورية؟».
وأضافت المصادر أن انتخاب عون رئيساً جاء بعد تفاهمه مع الحريري على مجموعة من العناوين التي يُفترض أن تنتقل بالبلد إلى مرحلة سياسية جديدة تُنهي فترات التعطيل التي مر بها وكانت وراء تمديد الفراغ الرئاسي، إضافة إلى توصله مع رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع إلى اتفاق عُرف بـ«إعلان معراب»؛ «لكن هذا الإعلان بدأ يهتز بسبب الانقلاب السياسي الذي يقوده رئيس (التيار الوطني الحر) وزير الخارجية جبران باسيل، الذي يتنكر للخطوط العريضة الواردة فيه، انطلاقاً من إمعانه في تقديم نفسه على أنه الممثل الأقوى للمسيحيين من جهة؛ ومحاولاته لاحتكار الحصة المسيحية في التعيينات، رغم أن ذلك بدأ يتسبب في إحراج (العهد) ليس بالمواقف الاعتراضية التي تصدر عن جعجع من حين لآخر فحسب؛ وإنما لتمادي باسيل في التعاطي مع رئيس الحكومة الذي اضطر أخيراً إلى وضع النقاط على الحروف».
ورأت المصادر الوزارية أن حماية التسوية تقع أولاً وأخيراً على عاتق رئيس الجمهورية «الذي بات عليه التدخّل للجم جنوح باسيل الذي يستفيد من نفوذه داخل الدولة ويحاول توظيفه لفرض حصار على منافسيه في الشارع المسيحي». وقالت إنه «لا مصلحة لعون في إضعاف الحريري، لأن الخلل سيصيب تلقائياً التسوية التي لم تنطلق كما يجب لاعتبارات لا تتصل بالمكونات السياسية الأخرى؛ وإنما بإصرار وزير الخارجية على التصرف كأنه الآمر الناهي».
وعدّت أن «من شروط إنقاذ التسوية السياسية التزام من يعنيهم الأمر بمقتضيات الوفاق الوطني كما حددها (اتفاق الطائف)، فدعم رؤساء الحكومات السابقين للرئيس الحريري لا يعود لاعتبارات طائفية؛ إنما لوضع حد لمحاولات تجاوز الدستور والعبث بروحية (اتفاق الطائف) وصولاً إلى تعديله بالممارسة، وهذا ما لا يخفيه فريق (الصقور) في (التيار الوطني) الذي يخطط لإطاحة المادة (95) من الدستور التي تنص على تحقيق المناصفة في وظائف الفئة الأولى من دون الفئات الأخرى».
وشددت على أن الحريري أراد من خلال ما قاله في مؤتمره الصحافي الأخير أن «ينقذ التسوية السياسية، وأن يعيد الاعتبار لها على خلفية رفض التعامل معه على أنه يحبّذ عقد الصفقات الثنائية»، ورأت أن «إنقاذ التسوية بيد رئيس الجمهورية، رغم أن الحريري يحرص على التفاهم معه؛ ليس فقط لأن أي خلاف سينعكس سلباً على البلد، لكن أيضاً انطلاقاً من دعمه الحلول الجامعة لا الثنائية».
ودعت المصادر الوزارية «من يعنيهم الأمر إلى عدم الرهان على استحالة في إعادة الروح إلى العلاقة بين الحريري وجنبلاط»، وأكدت أنها «ستستعيد حيويتها؛ وإن كانت في حاجة إلى فترة زمنية يصار خلالها إلى تبديد ما لدى رئيس (التقدمي) من هواجس، مع أن الحريري ليس طرفاً في الحصار المفروض على جنبلاط من قبل أطراف في (محور الممانعة) ممن هم على ارتباط وثيق بالنظام السوري، أو في وارد عقد صفقات ثنائية أو ثلاثية تستهدفه».
وأضافت المصادر الوزارية أن لرئيس الجمهورية مصلحة في التعاطي بإيجابية مع العناوين التي طرحها الحريري في مؤتمره الصحافي؛ «ليس لتبديد فورة الغضب في الشارع السني فحسب؛ وإنما لأن هناك ضرورة لإحداث نقلة نوعية تتيح لعون تحقيق ما تعهد به من إنجازات للخروج تدريجياً من التأزّم الاقتصادي والإفادة من مقررات مؤتمر (سيدر) في ضوء تجاوب الدول والمؤسسات المشاركة فيه مع رغبة لبنان في إعطائه فترة من السماح بسبب تأخره في إنجاز خريطة الطريق التي تعهد بها شرطاً للإفادة من مقرراته».
ويبقى السؤال: هل سيلقى الحريري التجاوب المطلوب؟ ومتى يبادر رئيس الجمهورية إلى فتح حوار مع المكونات السياسية الرئيسية في البلد بالتلازم مع ضرورة إشراك مجلس الوزراء في الأمور ذات الصلة بالملف السياسي؛ لأن تغييبه عنها يطلق العنان للمزايدات الشعبوية التي ترفع من منسوب الاحتقان؟
وإلى أن يصار إلى تفعيل الوضع الحكومي، فلا بد من الإشارة إلى أهمية الخلوة التي عقدها رئيس المجلس النيابي نبيه بري مع الحريري على هامش انعقاد الجلستين الانتخابية والتشريعية للبرلمان، والتي حضرت فيها بامتياز علاقة الأخير بجنبلاط بحضور عضو «اللقاء الديمقراطي» النائب مروان حمادة.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».