موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ41 يناقش «عبء الديمقراطية» و«إكراهات دول الجنوب»

برنامج حافل... يتضمن ندوات ومعارض ومشاغل التشكيل والموسيقى

رسم جدارية في موسم أصيلة الثقافي الدولي
رسم جدارية في موسم أصيلة الثقافي الدولي
TT

موسم أصيلة الثقافي الدولي الـ41 يناقش «عبء الديمقراطية» و«إكراهات دول الجنوب»

رسم جدارية في موسم أصيلة الثقافي الدولي
رسم جدارية في موسم أصيلة الثقافي الدولي

يعود «موسم أصيلة الثقافي الدولي» في دورة جديدة، يبدو أنها حافظت على نفس الروح والأهداف التي حركت المظاهرة عام 1978، فكرست مكانتها في الداخل والخارج، بعد أن تحولت إلى موعد سنوي غني بقيمة برامجه وتنوعها وراهنية القضايا التي تطرح للنقاش، بمشاركة نوعية لفاعلين من عوالم السياسة والفكر والفن والأدب، من مختلف مناطق العالم.
ويتضمن برنامج الموسم في دورته الـ41. المنظمة ما بين 16 يونيو (حزيران) و12 يوليو (تموز)، وتفتتح رسميا غداً الجمعة، فقرات متناغمة المضامين، تشمل تنظيم الدورة الـ34 لجامعة المعتمد ابن عباد الصيفية، ومشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل، ومشاغل الفنون التشكيلية، التي تشمل الصباغة على الجداريات ومشغل الفنون التشكيلية، فضلاً عن مشغل بيداغوجي (تربوي) لتدريب الأطفال على ممارسة الرسم والصباغة، ومعارض، وعروضاً موسيقية وغنائية.
- عبء الديمقراطية
تتوزع ندوة «عِبء الديمقراطية الثقيل: أين الخلاص؟»، يومي 21 و22 يونيو (حزيران) ثلاثة محاور، تشمل، حسب منسقها الدكتور عبد الله ولداباه (موريتانيا)، أولاً «تشخيص الحالة الديمقراطية الراهنة في أزماتها ورهاناتها وتحولاتها النوعية، مع الوقوف على مختلف سياقاتها الاقتصادية والإعلامية والثقافية وتحديد آثارها الملموسة عل الوضع الدولي»، وثانياً «تشخيص وضع المجتمعات التي لم تعتمد النظام الديمقراطي التعددي نمطاً عملياً لتدبير واقعها السياسي، بتحديد إمكانات وسبل بناء حلول بديلة مواجهة تضمن التعايش السلمي والرفاهية الاجتماعية وحقوق الإنسان الأساسية، من خلال الوقوف على العديد من التجارب العالمية المغايرة لنهج الديمقراطية الليبرالية»، وثالثاً «استكناه واستشراف المشاهد والسيناريوهات المستقبلية لتطور المنظومة الديمقراطية، ورصد البدائل المتاحة لتجاوز مصاعب وأزمات التحول التي تمر بها المجتمعات الديمقراطية الحالية».
- إكراهات دول الجنوب
تتناول ندوة «التنمية المستدامة وإكراهات دول الجنوب» يومي 24 و25 يونيو، أسئلة عديدة، بينها «هل وفَت القوى الاقتصادية والسياسية الكبرى بتعهداتها؟»، و«هل لعبت الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها دور الوسيط الفعال، المُدور للموارد والخبرات؟»، و«إلى أي حد تحملت الدول المُوطنة للخطة مسؤوليتها في تأهيل بنياتها ومؤسساتها، ومواردها البشرية؟».
ويرى فكتور بورغيس وزير الخارجية والتعاون والجاليات السابق في دولة الرأس الأخضر، منسق الندوة، أن «أغلب البنيات الدولتية التي أخذت على عاتقها تنفيذ برامج التنمية المستدامة في أغلبية دول الجنوب تتسم بالتقليدانية، وضعف الحكامة، وانعدام التأهيل المطلوب للموارد البشرية. كما أن ضعف المؤسسات في هذه الدول، تغلب عليها المعاملات الإدارية بالمحسوبية والموالاة على أسس قبلية أو طائفية، وبضعف التواصل مع الساكنة لشرح الأهداف المرسومة، إلى جانب شكلانية القوانين، وعدم استقلال القضاء، ناهيك عن العواقب الناجمة عن التغيرات المناخية، التي أصبحت آثارها بادية في عدد من دول الجنوب مثل الجفاف، والتصحر، والفيضانات، وظهور عدد من الأمراض والأوبئة الجديدة، وتفاقم ظاهرة الهجرة من الأرياف إلى المدن أو إلى الخارج، وهو ما يجعل فرص نقل هذه البرامج من المستوى النظري إلى مستوى التنفيذ ضعيفة إن لم تكن معدمة».
- تماسك اجتماعي
تنطلق ندوة «التماسك الاجتماعي والتنوع في نظم التعليم العربية»، يومي 1 و2 يوليو، وينسقها الدكتور عبد الله ولداباه (موريتانيا)، من أرضية ترى أنه «يتعين طرح الأسئلة والإشكالات الجوهرية التي يقضيها إصلاح المنظومة التعليمية العربية، مع مراعاة اختلاف التجارب ونوعيتها ورهاناتها الخصوصية، من دون التعميم غير الموضوعي».
وتتناول الندوة خمسة محاور أساسية، تشمل «المنظومة التعليمية ورهانات التحول الاجتماعي في العالم العربي»، و«النظم التعليمية وإشكالات الهوية الثقافية في المجتمعات العربية»، و«النظم التعليمية ورهانات التعددية والتنوع في العالم العربي»، و«النظم التعليمية والثورة المعلوماتية الراهنة»، و«المنظومة التعليمية ورهانات المستقبل العربي».
- مشهد ثقافي متحول
تسعى ندوة «الشعر العربي في مشهد ثقافي متحول»، يومي 4 و5 يوليو، من تنسيق شرف الدين ماجدولين (المغرب)، لمناقشة واقع الحضور الشعري في المشهد الثقافي العربي الراهن، ومساءلة مخاضاته وتحولاته، في أفق البحث عن دور اليوم لهذا الفن الذي طالما نعتب كونه ديوان العرب: كيف السبيل إلى استعادة الذائقة الشعرية؟ وبم يمكن تعويض الديوان الذي بات من دون ناشر متحمس ولا متلق مهتم؟ وما هي القنوات الممكنة لتداول الشعر اليوم؟ وهل الأزمة تطول الوسيط أم جوهر التعبير؟ وهل النهوض ممكن، أم أن الأفول حتمي، مثلما يعلمنا تاريخ الأدب؟ وهل يمكن أن يموت الشعر مثلما ماتت الملحمة والمقامة والرسالة النثرية؟ وهل سيبقى فقط ملتصقاً بالمنابت الفطرية في الأزجال والنصوص المغناة؟.
- إبداع أفريقي
تتمحور ندوة «الإبداع الأفريقي في الأوطان والمهاجر»، ما بين 7 و11 يوليو، حول «الثقافة والفكر والتنمية: أي قطيعة؟ وأي رؤيا؟»، ينسقها ماريو لوسيو سوسا، الموسيقي والكاتب والشاعر، ووزير الثقافة السابق في دولة الرأس الأخضر.
وتجنباً لاستباق خلاصات النقاش، يشير فكتور بورغيس لعاملين اثنين تبدو أهميتهما أساسية لكل عملية تغيير إيجابية. أولهما «التربية التي تعد العنصر المؤسس والمغير للممارسات الفردية والجماعية سواء كانت اقتصادية أو مجتمعية أو سياسية أو ثقافية». فيما يتمثل العامل الثاني في «جودة حكامة وقيادة المنظمة والمجتمع والدولة».
ويرى بورغيس أن «البلدان الأفريقية تحديداً تواجه تحديات تفرض عليها أن تكون مبدعة، من أجل إعادة اختراع نماذج وممارسات الحكامة الديمقراطية القادرة على الاستجابة للتطلعات الجماعية، والوفاء التام بوعود الاستقلال والديمقراطية». لذلك، تشكل الندوة فرصة للنقاش حول جملة محاور بينها «كيف يمكن إحداث وتحفيز الإبداع من أجل أن يولد التغيرات التي تحتاجها المجتمعات الأفريقية؟»، و«كيف يمكن تدبير لحظات التصدع أو حتى القطيعة، بشكل مثمر، مع الاهتمام المزدوج بالقدرة على التغيير، وفي نفس الوقت، الحفاظ على التوازنات الكبرى للمجتمع؟».
شكل موسم أصيلة، على مر دوراته الأربعين، تجمعاً حقيقياً للمبدعين والمفكرين ورجال ونساء الفن والأدب. ومن هذا المنطلق، ستحظى مختلف الفعاليات الموسيقية التي احتضنتها دورات المواسم السابقة، وخلال دورة هذه السنة والدورات المقبلة، بوضع خاص، إذ سيخصص لها مهرجان سنوي تحت اسم «موسم الموسيقى الأفريقي بأصيلة»، يهدف إلى الاحتفال بالإبداع الموسيقي في العالم وبالفن الموسيقي الذي تنم روحه عن إلهام أفريقي.
وستتوزع أنشطة هذا الحدث الموسيقي، ما بين 7 و11 يوليو، فقرتان: «موسيقى المدينة» و«موسيقى القاعة»، بمشاركة فنانين وفرق موسيقية من عدد من بلدان القارة السمراء، تشمل شالو كوريا (أنغولا)، ونبيلة معن وعثمان الخلوفي وثلاثي وادا كناوة أصيلة (المغرب)، ودودو كواتي (مالي - السنغال)، وماريو لوسيو ومجموعة سيمنتيرا (الرأس الأخضر). وفضلاً عن موسم الموسيقى الأفريقي، تقترح الدورة عروضاً موسيقية بمشاركة سوليا مورينتي (إسبانيا)، وفيصل عزيزي وسكينة الفحصي والحضرة الشفشاونية وفرقة محمد العربي التمسماني (المغرب)، و«أركسترا شامبر فرانسي - رباعي الكورد» (فرنسا).
- مشاغل التعبير والكتابة
تدور فقرة «مشغل التعبير الأدبي وكتابة الطفل»، ما بين 8 و11 يوليو، حول شعار «أيقظ خيالك»، الذي يتأسس على مقولة مفادها أن «في كل واحد منا يرقد شاعر أو مبدع وما علينا إلا إيقاظه»، فيما يتوزع برنامج «مشغل الصباغة على الجداريات»، ما بين 16 يونيو إلى 12 يوليو، على مشغل الفنون التشكيلية، ومشغل بيداغوجي(تربوي) لتدريب الأطفال على ممارسة الرسم والصباغة.
ويشارك في جداريات موسم هذه السنة، ما بين 16 و20 يونيو، فنانون من المغرب وفرنسا، وفي مشغل الحفر، ما بين 21 يونيو و12 يوليو، فنانون من الأرجنتين وتونس والمغرب وإيطاليا واليابان وإسبانيا، وفي مشاغل الصباغة، ما بين 21 يونيو و12 يوليو، فنانون من الأرجنتين والبحرين والمغرب وفرنسا وساحل العاج والعراق. فيما ينقل مشغل مواهب الموسم، ما بين 20 يونيو و11 يوليو، كما كتب الناقد الفني فريد الزاهي، لـ«أشياء وأفعال صغيرة يمكن صياغتها في حكاية تاريخية، بل يمكن أن تغدو تاريخا مهماً، محلياً وجهوياً»، من منطلق أن مشاغل أطفال المرسم التي تنظم ضمن موسم أصيلة الثقافي الدولي منذ بداياته، «مر بها العديد من الناشئة الذين صاروا أسماء لامعة في مجال الفن التشكيلي، ومنها أمسك صغار المدينة لأول مرة بالريشة ورسموا أول لوحاتهم وبعضهم صاروا فنانين».
- معارض
يتضمن برنامج المعارض، ما بين 21 يونيو و12 يوليو برمجة «معرض الفنانين الأفارقة... الفنون الأفريقية في أصيلة من 1980 إلى 2018»، الذي يحتفي بأعمال الفنانين الأفارقة الذين شاركوا في مختلف الفنون التشكيلية خلال 38 سنة من عمر الموسم. وفيما يحتفي المعرض الجماعي «الفنانون الزيلاشيون الشباب» بستة أسماء شابة من أبناء أصيلة، ينقل معرض «مجموعة ربيعيات الفنون في أصيلة»، حسب الفنان أحمد بن إسماعيل، لفكرة «مشروع فني خالص، اكتملت فيه أسباب النجاح والتطور، بفضل انسجام فنانات وفنانين من داخل المغرب وخارجه، كونوا صداقات وأظهروا حرصاً كبيراً على فكرة الربيعيات، ورعايتها كنبتة فتية».



وَصْف الخبز المكسيكي بـ«القبيح» يُفجّر جدلاً على وسائل التواصل

الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
TT

وَصْف الخبز المكسيكي بـ«القبيح» يُفجّر جدلاً على وسائل التواصل

الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)
الخبز أكثر من طعام... لغة انتماء (أ.ب)

أثار انتقاد صريح وجَّهه خباز بريطاني إلى الخبز المكسيكي موجة واسعة من الغضب على وسائل التواصل الاجتماعي، انتهت باعتذار علني.

ففي مقابلة ضمن بودكاست عن الطعام أُعيد تداولها عبر الإنترنت، قال الشريك المؤسِّس لمخبز «غرين راينو» في مكسيكو سيتي، وأحد الأسماء المعروفة في عالم صناعة الخبز الدولية، ريتشارد هارت، إن المكسيكيين «لا يملكون في الحقيقة ثقافة خبز تُذكر»، مضيفاً: «إنهم يصنعون السندويتشات باستخدام لفائف بيضاء قبيحة، رخيصة الثمن ومصنَّعة على نحو صناعي».

وسرعان ما انتشرت تصريحاته عبر منصات «إنستغرام»، و«تيك توك»، و«إكس»، واتهمه كثير من المكسيكيين بالاستخفاف بتراث بلادهم من الخبز التقليدي وإهانته.

وذكرت «أسوشييتد برس» أنّ ما بدأ خلافاً حول الخبز سرعان ما تحوَّل إلى نقاش وطني أوسع حول هوية الطعام، ليس فقط بشأن مَن يُعرّف التقاليد المطبخية المكسيكية، بل أيضاً حول النفوذ المتزايد للأجانب في عاصمة تشهد توتراً متصاعداً بفعل تدفُّق المغتربين الأميركيين والسياح.

وقالت دانييلا ديلغادو، وهي طالبة جامعية في مكسيكو سيتي: «لقد أساء إلى مجتمع الخبازين في المكسيك، وإلى كلّ الناس هنا الذين يحبّون الخبز، وهم تقريباً الجميع».

جدل يتجاوز الخبز إلى سؤال الهوية والذاكرة (أ.ب)

«لا تعبثوا بالبوليو»

امتلأت منصات التواصل الاجتماعي بالميمات ومقاطع الفيديو الساخرة، والدفاعات الحماسية عن الخبز المكسيكي. وسارع المستخدمون إلى الإشادة بالأنواع اليومية الشائعة، من خبز «البوليو» القاسي المُستَخدم في شطائر «التورتا»، إلى خبز «الكونتشا» الشهير في المخابز الشعبية في الأحياء. وفي كثير من الأحيان، تُمثّل هذه الأطعمة البسيطة عنصراً جامعاً بين مختلف الفئات والطبقات الاجتماعية، وتمسّ جوهر الهوية الثقافية للبلاد.

ورغم أنّ خبز القمح أُدخل إلى المكسيك خلال الحقبة الاستعمارية، فإن هذا الغذاء الأساسي تطوَّر ليصبح تقليداً وطنياً مميّزاً، يمزج بين التقنيات الأوروبية والأذواق والمكوّنات المحلّية. ولا تزال المخابز الصغيرة في الأحياء تُشكّل اليوم جزءاً محورياً من الحياة اليومية في المدن والبلدات، بوصفها مراكز اجتماعية بقدر ما هي مصادر للغذاء.

وأثار الحادث تساؤلات واسعة حول سبب إقدام رائد أعمال أجنبي على انتقاد علني لعنصر غذائي مُتجذّر بعمق في الحياة المكسيكية. وبالنسبة إلى كثيرين، عكست تصريحات هارت إحباطات قديمة تتعلَّق بحصول الطهاة وأصحاب المطاعم الأجانب على مكانة واهتمام يفوقان نظراءهم المحلّيين، فضلاً عن المخاوف المُرتبطة بتسارع وتيرة «التحسين الحضري» في العاصمة.

وجاء في منشور لاقى انتشاراً واسعاً عبر «إكس»: «لا تعبثوا بالبوليو».

«فرصة للتعلّم»

ومع تصاعُد الانتقادات، أصدر هارت اعتذاراً علنياً عبر «إنستغرام»، قال فيه إنّ تعليقاته صيغت بشكل سيئ، ولم تُظهر الاحترام اللائق للمكسيك وشعبها. وأقرَّ بردّ الفعل العاطفي الذي أثارته، مُعترفاً بأنه لم يتصرّف بصفته «ضيفاً».

وقال في بيانه: «ارتكبت خطأً، وأندم عليه بشدّة».

وسبق لهارت أن عمل في مخابز فاخرة في الولايات المتحدة وأوروبا، وكان جزءاً من مشهد الخبز الحِرفي المتنامي في مكسيكو سيتي، وهو سوق تستهدف في الغالب زبائن من الطبقتَين الوسطى والعليا، وكثيراً ما يكونون من الأجانب الباحثين عن خبز العجين المُخمّر والمعجنات الأوروبية بأسعار تفوق بكثير أسعار مخابز الأحياء الشعبية.

ولم يُسهم الاعتذار في تهدئة الجدل فوراً. ففي حين قبله بعض المستخدمين، رأى آخرون أنه لم يتطرَّق إلى القضايا الأعمق المُتعلّقة بالسلطة الثقافية، ومَن يملك حق انتقاد التقاليد المكسيكية.


حتى الدلافين تشيخ ببطء مع الأصدقاء!

الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
TT

حتى الدلافين تشيخ ببطء مع الأصدقاء!

الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)
الصداقة تحمي الجسد من الشيخوخة (شاترستوك)

بيَّنت دراسة علمية جديدة أنّ ذكور الدلافين قارورية الأنف التي تنسج صداقات قوية وطويلة الأمد تتقدَّم في العمر بوتيرة أبطأ، مقارنة بأقرانها الأكثر عزلة، ممّا يسلّط الضوء على الدور المحوري للروابط الاجتماعية في تحقيق شيخوخة صحية لدى الثدييات.

وتُعرف الدلافين قارورية الأنف بقدرتها على تكوين صداقات تمتد لعقود، على غرار علاقات الرفقة التي يشهدها البشر. وقد أظهرت دراسات سابقة أنّ ذكور هذا النوع تقضي وقتها معاً في اللعب، وركوب الأمواج للمتعة، والراحة جنباً إلى جنب، وتشكيل روابط اجتماعية عميقة وطويلة الأمد.

ويقتصر هذا النمط من الترابط الاجتماعي على الذكور، إذ يُعرف أنّ صداقات إناث الدلافين تتأثّر بوجود صغار متقاربين في العمر.

وقالت عالمة الأحياء البرية، ليفيا غيربر، من منظمة الكومنولث للبحوث العلمية والصناعية في أستراليا: «يُذكّرني ذلك بصديقَيْن في روضة الأطفال يلازمان بعضهما بعضاً طوال سنوات الدراسة، ثم في مسيرتهما المهنية وحتى التقاعد، ويتقاسمان أفراح الحياة وتحدّياتها».

وفي الدراسة الجديدة، حلَّل الباحثون 50 عيّنة من أنسجة الجلد مأخوذة من 38 دلفيناً قاروري الأنف في «شارك باي»، أو «خليج القرش». كما قيَّم العلماء بيانات الروابط الاجتماعية بين الدلافين في الخليج، استناداً إلى سنوات طويلة من الملاحظات الميدانية.

وخلصوا إلى أّن ذكور الدلافين التي تمتلك علاقات اجتماعية قوية تتقدَّم في العمر بوتيرة أبطأ مقارنة بأقرانها التي تعيش حياة أكثر وحدة.

وقالت غيربر، المؤلّفة الرئيسية للدراسة المنشورة في مجلة «نيتشر كوميونيكيشنز بيولوجي» التي نقلتها «الإندبندنت»: «كنا نعلم بأنّ الروابط الاجتماعية تساعد الحيوانات على العيش مدّة أطول، لكن هذه هي المرة الأولى التي نُظهر فيها أنها تؤثّر في عملية الشيخوخة نفسها». وأضافت: «الروابط الاجتماعية مهمّة إلى حدّ أنها تُبطئ الشيخوخة على المستوى الخليوي».

وأوضح الباحثون أنّ الدلافين الأكثر عزلة قد تضطرّ إلى الصيد بمفردها، والتنافُس على التزاوج من دون دعم، ومواجهة أسماك القرش وغيرها من المفترسات، وهي عوامل قد تُسهم في حياة مليئة بالتوتّر، على نحو يشبه ما يحدث لدى البشر.

وقالت غيربر: «وجود الأصدقاء يعني أنكم تصطادون معاً، وتحرسون ظهور بعضكم بعضاً، وتتقاسمون الأعباء».

وحتى الآن، ركّزت معظم البحوث المتعلّقة بتأثير الصداقات في الشيخوخة على العمر الزمني للحيوان منذ ولادته، أو على متوسّط عمره. وإنما الدراسة الأخيرة قدَّرت العمر البيولوجي الحقيقي للدلافين استناداً إلى مؤشرات فردية في الحمض النووي.

وأظهرت الدراسات أن ما يُعرف بـ«الساعة فوق الجينية» (Epigenetic clock) يوفّر مؤشراً أدقّ على الصحة العامة وحالة الشيخوخة لدى الحيوان. وفي دراسات سابقة، ساعدت هذه الساعات فوق الجينية في كشف كيفية تأثير عوامل مثل التلوّث، والاكتئاب، والروابط الاجتماعية الإيجابية أو السلبية في العمر البيولوجي.

وتخلُص النتائج، حسب العلماء، إلى إبراز أهمية الاستثمار في علاقات إنسانية ذات معنى، إلى جانب التغذية الصحية وممارسة الرياضة، من أجل حياة أطول وأكثر صحة.


«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
TT

«كويبُوكا»… يذكّر بحروب الإبادة في رواندا

نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)
نال الفيلم إشادات عدة خلال عرضه في مهرجان البحر الأحمر (الشركة المنتجة)

في فيلمه «كويبُوكا، تذكَّر»، الذي شارك في مهرجان البحر الأحمر السينمائي، يعود المخرج البلجيكي–الرواندي جوناس داديِسكي إلى موطنه رواندا لا بوصفها مسرحاً لمأساة تاريخية فحسب، بل إنه فضاء حيّ يعيد طرح أسئلة الذاكرة، والهوية، والانتماء من منظور جيلٍ عاش الإبادة الجماعية من بعيد، لكنه ظل يحمل آثارها في داخله.

تدور أحداث الفيلم حول «ليا»، لاعبة كرة سلّة بلجيكية–رواندية، تواجه نهاية مسيرتها الاحترافية في أوروبا، قبل أن تتلقى دعوة غير متوقعة للانضمام إلى منتخب رواندا الوطني، والمشاركة في بطولة تُقام في كيغالي. الرحلة التي تبدو في ظاهرها رياضية بحتة، تتحول تدريجياً إلى مواجهة داخلية مع الذاكرة، والمنفى، وصمت العائلة، وهوية ممزقة بين مكانين وزمنين.

يقول داديِسكي لـ«الشرق الأوسط» إن «الدافع الأساسي لصناعة الفيلم كان رغبتي الشخصية في إعادة الاتصال برواندا، البلد الذي أنتمي إليه عبر والدي، رغم أنه وُلد ونشأ في بلجيكا»، مشيراً إلى أنه لم يُرِد العودة بصفة أنه سائح، بل من خلال مشروع يتيح له خوض تجربة إنسانية حقيقية مع الناس هناك، وهو ما تحقق عبر الفيلم، الذي أعاده مراراً إلى رواندا، وفتح أمامه علاقات، واكتشافات غيّرت نظرته إلى البلد، وإلى نفسه.

صور الفيلم بالعديد من المواقع الحقيقية داخل رواندا (الشركة المنتجة)

ويوضح أن شخصية «ليا»، بطلة الفيلم، جاءت انعكاساً جزئياً لتجربته الذاتية، فهي تنتمي إلى الجيل نفسه، وتحمل الهوية المختلطة ذاتها، وتعود إلى رواندا ليس بدافع الحنين، بل عبر مهمة محددة، وهي الانضمام إلى منتخب كرة السلة الوطني. ومع ذلك، فإن هذه العودة تفتح أسئلة مؤجلة حول العائلة، والماضي، والإبادة الجماعية.

وأكد أن الفيلم انطلق من الشخصية أولاً، لكن استحالة فصل العودة إلى رواندا عن تاريخها جعلت ذاكرة ما بعد الإبادة حاضرة بوصفها سياقاً لا يمكن تجاهله، مشيراً إلى أنه تعامل مع كرة السلة باعتبارها فقاعة تحتمي داخلها «ليا»، فالحياة الاحترافية القاسية سمحت لها بالتركيز على الحاضر، وتجنب مواجهة ماضيها. غير أن دعوة المنتخب الرواندي شكّلت أول شرخ في هذه الفقاعة، إذ سمحت لها بالعودة إلى البلد من دون أن تكون مطالبة فوراً بمواجهة أسئلتها العائلية.

ولفت إلى أن الفيلم يتعمد كسر صورة «الفيلم الرياضي الكلاسيكي»، إذ تبدأ «ليا» باعتبارها نجمة منتظرة، وقائدة للفريق، لكنها تنتهي بالتنازل عن موقعها، وإقناع المدرب بأن الفريق قادر على الفوز من دونها، في موازاة رمزية مع رواندا التي أعادت بناء نفسها بعد الإبادة.

عاد المخرج إلى رواندا عدة مرات للتحضير للفيلم (الشركة المنتجة)

وعن تجنب الميلودراما يقول داديِسكي إن «قوة الشخصية المهنية كانت عنصراً أساسياً في موازنة هشاشتها الداخلية. فالفيلم يقدّمها أولاً كلاعبة ناجحة، قبل أن يكشف تدريجياً تعقيدات ماضيها»، مؤكداً أن وعي البطلة بأنها لم تعش الإبادة بنفسها منح الشخصية تواضعاً أخلاقياً، منعها من إصدار الأحكام، وهو ما انعكس على نبرة الفيلم العامة، القائمة على الصمت، والكلمات القليلة، والانفعالات المكبوتة.

وفي تناوله للإبادة الجماعية، يوضح المخرج أنه اختار الابتعاد عن الصور المباشرة، أو الأرشيف، مفضّلاً تثبيت الفيلم في الحاضر، مشيراً إلى أن «الصمت والغياب كانا عنصرين أساسيين في السرد، قبل أن تأتي فكرة استخدام الرسوم المتحركة بوصفها وسيلة عضوية لاستعادة الذاكرة، فالبطلة لا تملك صوراً واضحة عن الماضي، بينما يحمل والدها ذكريات مؤلمة عبّر عنها عبر رسومات، وعندما تكتشف الابنة هذه الرسومات، تبدأ في إسقاط ذاكرتها المتخيلة عليها، في عملية إعادة بناء غير مكتملة، تعكس هشاشة الذاكرة، وتشوهها»، على حد تعبيره.

ويؤكد داديِسكي أن الرسوم المتحركة كانت خياراً أخلاقياً، وجمالياً، لأنها تبتعد عن إعادة تمثيل العنف، وتسمح بتجسيد الإحساس بدل الحدث، كما أنها شكّلت جسراً عاطفياً بين الأب، والابنة، وهي العلاقة التي يراها جوهر الفيلم.

وحول فكرة «العودة» إلى الوطن، يشدد على أن الفيلم لا يتعامل معها بوصفها حنيناً، لأن «ليا» لا تمتلك ذاكرة واضحة عن رواندا، فهي لا تتقن اللغة، والبلد تغيّر جذرياً، حتى ملاعب كرة السلة أصبحت أكثر تطوراً مما عرفته في أوروبا، لافتاً إلى أن وجودها في رواندا لاعبة، لا سائحة، منح السرد ديناميكية، وحوّل العودة إلى رحلة اكتشاف وبحث، لا استرجاع للماضي.

قدم الفيلم صورة عن واقع رواندا اليوم بنظرة جيل عاش خارجها (الشركة المنتجة)

ويرى المخرج أن البطلة تمثل جيلاً كاملاً من أبناء الشتات الرواندي، الذين غادروا البلاد خلال الإبادة، ونظروا إلى وطنهم لسنوات طويلة من خلال مأساة واحدة، لكنه يؤكد في الوقت نفسه أن الشخصية تتجاوز خصوصيتها، لتعبّر عن تجربة إنسانية أوسع، تشمل كل من عاش انكسار الهوية بسبب الحرب، أو المنفى، أو التبني القسري.

وعن التناقض بين ماضي رواندا الجريح وحاضرها النابض، يقول داديِسكي إن هذه المفارقة كانت من أقوى الصدمات التي عاشها شخصياً عند زيارته الأولى للبلد، بعدما اكتشف عاصمة حديثة، وطبيعة خلابة، وحياة يومية مليئة بالطاقة، لافتاً إلى أنه أراد نقل هذه الصورة إلى الفيلم، من دون إنكار الماضي، عبر لغة بصرية ملوّنة، وحيوية، تقابلها معالجة متقشفة وصامتة لأماكن الذاكرة، وقال إن «الفيلم يعكس قناعتي بأن الجيل الذي كان طفلاً وقت الإبادة يمتلك اليوم مسافة كافية تسمح له بمساعدة جيل الآباء على تفكيك صدماتهم».

وفي ختام حديثه، يشير داديِسكي إلى أن اسم الفيلم لا يعني التذكّر بوصفه عودة جامدة إلى الماضي، بل باعتبار أنه تفاعل حيّ بين الماضي والحاضر، معرباً عن أمله في أن يخرج المشاهد من الفيلم برغبة في مواجهة عقده الخاصة قبل فوات الأوان، وبإيمان حقيقي بإمكانية إعادة البناء، سواء على المستوى الفردي، أو الجماعي، حتى بعد أكثر التجارب الإنسانية قسوة.