«بينالي القاهرة» الـ13... فنانو العالم يُسائلون التاريخ ويتمردون عليه

أعمال من 52 دولة تجسد مسارات الفن المعاصر وترصد تحولات العولمة

الفنان الكولومبي كاميلو أمام لوحته عن السلام والتآخي بين الشعوب
الفنان الكولومبي كاميلو أمام لوحته عن السلام والتآخي بين الشعوب
TT

«بينالي القاهرة» الـ13... فنانو العالم يُسائلون التاريخ ويتمردون عليه

الفنان الكولومبي كاميلو أمام لوحته عن السلام والتآخي بين الشعوب
الفنان الكولومبي كاميلو أمام لوحته عن السلام والتآخي بين الشعوب

أعمال تلمس روح الشرق بكل سحره وأساطيره وقضايا الإنسان المعاصرة، هي ما يحفل به «بينالي القاهرة الدولي الثالث عشر»، الذي انطلق أمس (الاثنين) بدار الأوبرا المصرية، معلناً عن مظاهرة فنية عالمية، بمشاركة 52 دولة وأكثر من 70 فناناً وفنانة من 4 قارات، تحمل معها تصورات الفنانين من مختلف أنحاء العالم عن ماهية الشرق وكينونة الغرب وإبراز نقاط التلاقي والحوار بعيداً عن الصدامات والصراعات الآيديولوجية.
افتتحت البينالي وزيرة الثقافة المصرية د. إيناس عبد الدايم، ود. خالد سرور رئيس قطاع الفنون التشكيلية، وقومسيير البينالي الفنان إيهاب اللبان، بحضور نخبة من الفنانين والمشاهير في الفن والسياسة، منهم الفنان الوزير فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق، والسياسي البارز عمرو موسى، والفنان آسر ياسين، والفنانة مادلين طبر.
من جانبه، أعرب الفنان فاروق حسني لـ«الشرق الأوسط» عن سعادته بعودة البينالي الذي تأسس عام 1984. وقال: «البينالي مظاهرة فنية محفزة للأفكار الفنية، ويعد بمثابة جرعة فنية محفزة ومكثفة لمتابعة مسارات الفن التشكيلي حول العالم، كل فنان يجتهد لإبراز أفكار جديدة، وتدمج مختلف مجالات الفن». بينما أكد الأمين العام لجامعة الدول العربية الأسبق، عمرو موسى أن «الفن يعد سلاحاً لمحاربة كل الأفكار الظلامية، وهو أفضل وسيط للتحاور بين الشعوب والثقافات، بل يصلح ما تفسده السياسة»، معرباً عن أهمية هذا الحدث الثقافي على الأصعدة الاقتصادية والسياسية والفنية كافة.
ولعل الأمر المميز في هذه الدورة عودة البينالي بقوة، حيث توزعت الأعمال على 3 أماكن عرض، هي قصر الفنون، ومتحف الفن الحديث بدار الأوبرا، ومجمع الفنون بقصر عائشة فهمي بالزمالك. وجاءت الدورة الجديدة بعد انقطاع دام 9 سنوات بتنوع كبير في الأعمال والمشاركات التي عكست روح المعاصرة بالارتكاز على التراث والموروث الثقافي والأحداث التاريخية والسياسية، فضلاً عن تجسيد تأثيرات العولمة على الإنسان والبشرية والحياة اليومية في ظل التطور التكنولوجي.
جاءت المملكة العربية السعودية، ممثلة في مشاركة الفنان السعودي راشد الشعشعي، الذي تناول في عمله ثقافة الاستهلاك وتأثيرات العولمة على أسلوب حياة الإنسان المعاصر، بعمل فني يمزج موتيفات إسلامية مع منظور حداثي، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «يتحدث العمل عن تسليع المعتقدات والقيم وثقافة الاستهلاك وكيف تتلاعب السياسة والرأسمالية بالإنسان. وصنع من سلة خاصة بالفواكه تأتي من مصر للملكة، فالعمل يجسد كيف يمكن أن تتحول حالة تجارية إلى عمل فني، وهو مزين بوحدة زخرفة إسلامية، هي النجمة الثمانية». ويضيف: «أعمل على المشروع منذ 4 سنوات، لكن هذا العمل استغرق نحو 3 أشهر». ويؤكد: «بينالي القاهرة من أهم الفعاليات الفنية في المنطقة، ويجسد حالة من التفاعل الثقافي بين الشرق والغرب، ويعطينا فنانين خبرات فنية بأعلى مستوى».
المشهد السياسي لم يغب عن عيون الفنانين، وتجسد في عدد لا بأس به من الأعمال، وجاء العمل اللافت للفنان اللبناني أيمن بعلبكي بعنوان «النهاية» ليستحضر معه المتلقي مشاعر مختلفة بالقلق ونبذ العنف والدمار والحروب. وعن العمل المستوحى من ذاكرة الحرب اللبنانية، يقول أيمن بعلبكي لـ«الشرق الأوسط»: «تجسد اللوحة سينما بيروت، سيتي سنتر، التي كانت مركزاً تجارياً وسينما، وهو من المباني القليلة التي تجسد جروح الحرب، فحاولت أن أدعو لإسدال الستار على الحرب».
«حتى بالدمار في بعد جمالي» يؤكد بعلبكي، الذي يضيف: «مشروعي الفني اجتماعي وسياسي، يركز على ذاكرة الحرب، كذلك اللوحة الأخرى التي أشارك بها عن طائرة مدنية لبنانية من الطائرات التي تم قصفها من الجو من قبل الطيران الإسرائيلي في عملية أطلقوا عليها (الهدية)، هذا الاسم الاستفزازي أثارني أن أقدم عبره إشارة للتاريخ».
أما الفنان المصري عصام درويش، فقد قدّم جدارية ناصعة البياض تعتليها حشرات بصور باهتة ترمز لجسد العالم العربي، الذي ينتهك من أعداء عدة، رمز إليهم بالحشرات العابرة التي لا تكاد تترك أثراً كناية عن الحملات الاستعمارية التي جاءت وأجليت أو رحلت عنه دون أثر يذكر. وعن ذلك العمل المبتكر، يقول لـ«الشرق الأوسط»: «جسد الشرق في تركيبات مربعة الشكل، عليه وشم، تعبيراً عن محاولة لتقطيع هذا الجسد وتفكيكه، لكن الحشرة ستعبر دون أن تضرّ به».
يتميز البينالي هذا العام بمشاركة كثيفة للفنانين الأفارقة بإنتاج متنوع ما بين اللوحات والجداريات والأعمال التركيبية. «الشرق الأوسط» التقت الفنان الموريتاني أومار بول، الذي قدّم عملاً عن الحرية: «العمل رمزي يعبر عن ثمن الحرية مثل الطيور التي قد تتعرض أحياناً للسقوط والقنص، لكنها يمكن أن تعود لتحلق مرة أخرى»، مشيراً إلى استخدامه المعدن والريش والأسلاك لتجسيد رائعته الفنية.
وتميزت الأعمال المعروضة في متحف الفن الحديث بمزجها التاريخ بالسياسة وتناول قضايا الحروب والبيئة والسلام، كذلك الهجرات والحدود، وكان من اللافت إعجاب الفنانين الأجانب من مختلف أنحاء العالم برائعة الفنان السكندري محمود سعيد «بنات بحري» التي حرصوا على التوقف والتمعن في تفاصيلها الجمالية، والتي رسمها في بدايات القرن العشرين. يقول الفنان الكولومبي كاميلو أرياس لـ«الشرق الأوسط» في محاوره بالإنجليزية عن عمله البصري: «استلهمت رمز الحضارة المصرية، الهرم، في التعبير عن أن السلام والحب هو السبيل للخلود، وأن البشرية رغم اختلافها وتنوعها لن تعبر للبرّ الآمن إلا بالتحاور، محاولاً عبر عدة رموز تجسيد أن الاختلاف لا يضرّ، بل هو سبيل للتحاور».
في مجمع الفنون بالزمالك، تستقبلك أعمال ضيف الشرف الفنان الفرنسي الكبير جيرار جاروست، الذي أعرب لـ«لشرق الأوسط» عن سعادته بعرض أعماله ببينالي القاهرة، لما لمصر وفنّها من مكانة، فتاريخ الفن فيها يمتد لآلاف السنين. أعمال جاروست جاءت أشبه بالأعمال التصويرية لفناني عصر النهضة، تلك التي تراها على نوافذ الكنائس العتيقة، تروي قصصاً وأساطير مستلهمة من التراث الثقافي الأوروبي.
بينما تحاول الفنانة الأميركية سما الشيبي، التي تتحدر من جذور فلسطينية وعراقية، محو الصورة الذهنية عن المرأة الشرقية والعربية، التي تسببت فيها صور الفنانين الأجانب والمستشرقين في بدايات القرن التاسع عشر، والتي صورت المرأة كأنها كائن يعيش من أجل الرجل فقط، أو أنها مهمشة لا دور لها. وتقول لـ«الشرق الأوسط»: «أعكف من خلال مشروعي الفني على تغيير الفكر الغربي تجاه المرأة العربية، التي برأيي هي من أقوى النساء، بقدرتها على التحمل والتحدي وتحقيق الإنجازات، فضلاً عن أن المرأة هنا ترمز للوطن والبلاد الأم التي نشتاق إليها. اخترت أن أقوم بتصوير نفسي بأزياء عربية باللون الأبيض والأسود، مع رموز مستوحاة من صور القرن التاسع عشر، تعبر عن رفض قولبة المرأة في تلك الصور النمطية».
سما الشيبي في صورها تجسد تجليات المرأة العربية، فهي تارة مفعمة بالأنوثة قوية واثقة تتحدى الحواجز، في صورة تقبع خلف صندوق، وتارة أخرى باحثة عن العدالة، وتارة صامدة ومتحدية، تحمل معها مفتاح بيت عائلتها الفلسطينية، الذي لم تفقد الأمل يوماً بالعودة إليه.



مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
TT

مصر تُكرّم فنانيها الراحلين بالعام الماضي عبر «يوم الثقافة»

مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية
مصطفى فهمي في لقطة من أحد أعماله الدرامية

في سابقة جديدة، تسعى من خلالها وزارة الثقافة المصرية إلى تكريس «تقدير رموز مصر الإبداعية» ستُطلق النسخة الأولى من «يوم الثقافة»، التي من المقرر أن تشهد احتفاءً خاصاً بالفنانين المصريين الذي رحلوا عن عالمنا خلال العام الماضي.

ووفق وزارة الثقافة المصرية، فإن الاحتفالية ستُقام، مساء الأربعاء المقبل، على المسرح الكبير في دار الأوبرا، من إخراج الفنان خالد جلال، وتتضمّن تكريم أسماء عددٍ من الرموز الفنية والثقافية الراحلة خلال 2024، التي أثرت الساحة المصرية بأعمالها الخالدة، من بينهم الفنان حسن يوسف، والفنان مصطفى فهمي، والكاتب والمخرج بشير الديك، والفنان أحمد عدوية، والفنان نبيل الحلفاوي، والشاعر محمد إبراهيم أبو سنة، والفنان صلاح السعدني، والفنان التشكيلي حلمي التوني.

أحمد عدوية (حساب نجله محمد في فيسبوك)

وقال الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري في تصريحات الأحد، إن الاحتفال بيوم الثقافة جاء ليكون مناسبة وطنية تكرم صُنّاع الهوية الثقافية المصرية، مشيراً إلى أن «هذا اليوم سيُعبِّر عن الثقافة بمعناها الأوسع والأشمل».

وأوضح الوزير أن «اختيار النقابات الفنية ولجان المجلس الأعلى للثقافة للمكرمين تم بناءً على مسيرتهم المميزة وإسهاماتهم في ترسيخ الهوية الفكرية والإبداعية لمصر». كما أشار إلى أن الدولة المصرية تهدف إلى أن يُصبح يوم الثقافة تقليداً سنوياً يُبرز إنجازات المتميزين من أبناء الوطن، ويحتفي بالرموز الفكرية والإبداعية التي تركت أثراً عظيماً في تاريخ الثقافة المصرية.

وفي شهر أبريل (نيسان) من العام الماضي، رحل الفنان المصري الكبير صلاح السعدني، الذي اشتهر بلقب «عمدة الدراما المصرية»، عن عمر ناهز 81 عاماً، وقدم الفنان الراحل المولود في محافظة المنوفية (دلتا مصر) عام 1943 أكثر من 200 عمل فني.

صلاح السعدني (أرشيفية)

كما ودّعت مصر في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2024 كذلك الفنان التشكيلي الكبير حلمي التوني عن عمر ناهز 90 عاماً، بعد رحلة طويلة مفعمة بالبهجة والحب، مُخلفاً حالة من الحزن في الوسط التشكيلي والثقافي المصري، فقد تميَّز التوني الحاصل على جوائز عربية وعالمية عدّة، بـ«اشتباكه» مع التراث المصري ومفرداته وقيمه ورموزه، واشتهر برسم عالم المرأة، الذي عدّه «عالماً لا ينفصل عن عالم الحب».

وفي وقت لاحق من العام نفسه، غيّب الموت الفنان المصري حسن يوسف الذي كان أحد أبرز الوجوه السينمائية في حقبتي الستينات والسبعينات عن عمر ناهز 90 عاماً. وبدأ يوسف المُلقب بـ«الولد الشقي» والمولود في القاهرة عام 1934، مشواره الفني من «المسرح القومي» ومنه إلى السينما التي قدم خلالها عدداً كبيراً من الأعمال من بينها «الخطايا»، و«الباب المفتوح»، و«للرجال فقط»، و«الشياطين الثلاثة»، و«مطلوب أرملة»، و«شاطئ المرح»، و«السيرك»، و«الزواج على الطريقة الحديثة»، و«فتاة الاستعراض»، و«7 أيام في الجنة»، و«كفاني يا قلب».

الفنان حسن يوسف وزوجته شمس البارودي (صفحة شمس على فيسبوك)

وعقب وفاة حسن يوسف بساعات رحل الفنان مصطفى فهمي، المشهور بلقب «برنس الشاشة»، عن عمر ناهز 82 عاماً بعد صراع مع المرض.

وجدّدت وفاة الفنان نبيل الحلفاوي في شهر ديسمبر (كانون الأول) الماضي، الحزن في الوسط الفني، فقد رحل بعد مسيرة فنية حافلة، قدّم خلالها كثيراً من الأدوار المميزة في الدراما التلفزيونية والسينما.

السيناريست المصري بشير الديك (وزارة الثقافة)

وطوى عام 2024 صفحته الأخيرة برحيل الكاتب والمخرج بشير الديك، إثر صراع مع المرض شهدته أيامه الأخيرة، بالإضافة إلى رحيل «أيقونة» الأغنية الشعبية المصرية أحمد عدوية، قبيل نهاية العام.