آينشتاين.. العذاب بين العلم والروح

كتاب أميركي يؤكد إيمانه الشديد.. عكس الشائع عنه

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب
TT

آينشتاين.. العذاب بين العلم والروح

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

رغم أن موضوع العلاقة بين الإيمان واكتشافات واختراعات الإنسان العلمية عمره تقريبا عمر الإنسان نفسه، أثار هذا الكتاب الأميركي الجديد ضجة في أميركا لأن مؤلفه، وكثيرا من الذين علقوا عليه، من العلماء الأميركيين المرموقين.
المؤلف، أمير اكزيل، أميركي إسرائيلي، حصل على بكالوريوس، وماجستير، في الرياضيات من جامعة كاليفورنيا، ودكتواره في الإحصاء من جامعة شياغو، وهو الآن أستاذ في جامعة بوسطن، وألف 16 كتابا، أغلبيتها ليست في الرياضيات أو الإحصاء، ولكن في مواضيع عامة، وبلغة سهلة. من هذه الكتب: «توجد حياة في العالم البعيد» و«معادلة إلهية: آينشتاين والنسبية والكون المتمدد» و«البوصلة: الاختراع الذي غير العالم» و«معادلات رياضية عن القمار والحب وسوق الأوراق المالية» و«ديسكارت والرياضيات والغيبيات» و«عندما يكون أستاذ الرياضيات فنانا» و«نظرية التطور وإنسان الصين القديم».
بسبب خلطه بين العلم والغيبيات، وبسبب سهولة قراءة كتبه، وبسبب كثرتها، اهتم أميركيون، وخاصة علماء، بكتابه الجديد: «هواي سيانس دز نوت ديس ابروف غود» (لماذا لا ينكر العلم الله).
من بين الذين علقوا على الكتاب آلان لايتمان. هذا الآخر، أيضا، خلط بين الكتابات العلمية وغير العلمية (في هذه الحالة، كتابة الروايات). أولا، حصل على بكالوريوس، وماجستير، في الرياضيات من جامعة برنستون. ثم دكتوراه في الفيزياء النظرية من جامعة كاليفورنيا. ويعمل الآن أستاذا في معهد ماساجوتس للتكنولوجيا (إم آي تي). في وقت لاحق، بدأ يكتب روايات علمية، وأيضا، كتبا في موضوع الغيبيات.
وبسبب هذه الاهتمامات المتنوعة، هو أول أستاذ في «إم آي تي» يشغل منصبين: بروفسور في العلوم، وبروفسور في الآداب.
ومن كتبه غير العلمية، أو شبه العلمية (ألف خمسة وعشرين كتابا): «نظرية النسبية ونظرية الجاذبية» و«اكتشاف الكون» و«آراؤنا المتعارضة عن الكون» و«الكون والصدفة» و«العلم والروح البشرية».
لكن، أكثر كتبه إثارة للضجة ليس عن موضوع علمي، ولكن عن رواية «آينشتاين دريمز» (أحلام اينشتاين). وتتخيل الرواية ما كان يفكر فيه آينشتاين قبل أن يكتب «نظرية النسبية» (عام 1905). وتخلط الرواية بين أفكار علمية وأفكار روحية، تعبيرا عن أن اينشتاين كان يتعذب بين الاثنين.
ليست صدفة أن يسارع لايتمان بالتعليق على كتاب اكزيل الجديد. فقد كتب الاثنان كتبا كثيرة عن العلاقة بين الله وعلم الإنسان، وعن آينشتاين. ربما بسبب ما يريانه «عذاب» آينشتاين بين العلم والروح.
كتب أكزيل، في كتابه «معادلة إلهية: آينشتاين والنسبية والكون المتمدد»، أن اينشتاين، إذا كان حيا اليوم، كان سيغير رأيه. كتب أكزيل ذلك بعد عام 1998، بعد أن اكتشف باحثون متخصصون في علم «كوزموز» (الفضاء البعيد) أنه يتمدد إلى ما لا نهاية. وأن درجة التمدد تزيد بنسب متضاعفة. وكتب أكزيل: «تغيرت، إلى الأبد، نظرتنا إلى الكون».
ولاحظ أكزيل أن آينشتاين بحث في تمدد الكون، وكتب نظرية «كوزمولوجيكال كونستانت» (الفضاء البعيد المنتظم). وتظل هذه النظرية هي أساس أبحاث اليوم. لكن، من المفارقات أن آينشتاين، صاحبها، عارضها وألغاها.
درس أكزيل خطابات آينشتاين، وكتاباته الخاصة (لأول مرة، ترجم أغلبيتها). وخلص إلى أن نظرية آينشتاين (الملغاة) تؤكد وجود كون بلا نهاية.
لهذا، انتقل أكزيل، في كتابه الجديد، إلى الخطوة التالية، وهو يحلل أفكار آينشتاين. وهي أن آينشتاين «حقيقة، كان يؤمن إيمانا شديدا».
جمع المؤلف معلومات عن حياة آينشتاين، ومنها أنه كان يصلي في معبد يهودي في براغ عام 1913، وكتب عدة مقالات دينية عن الإيمان والكون وكذلك رسالة إلى فتاة كتبها عام 1936، ويقول فيها: «هناك روح واضحة في قوانين الكون. روح تتفوق كثيرا على روح الإنسان».
في كتابه هذا، ينتقد أكزيل علماء اعتقدوا أن آينشتاين كان ملحدا. مثل، أولا، لورنس كراوس، مؤلف كتاب «يونيفيرس فروم ناثنغ» (كون من لا شيء)، الذي يركز في كتبه على الطريق العملي المنطقي للوصول إلى الحقيقة. ويعارض ما يسميها «ريليجاس دوغما» (العقيدة الدينية). وثانيا، ريتشارد دومكنز صاحب نظرية «سيلفيش جين» (الجينات الأنانية)، وتتلخص في أن الجينات، وربما ليس بالضرورة الكون، هي أساس نظرية التطور. وثالثا، سام هاريس، مؤلف كتاب «إند أوف فيت» (نهاية الإيمان). وهو طبيب أميركي متخصص في الخلايا الدماغية. ويدير، مع زوجته اناكا هاريس، مركز «ريزون» (المنطق).
وينتقد أكزيل هؤلاء العلماء نقدا مفصلا. ويسميهم «نيو ايثيستس» (الملحدين الجدد).



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لواحدة من أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذا العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى أن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفعالية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني وتستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقة تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسنح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

ومن جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين من أن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق كمكان لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».