بعد تراجعها لصالح الأحذية الرياضية... حقيبة اليد تستعيد مجدها

إكسسوار يرفع أسهم المصمم عالياً أو يطيح به

بعد تراجعها لصالح الأحذية الرياضية... حقيبة اليد تستعيد مجدها
TT

بعد تراجعها لصالح الأحذية الرياضية... حقيبة اليد تستعيد مجدها

بعد تراجعها لصالح الأحذية الرياضية... حقيبة اليد تستعيد مجدها

الآمال معقودة على «إنستغرام» لإعادة المجد لحقائب اليد. هذا على الأقل ما تؤكده صور المدونات والمؤثرات إضافة إلى الحملات الترويجية التي تطرحها بيوت الأزياء الكبيرة في المواسم الأخيرة. أجمعت كلها على أنه لا بد من طريقة لإنعاش هذا الجانب من الإكسسوارات بعد تراجع مبيعاته لصالح الأحذية الرياضية أخيراً.
فطوال عقدين من الزمن، من التسعينات إلى بداية الألفية، ظلَّت حقائب اليد الدجاجة التي تبيض ذهباً لبيوت الأزياء. اكتسبت حينها قوة غير مسبوقة إلى حد أنه أصبح لكل واحدة اسمها الخاص، كما أصبحت سلاح كل مصمم للنجومية. ما علينا إلا أن نتذكر حقيبة «لاريات» لبالنسياغا، و«بايزووتر» و«اليكسا» لمالبوري، و«باغيت» لـ«فندي» وهلم جرّا.
«فندي» مثلا باعت مئات الآلاف من حقيبة «الباغيت» بعد إطلاقها مباشرة في عام 1997. كان حلم أي فتاة صغيرة أن تقتني واحدة بعد أن رأتها على كتف أو يد نجمة أو إحدى قريناتها. قد تدخر لها طويلاً، أو تُلمِّح لكل أفراد عائلتها عن رغبتها فيها قبل حلول عيد ميلادها أو ظهور نتائج الامتحانات بأشهر.
مرت السنوات وتم ركن أغلب هذه الحقائب في الرفوف والخزائن، باستثناء تصاميم قليلة مثل «ذي بيركين» من دار «هيرميس» و«شانيل 2.55». فحسب تقرير صدر عام 2018، «ليست كل التصاميم تراجعت وتأثرت سلباً. فبينما شهدت حقائب اليد الموسمية انخفاضاً، تشهد حقائب أخرى لبيوت عالمية ارتفاعاً». السبب أن المستهلك يرى أن «ثمنها فيها»، وبأنها تحافظ على قيمتها مهما مرَّت السنوات وتغيرت المواسم. أما سبب التراجع الذي شهدته الحقائب الأخرى، فيرده البعض إلى اجتياح الأسلوب الـ«سبور» ساحة الموضة، من جهة، وهو الأمر الذي جعل الأحذية الرياضية تسرق الأضواء من باقي الإكسسوارات، والتخمة التي أصابت جيلاً كاملاً من جهة ثانية.
بيد أن الخبر السعيد للمصنّعين هو أن الحقيبة بدأت تتسلل من جديد إلى الساحة وتستعيد قوتها من الباب القديم نفسه، أي «اللوغوهات» والرغبة في كل ما هو «فينتاج». وهذا يعني أن العملية سهلة بالنسبة لكثير من البيوت. فهي لا تتطلب منهم سوى الغوص في أرشيفها الخاص، والغرف منها تحت غطاء «العودة إلى الإرث». «ديور» مثلاً عادت إلى حقيبة «ذي سادل» التي كان جون غاليانو قد طرحها في التسعينات. كل ما قامت به المصممة الحالية ماريا غراتزيا تشيوري، أنها صنعتها من أقمشة مختلفة وأضافت إليها، إلى جانب اللوغو، حزاماً طويلاً للكتف. دار «فندي» قامت بالعملية ذاتها تقريباً.
ويبدو أن المصممة ماريا غراتزيا كيوري فهمت اللعبة، واستغلت تأثير المدونات و«إنستغرام» لتروج لهذه الحقيبة بطريقة غير مسبوقة. ربما تكون أثارت جدلاً كبيراً بين مؤيد ورافض بعد أن جندت 100 مدونة من كل أنحاء العالم للظهور بها في اليوم ذاته والساعة نفسها، لكنها حققت الهدف منها، فقد تداولتها وسائل التواصل وخلقت جدلاً بين الناس. وشجعها نجاحها على أن تُعيد الكَرّة في الأسبوع الماضي بإهداء حقيبتها الجديدة «30 مونتين» إلى مجموعة من هؤلاء ظهرن بها في اليوم نفسه. الفرق أنه كان لزاماً عليهن أن يُشرن في «إنستغرام» إلى أنها «هدية». دار «فندي» هي الأخرى تطبّق استراتيجية مماثلة، بإعادة صياغة حقيبتها الأيقونية «ذي باغيت» وبيعها لجيل جديد لم يرها سوى في الصور أو شاهدها في خزانات الأمهات والجدات. طرحتها في حفل ضخم خلال «أسبوع نيويورك للموضة» الأخير، وأرفقتها بحملة ترويجية استغلت فيها ارتباطها بالسلسلة التلفزيونية الشهيرة «سيكس أند ذي سيتي». وإذا كانت الحملة التي قامت بها «ديور» أكدت نجاحها من خلال أرقام المبيعات التي زادت، فإن الوقت لا يزال مبكراً بالنسبة لحملة «فندي»، رغم أن المؤشرات تقول إنها ستحقق المطلوب، وربما ستبقى أكثر من غيرها بالنظر إلى حرفيتها وتفاصيلها. تشرح سيلفيا فندي عودتها إلى هذه الحقيبة التي يمكن القول إنها كانت أول من بدأت مفهوم «الحقيبة النجمة»، بأنها شاهدت على صفحات «إنستغرام» صور بعض الفتيات الصغيرات بهذه الحقيبة. كان واضحاً أنها كانت ملكاً لأمهاتهن وأثارت إعجابهن. من هنا، انبثقت في ذهنها فكرة أن تقدمها لهن بشكل يناسب حياتهن وأسلوبهن السبور. فهن يحملن حقائبهن بطرق مختلفة، لهذا جعلتها بحزام أطول ليعلقنها على الكتف أو يلففنها حول الصدر.
المصمم داكي معروف، الذي أسَّس مع أحمد صبري ماركة خاصة بالحقائب في عام 2012 تتميز بالابتكار والفنية، يعرف حق المعرفة أهمية أن تنجح حقيبة ما، فهي لا تحقق الربح لمصممها فحسب بل تجعله نجماً. يقول إن «الحقيبة النجمة هي تلك التي تلمس وتراً حساساً بداخل المرأة أينما كانت... ليس لأنها تتميز بتصميم مبتكر فحسب، بل لأنها تُطرح في المكان والزمان المناسبين وبسعر معقول ومدروس من كل الجوانب. وطبعاً فإن حملة ترويجية ذكية تُسهِم في زيادة نسبة نجاحها التجاري». وتابع: «أنا لا أعتقد أن هناك شُحاً في التصاميم الأنيقة أو المميزة لكن الحظ يلعب دوراً كبيراً في بعض الحالات».
وبالفعل، التاريخ يؤكد أن الحظ حالف بعض المصممين وخاصم آخرين، بغض النظر عن قدراتهم الإبداعية. أكبر دليل على هذا المصمم الاسكوتلندي الأصل كريستوفر كاين، الذي توسمت فيه دوناتيلا فرساتشي الموهبة وسلمته خط «فيرسيس» لست سنوات، أثار خلالها انتباه مجموعة «كيرينغ» التي اشترت خطه الخاص وضخت فيه المال. لكن على الرغم من كل التهليل الإعلامي الذي يحظى به في كل موسم، لم ينجح في طرح حقيبة «تكسر السوق» وترفع أسهمه عالياً. والنتيجة أن «كيرينغ» باعت له أسهمه ثانية من دون أن ترف لها عين.
لم تشفع له موهبته ولا خياله الخصب، ولم يحقق النتائج المتوقعة منه مثل نظيره أليساندرو ميكيلي، مصمم دار «غوتشي»، وأنطونيو فاكاريللو، مصمم «سان لوران» اللذين يحققان الأرباح للمجموعة.
ستيفانو ساسي الرئيس التنفيذي لـ«فالنتينو» صرح أخيراً بأن إيرادات مجموعة «كيرينغ» التي تنضوي تحتها الدار إلى جانب كل من «غوتشي» و«سان لوران» و«بوتيغا فينيتا» نمت في العام الماضي بوتيرة أبطأ مقارنة مع 2017. وأشار خلال مؤتمر صحافي: «حققنا المزيد من النمو في 2018 لكن ليس بالوتيرة التي اعتدنا عليها»، لافتاً إلى أن هناك تفاؤلاً في جميع الأسواق في الأشهر الأولى من 2019. ورغم أنه كان يتكلم عن الوضع الاقتصادي العالمي، فإن ما لا يخفى على أي أحد أن «فالنتينو» لا تزال تحاول تقديم حقيبة «تكسر الدنيا» رغم عبقرية مصممها الفني بيير باولو بكيولي وشعبيته. فالكل يعرف أن الأرباح التي تجنيها معظم بيوت الأزياء، هي من وراء منتجاتها الجلدية وليست الأزياء. وهذا ما يعلق عليه المصمم داكي معروف بقوله إن العملية جد صعبة بسبب المنافسة الشديدة التي جعلت السوق مُتخمة.
تصاميم «صبري معروف» تنتمي إلى خانة الحقائب المتميزة؛ فهي ليست من النوع التجاري، كونها تخضع لمعايير تقنية وفنية كثيرة تجعلها تخاطب شريحة تفهم الموضة جيداً، وتطمح إلى التفرد. ويشير داكي إلى أنه وشريكه أحمد صبري عاشا كثيراً من التحديات، ويفهمان مدى الصعوبة في طرح حقيبة فنية تبيع وتحقق أرباحاً عالية. ولا يلومان بيوت الأزياء الكبيرة في تطبيق استراتيجيات مضمونة تركز على ما يتوفر في أرشيفاتها، مثل إحياء اللوغو الخاص بها وما شابه. «نعم، إنها ذكية»، حسب قولها، لأنها «تتوجه إلى شريحة من الشابات جديدات على الموضة، ويطمحن للانتماء إلى ناديها بأي شكل، وهذا طبيعي لأنهن صغيرات السن ما زلن في مرحلة تكوين هوياتهن، كما أن تقبل الآخر لهن يعني الكثير. وهذا ما فهمته بيوت الأزياء الكبيرة وتستغله بطرق مختلفة».
كما لا يرى كل من أحمد صبري وداكي معروف أي عيب في الاعتماد على وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لمنتجاتهم بشكل مُكثف، كما هو الحال بالنسبة للحملة التي قامت بها «ديور» للترويج لحقيبة «السادل» وجندت لها 100 شخصية مؤثرة حول العالم ظهرن بها في اليوم نفسه. فالموضة بالنسبة لهما تعكس ثقافة المجتمعات والزمن الذي تُطرح فيه «في الوقت الحالي، لا يخفى على أحد أننا في زمن وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف بدليل أن نشتري الكثير من أغراضنا إلكترونياً» وهذا ما يجعل التأقلم مع هذه الظاهرة ضرورياً، حتى بالنسبة لبيوت الأزياء الكبيرة التي ربما كانت ترفض الأمر في السابق.
في الجانب الآخر، هناك شريحة من بنات الجيل الجديد ورثن حبهن للموضة من أمهاتهن. هذه الشريحة أكثر ثقة في اختياراتهن ولا يخضعن إلى إملاءات الغير. حسب داكي معروف، فإن هذه الشريحة «تميل إلى قطع مميزة وفريدة ليس من الضروري أن تحمل توقيع بيوت معروفة حتى يشعرن بأنها مميزة. المهم بالنسبة لهن ألا تكون منتشرة بشكل كبير». وهذا ما شجع بيوت الأزياء الكبيرة على طرح حقائب حصرية، وبعدد قليل في السنوات الأخيرة، لا سيما في الأسواق النامية، لأنها تتمتع بقدرات شرائية عالية، ولا يهمها السعر بقدر ما يهمها التفرد. توجهها لهذه الأسواق يجعلها تركز في صنعها على الجلود المترفة والنادرة، وأحياناً على ترصيعها بالأحجار الكريمة، حتى تُبرر أسعارها النارية.
ومع ذلك، لا بد من الإشارة إلى أن الحقيبة لم تعد ترمز للمكانة الاجتماعية ولا حتى إلى القدرة الشرائية، كما كان عليه الحال في السابق. فزبونة اليوم تدرك تماماً أنها مجرد موضة تشبع حاجة آنية أو تكمل صورة براقة، قد ترغب البعض منهن فيها فقط لنشرها على شبكات التواصل. لكن عندما تفكر في الاستثمار في حقيبة تعكس مكانتها وذوقها، فإنها تختارها بعقلية مختلفة تماماً.
وربما هذا ما تستغله دار «هيرميس» منذ سنوات، بطرح حقيبة «دي بيركين» بجرعات قليلة تحتاج إلى تسجيل طلب وانتظار عدة أشهر لعل وعسى أن تحصل عليها. بل تحتاج أحياناً إلى توصيات وتدخلات شخصية. كل هذا لتؤجج الرغبة فيها أكثر. هذه الشريحة لا تؤثر عليها صور فتيات «إنستغرام»، أو ما يُعرفن بـ«الإنفلوونسرز» بل العكس قد يكون لظهورهن بمنتج ما تأثير عكسي.
دار «ديلفو» التي ظلت لنحو قرن من الزمن جوهرة بلجيكا السرية. كانت تخفيها عن الكل وتخص بها النخبة والطبقات الأرستقراطية، إلى أن أدركت أن الزمن تغير وعليها أن تتغير معه إذا أرادت الاستمرار والبقاء. بدأت تخاطب الجيل الجديد بلغته، وحتى تحقق بعض التوازن بين ما يفرضه ماضيها من ثقل وحاضرها من تغيرات، بدأت تسلط الضوء على علاقاتها الأرستقراطية وتاريخها العريق كوسيلة جذب لشراء حقائب بأسعار تخاطبهن. أخيراً أطلقت حقيبة سمتها «ذا تشامبيون»، أي (البطلة)، تحمل جيناتها الأرستقراطية مطعماً بالأسلوب «السبور».
صحيح أنها بسعر معقول إلا أنها أيضاً بإصدار محدود، فقد تكون قد فهمت أنه عليها أن تركب موجة التميز وبحلة «سبور» حتى تبيع منتجاتها لأسواق أخرى، إلا أنها لم ترد أن يكون هذا على حساب فلسفتها في عدم الوجود في كل مكان.

من أشهر حقائب اليد
حقيبة «كيلي» التي طرحتها دار «هيرميس» أول مرة في عام 1935، وكانت حينئذ مجرد تصميم عملي من دون اسم. في عام 1956 وبعد ظهور النجمة وأميرة موناكو الراحلة غرايس كيلي بها واشتهارها، كان لا بد أن تأخذ اسم «النجمة»
> في الخمسينات طرحت دار «غوتشي» حقيبة بتصميم مبتكر، وفي عام 1961 أصبحت تعرف باسم «جاكي» بعد أن ظهرت بها جاكلين كينيدي في إيطاليا.
> في عام 1984 وُلدت حقيبة «بيركين» صدفة، حين التقت النجمة البريطانية جاين بيركين رئيس «هيرميس» آنذاك، جون لوي ديماس في رحلة جوية، وعبرت له خلالها عن رغبتها في حقيبة بحجم يراعي متطلباتها كامرأة وفنانة وأم.
> في عام 1984 أيضاً قدمت دار «برادا» أول حقيبة مصنوعة من النايلون عوض الجلد. حققت نجاحاً منقطع النظير لا تزال الدار تعود إليها على أمل إعادة بريقها.
- في عام 1995 أهدت برناديت شيراك حقيبة مربعة الشكل من «ديور» للأميرة الراحلة ديانا. ما إن ظهرت بها هذه الأخيرة حتى أخذت اسمها «ديانا».
> في عام 1997 استوحت سيلفيا فندي شكل حقيبة جديدة من الخبز الفرنسي الطويل الذي يحمله الفرنسيون تحت إبطهم، أطلقت عليها اسم «باغيت»، وكانت بحزام قصير لكي تضمها المرأة بالطريقة ذاتها. يقال إن 100 ألف حقيبة بيعت منها في العام الأول من طرحها. كانت الأولى من نوعها، من ناحية أنها لم تكن عملية نظراً لحجمها لكنها كانت مفعمة بالأناقة، بحيث يمكن القول إنها أول حقيبة تجسد مفهوم إكسسوار مكمل للأزياء.
> «2.55» من «شانيل»، شهدت ولادتها الأولى في عام 1955 والثانية في عام 2005، في عهد الراحل كارل لاغرفيلد. كانت أول حقيبة بحزام يُتيح للمرأة حملها على الكتف ويُحرر يديها. قبل ذلك كانت الحقائب صغيرة وتُحمل باليد.
- في عام 2004 قدمت المصممة فيبي فيلو لدار «كلوي» حقيبة «بادينغتون» التي أخذت اسمها من منطقة وسط لندن تشتهر بازدحامها وحركتها الدائمة. تم تصميم 8000 نسخة منها لربيع 2005 نفدت بالكامل قبل وصولها إلى المحلات.



نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
TT

نهاية عام وصلت فيه الموضة إلى القمر وتوهجت فيه المنطقة العربية

لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)
لقطة أبدعت فيها «ديور» والمغنية لايدي غاغا في أولمبياد باريس (غيتي)

اليوم وعلى الساعة الثانية ليلاً، سيودع عالم الموضة عاماً كان حافلاً بالأحداث والتحديات. عام تراجعت فيه أرباح المجموعات الضخمة بشكل لم تشهده منذ عقود، واهتزت كراسي أدت إلى استقالات، بعضها طوعي كما هو الحال بالنسبة للبلجيكي دريس فان نوتن، وأخرى مفروضة كما هو الحال بالنسبة لبييرباولو بيكيولي، مصمم دار «فالنتينو» السابق وغيره. كل هذه التغييرات ترافقت بتعيينات جريئة من شأنها أن تُغيّر مشهد الموضة بشكل أو بآخر، وإن كانت الدراسات التي قام بها هذا القطاع تفيد بأن 2025 لن يكون أفضل حالاً.

إلى جانب الاضطرابات السياسية والاقتصادية التي عانوا منها في السنوات الأخيرة، فإن عودة دونالد ترمب للبيت الأبيض لا تُطمئنهم بقدر ما تزيد من قلقهم وتسابقهم لاتخاذ قرارات جذرية وسريعة تحسُّباً للآتي. والمقصود هنا الضرائب الجمركية التي يهدد ترمب بفرضها على الصين تحديداً، التي تعتبر إلى حد الآن من أهم الأسواق التي يعتمدون عليها، صناعة وتجارة، إضافة إلى قوانين الهجرة التي ستؤثر على اليد العاملة في هذا المجال.

استراتيجيات مبتكرة... مطلوبة

حتى الآن لا تزال «هيرميس» تحتفظ بالصدارة فيما يتعلق بالحرفية و«صنع باليد» (هيرميس)

وكأن هذا لا يكفي، فإن أحد أهم التحديات التي يواجهونها حالياً سلوكيات المستهلك التي تغيّرت وزعزعت الكثير من المفاهيم التقليدية. فهذا المستهلك لم يعد يُقبل على الصرعات الموسمية، ويفضل عليها منتجات مصنوعة بحرفية تدوم أطول مدة من دون أن تفقد جاذبيتها وعمليتها، وهو ما يتناقض إلى حد كبير مع فلسفة الموضة القائمة أساساً على التغيير كل بضعة أشهر حتى تبقى حركة البيع منتعشة. المحك الآن أمام أغلب الرؤساء التنفيذيين هو كيف يمكنهم تحقيق المعادلة بين الحرفي والتجاري، والمستدام والاستهلاكي.

العمل على هذه المعادلة بدأ بعد جائحة كورونا بافتتاح محلات تتعدى عرض الأزياء والإكسسوارات إلى توفير مطاعم وفضاءات استراحة وتدليل، لاستقطاب الزبائن. لكن رغم ذلك وشعارات «صنع باليد»، يبقى الأكسجين الذي تتنفس منه الموضة كينونتها هو الإبداع الذي من شأنه أن يُحرك المشاعر ومن ثم الرغبة في الشراء. وهذا الإبداع يحتاج إلى مدير فني له القدرة على قراءة نبض الشارع، ثم استدراجه لهذه المحلات، أو الأصح إلى هذه الفضاءات المليئة بالمغريات.

ليس كل ما هو أسود يدعو للتشاؤم

من آخر تشكيلة قدمها بييرباولو بيكيولي لدار «فالنتينو» (فالنتينو)

لم يكن هذا العام سيئاً بالمطلق. فبينما تعاني دار «بيربري» من تراجع مبيعاتها بشكل مخيف وخفوت نجم دار «غوتشي» وطرح «فيرساتشي» للبيع، وصلت «برادا» إلى القمر. فقد ساهمت في التحضيرات لرحلة «أرتميس 3» التابعة لـ«ناسا» المرتقبة في شهر سبتمبر (أيلول) من عام 2026. وتعتبر هذه أول مرة يتم فيها التعامل بين دار أزياء و«ناسا» بشكل مباشر. الهدف منها إلهام أكبر شريحة من الناس لاستكشاف الفضاء، وفي أن تتحول هذه الرحلات إلى مغامرات عادية لمن لهم القدرات المادية العالية والرغبة في اختراق الآفاق.

أولمبياد الرياضة

سيلين ديون في أولمبياد باريس تظهر بفستان من دار «ديور» (غيتي)

كان من البديهي أن يكون لدورة الألعاب الأوروبية الأخيرة، وبطولة ويمبلدون للتنس، وأخيراً وليس آخراً ألعاب الأولمبياد التي استضافتها باريس تأثيراتها على منصات عروض الأزياء، التي غلبت عليها تصاميم تجمع «السبور» بالأناقة. أما في حفل الأولمبياد، فاحتفظت الموضة بشخصيتها من خلال فساتين مفصلة على مقاس النجمات اللواتي ظهرن بها. كان لدار «ديور» نصيب الأسد، كونها تنضوي تحت راية مجموعة «إل في آم آش» الراعية للفعالية. ولم تُقصر في استعراض إمكانيات ورشاتها الخاصة ومهارات أناملها الناعمة.

لا بأس من التنويه هنا بأن العلاقة بين الموضة والأولمبياد بدأت فعلياً في عام 1992 في دورة برشلونة، عندما تبرّع الياباني إيسي مياكي، لتصميم أزياء فريق ليتوانيا. كان هذا الأخير يشارك كبلد مستقل بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، وبالتالي يحتاج إلى دعم. حازت التصاميم الكثير من الإعجاب، ليتحول ما أراده مياكي تبرعاً مجانياً إلى تقليد تجاري.

الموضة العربية تتوهج

في الوقت الذي تعاني منه صناعة الموضة والترف بتذبذبات وتحديات، تشهد الساحة العربية انتعاشاً يتمثل في تألق مصممين عرب وفعاليات مهمة، أهمها:

أول نسخة من عروض «الريزورت» في جدة

لقطة لأسبوع البحر الأحمر في نسخته الأولى (من الأرشيف)

في شهر مايو (أيار) تم إطلاق النسخة الأولى من معروض خط الـ«كروز» أو الـ«ريزورت» في مدينة جدة. كما يشير الاسم، فإن الأزياء التي شارك بها مصممون سعوديون من أمثال تيما عابد وتالة أبو خالد، فضلاً عن علامات مثل «أباديا» و«لومار» وغيرها، تتوجه إلى البحر وأجواء الصيف. لم يكن الهدف من هذه الفعالية منافسة أسبوع الرياض الرسمي، الذي شهد دورته الثانية هذا العام، بل تنويع المجالات الاقتصادية وتطوير القطاعات الثقافية. وطبعاً الاندماج في السوق العالمية والدخول في منافسة مبنية على الندّية، تماشياً مع «رؤية 2030».

ليلة إيلي صعب في موسم الرياض

من عرض إيلي صعب في الرياض صب فيها كل رومانسيته (رويترز)

في منتصف شهر نوفمبر (تشرين الثاني) وفي الرياض، كان العالم على موعد مع عرض ضخم التقى فيه الجمال والأناقة بالترفيه والموسيقى. ليلة أحياها نجوم من أمثال سيلين ديون، وجينفر لوبيز، وعمرو دياب ونانسي عجرم، اعترافاً بإيلي صعب كمصمم مبدع وكإنسان. الممثلة هالي بيري حضرت هي الأخرى، وهي تختال على منصة العرض بالفستان الأيقوني ذاته، الذي ارتدته في عام 2002 وهي تتسلم الأوسكار بوصفها أول ممثلة سمراء تحصل على هذه الجائزة. صدى هذه الفعالية وصل إلى العالم، ليؤكد أن المصمم الذي وضع الموضة العربية على الخريطة العالمية لا تزال له القدرة على أن يُرسّخها للمرة الألف.

في مراكش... تألقت النجوم

الأخوات سبنسر بنات أخ الأميرة ديانا في حفل «فاشن تراست أرابيا» بمراكش (فاشن تراست أرابيا)

لأول مرة منذ 6 سنوات، انتقلت فعالية «فاشن تراست أرابيا» من مسقط رأسها الدوحة بقطر إلى مدينة مراكش المغربية، تزامناً مع العام الثقافي «قطر - المغرب 2024». هذه الفعالية التي اختارت لها كل من الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني وتانيا فارس، الشهر العاشر من كل عام للاحتفال بالمصممين الناشئين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أصبحت من المبادرات المهمة في عالم الموضة العربية. فإلى جانب مبالغ مالية مهمة تتراوح بين 100 ألف و200 ألف دولار، يتلقى الفائزون تدريبات في بيوت أزياء عالمية، وتُعرض إبداعاتهم في منصات ومحال عالمية مثل «هارودز». هذا العام كانت الجوائز من نصيب 7 مشاركين، هم نادين مسلم من مصر في جانب الأزياء الجاهزة، وياسمين منصور، أيضاً من مصر عن جانب أزياء السهرة، في حين كانت جائزة المجوهرات من نصيب سارة نايف آل سعود ونورا عبد العزيز آل سعود ومشاعل خالد آل سعود، مؤسسات علامة «APOA) «A Piece of Art) من المملكة العربية السعودية.