الأصوات الكورية تصنع موجات على الراديو العربي

ما الذي يسعى الكوريون إلى تحقيقه من خلال البث الإذاعي الموجه للعالم العربي؟

الأصوات الكورية تصنع موجات على الراديو العربي
TT

الأصوات الكورية تصنع موجات على الراديو العربي

الأصوات الكورية تصنع موجات على الراديو العربي

عندما كنت طفلا صغيرا، اعتدت أن أستمع إلى البث الإذاعي من أماكن بعيدة عبر موجات الراديو القصيرة، وكان البث عادة ما يكون غير منضبط ويحتوي على فترات صمت. ولكن هذه الأصوات البعيدة، أصبحت تأتي واضحة كرنين الأجراس عبر أي بث إذاعي على الهواتف الذكية. وذات مساء، كنت أتجول بين محطات الراديو العربية، من بغداد إلى الجزائر، وبالمصادفة استمعت إلى امرأتين تتحدثان اللغة العربية بطلاقة وإن كان بلكنة غريبة. قالت إحداهما: «أعزائي المستمعين، كيف قضيتم يومكم؟»، ثم قالت الأخرى: «كل يوم جديد يبعث فينا الأمل والتطلعات».
فتساءلت: من أين تأتي هؤلاء النساء؟ استمعت لفترة وفي النهاية أذيعت نغمة شرقية ثم أتى صوت رجل يقول: «من سيول، يتجدد اللقاء عبر الأثير. يجمعنا وإياكم الحب والخير والأمل».
اتضح لي أن ما أستمع إليه هو خدمة الإذاعة العربية لحكومة كوريا الجنوبية «راديو كوريا الدولي». ثم تضمنت النشرة الرئيسة الاستعدادات العسكرية لمواجهة جارتها المهددة في الشمال، بالإضافة إلى زيارة الرئيس الكوري إلى أوروبا، وهي النشرة التي قرأها مذيع مصري أعقبها تقرير اقتصادي قرأه رجل آخر لديه لكنة كورية قائلا: «تجاوزت الصادرات الكورية 50 مليار دولار في شهر أكتوبر (تشرين الأول) وهو رقم قياسي جديد لدولة لم تستورد سوى 19 مليون دولار منذ استقلالها عن اليابان».
وبعد أن أعلن عن اسم المحطة، عادت السيدتان الكوريتان وتحدثتا عن الأعداد المتزايدة للإماراتيين والمصريين الذين يدخلون امتحانات لتقييم مستواهم في اللغة الكورية حيث علقت إحداهما: «ما شاء الله». ثم استمرتا في الحديث حول تعزيز العلاقات والصداقة بين الكوريين والعرب، وهو ما يمكن أن يعزز التعاون المشترك وفهم بعضنا البعض «إن شاء الله». ثم انتقل البرنامج إلى تغطية أحدث أخبار السينما الكورية والموسيقى، بالإضافة إلى تعليم المستمعين كيف يقولون عبارات مثل «مرحبا، كيف تسير الأمور؟ ما اسمك؟» بالكورية. وعندما دقت الساعة، انتهى البرنامج ثم بدأ عرضه مرة أخرى، حيث لا تقدم المحطة سوى ساعة واحدة جديدة في اليوم.
وعندئذ انتابني الفضول: ما الذي يسعى الكوريون إلى تحقيقه من خلال ذلك البث الموجه للعالم العربي؟
في الصباح التالي، زرت جون ألترمان، مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الذي درس الأثر الآسيوي المتنامي في شمال أفريقيا والشرق الأوسط، وطرحت عليه أسئلتي فقال: «تنظر كوريا الجنوبية إلى العالم العربي كسوق مهمة للبضائع المصنعة وللبناء، كما أنهم فعليا يحصلون على معظم البترول الذي يحتاجون إليه من الشرق الأوسط».
واستأنف ألترمان أن الكوريين لديهم عقود لبناء مفاعلات نووية بأبوظبي، كما أن لديهم بعثات عسكرية للمساعدة على تدريب القوات الخاصة الإماراتية، مضيفا: «أعتقد أن كوريا الجنوبية تعتقد أنها سوف تحصل على الدور التجاري الذي كانت تقوم به الولايات المتحدة الأميركية، وتستطيع بناء علاقة تبادلية تروي من خلالها تعطش كوريا الجنوبية للبترول وقدرة كوريا الجنوبية على التصنيع. ولكن أحد التحديات الرئيسة التي كانت تواجهها هي أنه لا يوجد من سمع بكوريا في المنطقة. أعني أن الناس قد سمعت عن الصين التي لديها علاقات تاريخية بالشرق الأوسط، كما أنهم سمعوا عن اليابان التي لديها علاقات عريقة بكثير من البلدان. ولكن الناس لا يستطيعون استدعاء شيء محدد إلى أذهانهم عندما يتطرق الحديث لكوريا وهم يحاولون تغيير تلك المعادلة.
ومن الواضح، أن لهذا السبب جرى التفكير في طرح خدمة البث الكورية باللغة العربية، فهي أداة لما يطلق عليه الأميركيون «الدبلوماسية العامة» التي تعتمد على الجهود النشطة للتأثير في الجماهير الأجنبية ودفعها لتأييد سياسات الدولة الأجنبية. وتستثمر الولايات المتحدة مئات الملايين سنويا في دبلوماسيتها العامة للتواصل مع العالم العربي، بما يتضمن أنشطة مثل «راديو سوا» الذي يبث على الموجات المحلية لـ«إف إم» في شمال أفريقيا والشرق الأوسط. ويحاول الراديو التنافس مع كثير من الخصوم، مثل الصين وروسيا وإيران وكل دول أوروبا الغربية والحركات العابرة للحدود، مثل الإخوان المسلمين وحتى الفاتيكان، من أجل الحصول على انتباه الجماهير العربية.
وبالنظر لتلك الجهود مجتمعة، تقدر تكلفة تلك الصناعة بعدة مليارات من الدولارات ومع ذلك فما زلنا لا نستطيع الجزم بما إذا كانت تلك الجهود قد نجحت في تحقيق أهدافها السياسية أم لا.
ومن جهة أخرى، كان لدى فيليب سي، أستاذ الصحافة والعلاقات العامة والعلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا شكوك حول القضية: «كل الناس في العالم الآن يبثون باللغة العربية ولكن ليس كل العرب يستمعون إليهم. فحتى (بي بي سي) تواجه صعوبة حاليا في الحصول على انتباه الجماهير في العالم العربي على الرغم من أنها تتمتع بسمعة طيبة. وما أعرفه من خلال الوقت الذي قضيته في العالم العربي هو أن كثيرا من تلك المحطات الأجنبية أنفقت مبالغ مالية طائلة، ولكنها لم تصل سوى إلى حفنة من الأشخاص».
ومن الصعب أن نحدد المبالغ المالية التي أنفقتها القوى الأجنبية أو نحدد مدى النجاح الذي حققته في المنطقة. فما زالت الأبحاث المتعلقة بتوجهات الجماهير في العالم العربي في بداياتها، كما أنها غير متوازنة في تغطيتها، وفي بعض الأحيان تفتقر إلى المصداقية. ولكن أحد المؤشرات التي يمكننا الاستعانة بها، على الأقل في قياس اهتمام الشباب، هي عدد متابعي إحدى محطات الراديو على «تويتر». ومن باب الفضول، قمت بفحص حساب «تويتر» لخدمة البث الكورية وقارنتها براديو «سوا» الأميركي، واكتشفت أن الشبكة الصغيرة لديها عدد من الأتباع يتجاوز حجمها، حيث إن راديو «سوا» الذي يبث على مدار الساعة ولديه موازنة سنوية تتجاوز 22 مليون دولار، لديه 60 ألف متابع على «تويتر» فيما حصلت الشبكة الكورية التي ليس لديها سوى ثلاثة عاملين بدوام كامل وساعة واحدة من البث يوميا على عشرة آلاف متابع.
لكي أتمكن من فهم المزيد، اتصلت بمقر الإذاعة الكورية بالعاصمة الكورية سيول وتحدثت إلى باي جيونغ - أوك مديرة المحطة العربية التي تحمل اسم «لؤلؤة» أثناء البث. حيتني باي جيونغ – أوك، بحرارة ثم قالت: «عندما أقدم برنامجا أو أجري حوارا على الهواء، كنت دائما أتساءل عما إذا كان هناك من يسمعني، ولكنك في واشنطن وتمكنت من الاستماع إلي. ما شاء الله، وكأن حلما تحقق بالنسبة لي».
وعندئذ سألتها حول كيف تنظر إلى طبيعة عملها، قالت: «إنهم يطلقون علينا السفراء المدنيين. فنحن نحاول بقدر استطاعتنا أن نقيم جسورا بين ثقافتين. ذلك هو ما نشعر به تجاه عملنا، كما أن ضيوفنا العرب ينظرون إلينا على ذلك النحو أيضا. وهناك كثير من العوامل والقيم المشتركة بين الثقافتين العربية والكورية، مثل قيمة احترام الصغير للكبير، وغيرها، وأعتقد أن ذلك يسهِّل علينا مهمة تجسير الفجوة بين الثقافتين».
كما أضافت جيونغ - أوك أن الإذاعة الكورية الموجهة للعالم العربي ليست جديدة، فقد كانت موجودة منذ سبتمبر (أيلول) 1975، أي ليس بعد وقت طويل من حظر البترول العربي في أكتوبر (تشرين الأول) 1973، الذي بدأ رد فعل على تأييد الأميركيين لإسرائيل. وكان الحظر قد تسبب في ارتفاع أسعار البترول وركود عالمي، وهو ما جعل بلادنا تدرك أن القوى الأجنبية تتجاهل مشاعر العرب.
وأضافت جيونغ - أوك أنه «في بداية السبعينات كانت هناك أزمة طاقة، ولم يكن هناك متخصصون في الشؤون العربية بكوريا، ومن ثم ركزت الحكومة على إيجاد خبراء باللغة العربية، ومع الوقت أدركنا أننا بحاجة إلى تعزيز التعاون الثقافي والأكاديمي والاجتماعي، فلا يمكن أن تقيم علاقات وثيقة مع البلدان الأخرى بدوافع اقتصادية فقط».
وبعد ذلك بثمان وثلاثين سنة، ما زالت الشبكة تعمل على ميزانية محدودة حيث يساعد نحو 20 شخصا يعملون عملا حرا فيما لا يوجد سوى ثلاثة أفراد بدوام كامل، ومع ذلك فلدى الشبكة جمهور كبير. ويبدو أن عدم وجود قواعد بيروقراطية تحكم عملهم، تمنح المحطة كثيرا من المزايا، حيث يستطيع طاقم العمل أن يحتفظوا بحيويتهم ويتواصلوا مع المستمعين ويتمتعوا بحرية كاملة في دفع البرنامج في الاتجاه الذي يجدونه مناسبا للجماهير. وتشعر جيونغ - أوك بأن نجاحها في زيادة الجماهير يعتمد على العلاقات الإنسانية التي تمكنت من إقامتها مع المستمعين.

* كاتب ومحلل سياسي متخصص في شؤون المجتمعات العربية وباحث في مركز المسبار للدراسات والبحوث. آخر كتبه «الموتى المحترمون» (The Honored Dead) من إصدار «راندوم هاوس» للنشر، نُشرت مقالاته في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» وغيرهما من الجرائد والمجلات الأميركية، بينما تُبث برامجه الوثائقية في الراديو الوطني الأميركي. يمكن متابعته في تويتر على عنوان @josephbraude.

* كاتب ومحلل سياسي متخصص في شؤون المجتمعات العربية وباحث في مركز المسبار للدراسات والبحوث. آخر كتبه «الموتى المحترمون» (The Honored Dead) من إصدار «راندوم هاوس» للنشر، نُشرت مقالاته في «نيويورك تايمز» و«وول ستريت جورنال» وغيرهما من الجرائد والمجلات الأميركية، بينما تُبث برامجه الوثائقية في الراديو الوطني الأميركي. يمكن متابعته في تويتر على عنوان @josephbraude.

فتقول: «يرسل إلينا المستمعون العاديون من الجزائر مثلا تقرير المستمعين، ويخبروننا فيه كيف تعرفوا على محطتنا ويعطوننا تقييما لأداء المحطة سواء كان إيجابيا أم سلبيا. وفي النهاية، يبدأون في الحديث حول أمور شخصية، فعلى سبيل المثال يتصل بنا من يخبرنا أن اليوم هو عيد ميلاده أو أن ابنته تزوجت أو زوجته وضعت مولودا ومن ثم فإننا نتفاعل معهم على الهواء مباشرة. ففي أحد الأيام أخبرنا مستمع بأنه سيتزوج في يوم محدد، وفي ذلك اليوم كنت أقدم فقرة موسيقية، ومن ثم هنأته خلال العرض وأهديت أغنية لطيفة للزوجين. وعندها شعر الرجل بالسعادة البالغة، قام بتسجيل الأغنية وتشغيلها في حفل الزفاف، وأعتقد أن مثل ذلك التفاعل وتبادل المشاعر له قوة خاصة».
ومع ذلك، فإن مقاربة الإذاعة الكورية ربما تنجح في بلد صغير نسبيا, غير معروف إلى درجة كبيرة في منطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كما أن استراتيجياتها قد لا تنطبق على قوى عظمى مثل الولايات المتحدة المعروفة والحاضرة دائما، وإن لم تكن محبوبة, وتواجه صعوبات في الدفاع عن سياساتها ومصالحها الواسعة.
وعلى أي حال, لا تحاول الإذاعة الكورية أن تصبح مصدرا للمعلومات والأخبار خارج نطاق الأخبار المتعلقة بشبه الجزيرة الكورية. ومن جهة أخرى، هناك درس مهم واحد قد تتعلم القوى العظمى من الإذاعة الكورية وهو مزايا وضع مواطني البلد الأصليين الذين تجذب إجادتهم للعربية جماهير إضافية إلى جانب المذيعين العرب، فليس هناك مذيعون أميركيو المولد في راديو «سوا» أو بريطانيون في «بي بي سي». وعن ذلك أضافت جيونغ - أوك أنه عندما بدأت الخدمة العربية لم يكن لدينا سوى كوريين تخرجوا في قسم الدراسات العربية بالجامعة لكي نستعين بهم كمذيعين. ومع الوقت، تحسنت لغتهم كثيرا، ولكن في القرن الحادي والعشرين بدأ العرب يتدفقون على كوريا، وما زال كثير منهم يعيش هنا حاليا، وقد بدأنا مزج الأصوات في برامجنا بين العرب والكوريين. وأعتقد أن ردة فعل الجمهور تحسنت بعدها. فهم دائما يخبروننا: «أنتم مختلفون عن الشبكات الأجنبية الأخرى. فهم عادة مذيعون عرب فقط، ولكنكم لديكم مزيج من الكوريين والعرب». وربما تكون هذه ميزة بالنسبة للجماهير.
وبخلاف الصين وروسيا وإيران، فإن كوريا الجنوبية حليف للولايات المتحدة. ولكن هل يعني ذلك أن العلاقات المتنامية بين كوريا والعالم العربي ستصب في مصلحة الولايات المتحدة؟ وما تداعيات الروابط الكورية العربية على السياسة الأميركية، سواء تجاه الشرق الأوسط أو فيما يتعلق بما يطلق عليه «الاتجاه صوب آسيا»؟
ينظر جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية لهذه العلاقة بوصفها علاقة مختلطة. فمن جهة وعلى الصعيد الاستراتيجي نرى مواجهة مباشرة مع كوريا الجنوبية ولكن على الصعيد التجاري فإنهم يتنافسون مع الشركات الأميركية في بعض الحالات. وبالتالي أعتقد أن هذه العلاقة ستكون في جانب منها مرضية وفي جانب غير مرضية. فلا أعتقد أنهم يرغبون في أن يحلوا محل الولايات المتحدة ولكنهم يرغبون بالتأكيد في استكمال دورها. وبالنظر للمستقبل «ربما لا نستورد مباشرة بترول الشرق الأوسط خلال السنوات المقبلة ولكننا نستورده على نحو غير مباشر.. أي عندما نشتري منتجات جرى تصنيعها في آسيا ثم أرسلت إلى الولايات المتحدة. فنظرا لأن هذه المنتجات جرى تصنيعها بطاقة شرق أوسطية، فإننا نصبح جزءا من التنمية الشاملة للعلاقات الآسيوية الشرق أوسطية. وقد أصبح اقتصادنا مرتبطا بها ليس عبر السياسة المتمركزة فقط على السياسات التقليدية تجاه الشرق الأوسط، ولكن من خلال اتجاه يعتمد على التجارة الحرة التي تحمي الممرات البحرية. وأعتقد أن ما يعنيه ذلك هو أننا يجب أن نفكر أكثر حول من يدفع لحماية الممرات البحرية؟ وهل يُعقل أن تقدم الولايات المتحدة كل ذلك التأمين مجانا لمستهلكي الطاقة الذين يعيشون على الجهود الأميركية؟».
على أي حال، من الواضح أن الكوريين كانوا يشنون غارات قوية في ظل المظلة الأمنية الأميركية في الشرق الأوسط. فهل هناك وسيلة تجعل الولايات المتحدة تفيد من تلك الغارات سواء على الأرض أو على صعيد الموجات الإذاعية؟ في بعض الأحيان، حتى القوى العظمى تحتاج إلى بعض المساعدة، ويمكننا هنا الاستعانة بمثل كوري مفاده أن «النهر العظيم لا يرفض الاستعانة بالتيارات الصغرى».



ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
TT

ما العلاقة بين تراجع «إكس» وسياسات ماسك؟

ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)
ماسك يُشير بيده في أثناء حديثه خلال العرض الافتتاحي داخل صالة «كابيتول وان آرينا» بواشنطن في يناير (كانون الثاني) الماضي (أ.ف.ب)

بعد أكثر من 3 سنوات على استحواذ الملياردير الأميركي إيلون ماسك على منصة «إكس» (تويتر سابقاً) في أكتوبر (تشرين الأول) 2022، تزداد المؤشرات على تراجع المنصة من حيث «التأثير والتفاعل»، بحسب ما يقول مختصون، بالتوازي مع تجدُّد الحديث بشأن سياساتها التحريرية، وعلاقة المنصة بطموحات مالكها السياسية، وتحوُّل المعلنين عنها.

ويرى مختصون أن ما يجري على «إكس» لم يعد مجرد تغييرات تقنية أو تجارية، بل هو «انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية، وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع». ويقولون: «إن وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها».

شعار منصة "إكس" فوق أحد مقراتها في سان فرانسيسكو (رويترز)

وأشارت بيانات حديثة عدة إلى تراجع التفاعل على منصة «إكس» خلال الأعوام الأخيرة، وجاء من أبرزها تحليل إحصائي نشره موقع «بروكسيدايز (Proxidize)» في أكتوبر الماضي، تحدَّث عن تراجع معدلات التفاعل على المنصة بنحو 48.3 في المائة خلال عام واحد فقط، إذ انخفض معدل التفاعل المتوسط لكل تغريدة من 0.029 في المائة في 2024 إلى 0.015 في المائة في 2025.

كما قلصت العلامات التجارية وتيرة النشر بنحو ثُلث المحتوى تقريباً، مع انخفاض متوسط عدد التغريدات الأسبوعية من 3.31 إلى 2.16 تغريدة للحسابات التجارية. وتشير بيانات أخرى إلى تراجع متوسط زمن الاستخدام اليومي من أكثر من 30 دقيقة إلى نحو 11 دقيقة فقط، بما يعكس تغيراً في سلوك المُستخدمين، لا سيما مع صعود المنصات المُعتمِدة على الفيديو القصير.

تقارير تحدثت عن تراجع معدلات التفاعل على منصة "إكس" (رويترز)

الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي التوليدي، الدكتور فادي عمروش، أكد «فرضية تراجع المتابعات على المنصة النقاشية الأبرز»، ودلَّل على ذلك بالإشارة إلى «تراجع التفاعل على منصة (إكس) مقارنة بسنوات ما قبل 2022»، لافتاً إلى أن بيانات «سيميلر ويب (Similarweb)» تشير إلى هبوط مستخدمي المنصة على الهواتف المحمولة من 388.5 مليون في يونيو (حزيران) 2023 إلى 311.1 مليون في 2025، أي خسارة تتجاوز 75 مليون مستخدم، بما يقارب 20 في المائة.

وأضاف لـ«الشرق الأوسط»: «ليس هذا فحسب، إنما وُجدت أيضاً تحليلات تظهر انخفاض متوسط الإعجابات لكل منشور من 37.8 في 2023 إلى نحو 31.4 في 2024، أي تراجع نحو 17 في المائة». وأرجع هذه المؤشرات إلى أسباب، من بينها «ارتباط (إكس) باسم إيلون ماسك بعد استحواذه عليها، وما يرافق ذلك من استقطابات حادة بين مؤيدي ومعارضي آرائه، بالإضافة إلى تغييره الخوارزمية التي تعرض المنشورات عدة مرات بحجة محاربة البوتات، والتي رغم ادعائه أنها شفافة، فإن هذا الادعاء غير مُدعم بأدلة كافية بعد، خصوصاً أن ليس كل المستخدمين متساوين في فرص الوصول والتفاعل». وأشار إلى بُعد آخر قائلاً: «في منصات الأخبار السريعة، مغادرة عدد من الصحافيين والأكاديميين والخبراء قلّلت من الحوار النوعي وأضعفت حركة إعادة النشر».

وعدّ عمروش أن سياسة ماسك الربحية وتفضيله «الحسابات الموثقة المدفوعة»، مثَّلا اتجاهاً أفرغ المنصة من ركيزتها الأساسية بوصفها ساحةً للنقاش التفاعلي القائم على الأفكار، مضيفاً «إجراءات الحد من الوصول المجاني للواجهة البرمجية (API) أضعفت تجربة المتابعة والبحث، وهذا ينعكس عادة في تراجع التفاعل غير المدفوع».

ومع ذلك، لا يلقي عمروش باللوم على سياسات ماسك وحدها، إذ يعيد جانباً من تراجع التفاعل أيضاً إلى «تحوّل عادات المُستخدمين نحو الفيديو والمنصات المُعتمِدة على المقاطع القصيرة، فالسوق كلها تتجه إلى الفيديو القصير. وهذا يقلل الوقت الذهني المتاح لمنصات النصِّ السريع، خصوصاً لدى الشباب، إذ إن استخدام المراهقين لـ(إكس) أقل بكثير مما كان عليه سابقاً».

طموحات ماسك

بعيداً عن القرارات التحريرية داخل المنصة، تَزَامَنَ هذا التراجع في التفاعل مع صعود ماسك لاعباً سياسياً ثقيل الوزن في الولايات المتحدة. وتشير تحليلات صحافية من بينها «واشنطن بوست»، استناداً إلى بيانات لجنة الانتخابات الفيدرالية الأميركية، إلى أن «ماسك قدَّم خلال دورة انتخابات 2024 تبرعات سياسية تجاوزت ربع مليار دولار لدعم دونالد ترمب ومرشحين جمهوريين آخرين، ليصبح بذلك أكبر متبرع فردي في تلك الدورة الانتخابية، وفق هذه البيانات».

وفي يوليو (تموز) 2025 أعلن ماسك عبر «إكس» تأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم «America Party»، في خطوة رأت فيها تقارير لوكالات كبرى مثل «رويترز» و«أسوشييتد برس» انتقالاً من دور الممول للتيار اليميني إلى «فاعل» يسعى إلى بناء مشروع سياسي مستقل يستند إلى نفوذه على المنصة.

أستاذ الإعلام الجديد والرقمي في الجامعة الكندية بدبي، الدكتور الأخضر شادلي، يرى أن منصة «إكس» شهدت أكبر تحول في تاريخها بعد استحواذ ماسك عليها؛ بسبب «خلفيته المثيرة للجدل وطموحاته السياسية المتنامية». وقال لـ«الشرق الأوسط»: «أظهر ماسك مواقف سياسية متزايدة علنية، خصوصاً فيما يتعلق بحرية التعبير، والقيود الحكومية، والانتخابات الأميركية، ودعمه لبعض التيارات، وانتقاده للإعلام التقليدي والمؤسسات الديمقراطية، وهذه الخلفية السياسية أصبحت مهمة لفهم قراراته بعد السيطرة على (إكس)».

وأضاف شادلي: «قبل استحواذ ماسك، كانت سياسات (تويتر سابقاً) مستقرَّة نسبياً، وترتكز على مكافحة خطاب الكراهية والتحريض، والحد من (المعلومات المضللة)، وكانت هناك آليات تَحقُّق صارمة للحسابات ولجان مستقلة لمراجعة المحتوى، كما ركزت الإدارة السابقة على الحفاظ على بيئة رقمية آمنة». لكنه أشار إلى أن «وجود علاقة مباشرة بين طموحات ماسك السياسية وسياساته التحريرية الجديدة أخرج المنصة عن مسارها»، إذ «تَزَامَنَ تبنيه لخطاب حرية التعبير مع تحالفاته السياسية، وظهر انحيازٌ لصالح خطاب اليمين الشعبوي، ما أضعف المعايير المهنية وفتح المجال لحملات التضليل. وأصبحت المنصة بمثابة مساحة نفوذ سياسي عالمي في يد ماسك، وليست مجرد شركة تواصل اجتماعي».

عزوف المعلنين

وأشار الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي بقناة «سي إن إن» العربية، الحسيني موسى، إلى أن تراجع التفاعل على منصة «إكس» انعكس مباشرةً على سياسات المعلنين وعزوف بعضهم نحو منصات أخرى.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «الأرقام تشير إلى تراجع واضح في ثقة المعلنين بـ(إكس)». وتحدَّث عن تقرير لشركة الأبحاث العالمية «Kantar»، نُشر في سبتمبر (أيلول) 2024، ذكر أن 4 في المائة فقط من المعلنين يعدّون أن «إكس» توفر بيئة «آمنة للعلامة التجارية» مقابل 39 في المائة لصالح «غوغل» و32 في المائة لـ«يوتيوب». كما يُظهر التقرير نفسه أن «26 في المائة من المُسوِّقين يخططون لخفض إنفاقهم على إعلانات (إكس) خلال 2025، في أكبر تراجع مسجَّل لأي منصة إعلانية كبرى».

وأضاف موسى أن «مجموعة من الشركات الكبرى أعلنت رسمياً وقف إعلاناتها على (إكس)، من بينها: (أبل)، و(ديزني)، و(آي بي إم)، و(باراماونت)، و(وورنر براذرز). وجاءت قرارات الإيقاف؛ نتيجة مخاوف من ظهور محتوى مثير للجدل أو معادٍ للسامية بجوار إعلاناتها، بالإضافة إلى ضبابية سياسات المحتوى تحت إدارة إيلون ماسك».

«ما يجري على إكس انعكاس مباشر لرؤية ماسك الآيديولوجية وطريقة توظيفه المنصة في مشروع نفوذ سياسي أوسع»

وشرح قائلاً: «الميزانيات غادرت (إكس) إلى منصات أكثر استقراراً من حيث سلامة العلامة وفعالية التوزيع؛ مثل منصة (يوتيوب) التي تعدّ اليوم الأكثر جذباً للمعلنين البارزين، و(تيك توك) التي تُعدّ المنصة الأعلى تأثيراً على المستهلكين الشباب، كما أن (أمازون) تستحوذ على ثقة كبيرة لدى العلامات التي تعتمد على التجارة المباشرة، وأخيراً (ميتا)، بمنصتيها (فيسبوك) و(إنستغرام)، ما زالت تحتفظ بجاذبية لدى قطاعات واسعة من المعلنين».

ويرى موسى أن «هناك فرصة لا تزال قائمة أمام (إكس) لاستعادة جزء من المستخدمين والمعلنين»، قائلاً: «العودة ممكنة، لكن المطلوب أولاً إعادة بناء ثقة العلامات التجارية عبر تحسين معايير (الأمان) وضمان استقرار سياسات المحتوى، والشفافية في عرض الإعلانات».

بالعودة إلى الباحث المتخصص في التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي الدكتور فادي عمروش، فإنه يرى أن أهم الخطوات التي تحتاج إليها «إكس» الآن لاستعادة ثقة المستخدمين هي تحقيق توازن حقيقي بين حرية التعبير وضبط المحتوى الضار. وقال إن هذه المعادلة ممكنة إذا جرى «توسيع نظام (ملاحظات المجتمع) مع شفافية أكبر، فلا تكفي مجرد إضافة الملاحظة، بل يجب نشر بيانات دورية تتضمَّن، مثلاً: كم محتوى تم تقييده؟ كم ملاحظة أُضيفت؟ وما أثرها على الانتشار؟ أعتقد أن الشفافية تقلل اتهامات التحيُّز، وتدعم حرية التعبير ضمن قواعد واضحة».

وفي ضوء كل ذلك، يقول محللون مختصون بالإعلام: «إن مستقبل (إكس) سيتحدَّد على الأرجح في المساحة الواقعة بين طموحات ماسك السياسية وحسابات السوق وصبر المُستخدمين والمعلنين على منصة تحاول أن تعرّف نفسها من جديد في عالم يتغير بسرعة».


اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
TT

اتجاه أوروبا لتخفيف القيود الرقمية يُثير تساؤلات بشأن حماية الخصوصية

المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)
المفوضية الأوروبية أعلنت أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»... (متداولة)

أثار اتجاه المفوضية الأوروبية لتخفيف «القيود الرقمية»، تساؤلات بشأن تأثير ذلك على حماية بيانات المستخدمين. وبينما عدّ خبراء هذا الاتجاه «محاولة لزيادة تنافسية السوق»، أكدوا أنه «تحوّل خطير قد يهدد الخصوصية».

وفي ظل ضغوط من شركات التكنولوجيا الكبرى، أعلنت المفوضية الأوروبية، أخيراً، أنها بصدد دراسة مقترح «الحزمة الرقمية الشاملة»، الذي من شأنه تبسيط بعض لوائح الاتحاد الأوروبي الرقمية. وجاء الإعلان بعد دعوة المستشار الألماني فريدريش ميرتس، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خلال قمة «السيادة الرقمية الأوروبية» الأسبوع الماضي، إلى «تخفيف صرامة اللوائح الرقمية الأوروبية».

وفي رأي مفوض الاقتصاد في الاتحاد الأوروبي، فالديس دومبروفسكيس، فإن «تبسيط القواعد وخفض الأعباء الإدارية وتقديم قواعد أكثر مرونةً وتناسباً، سيمنح الشركات الأوروبية مساحة أكبر للابتكار والنمو، ويسد فجوة الابتكار».

وعدّت الباحثة الجزائرية في علوم الإعلام والاتصال، ليلى دومة، ما أعلنته المفوضية الأوروبية «نقطة تحوّل مهمة في الاستراتيجية الرقمية للاتحاد الأوروبي». وقالت لـ«الشرق الأوسط» إن «تخفيف بعض الالتزامات المفروضة على شركات التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي يرسل رسالة واضحة مفادها إعطاء الأولوية لتعزيز التنافسية والابتكار على حساب التشدد في حماية البيانات الذي يميز النموذج الأوروبي منذ سنوات».

وبشأن تأثير ذلك على «الخصوصية»، أشارت ليلى دومة إلى أن «التأثير لن يكون فورياً، لكنه مقلق على المدى المتوسط والبعيد». وقالت إن «الإعفاءات المؤقتة وتأجيل الالتزام الكامل بالقواعد الصارمة يعني ببساطة وجود مناطق أقل رقابة ومفتوحة، حيث يمكن للشركات جمع أو معالجة بيانات شخصية بطريقة أقل تقييداً، مما قد يؤدي تدريجياً إلى إضعاف أحد أهم إنجازات أوروبا خلال العقد الماضي، وهو تمكين المواطن من السيطرة على بياناته».

وأضافت أن «أي تفكيك تدريجي لقواعد (اللائحة العامة لحماية البيانات)، سيقلل من قوتها وتأثيرها، ويخلق ثغرات قد تستغلها الشركات الكبرى بسهولة»، مشيرةً إلى أن «أوروبا تحاول تحقيق توازن صعب بين تسريع الابتكار وحماية الحقوق الرقمية».

وتُلزم «اللائحة العامة لحماية البيانات» مشغلي المتاجر الإلكترونية، أو المنصات الرقمية، بالحصول على موافقة المستخدمين قبل معالجة بياناتهم الشخصية، مما يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط، لكنَّ المقترح الجديد من شأنه أن يؤدي إلى ظهور إشعارات الموافقة على ملفات الارتباط بشكل أقل.

الصحافي المصري المتخصص في شؤون الإعلام الرقمي، محمد فتحي، قال إن «الاتحاد الأوروبي يشهد تحولاً استراتيجياً عبر مقترح الحزمة الرقمية الشاملة (Digital Omnibus)، الذي تبرره المفوضية الأوروبية بالرغبة في تبسيط القوانين ودعم الشركات الأوروبية للمنافسة عالمياً».

وأضاف لـ«الشرق الأوسط» أن «المقترح قد يمثل تفكيكاً لمسألة الحماية وتراجعاً عن معايير الخصوصية الصارمة، وذلك لعدة مخاطر؛ أهمها استغلال البيانات للذكاء الاصطناعي حيث يسمح التعديل للشركات باستخدام البيانات الشخصية لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي استناداً إلى مبدأ (المصلحة المشروعة) بدلاً من (الموافقة الصريحة) مما يخدم شركات التكنولوجيا الكبرى ويُضعف سيطرة المستخدم».

وأشار إلى «إضعاف الخصوصية الإلكترونية عبر دمج قواعد الخصوصية، مما يُسهِّل الوصول إلى بيانات أجهزة المستخدمين تحت غطاء تقليل إشعارات الكوكيز دون إذن واضح». وقال إن «المقترح يعكس تغيراً في الأولويات من حماية (المواطن الرقمي) إلى التركيز على التنافسية الاقتصادية، حيث يهدد إقرار هذا القانون بالتضحية بخصوصية المستخدمين كضريبة لدعم الابتكار التجاري».

وتسببت محاولات تنظيم عمل منصات التواصل الاجتماعي في أزمة متصاعدة بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وفرضت المفوّضية الأوروبية غرامة مقدارها 500 مليون يورو على شركة «أبل» على خلفية «بنود تعسّفية في متجر التطبيقات الخاص بها، على حساب مقدّمي التطبيقات وعملائهم». كما غرمت «ميتا» مبلغ 200 مليون يورور. وهي غرامات عدّها البيت الأبيض في وقت سابق «ابتزازاً اقتصادياً».


الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
TT

الشارقة تكشف عن حزمة مشروعات إعلامية كبرى تعزّز تنافسية القطاع

مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)
مبنى هيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون (الشرق الأوسط)

أُعلن في مدينة الشارقة إطلاق حزمة مشروعات إعلامية كبرى في «مدينة الشارقة للإعلام (شمس)»، التي وُصفت بأنها أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الإمارات والمنطقة، وتُشكِّل نقلةً نوعيةً في تطوير البنية التحتية للقطاع الإعلامي، وترسيخ نموذج متقدم لتكامل الجهات الحكومية العاملة تحت مظلة مجلس الشارقة للإعلام.

وتأتي هذه المشروعات التي أطلقها الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة ضمن مساعي تعزيز القطاع في الإمارة الخليجية.

وأكد الشيخ سلطان بن أحمد بن سلطان القاسمي نائب حاكم الشارقة رئيس مجلس «الشارقة للإعلام» أن اعتماد حزمة مشروعات «شمس» يجسِّد رؤية الإمارة في بناء قطاع إعلامي متقدم يقوم على الابتكار والشراكات الدولية والتقنيات المعاصرة، مشيراً إلى أن إطلاق «استوديوهات شمس» سيعزز قدرة الشارقة على استقطاب أبرز شركات الإنتاج وصنّاع المحتوى، كما سيوفر منصة احترافية للكفاءات الوطنية لتطوير مهاراتها وتوسيع حضورها في صناعة الإعلام.

وشدَّد على أن الاستثمار في الإعلام هو استثمار في الإنسان والهوية، موضحاً أن الشارقة ماضية بثقة نحو تعزيز حضورها الثقافي والمعرفي عالمياً عبر إعلام مهني مسؤول، وشراكات استراتيجية، ومنظومة متطورة تدعم استدامة النمو في هذا القطاع الحيوي.

وسيضم المشروع أكبر تجمع إعلامي حكومي موحّد في الدولة والمنطقة، حيث يجمع تحت سقف واحد الجهات الإعلامية التابعة لحكومة الشارقة، وهي مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، وهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون، إلى جانب مدينة الشارقة للإعلام (شمس)، التي ستكون المقر الجديد لهذا التجمع.

«استوديوهات شمس» في الشارقة (الشرق الأوسط)

وبحسب المعلومات الصادرة فإن مشروع «استوديوهات شمس» جاء ليؤسِّس لبيئة إنتاجية متطورة، من خلال مجمّع يضم 5 استوديوهات كبرى بمساحات تتراوح بين 1500 و3400 متر مربع، تستجيب لاحتياجات صناع الأفلام والمسلسلات والبرامج التلفزيونية والمحتوى الرقمي، إضافة إلى مرافق متخصصة لما بعد الإنتاج تشمل وحدات المونتاج والمؤثرات البصرية والتصميم الصوتي، بما يتيح تنفيذ أعمال تلفزيونية وسينمائية وفق معايير عالمية.

كما تتضمَّن المشروعات تطوير مجمّع أعمال إعلامي حكومي متكامل يجمع ضمن بيئة عمل تفاعلية مجلس الشارقة للإعلام، والمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، والشركات الإعلامية العاملة في «شمس»، بما يسهم في تسهيل عمليات الإنتاج والبث، وتعزيز كفاءة التواصل الحكومي، ودعم الابتكار في صناعة المحتوى.

وسيضم المجمّع 4 مبانٍ متخصصة، يتألف كل منها من طابق أرضي و4 طوابق، تشمل مبنى لمجلس الشارقة للإعلام، ومبنى للمكتب الإعلامي لحكومة الشارقة، ومبنيين مخصَّصين للجهات الإعلامية والشركات العاملة ضمن «شمس».

ويشمل التطوير أيضاً إنشاء مبنى جديد لهيئة الشارقة للإذاعة والتلفزيون ببنية تقنية حديثة تعزز جاهزيتها لمواكبة التطورات في تقنيات البث والإنتاج، وترفع قدرتها على تقديم محتوى متنوع وذي جودة عالية يعكس هوية الإمارة ورسالتها. وتشمل المرحلة الأولى المبنى الإداري، ومبنى الأخبار، ومبنى قناة الشارقة الرياضية.

وفي إطار دعم المشهد الثقافي والإبداعي، تتضمَّن المشروعات إنشاء «واحة شمس للإبداع»، وهو مركز متطور للفعاليات الفنية والتعليمية يضم مسرحاً حديثاً يتسع لنحو 700 شخص، إلى جانب مرافق مخصصة لاستضافة الفعاليات المجتمعية والعروض الفنية والبرامج التدريبية، بما يسهم في تنمية المواهب الشابة وتوفير منصة ملهمة للإبداع في الإمارة.