أنقرة تخرج عن صمتها وتطالب موسكو بـ«وقف الهجوم البري» شمال حماة

عبّرت عن مخاوفها على أمن نقاط مراقبتها وحذرت من كارثة إنسانية

TT

أنقرة تخرج عن صمتها وتطالب موسكو بـ«وقف الهجوم البري» شمال حماة

خرجت أنقرة عن صمتها إزاء التصعيد في إدلب، وطالبت موسكو بالضغط على النظام السوري لوقف هجماته على جنوب إدلب واتخاذ تدابير فاعلة وحازمة في هذا الصدد وضمان انسحاب فوري إلى حدود إدلب المتفق عليها في مسار آستانة، معربة عن تخوفها بشأن أمن نقاط المراقبة التابعة لها والدوريات التي تسيرها في المحافظة السورية، إضافة إلى المخاوف من وقوع كارثة إنسانية جديدة.
وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار إن بلاده تنتظر من روسيا اتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات قوات النظام على جنوب إدلب السورية، مشيراً إلى أن الهجمات المتزايدة تحولت إلى عملية برية اعتباراً من الاثنين الماضي.
وتتعرض منطقة خفض التصعيد شمال سوريا لقصف وغارات جوية متواصلة من قبل قوات النظام السوري وروسيا منذ فترة، مما أسفر عن مقتل وإصابة مئات من المدنيين، وأعلنت موسكو أن عمليات النظام وتحركات القوات الجوية الروسية في المنطقة تتم بالتنسيق مع تركيا.
وكان أكار قال ليل الجمعة - السبت، عقب اجتماع برئاسته في ولاية هطاي الحدودية مع سوريا جنوب تركيا، ضم رئيس هيئة الأركان يشار غولار، وقادة عسكريين رفيعي المستوى عقب جولة تفقدية للقوات المنتشرة على الحدود مع سوريا، إن «النظام يسعى لتوسيع مناطق سيطرته جنوب إدلب على نحو ينتهك اتفاق آستانة، مما أسفر عن سقوط ضحايا من المدنيين، ومغادرة السكان للمناطق التي يعيشون فيها». وأضاف أنه على هذا النحو تزداد المشاكل الإنسانية يوماً بعد يوم وتظهر بوادر حدوث كارثة جديدة. كما أن تلك الهجمات تشكل خطراً على أمن نقاط المراقبة التركية، وتسبب تعطيل دوريات القوات المسلحة التركية وتنقلاتها في إدلب.
واعتبر وزير الدفاع التركي أن هذه الهجمات تتسبب أيضاً في تعطيل أنشطة تركيا التي تبذل جهوداً من أجل الوفاء بمسؤولياتها في إطار اتفاق آستانة والاتفاقات الأخرى الثنائية مع روسيا، في إشارة إلى اتفاق سوتشي بشأن المنطقة العازلة منزوعة السلاح التي تفصل بين قوات النظام والمعارضة في إدلب ومحيطها، قائلاً إن تركيا بذلت جهوداً حثيثة على جميع المستويات من أجل ضمان وقف إطلاق النار في سوريا واستدامته.
وقال إن تركيا تنتظر من روسيا اتخاذ تدابير فاعلة وحازمة من أجل إنهاء هجمات قوات النظام وضمان انسحاب فوري للقوات إلى حدود إدلب المتفق عليها في مسار آستانة.
وكانت الدول الضامنة لمسار آستانة (روسيا وتركيا وإيران) أعلنت في منتصف سبتمبر (أيلول) 2017. اتفاقها على إنشاء منطقة خفض تصعيد في إدلب، وبموجب الاتفاق أنشأت تركيا 12 نقطة مراقبة عسكرية في المحافظة السورية، وتضمن الاتفاق أيضاً تسيير دوريات عسكرية تركية داخل إدلب، وأخرى روسية خارجها. ويقطن منطقة خفض التصعيد في إدلب نحو 4 ملايين مدني، بينهم مئات الآلاف ممن هجرهم النظام من مدنهم وبلداتهم بعد سيطرته عليها. وفي 17 سبتمبر (أيلول) 2018. أبرمت تركيا وروسيا، اتفاق «سوتشي»، من أجل تثبيت وقف إطلاق النار في إدلب، وسحبت بموجبه الأسلحة الثقيلة للمعارضة من المنطقة التي شملها الاتفاق في 10 أكتوبر (تشرين الأول)، تضمن الاتفاق التزام تركيا بإخراج الجماعات المتشددة وفي مقدمتها جبهة تحرير الشام (النصرة سابقاً) من إدلب، إلى جانب فتح الطرق الدولية وفي مقدمتها «إم4 وإم5» لكن موسكو أعلنت مراراً أن تركيا لم تفِ بالتزاماتها في هذا الصدد، وأنها قد تنفذ عملية عسكرية موسعة للقضاء على الجماعات المتشددة والإرهابيين الأجانب في إدلب.
وقالت موسكو، منذ أيام، إن العمليات العسكرية الأخيرة في إدلب جاءت رداً على متشددين بالمنطقة (في إشارة إلى هجمات هيئة تحرير الشام التي تشكل النصرة غالبية قوامها)، وأن تنفيذها يجري «بالتنسيق مع شركائنا الأتراك»، وذلك وسط أنباء عن مقايضات بين أنقرة وموسكو تسمح تركيا بموجبها للنظام باستعادة السيطرة على جنوب إدلب والطرق الدولية على أن تترك لها روسيا الحرية في التوغل في تل رفعت والقضاء على وجود وحدات حماية الشعب الكردية فيها.
وتفصل تل رفعت، الواقعة في ريف حلب الشمالي، بين مناطق سيطرة «درع الفرات» و«غصن الزيتون» التي تسيطر عليها تركيا وفصائل سورية موالية لها بين جرابلس والباب في الشمال، عن مناطق «حزب الله» وفصائل تدعمها إيران في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين في الغرب، ومناطق تنتشر فيها قوات الحكومة السورية والشرطة العسكرية الروسية في الجنوب.
وسعت أنقرة، مراراً، إلى الحصول على ضوء أخضر روسي للتوغل في منطقة ريف حلب الشمالي وبلدة تل رفعت، بصورة خاصة، بهدف إخراج وحدات حماية الشعب الكردية منها، إذ يتمحور اهتمام تركيا حالياً على تقويض نفوذ تحالف قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تشكل الوحدات الكردية عموده الفقري.
ويرجع مراقبون الصمت التركي إزاء عمليات النظام المدعومة من روسيا في إدلب إلى أن تركيا بصدد الحصول على مكاسب جديدة في شمال سوريا على صعيد إبعاد الوحدات الكردية عن حدودها.
في سياق متصل، قال الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إن بلاده ستوفر قريباً إمكانية عودة 4 ملايين لاجئ إلى منازلهم «عقب تطهير مناطق سورية أخرى محاذية لحدودنا من الإرهابيين»، في إشارة إلى وحدات حماية الشعب الكردية.
وجدد إردوغان، في كلمة ألقاها خلال إفطار السفراء وممثلي البعثات الأجنبية في تركيا بمقر حزب العدالة والتنمية الحاكم مساء أول من أمس، تعبيره عن الاستياء من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة لوحدات حماية الشعب الكردية في شمال سوريا. وقال: «يجري تزويد التنظيمات الإرهابية شمالي سوريا بالسلاح والعتاد عبر عشرات آلاف الشاحنات ومجاناً في الوقت الذي نحاربها فيه.
لا يمكن تبرير دعم تلك التنظيمات بالقول إنها «ليست إرهابية بل منظمات عادية»، وإلا فإن العالم سيتحول إلى مكان لا يشعر فيه أحد بالأمان والطمأنينة في المستقبل القريب.



اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

اعتقالات الحوثيين وتسليح الاقتصاد يهيمنان على إحاطة غروندبرغ

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

تصدرت اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، الإحاطة الشهرية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، أمام مجلس الأمن، الأربعاء، مع تأكيد المبعوث أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام أمر ليس مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وقال المبعوث الأممي إنه من الضروري أن تقتنص الأطراف المعنية، والمنطقة، والمجتمع الدولي «اللحظات المحورية»، وألا تفوّت الفرصة لتحويلها إلى خطوات واضحة نحو تحقيق السلام المنشود في اليمن.

آثار مسيرة حوثية انفجرت في مبنى سكني في تل أبيب (أ.ف.ب)

ومع انهيار الاقتصاد وتدهور مستويات المعيشة، رأى غروندبرغ أنه لا يوجد أي مبرر لهذه المعاناة، وأن إنهاء الحرب في اليمن هو خيار حقيقي ومتاح، ويبقى ضمن متناول الأطراف، داعياً جميع الأطراف للانخراط بجدية مع الجهود التي يقودها لتنفيذ خريطة الطريق، والتي تهدف إلى تحقيق وقف إطلاق النار، وتنفيذ تدابير اقتصادية، تشمل دفع الرواتب بشكل مستدام، والتمهيد لعملية سياسية شاملة.

وحضّ غروندبرغ على اتخاذ الإجراءات اللازمة، وتقديم التنازلات، والتركيز الصادق على اليمن، باعتبار ذلك أمراً ضرورياً «إذا كانت الأطراف تسعى لتخفيف معاناة اليمنيين وإعادة الأمل في مستقبل يسوده السلام».

اعتقالات تعسفية

أشار المبعوث الأممي إلى اليمن في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

وقال، رغم الإفراج عن 3 محتجزين، إن عشرات آخرين، بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

الحوثيون انخرطوا في ما يمسى محور المقاومة بقيادة إيران (إ.ب.أ)

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية، وتسبب معاناة عميقة لأسرهم التي تعيش في حالة مستمرة من القلق والخوف على سلامة أحبائهم»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

وأوضح غروندبرغ أن مكتبه ملتزم بشكل كبير بإطلاق سراح جميع المحتجزين على خلفية النزاع في اليمن، وقال إن هناك من قضى 10 سنوات رهن الاعتقال، داعياً الجميع إلى الوفاء بالتزاماتهم بموجب اتفاق استوكهولم، ومواصلة العمل بروح من التعاون الصادق للوفاء بهذا الملف الإنساني البالغ الأهمية، وأن تسترشد المفاوضات بالمبدأ المتفق عليه، وهو «الكل مقابل الكل».

عواقب وخيمة

وفي ما يخص الوضع الاقتصادي في اليمن، قال المبعوث الأممي إن الأزمة تتفاقم مجدداً، مع التنبيه إلى «العواقب الوخيمة» التي تترتب على الانكماش الاقتصادي، وتجزئته، واستخدامه كأداة في الصراع.

وأكد غروندبرغ أن الفشل في دفع رواتب ومعاشات القطاع العام أدّى إلى زيادة الفقر بشكل واسع، بينما أسهم التضخم المتزايد في جعل كثير من الأسر عاجزة عن تلبية احتياجاتها الأساسية، بما في ذلك الغذاء.

تدهور الاقتصاد وانقطاع الرواتب في اليمن تسببا في جوع ملايين السكان (أ.ف.ب)

وفي شأن مساعيه، أفاد المبعوث الأممي بأن مكتبه من خلال زيارات صنعاء وعدن أوضح مفترق الطرق الحاسم الذي تواجهه الأطراف، وهو إما الاستمرار في «المسار الكارثي من النزاع غير المحسوم وتسليح الاقتصاد الذي سيؤدي بلا شك إلى خسارة الجميع، أو التعاون لحلّ القضايا الاقتصادية لتمهيد الطريق نحو النمو وتحقيق مكاسب السلام الممكنة».

وأشار إلى أن العمل جارٍ على استكشاف حلول عملية وملموسة تهدف إلى استعادة الاستقرار وتعزيز الحوار بشأن الاقتصاد اليمني، بما يشمل دفع الرواتب واستئناف صادرات النفط والغاز، بما يخدم مصلحة الشعب اليمني وترجمة الالتزامات التي تعهدت بها الأطراف في يوليو (تموز) الماضي إلى خطوات ملموسة تعود بالفائدة على جميع اليمنيين.

التصعيد العسكري

في شأن التصعيد العسكري، قال غروندبرغ إن انعدام الأمن في البحر الأحمر لا يزال يتفاقم نتيجة أعمال الحوثيين، إلى جانب الهجمات على إسرائيل، والغارات الجوية التي شنّتها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة رداً على تلك التطورات.

وأشار إلى أن هذه الأحداث التي استمرت طوال العام، قلّصت الحيز المتاح لجهود الوساطة التي يقودها. وحضّ جميع الأطراف المعنية على اتخاذ خطوات جادة لتهيئة بيئة مناسبة، تمهد الطريق لحل النزاع في اليمن، وحذّر من أن الفشل في تحقيق ذلك لن يؤدي إلا إلى تعزيز دعوات العودة إلى الحرب.

طائرة حوثية من دون طيار في معرض أقامه الحوثيون في صنعاء بمناسبة الأسبوع السنوي لذكرى قتلاهم (رويترز)

وأوضح أن الأوضاع الهشّة في اليمن لا تزال مستمرة على عدة جبهات، مع تصاعد الاشتباكات بشكل متكرر في مناطق، مثل الضالع، الحديدة، لحج، مأرب، صعدة، شبوة، تعز. ما يؤدي مراراً إلى خسائر مأساوية في الأرواح.

وتصاعدت الأعمال العدائية في المناطق الشرقية من تعز - وفق المبعوث الأممي - مع ورود تقارير عن وقوع انفجارات وقصف بالقرب من الأحياء السكنية.

وفي الأسبوع الماضي فقط، أورد المبعوث في إحاطته أن طائرة من دون طيار استهدفت سوقاً مزدحمة في مقبنة بمحافظة تعز، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص على الأقل، وإصابة آخرين بجروح خطرة.

ودعا غروندبرغ أطراف النزاع اليمني إلى التقيد الجاد بالتزاماتهم، بموجب القانون الإنساني الدولي، لضمان حماية المدنيين والبنية التحتية المدنية. وقال إن هذه الحوادث تسلط الضوء على الحاجة الملحة للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

ولدعم جهود التهدئة، أفاد المبعوث بأن مكتبه يتواصل مع المسؤولين العسكريين والأمنيين من الطرفين، لتسهيل الحوار حول الديناميكيات الحالية، واستكشاف سبل تعزيز بناء الثقة.