«داعش» يروج للقتال عبر التغرير بصغار السن

تحرك سعودي لتضييق الخناق على المغرر بهم

عناصر من تنظيم {داعش} أثناء عرض عسكري في أحد شوارع محافظة الرقة أمس (رويترز)
عناصر من تنظيم {داعش} أثناء عرض عسكري في أحد شوارع محافظة الرقة أمس (رويترز)
TT

«داعش» يروج للقتال عبر التغرير بصغار السن

عناصر من تنظيم {داعش} أثناء عرض عسكري في أحد شوارع محافظة الرقة أمس (رويترز)
عناصر من تنظيم {داعش} أثناء عرض عسكري في أحد شوارع محافظة الرقة أمس (رويترز)

جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين، بداية الشهر الحالي، ضد الخطر المقبل من الجماعات الإرهابية، خاصة ما تقوم به جماعة «داعش»، لتكشف زيف ما تقوم به تلك الجماعات، التي تقود عمليات إجرامية وقودها الشباب وأبناء الدول الإسلامية، وبدأت الجهات الحكومية في السعودية تضييق الخناق على الخلايا التي تقوم بتجنيد الشباب السعودي، والتغرير بهم للذهاب إلى مناطق الصراع.
وشدد خبراء مختصون في شؤون الجماعات المسلحة، على محاسبة من يروج للانخراط في تلك الجماعات، والتغرير بالشباب، حيث قالوا في حديث لـ«الشرق الأوسط» إن مروجي تلك الأفكار يسعون لإطلاق شعارات دينية تحمل العاطفة بين ثناياها لتسويق «الجهاد» بين الشباب، وإطلاق الفتاوى التي تبيح المشاركة في القتال مع التنظيمات الإرهابية، وتسهيل إجراءات سفر هؤلاء الشباب إلى تلك المناطق.
وقال إبراهيم المطلق، رئيس قسم الدراسات الإسلامية المعاصرة، عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للدعوة والحسبة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: «إن الجماعات المسلحة، لا تزال تركز في تجنيدها على صغار السن، كون أن تلك المرحلة السنية الصغيرة قابلة للتكييف، وتتقبل أفكار التغرير، عبر أساليب الغلو والتطرف».
وبيّن المطلق أن من الأمور التي تغرر بها تلك الفئات السنية الرفض التام للاستجابة إلى كل الأطراف التي تقوم بالمناصحة، كما أنه يجري التطرق إلى وسائل الإعلام التي تقوم بالتحذير من خطر الانخراط في الجماعات المسلحة، فضلا عن تحذيرهم من الاستماع إلى العلماء المخلصين، والترويج لهم بأنهم علماء سلطة أو نحوه، وفرض تصنيفات عليهم مغلوطة وغير شرعية.
وحول أسباب تغرير الجماعات المسلحة بصغار السن، أوضح عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود، أن تلك التنظيمات تتعاهد حديثي السن، على أن يجري تلقينهم العلوم الفكرية المتطرفة كافة، واستخدام أساليب الغلو، مستشهدا بعدد من المنضمين للجماعات المسلحة الذين جعلوا قيمة أحد منظري الفكر التكفيري أكثر من قيمة آبائهم.
وعرج إبراهيم المطلق بأن من بين التكتيكات الحديثة التي تلعب عليها التنظيمات الإرهابية، استهداف القرى والمحافظات النائية، مستدركا بأن هذا التكتيك سبق أن فضحته الأجهزة الأمنية، ولا تزال سلطات الأمن توجه الضربات الاستباقية لهذا الملف.
من جانبه، أوضح الدكتور محمد المشوح، عضو اللجنة الوطنية للمحامين، والمستشار القضائي، أن كلمة خادم الحرمين الشريفين لم تأتِ من فراغ مطلقا، إذ حذرت مما يُحاك للبلاد من مخاطر الجماعات المسلحة، الأمر الذي أصبح لا يمكن السكوت عليه، والتغاضي عنه، وتضمنت الكلمة توجيه خطاب للعلماء وطلبة العلم وأئمة المساجد بالتأكيد على أن الشباب يُغرّر بهم، ويُدفعون إلى منزلقات خطرة.
وأفاد المشوح بأن تلك المنظمات تسعى إلى الإيقاع بهم في حقل تلك الجماعات المسلحة، واستغلال العواطف الدينية الجياشة، خصوصا من يحمل العلم القليل، أو الشباب الذين لا يحملون الوعي المطلق، والتقيد بقواعد الشريعة الإسلامية.
وأضاف أن على العلماء واجبا كبيرا نظرا لأنه يمثل الجانب الصحيح في معالجة ما يُطرح على المغرر بهم من شُبَه والتغرير بهم، وإلقاء دعوات الخروج إلى الجهاد من دون ولي الأمر، في حين أناط بهؤلاء العلماء أن يعالجوا شبهات دعوات التغرير.
وشدد المشوح على أن تلك الجماعات المسلحة المتطرفة، تسعى إلى صرف الأمة عن قضاياها الرئيسة المهمة، وأنها شوهت صورة الإسلام وحقيقته، موضحا أن جماعة «داعش» تمثل أكبر خطر على الإسلام، كونها تمارس انحرافا بالأفكار الضالة، وتعيش في ظلال دامس للانحراف العقدي والأخلاقي والقيمي، وأنها عاودت تكرار فكرة قيام الدولة الإسلامية المزعوم، الذي مارسته في أوقات سابقة عناصر تنظيم القاعدة.
ولفت المستشار القضائي إلى أن تلك الجماعات المتطرفة تبحث عن أساليب حديثة لتنفيذ أجنداتها، مؤكدا على أهمية دور المواطن الأمني.
أمام ذلك، أوضح محمد الجذلاني، وهو المحامي والقاضي السابق، أن الجماعات المسلحة روجت للقتال عبر زرع مصطلحات غربية، مثل حقوق الإنسان، بهدف ممارسة ضغوط واهية، والتغرير بالشباب، مشيرا إلى أن بعضا من يدانون في قضايا إرهابية كانت تركيبتهم قابلة للتضليل.
ودعا القاضي السابق إلى إعادة بعض الفتاوى التي يستند عليها من ينخرط في صفوف الجماعات المسلحة، التي ظهر عدم صحتها، وأنها جاءت بهدف التغرير بهم، مضيفا: «من المعلوم أن صدور نظام مكافحة الإرهاب في السعودية جاء في أعقاب حرب شرسة خاضتها الدولة ضد هذا الاستهداف الواضح لأرواح الناس وأمنهم وممتلكاتهم، ولأمن الوطن واستقراره، وأن الجدل يتجدد دائما حول هذا الموضوع كلما قامت إحدى الدول بسن أنظمة وتشريعات للتعامل مع جرائم الإرهاب، إذ غالبا ما يُوجّه الانتقاد إلى بعض تفاصيل هذه الأنظمة، واستنكار ما فيها من اختلاف عن أنظمة الإجراءات الجزائية في الظروف العادية».
وتأتي تلك الدعوات بالتزامن مع كلمة خادم الحرمين الشريفين، التي وجهها إلى عدد من السفراء، وأكد فيها أنه لا حدود للإرهاب، وأنه قد يطال دولا خارج حدود منطقة الشرق الأوسط، وبيّن في الكلمة التي ألقاها الجمعة الماضي: «أطلب منكم نقل هذه الرسالة إلى زعمائكم، وهي أنه ما يخفى عليكم الإرهاب في هذا الوقت، ولا بد من محاربة هذا الشرير بالقوة والعقل والسرعة».
وأضاف: «أرجو من أصدقائي السفراء أن ينقلوا هذه الأمانة حرفيا لزعمائهم؛ لأن هذا الإرهاب ليس له إلا السرعة والإمكانية، وأنا شفت أن أغلبكم ما تكلم عنهم إلى الآن، وهذا لا يجوز أبدا أبدا في حقوق الإنسانية؛ لأن هؤلاء لا يعرفون اسم الإنسانية، وأنتم تشاهدونهم قطعوا الرؤوس ومسكوها الأطفال يمشون بها في الشارع. هل هذه ليست من القساوة والخشونة، والخلاف لقول الرب عز وجل».
وتابع: «لو يقتل شخص في أقصى العالم ما يقبل الرب - عز وجل - وكأنما قتل العالم كله، فما بالكم بهؤلاء يقتلون ليلا ونهارا حتى فيهم، ولا بد أنه لا يخفى عليكم ما عملوه وسيعملونه، وإذا أهملوا، أنا متأكد بعد شهر سيصلون إلى أوروبا وبعد شهر ثانٍ إلى أميركا».
وكان خادم الحرمين الشريفين، قد وجه أيضا في الأول من شهر أغسطس (آب) كلمة للأمتين الإسلامية والعربية والمجتمع الدولي، تطرق فيها إلى فتنة وجدت لها أرضا خصبة في عالمينا العربي والإسلامي، وسهل لها المغرضون الحاقدون على أمتنا كل أمر، حتى توهمت بأنه اشتد عودها، وقويت شوكتها، فأخذت تعيث في الأرض إرهابا وفسادا، وأوغلت في الباطل كاتمة ومتجاهلة لقول المقتدر الجبار: «بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق».
وأضاف حينها: «من المعيب والعار أن هؤلاء الإرهابيين يفعلون ذلك باسم الدين، فيقتلون النفس التي حرم الله قتلها، ويمثلون بها، ويتباهون بنشرها، كل ذلك باسم الدين، والدين منهم براء، فشوهوا صورة الإسلام بنقائه وصفائه وإنسانيته، وألصقوا به كل أنواع الصفات السيئة بأفعالهم، وطغيانهم، وإجرامهم، فأصبح كل من لا يعرف الإسلام على حقيقته يظن أن ما يصدر من هؤلاء الخونة يعبر عن رسالة النبي الكريم».
وتضمنت الكلمة دعوة قادة وعلماء الأمة الإسلامية لأداء واجبهم تجاه الحق (جل جلاله)، وأن يقفوا في وجه من يحاولون اختطاف الإسلام وتقديمه للعالم بأنه دين التطرف، والكراهية، والإرهاب، وأن يقولوا كلمة الحق، وألا يخشوا في الحق لومة لائم.. «فأمتنا تمر اليوم بمرحلة تاريخية حرجة، وسيكون التاريخ شاهدا على من كانوا الأداة التي استغلها الأعداء لتفريق وتمزيق الأمة، وتشويه صورة الإسلام النقية».
وزاد: «إلى جانب هذا كله نرى دماء أشقائنا في فلسطين تُسفك في مجازر جماعية، لم تستثنِ أحدا، وجرائم حرب ضد الإنسانية دون وازع إنساني أو أخلاقي، حتى أصبح للإرهاب أشكال مختلفة، سواء كان من جماعات أو منظمات أو دول، وهي الأخطر، بإمكانياتها ونواياها ومكائدها، كل ذلك يحدث تحت سمع وبصر المجتمع الدولي بكل مؤسساته ومنظماته، بما في ذلك منظمات حقوق الإنسان، هذا المجتمع الذي لزم الصمت مراقبا ما يحدث في المنطقة بأسرها، غير مكترث بما يجري، وكأنما ما يحدث أمر لا يعنيه، هذا الصمت الذي ليس له أي تبرير، غير مدركين بأن ذلك سيؤدي إلى خروج جيل لا يؤمن بغير العنف، رافضا السلام، ومؤمنا بصراع الحضارات لا بحوارها».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».