ماكرون لعبد المهدي: استقرار العراق أساسي لاستقرار المنطقة

باريس وبغداد بلورتا خريطة طريق لشراكة استراتيجية

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
TT

ماكرون لعبد المهدي: استقرار العراق أساسي لاستقرار المنطقة

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون مستقبلاً رئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي في قصر الإليزيه أمس (أ.ف.ب)

كثير من الترحيب ودفق العواطف المتبادلة، ظلل زيارة اليومين لرئيس الوزراء العراقي عادل عبد المهدي إلى فرنسا، التي أقام فيها طالباً ولاجئاً سياسياً لما يزيد على عشرين عاماً، والتي يتقن لغتها ويعيش فيها جزء من عائلته. وبدت الحفاوة بوضوح في اللقاء الذي جمعه بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه؛ حيث أغدق ماكرون كثيراً من الثناء على ثاني أكبر مسؤول عراقي يزور باريس في الأشهر الأخيرة، بعد زيارة الرئيس العراقي برهم صالح للعاصمة الفرنسية أواخر فبراير (شباط).
وحفلت إقامة عبد المهدي القصيرة نسبياً بلقاءات رئيسية؛ إذ إنه بالإضافة إلى الاجتماع المطول ومائدة الغداء مع الوفد الكبير المرافق له ظهر أمس مع ماكرون، التقى وزيرة الدفاع فلورانس بارلي، ووزير الخارجية جان إيف لودريان، ووزير الاقتصاد برونو لومير، وأيضاً وفداً من كبار رؤساء الشركات الفرنسية المهتمة بالسوق العراقية.
وفي كل مناسبة، لم يفتأ عبد المهدي يرحب بالشركات الفرنسية، ويركز على الفرص الاستثمارية في كثير من القطاعات (النفط، والنقل، والكهرباء، والاتصالات، والبنى التحتية)، ويعبر عن رغبته في أن تساهم في تطوير الاقتصاد العراقي، الذي يحتاج لاستثمارات أجنبية ولكثير من الأموال في عملية إعادة الإعمار.
وأول ما أسفرت عنه الزيارة توقيع خريطة طريق لشراكة استراتيجية، وصفها عبد المهدي بأنها تتضمن «المبادئ العامة» التي يتمنى الطرفان أن تكون أساساً لعلاقاتهما المستقبلية.
وفي حديثهما إلى الصحافة قبل اجتماعهما، عرض ماكرون «أولويات» بلاده في العراق التي أجملها في ثلاث: مواصلة الحرب على الإرهاب «لأن هذه المعركة لم تنته»، وإعادة إعمار العراق، وأخيراً دعم الأجندة الإقليمية التي يسير العراق على هديها من أجل استقرار المنطقة. ومنطلق ذلك كله، وفق ماكرون، وقوف باريس «إلى جانب عراق موحد، فيدرالي وديمقراطي».
وتشكل «خريطة الطريق» للشراكة الاستراتيجية التي وقع عليها مساء أول من أمس في وزارة الخارجية، الأساس الذي ستنهض عليه علاقات البلدين المتجددة.
وفي ملف الإرهاب، وعد ماكرون بأن تبقى بلاده «شريكاً» للعراق من أجل تعزيز إمكانياته في المعركة ضد الإرهاب التي «لم تنته» وتمكينه من حماية حدوده، وضم أعداد من أفراد الميليشيات إلى قواته الأمنية، وهي المهمة التي وصفها ماكرون بـ«التحدي الكبير».
وفي ملف إعادة الإعمار، وعد ماكرون بتعبئة إمكانات بلاده «السياسية والمالية» وتوفير إمكانات إضافية للوكالة الفرنسية للتنمية، التي ستكون القناة التي تمر عبرها المساعدات المختلفة.
وضمن الرئيس الفرنسي كلمته «رسالة» مفادها أن باريس سوف «تحرص» على أن تتمكن كافة المكونات، خصوصاً تلك التي أصابها الاضطهاد الديني والعرقي من «استعادة موقعها» في العراق الجديد.
كذلك يريد ماكرون أن تستفيد الشركات الفرنسية مما هو متوفر في «أرض الفرص» التي هي أرض العراق، في قطاعات النقل والطاقة والزراعة والبنى التحتية الحضرية، مشيراً إلى أن الحكومة وفرت مليار يورو للسير في هذه المشروعات.
وأشار الرئيس الفرنسي إلى ما قامت به بلاده في الموصل، لجهة إعادة تأهيل جامعتها، ومشاركتها في إعادة إحياء التراث الحضاري المعماري في الموصل.
أما الأولوية الفرنسية الثالثة، فتتمثل في «الأجندة الإقليمية» لباريس، وأحد مكوناتها المساهمة في توفير الاستقرار للعراق الذي يعد «فاصلاً» من أجل استقرار المنطقة. وقال ماكرون إن باريس «تشاطر العراق سياسة التوازن، والسعي لتهدئة التوترات الإقليمية»، وهي تسعى لرؤى مشتركة ومبادرات من أجل الاستقرار فيها.
وتضمنت كلمة ماكرون تلميحات واضحة لوضع العراق، وسعيه من أجل التزام «سياسة متوازنة» تحظى بدعم فرنسي واضح. ونوه ماكرون بـ«الحوار» الذي أقامه عبد المهدي مع دول الجوار، وبعروض الوساطة التي قدمها من أجل خفض التصعيد في المنطقة، في إشارة إلى زياراته إلى المملكة السعودية ومصر والأردن وإيران. وفي هذا السياق، ذكّر عبد المهدي بالمؤتمر البرلماني الذي استضافته بغداد مؤخراً، وضم بعثات من السعودية والأردن ومصر وإيران وتركيا، معتبراً أنه ليست هناك عاصمة أخرى قادرة على القيام بما فعلته بغداد التي تلعب دور الوسيط.
واطلعت «الشرق الأوسط» على خريطة الطريق الاستراتيجية التي تضم خمسة محاور رئيسية، هي تباعاً: تحديد هيكلية الحوار السياسي وأشكاله، والنهوض بالتعاون العسكري والأمني وتكييفه وفق الحاجات، وإقامة الشراكات الاقتصادية، وتوسيع التعاون التعليمي والجامعي واللغوي، وأخيراً مواكبة التبادل الثقافي والحوار بين المجتمعين المدنيين.
ورغم أهمية ما جاءت به الخريطة، فإن مسائل رئيسية بقيت في الظل، مثل كيفية تعامل العراق مع المتطرفين، ومنهم الفرنسيون، سواء المعتقلون في السجون العراقية أو أولئك الذين ينقلون إليها من سوريا، وتحديداً من «قوات سوريا الديمقراطية»، والمقابل الذي ستحصل عليه بغداد. وحتى اليوم، المعلوم أن 14 متطرفاً فرنسياً نقلوا إلى السجون العراقية، ولكن هناك عشرات معتقلون لدى الأكراد، ولا تريد باريس إعادتهم إلى أراضيها، وهي تتعامل مع القاصرين، كل حالة على حدة.
وأفادت مصادر فرنسية رسمية، في موضوع التسليح، بأن باريس لن تتنازل عن مجموعة المدفعية المتقدمة المسماة «القيصر» التي نشرتها شمال العراق، للمساعدة في محاربة «داعش»، والسبب في ذلك معارضة الولايات المتحدة الأميركية، التي تريد أن تبقي هيمنتها على التسلح العراقي. وفي المقابل، فإن باريس يمكن أن تبيع من شركة «ألستوم» الأجهزة الخاصة بالرقابة على الحدود، وأن تستمر في المساهمة في تدريب وحدات عسكرية وأمنية عراقية.
أما في موضع المتطرفين، فقد رأت هذه المصادر أن العراق سيحصل بالطبع على مقابل؛ لكنه لم يحدد بعد ما يريده، ليس من فرنسا وحدها؛ بل من كافة الدول التي سيقوم بالاحتفاظ بجهادييها من أجل محاكمتهم أمام محاكمه.
وفي كلمته، رد عبد المهدي التحية لماكرون بأجمل منها، مشيداً بديناميته وشبابه وبـ«دفء العلاقة الشخصية، والرغبة في العمل المشترك». وشدد على الحاجة لاستمرار التعاون الدولي في ملف محاربة الإرهاب، معتبراً أن أي «ثغرة فيه» ستفيد «داعش»، وستوفر له الفرصة للعودة إلى الساحة.
ونوه عبد المهدي بتحسن الوضع في العراق، الذي تسوده اليوم «حالة من السلم والأمن»، رغم وقوع «بعض الحوادث الأمنية المعزولة» وهو ما رآه «أمراً طبيعياً» بسبب وجود الخلايا النائمة واحتلال «داعش» لسنوات ثلث العراق.
وأشاد عبد المهدي بالعلاقات مع أربيل (الأكراد) التي هي «في أحسن حال» حيث تم احتواء الخلافات في إطار الحوار، بما في ذلك الملف النفطي. وتوقف عند مبادراته الخارجية، وتحديداً زياراته لدول الجوار التي يريد منها أن يعود العراق «عنصر استقرار» في المنطقة؛ لا بل «دار السلام والحكمة» كما كانت تسمى بغداد سابقاً.
وعلى الصعيد الثنائي، أشار عبد المهدي إلى التوافق مع وزيرة الدفاع الفرنسية على «رفع مستوى العلاقات الدفاعية» مع فرنسا، دون إعطاء التفاصيل. وتجدر الإشارة إلى أن عبد المهدي ما زال يمسك بملف وزارة الدفاع؛ حيث لم يعين حتى اليوم وزير دفاع أصيلاً، رغم مرور ستة أشهر على تشكيل حكومته. وفي هذا السياق، أشارت مصادر فرنسية إلى أن باريس «غير منزعجة» من هذا الوضع، ومن عدم وجود وزير داخلية؛ لأن ذلك يبقي هاتين الحقيبتين الأساسيتين في أيدي عبد المهدي، المنفتح على الحوار والساعي لمواقف متوازنة بين إيران من جهة والولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.
وحتى اليوم، لم يقم رئيس الوزراء بزيارة واشنطن. وكانت العلاقات المثلثة العراقية - الأميركية - الإيرانية موضع بحث أمس مع الوفد العراقي؛ خصوصاً أن واشنطن تمارس ضغوطاً على بغداد لحملها على السير في حملة المقاطعة والعقوبات التي تقودها ضد طهران، والتي تزعج كثيراً الجانب العراقي. من هنا تأتي حاجة عبد المهدي للدعم السياسي الذي تستطيع باريس أن توفر له بعضاً منه.



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».