مع اتساع رقعة الاقتتال في ليبيا منذ إسقاط نظام معمر القذافي، قبل نحو ثمانية أعوام، يجد الصحافيون أنفسهم في مرمى الاستهداف بالنيران، أو التحريض عليهم من «طرفي الحرب»، وهو ما دفع منظمة «مراسلون بلا حدود» إلى اعتبار ممارسة هذه المهنة في ليبيا «مهمة شبه مستحيلة».
وتزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، الذي حل أمس تحت شعار «الإعلام من أجل الديمقراطية»، أبلغت فضائية «ليبيا الأحرار» عن انقطاع الاتصال باثنين من مراسليها، هما الصحافي محمد القرج، والمصور محمد الشيباني، وذلك خلال تغطيتهما للاشتباكات في جنوب طرابلس، بين «الجيش الوطني» والقوات الموالية لحكومة «الوفاق».
وأبدت القناة الموالية للمجلس الرئاسي، في بيان أمس، «بالغ قلقها» لاختفاء مراسليها منذ عصر أول من أمس، أثناء تأدية واجبهما المهني في تغطية الحرب، وقالت إن «المعلومات الأولية لديها تشير إلى أن قوات (عملية الكرامة) احتجزتهما، واقتادتهما إلى مكان مجهول، ثم انقطعت أخبارهما»، مطالبة الجهات التي تحتجزهما بالكشف عن مصيرهما وإطلاق سراحهما فوراً، وذكّرت بأن حجز واعتقال وتغييب الصحافيين «جريمة يعاقب عليها القانون الليبي والدولي».
في سياق ذلك، يرى إعلاميون ليبيون أن الحروب المتتالية، التي تعيشها البلاد، تجعل الصحافيين محل استهداف، إما بسبب انتماءاتهم السياسية، أو لمنعهم من كشف الحقائق على جبهات الاقتتال، حيث قضي 20 صحافياً ليبياً على الأقل منذ ثورة 17 فبراير (شباط) عام 2011.
ويقول صالح علي، الذي يعمل في مجال الإعلام، «من يمارس العمل الصحافي في ليبيا معرض في كل ثانية للخطف والقتل والابتزاز، في ظل غياب تام لحرية الإعلام أو احترام المواثيق الدولية»، مضيفاً أن «الحرب التي تشنها قوات الجيش ضد ما يعرف بالميليشيات المسلحة في طرابلس، بالإضافة إلى غياب الأمن على الطرق الرابطة بين مدن سبها والجفرة ومرزق بالجنوب، صعّب من مهمة الصحافيين والطواقم الإعلامية، وعرضهم للخطر».
وفي الأيام الأولى للحرب الدائرة في محيط العاصمة، سارع مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، بوصف الصحافيين والإعلاميين العاملين في قنوات موالية لـ«الجيش الوطني»، بأنهم «كتائب مستأجرة، وأذرع للانقلاب»، وهو ما اعتبره البعض «تعريضاً لحياة عشرات الصحافيين للاستهداف».
واشتكت فضائية «218» الإخبارية من تعرض مراسليها «أكثر من مرة لاعتداءات جسيمة، من قبل أطراف مختلفة تملك السلطة والقوة في أكثر من مدينة وقرية ليبية».
وطالبت اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في ليبيا، أمس، مكتب النائب العام، بفتح تحقيقات شاملة في «الجرائم المرتكبة ضد الصحافيين والإعلاميين، ومحاسبة الجناة، وعدم إفلاتهم من العقاب»، مبرزة أنه «في الوقت الذي يحتفل العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة، يتعرض الصحافيون الليبيون هذا العام للخطف والاعتقال، والإخفاء قسراً من قبل الجماعات والتشكيلات المسلحة بعموم البلاد... والكثير من الجرائم التي ترتكبها تلك الأطراف تقيد ضد مجهول، نظراً لعدم قدرة الأجهزة الأمنية على التصدي لسطوتها، وبالتالي تفلت من العقاب».
ودعت اللجنة الوطنية «السلطات الأمنية والعسكرية في عموم البلاد إلى ضرورة الالتزام بالقوانين والأعراف والمواثيق الدولية، الضامنة لحرية الصحافة والإعلام، ووقف الانتهاكات والسياسات التي تستهدف تكميم الأفواه». كما طالبت «وسائل الإعلام بالكف عن خطاب الكراهية والتحريض على العنف، وعدم الانجرار والتورط في التحشيد والتجييش الإعلامي».
في هذا السياق، أوضح الإعلامي الليبي صالح علي، أن «احتمالات الخطر تقترب أكثر من الصحافي داخل جبهات القتال، إذا لم يكن يحمل شارة تدل على الجهة، التي يعمل لحسابها»، أو «في حالة وقوعه في قبضة من يختلف مع توجهاته، أو ممن لديهم توجهات قبلية أو حزبية».
وأدان الاتحاد الدولي للصحافيين مقتل الصحافي الليبي موسى عبد الكريم، في الثالث من أغسطس (آب) الماضي، والذي كان يعمل في صحيفة «فسانيا»، قبل أن يتم اختطافه من قبل عصابات إجرامية في 31 يوليو (تموز) الماضي، وقد عثر على جثته لاحقاً، وبها 13 رصاصة، وعلامات تعذيب واضحة. وقد قال أنتوني بيلانجي، أمين عام الاتحاد الدولي للصحافيين حينها، «مرة أخرى يتم استهداف صحافيين يقدمون خدمة عامة... يجب على السلطات التحرك بسرعة وفعالية لتقديم قاتليه إلى العدالة».
صحافيو ليبيا ضحايا التحريض والخطف والاغتيالات
اختفاء مراسلين في اشتباكات طرابلس تزامناً مع الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة
صحافيو ليبيا ضحايا التحريض والخطف والاغتيالات
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة