بعد ترقب طويل.. الجيش الباكستاني يتدخل لحل الخلاف بين الحكومة والمعارضة

اتهام العسكر بتنظيم الاحتجاجات لتكون وسيلة لإضعاف رئيس الوزراء

بعد ترقب طويل.. الجيش الباكستاني يتدخل لحل الخلاف بين الحكومة والمعارضة
TT

بعد ترقب طويل.. الجيش الباكستاني يتدخل لحل الخلاف بين الحكومة والمعارضة

بعد ترقب طويل.. الجيش الباكستاني يتدخل لحل الخلاف بين الحكومة والمعارضة

بعد ترقب طويل تدخل الجيش الباكستاني القوي، أول من أمس، للتوسط بين رئيس الوزراء نواز شريف والمعارضة التي تقود حملة احتجاجات للإطاحة به، مخففا بذلك الضغط على رئيس الوزراء المحاصر، ولكن هذا التدخل أثار في الوقت نفسه تساؤلات حول سلطته في المستقبل، ووصفه البعض بأنه «انقلاب ناعم» في بلد كان يحكمه الجنرالات لنحو نصف تاريخه، حسب بعض السياسيين.
وكان عشرات الآلاف من المتظاهرين بقيادة نجم الكريكيت السابق عمران خان ورجل الدين الباكستاني الكندي طاهر القادري، قد قاموا بنصب الخيام خارج البرلمان في العاصمة إسلام آباد مطالبين شريف بالاستقالة. وقال زعيما الاحتجاج، اللذان دعوَا في وقت سابق إلى إيقاف المحادثات مع الحكومة، إنهما سيستأنفان الحوار بعد أن عرض الجنرال رحيل شريف، قائد الجيش، التوسط لإنهاء الأزمة.
وقال القادري أمام نحو 15000 من مؤيديه: «سنتفاوض بناء على تأكيدات من رئيس أركان الجيش الذي عرض التوسط في الأزمة، وقد طلب منا قائد الجيش منحه 24 ساعة لحل الأزمة.. وسيضع الجيش حزمة من مطالبنا وسيضمن تنفيذها». كما أكد خان في وقت لاحق أن الجيش عرض التوسط في محادثات مع الحكومة.
ومن جهته، قال متحدث عسكري إن زعيمي الاحتجاج سيعقدان اجتماعا مع الجنرال شريف، الذي التقى رئيس الوزراء في وقت سابق أول من أمس.
وتشهد باكستان تجمعات حاشدة منذ أكثر من أسبوعين، مع اعتصام الآلاف من أنصار عمران خان وطاهر القادري أمام مقر البرلمان، مطالبين رئيس الوزراء نواز شريف بالاستقالة. وقد أخفقت المحاولات الرامية لإنهاء الأزمة من خلال المحادثات، ما دفع الجميع إلى طريق مسدود، في وقت احتشد فيه الآلاف من النشطاء الذين أوشك صبرهم على النفاد، مسلحين بالعصي في قلب إسلام آباد رغم الحر اللافح.
واتهم بعض المسؤولين في إدارة شريف الجيش بتنظيم الاحتجاجات لتكون وسيلة لإضعاف رئيس الوزراء، في حين يعتقد الكثيرون أن مصير الحركة المناهضة للحكومة يصب في نهاية المطاف بيد الجيش.
من جهته، نفى رئيس الوزراء الباكستاني نواز شريف أن تكون حكومته قد طالبت، أو يكون الجيش قد طلب القيام بدور الوسيط للمساعدة على حل الأزمة السياسية التي تعانيها البلاد حاليا.
وقال رئيس الوزراء متحدثا في قاعة المجلس الوطني، أمس، إن وزير الداخلية شودري نزار تلقى في حضوره مكالمة هاتفية تتعلق برغبة عمران خان وطاهر القادري في مقابلة قائد الجيش رحيل شريف، حسبما ذكرت قناة «جيو تي في» الإخبارية الباكستانية. وأبلغ شريف البرلمانيين أنه قال: «إذا أراد خان وقادري لقاء قائد الجيش فإن عليه تلبية طلبهم». وأضاف: «حتى لو لم ألتق قائد الجيش فإنه لا يزال سيلعب دورا». وتابع رئيس الوزراء: «إن الجيش قال له قبيل بضعة أيام إن حماية منشآت الدولة مسؤوليته».
وأعلنت الحكومة الباكستانية أمس أن المعارضين القادري وخان هما اللذان طلبا وساطة الجيش في النزاع لأنهما لا يثقان في أي مؤسسة أخرى لحل الأزمة. كما قال وزير الداخلية شودري نزار: «لم يبق لنا أي خيار سوى إشراك الجيش في المفاوضات».
لكن في هذا البلد الذي شهد تاريخه ثلاثة انقلابات عسكرية منذ استقلاله في 1947، تضع هذه الوساطة الجيش في قلب اللعبة السياسية، ويبدو وكأن هذه الخطوة تضعف سلطة رئيس الوزراء نواز شريف، حسب بعض المحللين السياسيين.



إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
TT

إندونيسيون ضحايا «عبودية حديثة» بعد وقوعهم في فخ شبكات جرائم إلكترونية

صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)
صورة عامة للعاصمة جاكرتا (أرشيفية - رويترز)

كان بودي، وهو بائع فاكهة إندونيسي، يبحث عن مستقبل أفضل عندما استجاب لعرض عمل في مجال تكنولوجيا المعلومات في كمبوديا، لكنّه وجد نفسه في النهاية أسير شبكة إجرامية تقوم بعمليات احتيال رابحة عبر الإنترنت.

يقول الشاب البالغ 26 عاماً لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، مفضلاً عدم ذكر كنيته: «عندما وصلت إلى كمبوديا، طُلب مني أن أقرأ سيناريو، لكن في الواقع كنت أعد لعمليات احتيال».

داخل مبنى محاط بأسلاك شائكة وتحت مراقبة حراس مسلّحين، كانت أيام بودي طويلة جداً، إذ كان يقضي 14 ساعة متواصلة خلف شاشة، تتخللها تهديدات وأرق ليلي.

وبعد ستة أسابيع، لم يحصل سوى على 390 دولاراً، بينما كان وُعد براتب يبلغ 800 دولار.

وفي السنوات الأخيرة، اجتذب آلاف الإندونيسيين بعروض عمل مغرية في بلدان مختلفة بجنوب شرقي آسيا، ليقعوا في نهاية المطاف في فخ شبكات متخصصة في عمليات الاحتيال عبر الإنترنت.

أُنقذ عدد كبير منهم وأُعيدوا إلى وطنهم، لكنّ العشرات لا يزالون يعانون في مصانع الاحتيال السيبراني، ويُجبرون على البحث في مواقع وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقاتها عن ضحايا.

تروي ناندا، وهي عاملة في كشك للأطعمة، كيف سافر زوجها إلى تايلاند في منتصف عام 2022 بعد إفلاس صاحب عمله، وانتهز فرصة كسب 20 مليون روبية (1255 دولاراً) شهرياً في وظيفة بمجال تكنولوجيا المعلومات نصحه بها أحد الأصدقاء.

لكن عندما وصل إلى بانكوك، اصطحبه ماليزي عبر الحدود إلى بورما المجاورة، مع خمسة آخرين، باتجاه بلدة هبا لو، حيث أُجبر على العمل أكثر من 15 ساعة يومياً، تحت التهديد بالضرب إذا نام على لوحة المفاتيح.

وتضيف المرأة البالغة 46 عاماً: «لقد تعرض للصعق بالكهرباء والضرب، لكنه لم يخبرني بالتفاصيل، حتى لا أفكر بالأمر كثيراً».

ثم تم «بيع» زوجها ونقله إلى موقع آخر، لكنه تمكن من نقل بعض المعلومات بشأن ظروفه إلى زوجته، خلال الدقائق المعدودة التي يُسمح له فيها باستخدام جواله، فيما يصادره منه مشغلوه طوال الوقت المتبقي.

غالباً ما تكون عمليات التواصل النادرة، وأحياناً بكلمات مشفرة، الأدلة الوحيدة التي تساعد مجموعات الناشطين والسلطات على تحديد المواقع قبل إطلاق عمليات الإنقاذ.

«أمر غير إنساني على الإطلاق»

بين عام 2020 وسبتمبر (أيلول) 2024 أعادت جاكرتا أكثر من 4700 إندونيسي أُجبروا على إجراء عمليات احتيال عبر الإنترنت من ثماني دول، بينها كمبوديا وبورما ولاوس وفيتنام، بحسب بيانات وزارة الخارجية.

لكن أكثر من 90 إندونيسياً ما زالوا أسرى لدى هذه الشبكات في منطقة مياوادي في بورما، على ما يقول مدير حماية المواطنين في وزارة الخارجية جودها نوغراها، مشيراً إلى أنّ هذا العدد قد يكون أعلى.

وتؤكد إندونيسية لا يزال زوجها عالقاً في بورما أنها توسلت إلى السلطات للمساعدة، لكنّ النتيجة لم تكن فعّالة.

وتقول المرأة البالغة 40 عاماً، التي طلبت إبقاء هويتها طي الكتمان: «إنه أمر غير إنساني على الإطلاق... العمل لمدة 16 إلى 20 ساعة يومياً من دون أجر... والخضوع بشكل متواصل للترهيب والعقوبات».

ويقول جودا: «ثمة ظروف عدة... من شأنها التأثير على سرعة معالجة الملفات»، مشيراً خصوصاً إلى شبكات مياوادي في بورما، حيث يدور نزاع في المنطقة يزيد من صعوبة عمليات الإنقاذ والإعادة إلى الوطن.

ولم تتمكن الوكالة من التواصل مع المجلس العسكري البورمي أو المتحدث باسم جيش كارين الوطني، وهي ميليشيا تسيطر على المنطقة المحيطة بهبا لو، بالقرب من مياوادي.

وتشير كمبوديا من جانبها إلى أنها ملتزمة باتخاذ إجراءات ضد هؤلاء المحتالين، لكنها تحض أيضاً إندونيسيا والدول الأخرى على إطلاق حملات توعية بشأن هذه المخاطر.

وتقول تشو بون إنغ، نائبة رئيس اللجنة الوطنية الكمبودية للتنمية، في حديث إلى الوكالة: «لا تنتظروا حتى وقوع مشكلة لتوجيه أصابع الاتهام إلى هذا البلد أو ذاك. هذا ليس بحلّ على الإطلاق».

وتضيف: «لن نسمح بانتشار مواقع الجرائم الإلكترونية هذه»، عادّة أن التعاون الدولي ضروري لوقف هذه المجموعات، لأنّ «المجرمين ليسوا جاهلين: ينتقلون من مكان إلى آخر بعد ارتكاب أنشطتهم الإجرامية».

«جحيم»

تقول هانيندا كريستي، العضو في منظمة «بيراندا ميغران» غير الحكومية التي تتلقى باستمرار اتصالات استغاثة من إندونيسيين عالقين في فخ هذه الشبكات: «الأمر أشبه بعبودية حديثة».

وتمكّن بودي من الفرار بعد نقله إلى موقع آخر في بلدة بويبيت الحدودية الكمبودية.

لكنه لا يزال يذكر عمليات الاحتيال التي أُجبر على ارتكابه. ويقول: «سيظل الشعور بالذنب يطاردني طوال حياتي».