أحمد شمس الدين، البالغ من العمر 26 عاماً، والشهير بثائر الليل، لم يبارح ساحة الاعتصام بمحيط القيادة العامة للجيش السوداني بالخرطوم، منذ مجيئه للمكان في السادس من أبريل (نيسان).
أحمد والمئات من أقرانه ورفاقه، ظلوا يرابطون لأيام ليل نهار، يأخذون قسطا من الراحة نهاراً، استعداداً لمهمة ليلية شاقة، تتمثل في «حراسة» الثوار والساحة طوال الليل حتى مطلع الشمس، حتى أُطلق عليهم من قبل المعتصمين اسم «ثوار الليل».
ساحة الاعتصام، تحولت إلى ما يشبه ميادين القتال في المعارك العسكرية، وأقام الثوار المتاريس والحواجز العالية، على طول المداخل والشوارع المؤدية إلى ساحة الاعتصام، تحسباً لأي اختراق من عناصر الأمن أو دخول أسلحة إلى الساحة.
عند كل حاجز يقوم مجموعة من الشباب بتفتيش دقيق للداخلين، ويمنعون دخول الآلات الحادة وكل ما يعرض حياة المعتصمين للخطر، بما في ذلك «الأقلام والمرايات» وحين تحتج يقولون «القلم قد يفقأ العين»، وأن المرآة قد تتحول لسلاح قاتل.
ساحات الاعتصام شهدت، فجري السادس والسابع من أبريل (نيسان)، عمليات هجوم نفذتها قوات الأمن، الهدف منها فض الاعتصام، لكن المعتصمين تصدوا لها. وكادت تحدث مجزرة، لولا تدخل قوات الجيش لحماية المعتصمين؛ وتبادل إطلاق الرصاص الحي مع قوات الأمن؛ وسقط خلال الاشتباكات سبعة قتلى من المحتجين وجنود الجيش وعشرات الجرحى.
يقول شمس الدين لـ«الشرق الأوسط»: «بدأنا في تنظيم صفوفنا بعد الهجومات المتكررة من قوات الأمن على الثوار، بالرصاص الحي والغاز المسيل للدموع لفض الاعتصام»، ويضيف: «قوات الأمن تختار أواخر الليل ومطلع الفجر، وهي من أصعب الأوقات التي تمر بنا، لأن أغلب الثوار يكون في حالة استرخاء، أو يغطون في نوم عميق، فتنتهز الفرصة لتقوم بمهاجمتنا، وتكون مهمتنا التصدي لأي محاولة من قوات الأمن، أو غيرها من الجماعات التي تستهدف فض الاعتصام».
ويتابع: «بدأنا تشكيل مجموعات من الثوار، من داخل الساحة لتكون مسؤولة عن حماية المعتصمين طوال الليل؛ وحتى النساء يشاركن في الحماية؛ هذه المجموعات تقوم بدوريات مستمرة وتفتيش لكل المتاريس والحواجز».
وبدوره يقول الطالب الجامعي قاسم أحمد، إن اللجنة المشرفة على الأمن في ساحة الاعتصام، وتتبع لتجمع المهنيين السودانيين؛ تقوم بتوزيع متطوعيها على الحواجز والمتاريس؛ وأثناء الليل تقوم بتفقد الأوضاع للتأكد من عدم وجود ثغرات في الحواجز.
ويضيف: «نظل ساهرين ولا يغمض لنا جفن طوال الليل، نقطع ساحة الاعتصام ذهابا ومجيئا حتى طلوع الشمس؛ وعندها تنتهي مهمتنا؛ لتبدأ الحياة طبيعية في ساحة الاعتصام».
ويشير أحمد إلى أن أغلب «ثوار الليل» من شباب الأحياء واللجان، فهم يعرفون بعضهم البعض جيداً؛ وكان هذا سبباً في التنظيم الكبير لمهمتهم وفي تأمين ساحة الاعتصام.
النساء أيضاً يشاركن في عملية تأمين المعتصمين؛ ويقمن بتفتيش حقائب النساء عند دخولهن إلى ساحة الاعتصام؛ كما تشارك المئات منهن في دوريات الليل، وتقول آلاء عبد الرحيم: «حراسة ساحة الاعتصام ليست حكراً على الشباب فقط»، وتتابع: «النساء يشاركن بذات القدر»؛ وتضيف: «في اليومين الأول والثاني، عندما هاجمت قوات الأمن المعتصمين؛ النساء كن في مقدمات الصفوف للتصدي له وتعرضن للضرب؛ كما نظل في حالة حركة مستمرة طوال الليل وترديد الشعارات الثورية حتى لا يتسلل النوم إلى المعتصمين».
ويقول أحمد إن أغلب ثوار الليل من الشباب أعمارهم لا تقل عن 20 عاما ولا تزيد عن 30؛ وهم أكثر حماسة ونشاطا؛ ودافعهم أكبر في الصمود وهم على استعداد للتضحية بأرواحهم من أجل حماية رفاقهم الثوار حتى تتحقق مطالب الشعب السوداني.
ولا تزال مخاوف الثوار من فض الاعتصام قائمة؛ لذلك هم يتحسبون لأي محاولة اختراق لساحة الاعتصام، من أنصار النظام السابق على حد تعبيرهم.
لحراس الليل هتافاتهم الخاصة التي تحث المواطنين على المبيت في أرض الاعتصام، فهم حين يخرج شخص من ميدان الاعتصام يهتفون له بالعامية السودانية بصوت حنين: «ما تمشوا تخلونا... بالليل بجازفونا»، وتعني أن أنصار النظام السابق سينتهزون قلة عددهم للاعتداء عليهم.
كما يستقبلون القادمين عند المداخل ولحظة التفتيش بهتاف: «إيدك فوق... والتفتيش بالذوق»، وهي هتافات ابتكرها الثوار على غرار هتاف الثورة السودانية الشهير «تسقط بس».
ويعود شمس الدين ليقول: نواصل في تكثيف إجراءات التفتيش عند الحواجز عند حلول المساء؛ حتى لا يتسلل منها ما يمكن أن يعرض حياتنا للخطر؛ المتاريس تحمينا من أي هجوم يمكن أن تشنه علينا أي جهة بالسيارات كما حدث في الأيام الأولى للاعتصام حيث استطاعت قوات الأمن اختراق المتاريس الصغيرة في الشوارع وضرب المعتصمين بالغاز المسيل للدموع.
يقول أحد أعضاء اللجنة الأمنية فضل حجب اسمه؛ نعتمد كثيراً على ثوار الليل في حماية المعتصمين وساحة الاعتصام؛ وهم بالنسبة لنا فرقة الاستطلاع الأولى لتنبيه المعتصمين داخل الساحة من أي محاولات لفض الاعتصام.
ويضيف ثوار الليل يقومون بدوريات طوال الليل عند الحواجز وداخل ساحة الاعتصام؛ كما يوفرون الحماية للنساء في الأماكن التي ينامون فيها؛ أن وجودهم كان مهما جداً لاستمرار الاعتصام. ويختم عضو اللجنة قائلاً: هذه الإجراءات التأمينية ستظل مستمرة لسلامة المعتصمين حتى تتحقق كل مطالب الثوار.
«ثوار الليل»... جيش شعبي من المعتصمين لحماية الثورة
يحرسون رفاقهم ويؤمنون المتاريس تحسباً لأي اختراق من عناصر الأمن
«ثوار الليل»... جيش شعبي من المعتصمين لحماية الثورة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة