أهالي الرقة يربطون النهار بالليل لإعمار «عروسة الفرات»

مسؤولون محليون ينقلون عن التحالف الدولي تأكيده على أهمية الحل السياسي في سوريا

رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن يزور مقبرة جماعية في مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن يزور مقبرة جماعية في مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
TT

أهالي الرقة يربطون النهار بالليل لإعمار «عروسة الفرات»

رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن يزور مقبرة جماعية في مدينة الرقة (الشرق الأوسط)
رئيس لجنة الإعمار إبراهيم الحسن يزور مقبرة جماعية في مدينة الرقة (الشرق الأوسط)

بين شوارع مدينة الرقة وأسواقها الشعبية، يتكرر المشهد ذاته: جبال من الركام وأكوام الأنقاض، وعمال ورش يجبلون الإسمنت مع الباطون، ويرحلون ما يزيد. وآليات «فريق الاستجابة الأولية» تنظف شارعاً تلو الآخر، يربطون الليل بالنهار لإعادة مدينتهم كما كانت عليه قبل 2013 (عروسة الفرات)؛ والفريق يتبع «لجنة إعادة الإعمار» التي يترأسها المحامي المعارض السياسي إبراهيم الحسن.
الحسن تركماني الأصل، من مواليد 1954، بقرية حمام التركمان التابعة لبلدة تل أبيض بريف الرقة الشمالي، تخرج في كلية الحقوق بجامعة حلب سنة 1990. وفي ثمانينات القرن الماضي، اعتقل شهراً، على خلفية نشاطه السياسي المعارض، وكان أشقاؤه الذين يكبرونه سناً يعملون بالحزب الشيوعي (المكتب السياسي - جناح رياض الترك).
ومع بداية الحراك المناهض في سوريا ربيع 2011، انخرط في صفوفه، وعمل محامياً للدفاع عن المعتقلين السياسيين الذين كانت تعتقلهم أجهزة المخابرات السورية على خلفية المظاهرات. واستمر عمله حتى خرجت محافظة مدينته عن سيطرة النظام الحاكم في شهر مارس (آذار) 2013، ثم تأسس مجلس محافظة الرقة، وكان من بين أعضائه. وبعد سيطرة تنظيم «داعش» على كامل المدينة في يناير (كانون الثاني) 2014، فر إلى تركيا. وبعد طرد التنظيم من بلدة تل أبيض منتصف 2015، عاد إلى سوريا، وكان من بين المؤسسين لـ«مجلس الرقة المدني»، المدعوم من التحالف الدولي، بقيادة أميركية.
وقد تعرض لمحاولة اغتيال في فبراير (شباط) 2018، وهو يروي تلك التفاصيل وكأنها حدثت قبل قليل: هاجمته مجموعة مسلحة مجهولة، وأطلقوا عليه الرصاص في منزله، لتستقر 6 طلقات في جسده، فأسعف إلى المشفى، وبعد عملية جراحية استمرت ساعتين، أخرج الأطباء 3 رصاصات، لكن بقيت 3 رصاصات في جسمه، أسعف على إثرها إلى إحدى المشافي التخصصية في إقليم كردستان العراق، لكن الأطباء عجزوا عن إخراج باقي الرصاصات؛ إحداها استقرت في الفقرة الـ11 من عموده الفقري، وتسببت بعجزه. ووقتذاك، بقي في الإقليم نحو شهرين، ثم عاد إلى سوريا ومكث في المنزل قرابة أسبوعين، وقرر العودة إلى عمله، ومتابعة قضايا «لجنة إعادة الإعمار» التي يترأسها حتى تاريخه.
وفي بداية حديثه لـ«الشرق الأوسط»، من مكتبه بمقر المجلس في مدينة الرقة، روى كيف أنّ اللجنة وفرق إزالة الألغام تمكنت من تنظيف الرقة من الألغام والمتفجرات التي زرعها تنظيم «داعش» بشكل شبه كامل، وقال: «لا أستبعد وجود لغم أرضي هنا أو هناك في منطقة مدمرة لم ينفجر بعد». وبعد عام ونصف العام من تحرير الرقة من قبضة التنظيم، تمكنت «لجنة إعادة الإعمار» من فتح جميع الطرق الرئيسية والفرعية داخل المدينة. ويضيف الحسن: «خلال هذه المدة، رحلت اللجنة نصف مليون متر مكعب من الأنقاض، وأعمال تنظيف الشوارع لا تزال جارية حتى اليوم». ويعزو السبب إلى أن أصحاب المنازل والعقارات والمحال التجارية عندما يعودون، يقومون بتنظيف ممتلكاتهم، ويرمون المخلفات على جانبي الطرقات، متابعاً: «ونحن كلجنة إعمار نقوم بترحيلها، لذلك ستستمر عمليات الإعمار حتى بقاء منزل أو متجر واحد مدمر».
وكشف أنّ اللجنة استثمرت الأنقاض والركام المرحلة من شوارع المدينة، وقال: «جزء منها ذهب لبناء جسور الرقة، من بينها جسر السمرة والصوامع والفروسية والجسر القديم، وطمر قسم من نهر الفرات تحت الجسر القديم، وعزل لإتمام عمليات بنائه»، بالإضافة إلى طمر الحفر والطرقات الترابية، وإصلاح مجرى نهر البليخ، وعزل مجرى قناة ري طاوي رمان.
وشدد الحسن على تعرض البنية التحتية في الرقة لدمار شبه كلي، لا سيما شبكة الصرف الصحي والمياه كونهما تحت الأرض، وشبكة الكهرباء تضررت أكثر لأنها خارجية. وخلال النصف الثاني من العام الماضي، ركزت اللجنة عملها على شبكة المياه والصرف الصحي، وصرفت مبلغ 800 ألف دولار من صندوق دعم الاستقرار الممول من الخارجية الأميركية والتحالف الدولي. وأضاف: «شبكة المياه كانت قديمة، عدا غياب مخططات المشاريع، حيث كانت أبرز التحديات والعقبات؛ اعتمدنا على مهندسين وعمال كانوا يعملون في هذه الدوائر، كانوا ولا يزالون بمثابة دليل لكل ما أنجز».
واليوم، تصل المياه إلى كل بيت في الرقة، وشبكة الصرف الصحي تخدم جميع منازل المدينة. ويتابع الحسن حديثه ليوضح أنّ التحالف لم يخصص موازنة مالية لإعادة تأهيل شبكة الكهرباء، وقال: «خلال اجتماعي مع مسؤولي التحالف، طرحنا هذه النقطة، وأعطونا وعداً بتخصيص موازنة مالية العام الجاري، وقدمنا دراسة لإصلاح الشبكة بقيمة 400 ألف دولار».
لكنه نوه بأن منظمة «المبادرة السريعة»، بالتعاون مع «لجنة إعادة الأعمار»، نفذت مشروع الخط السادس، وربط محطة بئر الهشم المائية وسد البعث لتغذية الأحياء الواقعة في أطراف الرقة. ويضيف الحسن: «في كل الاجتماعات مع التحالف، كنا نقول لهم: إلى متى تبقى الرقة في الظلام؟ الوضع الأمني تدهور، وانتشرت مجموعات السطو والسرقة بسبب غياب الكهرباء عن شوارع المدينة».
وذكر أن المنظمات المدنية المحلية في الرقة ساهمت في عمليات إعادة الأعمار، من خلال حملات التنظيف والترميم، وفتح المدارس، ودعم القطاع الزراعي في ريف الرقة، بالإضافة إلى العمل في برامج التأهيل النفسي والتربوي.
ويشكو من عدم اعتراف رسمي من الأمم المتحدة بمجلس الرقة المدني، أما دول التحالف الدولي فتمتنع عن المساعدة في عمليات إعادة الأعمار، والسبب: «غياب حل سياسي شامل». وفي نهاية حديثه، أكد المحامي إبراهيم الحسن أنه عندما قرر العودة إلى سوريا، كان يدرك أن هذا القرار لن يكون سهلاً، وأنه سيواجه تحديات وعقبات، وقال: «أتذكر حادثتي، وما تعرضت له، ولن أنساها طوال حياتي، لكن عندما أشاهد أحد أبناء الرقة وقد عاد إلى منزله، وراح يتابع حياته الطبيعية، حينذاك أتمسك بالعمل، وتكون همتي عالية».



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».